من كلامه في تحذير قومه











من کلامه في تحذير قومه



وروي مَسْعَدَةُ بنُ صَدَقَةَ قالَ: سَمِعتُ أبا عبدِاللّهِ جَعْفَرَ بنَ محمّدٍ عليهِ السّلامُ يقولُ: «خَطَبَ أميرُ المؤمنينَ عليهِ السّلامُ النّاسَ بالکُوفةِ، فحَمِد والله وأثني عليهِ، ثمّ قالَ: «أنا سيدُ الشَيْب، وفيَ سُنّةٌ من أيُّوبَ، وسيَجمعُ الله لي أهلي کما جَمَعَ لِيَعْقُوبَ، وذلکََ إِذا استدارَ الَفلَکُ وقُلتُم ضلَ أَو هَلَکَ، أَلا فاستشعِروا قبلَها الصّبرَ، وتوبوا في «م» وهامش «ش»: بوؤا.

إِلي اللّهِ بالذَنْبِ، فقد نَبَذْتُم قُدْسَکم، وأَطفأْتُم مَصابيحَکم، وقلَدْتُم هِدايتکم منْ لا يَملِکُ لنفسِه ولا لکم سَمْعاً ولابَصَرَاً، ضَعُفَ- ِوالله- الطّالِبُ والمطلوبُ؛هذا ولو لم تَتَواکَلوا أَمرَکم، ولم تَتَخاذلوا عن نُصْرةِ الحقِّ بينَکم، ولم تَهِنوا عن تَوهينِ الباطلِ، لم يَتشجَّعْ عليکم مَنْ ليسَ مِثلَکم، ولم يَقْوَ مَنْ قَوِيَ عليکم وعلي هَضْم الطَاعةِ وِازوائها عن أهلِها فيکم.

تِهتُم کما تاهتْ بنو إِسرائيلَ علي عهدِ موسي، وبحقٍّ أقولُ لَيُضعَفَنَ عليکُمُ التِّيْهُ من بعدي- باضطهادِکم ولدي- ضعفَ ما تاهت

[صفحه 291]

بنو إِسرائيلَ، فلو قَدِ استکملتم نَهَلاً النهل: الشرب الأول. «الصحاح- نهل- 5: 1837».

ًوامتلأتهم عَلَلاًالعلل: الشرب الثاني. «الصحاح- علل- 5: 1773».

من لسُلطانِ الشّجرةِ الملعونةِ في القُرآنِ، لقدِ اجتمعتُم علي ناعِق ضَلالٍ ولأجَبْتُمُ الباطِلَ رکْضاً، ثمّ لَغادَرْتُم داعيَ الحقِّ، وقَطَعْتُمُ الأدني من أهلِ بدْرٍ، ووَصَلْتُمُ الأبعدَ من أبناءِ حَرْبِ. ألا ولو ذابَ ما في أيديهم، لقد دنا التّمحيصُ للجزاءِ، وکُشِفَ الغِطاءُ، وانقضَتِ المُدةُ، وأزِفَ الوَعيد في «م» وهامش «ش»: الوعد.

، وبدا لکُمُ النّجمُ من قِبَلِ المَشرِقِ، وأشرقَ لکم قَمرُکم کملء شَهْرِهِ وکَلَيْلَةِ تِمِّهِ، فإِذا استتَم ذلکَ فراجِعوا التوبةَ وخالِعوا الحَوْبةَ الحوبة: الخطيئة «مجمع البحرين- حوب- 2: 47».

، واعلَموا أنّکم إِنْ أطَعْتُم طالِعَ الَمشرِقِ سَلَکَ بکم مِنهاجَ الرّسولِ صلّي اللّهُ عليهِ وآلهِ وسلمَ فتداويتُم مِنَ الصَّمَمِ، واستشفيتُم مِنَ البَکَمِ، وکُفِيْتُم مَؤونةَ التّعسُّفِ والطّلب، ونَبَذْتُم الثِّقْلَ الفادحَ عَنِ الأعناقِ، فلا يُبْعِدِ اللّهُ إلاّ مَنْ أبي الرّحمةً«وفارَقَ العِصمةَ، وسَيَعْلمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أيَ مُنْقَلَب يَنْقَلِبُونَ»[1] .

وروي مَسْعَدَةُ بنُ صَدَقَةَ- أيضاً- عن أبي عبدِالله الصّادقِ جعفرِ بنِ محمّدٍ عليهما السلام قالَ: «خَطبَ أميرُ المؤمنينَ عليهِ السّلامُ بالمدينةِ فقالَ بعدَ حمدِ اللّهِ والثّناءِ عليهِ:«أمّا بعد: فإِن اللّه لم يَقصمْ جبّاري دهرٍ قطُ إِلا من بعدِ تمهيلٍ ورخاءٍ، ولم يَجبُرْکَسْرَعظمِ أحدٍ منَ الاُممِ إِلاّ من بعدِ أزْلً[2] وبلاءٍ.

[صفحه 292]

أيّها النّاسُ ، وفي دونِ ما استقبلتُم من خَطْب واستدبرتُم منِ عَصْرِ مُعْتَبَرٌ وماکل ذي قَلْبِ بلَبيبٍ، ولا کل ذي سَمْع بسميعٍ، ولاکلُّ ذي ناظِرِ عَيْنٍ ببصيرٍ. أَلا فأحسنوا النَظَرَ- عبادَ الله- فيما يَعنيکم، ثم انظُروا إِلي عَرَصاتِ من قد أقادَه[3] الله بعملهِ، کانوا علي سُنّتن من آلِ فِرعَونَ، أهلَ جنّاتٍ وعُيونٍ وزُروعٍ ومَقامٍ کَريمٍ، فها هي عَرْصةُ[4] المتوسمينَ وإنّها لَبِسبيلٍ مُقيمٍ، تُنذرُ مَنْ نابَها[5] من الثُّبور بعدَ النَضْرة والسُرورِ ومَقيلٍ مِنَ الأمنِ والحُبور، ولمنْ صَبَرَ منکمُ العاقبةُ ولدِّ عاقبةً الأ مور..

فواهاً لأهلِ العُقول کيف أقاموا بَمدْرَجَةِ السُيولِ! واستضافوا غيرَ مَأمونٍ! وَيْساً[6] لهذهِ الأمَّةِ الجائرة في قصدِها الرّاغبةِ عن رُشدِها! لا يقتفون أثَرَ نبيٍّ، ولا يَقتدونَ بعمل وصيٍّ، ولا يُؤمنونَ بغَيْبِ، ولا يَرْعَوُوْنَ عن عَيْبٍ. کيفَ ومَفزعُهم في المُبهَماتِ إِلي قُلوبِهم، فکلَُ امرِئ منهم إِمامُ نفسِه، آخِذٌ منها فيما يَري بعري ثِقاتٍ، لا يَألونَ قَصْداً، ولن يَزدادوا إِلاّ بًعْداً، لَشَد أنْسُ بعضِهم ببعضٍ وتصديقُ بعضِهم بعضاً، حِياداً کل ذلکَ عمّا وَرَّثَ الرّسولُ صلّي الله عليهِ والهِ، ونُفوراً مما اُدِّيَ إليهِ من فاطرِ السّماواتِ والأرَضِينَ العليمِ الخبير، فهم أهل

[صفحه 293]

غَشَوَاتٍ[7] ، کُهوف شُبُهاتٍ، قادة حَيْرِة ورِيبةٍ. مَنْ وُکِلَ إِلي نفسِه فاغرورقَ في الأضاليلِ، هذا وقد ضَمِنَ اللهُ قَصْدَ السّبيلِ (ليَهْلِکَ مَنْ هَلَکَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحيي مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَانَّ اللّهَ لَسَمِيْعٌ عَلِيْمٌ )[8] .

فيا ما أشبهَها أُمّةً صَدَّتْ عن وُلاتِها ورَغِبَتْ عن رُعاتِها، ويا أسفاً أسَفاً[9] يَکلِمُ القلبَ ويُدْمِنُ الکَرْبَ من فَعَلاتِ شيعتِنا بعد مَهلکي علي قرب مودتّهِا وتأشُب[10] ألفَتِها، کيفَ يَقتُلُ بعضها بعضاً وتَحُوْرُألفَتُها بُغْضاً. فللّهِ الأسْرَةُ المُتَزَحزِحةُ غَداً عَنِ الأصلِ، المُخَيِّمةُ بالفَرْعِ، المؤمَلةُ للفتحِ من غيرِجهتهِ، المُتوَکِّفَة الرَّوْحَ من غيرِمَطْلعِه، کلُّ حزب منهم مُعتصِمٌ بغُصْنٍ آخِذٌ به، أيْنَما مالَ الغُصْن مالَ معَه، معَ أنّ اللّهَ- وله الحمد- سيَجمعهم کقَزع[11] الخَريفِ، ويؤلِّفُ بينَهم ثمّ يَجعلهُم رُکاماً کرُکامِ السّحابِ، يَفتَحُ اللهُ لهم[12] أبواباً يَسِيلونَ من مسْتَثارِهم إِليها کَسَيْلِ العَرِمِ، حيثُ لم تَسلَمْ عليه قَارةٌ[13] ، ولم تَمنَعْ منه أکَمةٌ، ولم يَردّ رُکْن طَوْد سَنَنَه[14] ، يَغرِسُهمُ اللهُ في بُطونِ أوديةٍ، ويَسلُکُهم يَنابيعَ في،

[صفحه 294]

الأرضِ، يَنفي بهم عن حُرُماتِ قومٍ، ويُمَکِّن لهم في ديارِ قومٍ، لکي يَعْتَقِبواماغُصِبُوا، يُضَعْضِعُ اللّهُ بهم رُکْناً، ويَنقُضُ بهم طَيَّ الجَنْدَلِ من إِرَمَ، ويَملأ منهم بُطْنَانَ الزّيتونِ.

والّذي فَلَقَ الحبّةَ وبَرَأ النّسَمَةَ، لَيَذُوبَنَّ ما في أَيديهم من بعدِ التّمکُّنِ[15] في البلادِ والعُلُوِّ علي العِبادِ کما يذوبُ القارُ والآنُکُ[16] في النّارِ، ولَعلَّ الله يَجمَعُ شيعتي بعدَ تَشتيتٍ لِشرِّ[17] يومٍ لِهؤلاءِ، وليس لأحدٍ علي اللّهِ الخِيَرَةُ بل للهِّ الخِيَرةُ والأمرُجميعاً»[18] .


صفحه 291، 292، 293، 294.








  1. نقله العلامة المجلسي في البحار 8: 701(ط /ح ).
  2. الأزْل: الضيق والجدب. «الصحاح- أزل- 4: 1622».
  3. في هامش «ش» و «م»: أباده.
  4. في هامش «ش» و «م»: عُرْضَة.
  5. في هامش «ش»: أصابها.
  6. ويس: کلمة تستعمل في موضع الرأفة. «القاموس المحيط- ويس- 2: 258»، وفي «م»: وويساً.
  7. في هامش «ش» و«م»: عشوة.
  8. الأنفا ل 8: 42.
  9. هکذا في «م» وهامش «ش» وفي متن «ش» کتب هکذا: (يا اسَفَي) ولعله بملاحظة ان الالِف هنا منقلبة عن ياء المتکلم وهي احدي اللغات في نداء المضاف الي ياء المتکلم.
  10. التاشب: الاجتماع والخلطة. «الصحاح- أشب- 1: 88».
  11. القزع: قطع من السحاب رقيقة. «الصحاح- قزع-3: 1265».
  12. في هامش «ش» و«م»: يفتح لهم.
  13. القارة: الأکمة المرتفعة عن الأرض. «الصحاح- قرر- 2: 800».
  14. السنن: «الطريق لسان العرب- سنن- 13: 226». وفي هامش «ش»: سَيْبه، وهو جريان الماء «الصحاح- سيب- 1: 150» وهو الاولي.
  15. في هامش «ش»: التمکين.
  16. الأنک: الرصاص. «لسان العرب- انک- 10: 394».
  17. في هامش «ش» و«م» نسخة اُخري: بشر.
  18. ورد بعض کلامه الشريف في نهج البلاغة 1: 154 /84 و 2: 95 / 161.‌