ما تميز به من شجاعة لا تقارن











ما تميز به من شجاعة لا تقارن



ومن ايات الله عزّ وجلّ الخارقةِ للعادةِ في أميرالمؤمنينَ عليهِ السّلامُ أنّه لم يُعْهَدْ لأَحدٍ من مبارزةِ الأقرانِ ومنازلةِ الأبطالِ، مثلُ ما عُرِفَ له عليهِ السّلام من کثرةِ ذلکَ علي مرِّ الزّمانِ؛ثمّ إنّه لم يوجدْ في مُمارسي الحروب إلاّ من عَرَتهُ[1] بشرٍّ ونِيلَ منه بجراحٍ أو شَينٍ إِلاّ أميرُالمؤمنينَ، فإنّه لمَ يَنَلْه معَ طولِ مدّةِ زمانِ حربه ُ[2] جراح من عدوٍّ ولا شينٌ، ولا وصلَ إِليه أحدٌ منهم بسوء، حتّي کانَ من أمرهِ معَ ابنِ مُلْجَمٍ لَعنَه اللّهُ علي اغتيالهِ إِيّاه ما کانَ، وهذهِ أُعجوبةٌ أفردَه الله تعالي بالآيةِ فيها، وخصّه بالعَلَمِ الباهرِ في معناها، فدلّ بذلکَ علي مکانهِ منه، وتخصُّصِه بکرامتهِ التّي بَانَ بفضلِها من کافّةِ الأنامِ.

[صفحه 308]

و من آياتِ الله تعالي فيهِ عليهِ السّلام أنّه لا يُذکَر مُمارِسٌ للحروب التي لقيَ فيها عدوّاً إلاّ وهو ظافرٌ به حيناً وغيرُ ظافرٍ به حيناً، ولا نالَ أحدٌ منهم خصمَه بجراح إِلاّ وقضي منها وقتاً وعوفي منها زماناً، ولم يُعهَدْ من لم يُفْلِتْ منه قِرْنٌ في الحرب، ولا نجا من ضربتِه أحدٌ فصَلَحَ منها إلاّ أميرُ المؤمنينَ عليهِ السّلامُ، فَإِنّه لا مِرْيةَ في ظَفَرِه بکلّ قِرْنٍ بارَزَه، وإهلاکِه کلّ بطلٍ نازَلَه، وهذا أيضاً ممّا انفردَ به عليهِ السّلام من کافّةِ الأنام، وخَرَقَ اللّهُ عزّ وجلّ به العادةَ في کلَ حين وزمانٍ، وهومن دلائلهِ الواضحَةِ عليهِ السّلامُ.

ومن اياتِ اللّهِ تعالي فيهِ أيضاً، أنّه معَ طولِ ملاقاتِه للحروب ومُلابَستِه إِياها، وکثرةِ من مُنيَ به فيها من شُجعانِ الأعداءِ وصناديدِهم، وتَجَمُّعِهم عليه واحتيالهِم في الفَتْکِ به وبذلِ الجهدِ في ذلکَ، ما ولّي قطٌ عن أحدٍ منهم ظَهْرَه، ولا انهزمَ عن أحدٍ منهم، ولاتَزَحْزَحَ عن مکانِه، ولا هابَ أحداً من أقرانِه، ولم يلقَ أحدٌ سواه خصماً له في حربٍ إلاّ وثَبَتَ له حيناً وانحرفَ عنه حيناً، وأقدمَ عليه وقتاً وأحجمَ عنه زماناً.

وإذا کانَ الأمرُ علي ما وصفناه، ثبتَ ما ذکرناه من انفرادِه بالآيةِ

[صفحه 309]

الباهرةِ والمعجزةِ الزّاهرةِ، وخَرْقِ العادةِ فيه بما دلّ اللّهُ به علي إِمامتِه، وکَشَفَ به عن فرضِ طاعتِه، وأبانَه بذلک من کافّةِ خليقتهِ.


صفحه 308، 309.








  1. اي اصابته «اقرب الموارد 2: 774».
  2. في هامش «ش»: حروبه.