خطبته المسماة بالشقشقية
[صفحه 288] هاتا أحجي، فَصَبَرت وفي العينِ قَذيً، وفي الحَلْقِ شَجاً من أنْ أري تُراثي نَهْباً، إِلي أن حَضرَهُ أجَلُه فأدلي بها إِلي عُمَرَ، فيا عجبا! بَينا هو يَستقيلها في حياتِه إِذ عَقَدَها لاخَرَ بعدَ وفاتِه. لشَدما تَشَطَّرا ضَرْعَيْها. شَتَّانَ مَا يَوْمِيْ عَلي کُوْرِهَا * وَيَوْمُ حَيّانَ أخِيْ جَابرِ[6] فصَيَّرها واللهِ في ناحيةٍ خَشناءَ، يجفو مَسُّها، ويَغلُظُ کَلْمُها[7] فَصاحِبُها[8] کراکِب الصعبِةِ إِنْ أشْنَقَ[9] لها خَرقَ[10] وِإن أسْلَسَ لها عَسَفَ عسف: أي أخذ علي غير الطريق. «الصحاح- عسف- 4: 1403». ، يَکثُرُ فيها العِثارُ ويَقِلُّ منها الاعتذار، فَمُنيَ النّاسُ- لَعَمْرُ الله- بخَبْطٍ وشماسٍ[11] وتَلوُّنٍ واعتراضٍ، إِلي أَن حَضَرَتْه الوَفاةُ فجَعَلَها شوري بينَ جماعةٍ زَعَمَ أَنَي أَحدُهم. فيا للشوري وللهِّ هُمْ، متي اعترضَ الرّيْبُ فيَّ معَ الأوَّلينِ[12] منهم حتّي صِرتُ الآنَ (أُقْرَنُ بهذهِ النّظائر)[13] لکني أسْفَفْتً إِذ أسَفُّوا وطِرْتُ إذْ طارُوا، صَبراً علي طًولِ المحنةِ وانقضاءِ المُدَّةِ، فمالَ رجلٌ لضِغْنِه، وصَغَا[14] آخَرُ لصهْرِهِ، معَ هَنٍ وهَنٍ، إِلي أن قامَ ثالِثُ [صفحه 289] القومِ نافجاً حِضْنَيهِ[15] بين نَثِيْلِهِ[16] ومُعْتَلَفِهِ[17] ، وأسرعَ معَه بنو أبيه يَخضمونَ مالَ اللّهِ خَضْمَ الإبِلِ نِبْتةَ الرّبيعِ، إِلي أن نزَتْ بهِ بِطْنَتُه وأجهزَ عليهِ عَمَلُه، فما راعَني مِنَ النّاسِ إِلا وهم رسل إِليَّ کعُرْفِ الضبع يَسألونَني أن أُبايعَهم، وانثالوا عَلَيَّ حتّي لقد وُطئ الحَسَنانِ وشقَّ عِطْفَايَ[18] ، فلمّاَ نَهَضتُ بالأمرِ نَکَثَتْ طائفةٌ ومَرَقَتْ أُخري وقَسَطَ آخَرونَ، کأنَّهم لم يَسمعوا الله تعالي يقولُ: (تِلْکَ الدَّارُ اْلأخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِيْنَ لا يُريْدُوْنَ عُلوّاً في الأرْضِ وَلاَ فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَقِيْنَ ) القصص 28: 83. بلي واللّهِ، لقد سَمِغوها ووَعَوْها، ولکنْ حَلِيَتْ دُنياهم في أعيُنِهم ورَاقَهم زِبْرِجُها، أمَا والّذي فَلَقَ الحبّةَ وبَرَأ النَسَمةَ، لولا حُضورُ النّاصِرِفي «م» وهامش «ش»: الحاضر. ، ولزُومُ الحجّةِ بوجودِ النّاصِر، وما أخَذَ اللّه علي أولياءِ الأمرِ ألآَ يَقِرُوا علي کِظَةِ ظالمِ أو سَغَب مظلومٍ، لأَلقيتُ حَبْلَها علي غارِبها، ولَسَقَيْتُ آخِرَها بکأس أوَّلِها، َ ولالفَوْا دُنياهم أزهدَ عندي من عَفْطَةِ عَنَزٍ». قال: وقامَ إِليه رجلٌ من أهل السواد فناوَلَه کتاباً، فقَطَعَ کلامَه. قالَ ابن عبّاس: فما أسِفْتُ علي شيءٍ، ولا تَفجَّعتُ کتفجُعي علي ما فاتَني من کلامِ أًميرِالمؤمنينَ عليهِ السّلامُ، فلما فَرَغَ من قراءةِ [صفحه 290] الکتاب قلتُ: يا أميرَ المؤمنين، لَوِ اطّرَدت مَقالتکَ من حيثُ انتهيتَ في هامش «ش» و«م»: افضيت. إِليها؟ قَالَ: «هَيْهاتَ هَيْهاتَ يا ابنَ عبّاس، کانتْ شقْشقَةً هَدَرَتْ ثم قَرَتْ»وردت الخطبة المشهورة بالشقشقية في علل الشرائع: 150، ومعاني الأخبار: 360، وأمالي الطومي 1: 382، ونهج البلاغة 1:25/3، ومناقب ابن شهرآشوب 2: 204 باختلاف يسير، وأوردها الآبي في نثر الدر 1: 274 باختلاف في اللفظ. .
وروي جماعةٌ من أهلِ النّقلِ من طرقٍ مختلفةٍ، عنِ ابنِ عبّاسٍ قالَ: کنتُ عندَ أميرالمؤمنينَ عليهِ السّلامُ بالرَّحْبَةِ، فذُکِرَتِ الخِلافةُ وتقدُّمُ من تقدم عليه فيها فتنفَّسَ الصُّعَداءَ ثمّ قالَ: «أمَ واللهِ لقد تقمصَها ابنُ أبي قُحافةَ، وإنّه لَيَعلمُ أنّ مَحَلِّي منها مَحَلُّ القُطْب مِنَ الرَّحي، يَنحدِرُ عنِّي السَّيلُ، ولا يَرقي إِليَّ الطَيرُ، لکنِّي سَدَلْتُ دونَها ثَوْباً، وطَوَيْتُ دونَها[1] کَشْحاً[2] ، وطَفِقْتُ أرتئي بينَ أنْ أَصولَ بيدٍ جَذَّاءَ[3] ، أو أَصبرَ علي طَخْيةٍ[4] عَمياءَ، يَهرَمُ فيها الکبيرُ، ويَشيبُُ فيها الصَغير[5] ، ويَکَدَحُ فيها مؤمنٌ حتّي يَلقي ربَّه، فرأَيتُ الصّبرَعلي
صفحه 288، 289، 290.