اضطرار اعدائه إلي الاعتراف بمناقبه و نشرها











اضطرار اعدائه إلي الاعتراف بمناقبه و نشرها



ومن آياتِه عليهِ السّلام وبيِّناتِه التّي انفردَ بها ممّن عداه، ظُهورُ مَناقبِه في الخاصّةِ والعامّةِ، وتَسخير الجمهورِ لنقلِ فضائلِه وما خصّه الله به من کرائمِه، وتسليم العدوِّ من ذلکَ بماُ[1] فيه الحجّةُ عليه، هذا معَ کثرةِ المنحرفينَ عنه والأعداءِ له، وتَوَفُّرِ أسبابِ دواعيهم إِلي کتمانِ فضلهِ وجَحْدِ حقِّه، وکونِ الدُّنيا في يدِ خًصومِه وانحرافِها عن أوليائه، وما اتّفقَ لأضدادِه من سُلطانِ الدُّنيا، وحَمْلِ الجمهورِ علي إِطفاءِ نورِه ودَحْضِ أمرِه، فخَرَقَ اللهُ العادةَ بنشرِفضائله، وظُهورِ مَناقبِه، وتسخيرِ الکلِّ للاعترافِ بذلکَ والإقرارِ بصحّتهِ، واندِحاضِ ما احتالَ به أعداؤه في کتمانِ مَناقبه وجَحْدِ حقوقِه، حتّي تمّتِ الحجّةُ له وظَهَرَ البرهانُ لحقِّه.

ولمّا کانتِ العادةُ جاريةً بخلافِ ما ذکرناه فيمنِ اتّفقَ له من أسباب خُمولِ أمرِه ما اتّفقَ لأميرِ المؤمنينَ عليهِ السّلامُ فانخرقتِ العادةُ فيه، دلّ ذلکَ علي بَينونتِه من الکافّةِ بباهرِ الآيةِ علي ما وصفناه.

وقد شاعَ الخبرُ واستفاضَ عنِ الشّعْبِيِّ أنّه کانَ يقولُ: لقد کنتُ أسمع خطَباءَ بني أُميّةَ يَسُبُّونَ أميرَ المؤمنينَ عليَّ بنَ أبي طالبٍ علي

[صفحه 310]

مَنابرِهم فکأنماُ[2] يُشال بضَبْعهِ إِلي السّماءِ، وکنتُ أسمعهُم يَمدحونَ أسلافَهم علي مَنابرِهم فکأنمّاُ[3] يَکشِفونَ عن جِيفةٍ ُ[4] .

وقالَ الوَليدُ بنُ عبدِ المَلِکِ لبنيه يوماً: يا بَنيَّ عليکم بالدِّينِ فإِنِّي لم أرَ الدِّينَ بني شيئاً فهَدَمَتْه الدُّنيا، ورأيتُ الدُّنَيا قد بَنَتْ بُنياناً هَدَمَهُ[5] الدِّينُ. ما زِلتُ أسمعُ أصحابَنا وأهلَنا يَسُبُونَ عليَّ بنَ أبي طالبِ ويَدفِنونَ فضائلَه، يحَمِلونَ النّاسَ علي شَنآنِه، فلا يَزيدُه ذلکَ منَ القَلوب إلاّ قُرباً، ويجَتهدونَ في تَقرييِهمُ[6] من نُفوسِ الختقِ فلايَزيدُهم ذلکَ إلاّ بُعداًُ[7] .

وفيما انتهي إِليه الأمرُ في دفنِ فضائلِ أميرِ المؤمنينَ عليهِ السّلامُ والحيلولةِ بينَ العلماءِ ونشرِها، ما لا شبهةَ فيه علي عاقلٍ، حتّي کانَ الرّجلُ اذا أرادَ أن يَرويَ عن أميرِ المؤمنينَ روايةً لم يَستطعْ أن يُضيفَها إِليه بذکرِ اسمِه ونَسَبِه، وتَدعوه الضّرورةُ إِلي أن يقولَ: حدَّثَني رجلٌ من أصحابِ رسولِ اللهِ صلّي اللّهُ عليهِ وآلهِ، أو يقولَ: حدَّثَني رجلٌ من قًريْشٍ، ومنهم من يقولُ: حدَّثَني أبوزينبَ.

وروي عِکْرِمَةُ عن عائشةَ- في حديثِها له بمرضِ رسولِ اللّهِ صلّي اللّهُ عليهِ والهِ ووفاتِه- فقالتْ في جملةِ ذلکَ: فخرجَ رسولُ اللّهِ صلّي الله عليهِ وآلهِ متوکَّئاً علي رجلَينِ من أهلِ بيتهِ، أحدُهما الفَضْلً بنُ

[صفحه 311]

العَبَّاسِ. فلما حَکَي عنها ذلکَ لعبدِاللّهِ بن عبّاسٍ رَحِمه اللّهُ قالَ له: أتعرف الرّجلَ الآخرَ؟ قال: لا، لم تسمًّهِ لي، قالَ: ذلکَ عليُّ بنُ أبي طالبٍ، وما کانتْ أُمُّنا تَذکرُه بخيرٍ وهي تَستطيعُُ[8] .

وکانتِ الوُلاةُ الجَوَرةُ تَضرب بالسِّياطِ من ذکره بخيرِ، بل تَضرب الرِّقابَ علي ذلکَ، وتَعترضُ النّاسَ بالبراءةِ منه؛والعادةَ جاريةٌ فيمنِ اتّفقَ له ذلکَ إلا يُذْکَرَ علي وجهٍ بخيرٍ، فضلاً عن أن ْتذکَرَله فضائلٌ أوتُروي له مَناقبٌ أو تُثْبَتَ له حجّةٌ بحقٍّ. وإذا کانَ ظهورُ فضائلِه عليهِ السّلامُ وانتشارُ مناقبِه علي ما قدَّمنا ذِکرهَ من شياع ذلکَ في الخاصّةِ والعامّةِ وتسخيرِ العدوِّ والوليِّ لنقلِه، ثَبتَ خرقُ العادِة فيه، وبانَ وجهُ البرهانِ في معناه، بالآيةِ الباهرةِ علي ما قدَّمناه.


صفحه 310، 311.








  1. في هامش «ش»: ما.
  2. في هامش «ش» و«م»: وکانّما.
  3. في هامش «ش» و«م»: وکانّما.
  4. نقله العلامة المجلسي في البحار 42: 18 ضمن حديث 6.
  5. في هامش «ش» فهدمه.
  6. کذا في الاصل، ولعل الانسب: تقربهمِ.
  7. نقله العلامة المجلسي في البحار 42: 18 ضمن حديث 6.
  8. اخرجه البخاري في صحيحه 6: 13، وباختلاف يسير في صحيح مسلم 1: 311 / 418. ونقله العلامة المجلسي في البحار 42: 18 ضمن حديث 6.