مشابهته في كراماته للانبياء











مشابهته في کراماته للانبياء



فمن ذلکَ ما ساوي به نبيَّيْنِ من أنبياءِ اللّهِ ورُسلِه وحُجّتينِ له علي خلقِه، ما لا شُبهةَ في صحّتِه ولا ريبَ في صوابه، قالَ اللّهُ عزّ اسمُه في ذکرِالمسيحِ عيسي بنِ مريَم رُوحِ اللّهِ کلمتِه ونبيِّه ورسولهِ إلي خليقتِه، وقدذکرَ قصتةَ والدتِه في حَمْلِها له ووضعِها إِيّاه والأعجوبة في ذلک (قَالَتْ أنّي يَکُوْن ليْ غُلاَمٌ وَلَمْ يَمْسَسْنيْ بَشَر وَلَمْ أکُ بغِيّاً * قَالَ کَذَلِکِ قَالَ رَبُکِ هُوَ عَلًيَّ هَينٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيةًَ لِلنّاسِ وَرَحْمةً مِنَّا وکَانَ أمْراً مَقْضِياً)[1] وکانَ من اياتِ اللّهِ تعالي في المسيحِ عيسي بنِ مَرْيمَ عليهِ السّلامُ نُطقه في المهدِ، وخَرقُ العادةِ بذلکَ، والأعجوبةُ فيه، والمُعجِزُ الباهرُ لعقولِ الرِّجالِ، وکانَ من اياتِ اللهِ تعالي في أميرِ المؤمنينَ عليِّ بنِ أبي طالبِ عليهِ السّلامُ کمالُ عقلِه ووَقارتُه ومعرفتُه باللّهِ وبرسولهِ صلّي الله عليهِ والَهِ معَ تَقارُب سِنِّه وکونه علي ظاهرِ الحالِ في عِدادِ الأطفالِ حينَ دعاه رسولُ الله صلّيَ الله عليهِ وآلهِ إِلي التّصديقِ به والأقرارِ، وکلّفه العلمَ بحقَه، والمعرفةَ

[صفحه 306]

بصانعِه، والتّوحيدَ له، وعَهدَ إِليه في الاستسرارِ بما أودعه من دينهِ، والصيانةِ له والحفظِ وأداءِ الأمانةِ فيه.

وکانَ إِذْذاکَ عليهِ السّلامُ علي قولِ بعضِهم من أبناءِ سبعِ سنينَ، وعلي قولِ بعضٍ آخرَمن أبناءِ تسعٍ، وعلي قولِ الأکثرِمن أبناءِ عشرٍ، فکانَ کمالُ عقلهِ عليهِ السّلامُ وحصولُ المعرفَةِ له باللهِ وبرسولهِ صلّي اللهُ عليهِ وآلهِ ايةً للّهِ فيه باهرةً خَرَقَ بها العادةَ، ودَلَّ بها علي مکانهِ منه واختصاصِه به وتأهيلِه لما رشّحه له من إِمامةِ المسلمينَ والحجّةِ علي الخلقِ أجمعينَ، فجري في خرقِ العادةِ لِما ذکرناه مجري عيسي ويحيي عليهما السّلامُ بما وصفناه، ولولا أنّه عليهِ السّلامُ کانَ في تلکَ الحالِ کاملاً وافراً وباللّهِ عزّ وجلّ عارفاً، لمَا کلّفه رسولُ اللهِ صلّي اللّهُ عليهِ وآلهِ الإقرارَ بنبوّته، ولا ألزمه الإيمانَ به والتّصديقَ لرسالتهِ، ولا دعاه إِلي الاعترافِ بحقِّه، ولا افتتحَ الدّعوةَ به قبلَ کل أحدٍ منَ النّاسِ سوي خديجةَ عليها السّلامُ زوجتهِ، وَلماُ[2] ائتمنَه علي سرِّه الّذي أُمِرَ بصيانتهِ؛فلمّا- أفرده النّبيُّ صلّي اللّهُ عليهِ والهِ بذلکَ من أبناءِ سنَه کلَهم في عصرِه، وخصّه به دون من سواه ممّن ذکرناه، دلّ ذلکَ علي أَنّه عليهِ السّلامُ کانَ کاملاً معَ تقارُبِ سنِّه، وعارفاً باللّهِ تعالي ونبيّه صلّي اللّهُ عليهِ وآلهِ قبلَ حُلْمِه، وهذا هومعني قولِ اللهِ عزّوجلّ في يحيي عليهِ السّلام (وآتيْنَاهُ الحُکْمَ صَبِيّاً)[3] إِذ لا حکمَ أوضحُ من معرفةِ اللّهِ، وأظهرُ منَ العلمِ بنبوّةِ رسولِ اللهِ صلّي اللّهُ عليهِ وآلهِ، وأشهرُ منَ القدرةِ علي

[صفحه 307]

الاستدلانِ، وأيينُ من معرفةِ النّظرِ والاعتبارِ، والعلمِ بوجوهِ الاستنباطِ، والوصولِ بذلکَ إِلي حقائقِ الغائباتِ؛وإذا کان الأمرُعلي ما بيّنّاه، ثبتَ أنّ اللّهَ سبحانَه قد خَرَقَ العادةَ في أميرِ المؤمنينَ عليهِ السّلامُ بالآيةِ الباهرةِ التّي ساوي بها نبيّه اللذَيْن نطقَ القرآنُ بآيتهِ[4] العظمي فيهما علي ما شرحناه.


صفحه 306، 307.








  1. مريم 19: 20/21.
  2. في «م» وهامش «ش»: ولا.
  3. مريم 19: 12.
  4. في «م» وهامش «ش»: بأياته.