من كلامه لما عزم علي المسير لقتال معاوية











من کلامه لما عزم علي المسير لقتال معاوية



بعدَ حمدِ اللّهِ والثّناءِ عليهِ والصّلاةِ علي رسولِ اللهِ صلّي اللهُ عليهِ وآلهِ: «اتقوا اللّهَ- عبادَ اللّهِ- وأطيعوهُ وأطيعوا إِمامَکم، فإِنّ الرّعيّةَ الصالحةَ تَنجو بالإمام العادلِ. أَلا وِانّ الرّعيّةَ الفاجرةَ تهلکُ بالإمام الفاجرِ، وقد أَصبحََ مُعاويةُ غاصِباً لما في يديهِ من حقّي، ناکِثاً لبيعتي، طاعِناً في دِينِ اللّهِ عزَ وجلَّ. وقد عَلِمتمُ-أَيُّها المسلمونَ- ما فَعلَ النّاسُ بالأَمسِ، فجئتموني راغِبينَ إِليَ في أَمرِکم حتّي استخرجتُموني من منزلي لِتبايعوني، فالْتَوَيْتُ عليکم لأبلُوَ ما عندَکم، فرادَدْتُمُوني القولَ مِراراً ورادَدتُکُموهُ، وتَکَأْکَأْتُم عَلَيَّ تَکَأْکُؤَ الإبِلِ علي حِياضِها حِرصاً علي بَيعتي، حتّي خِفتُ أَن يَقتُلَ بعضُکم بعضاً، فلمّا

[صفحه 261]

رأيتُ ذلکَ منکم رَوَّيْتُ في أمري وأمرِکم، فقلتُ: إِنْ أَنا لم اُجِبْهم إِلي القِيام بأمرِهم، لم يُصيبوا أحَداً منهم يَقومُ فيهم مَقامي، ويَعدلُ فيهم عَدْلي. وقلتُ: واللهِ لألِيَنَّهم وهم يَعرِفونَ حقّي وفضلي أحبُّ إِلي من أنْ يلُوني وهم لا يَعرِفونَ حّقيِّ وفضلي. فبسطت يدي لکم فبايَعتُموني- يا معشرَ المسلمينَ- وفيکُم المهاجِرونَ والأنصارُ والتّابعونَ بإِحسانٍ، فأَخذتُ عليکم عهدَ بَيعتي وواجبَ صَفقتي عهدَ اللّهِ وميثاقَه، وأشدَّ ما أُخِذَ علي النّبيِّينَ من عهدٍ ومِيثاقِ، لَتَفُنَّ لي ولَتَسْمَعُنَّ لأمري ولَتُطيعوني وتُناصِحوني وتُقاتِلونَ معي کلًّ باغٍ عَلَيَّ، أو مارِقٍ إِنْ مَرَقَ، فأنعمتُم[1] لي بذلکَ جميعاً. وأخذتُ عليکم عهدَ الله وميثاقَه وذمّة اللّهِ وذمِّةَ رسولهِ، فأَجبتمُوني إِلي ذلکَ، وأشهدتُ اللّهَ عليکم، وأشهدتُ بعضَکم علي بعضٍ، فقمتُ فيکم بکتاب اللهِ وسنّةِ نبيِّه صلّي اللّهُ عليه وآلهِ.َ

فالعَجبُ من مُعاوية بنِ أبي سفيانَ! يُنازعني الخلافةَ، ويجحدُني الإمامةَ، ويَزعمُ أنّه أحقُّ بها منّي، جرأةً منه علي اللّهِ وعلي رسولهِ، بغيرِحقٍّ له فيها ولا حجّةٍ، لم يبايعْه عليها المهاجرونَ، ولا سلّمَ له الأنصار والمسلمونَ.

يا معشرَ المهاجرينَ والأنصارِ، وجماعة من سَمعَ کلامي، أما أوجبتُم لي علي أنفسِکمُ الطّاعةَ، أما بايعتُموني علي الرّغبةِ، أما أخذتُ عليکمُ العهدَ بالقبولِ لقولي، أما کانتْ بَيعتي لکم يومئذٍ أوکدَ من بيعةِ أبي بکرٍ وعُمَر فما بالُ من خالفني لم يَنقُضْ عليهما حتّي مَضَيا، ونَقَضَ عَليَّ ولم يَفِ لي!؟ أما يَجبُ عليکم نصحي ويَلزمُکم أمري؟ أما

[صفحه 262]

تَعلمونَ أنّ بَيعتي تَلزمُ الشّاهِدَ منکم والغائبَ!؟.

فما بالُ مُعاويةَ وأصحابِه طاعِنينَ في بَيعتي؟ ولِمَ لَمْ يَفُوا بها لي وأنا في قَرابتي وسابقتي وصِهري أولي بالأمرِ ممّن تَقدَّمَني؟ أما سَمِعْتم قولَ رسول اللّهِ صَلّي اللّهُ عليهِ وآلهِ يومَ الغديرِ في وِلايتي ومُوالاتي!؟ فاتَّقوا اللّهَ- أَيّها المسلمونَ- وتَحاثُّوا علي جهادِ مُعاويةَ القاسِطِ النّاکِثِ وأصحابِه القاسِطينَ.

اسمعوا ما أتلو عليکم من کتاب اللهِ المنُزَل علي نبيِّه المرُسَل لِتَتَعِظوا، فإِنّه والله عظة لکم، فانتفِعوَا بمَواعظِ اللّهِ، وازدجِروا عن مَعاصي اللهِ، فقد وَعَظَکمُ الله بغيرکِم فقالَ لنبيِّه صلّي اللهُ عليهِ والهِ (المْ تَرَ إِلَي اْلمَلأ مِنْ بَنيْ إِسْرَائيْلَ مِنْ بَعْدِ مُوسًي إِذْ قَالوا لِنَبِيٍّ لَهُم ابْعَثْ لَنَا مَلِکَاً نُقَاتِلْ في سَبيْل اللّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ کُتِبَ عَلَيْکُمً الْقِتَال ألاّ تُقَاتِلوُا قَالوُاوَمَا لًنَا ألاَّ نُقَاتِلَ فِيْ سَبيْلِ اللّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَابنَائِنَا فَلَمّاَ کُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوا إلاّ قَلِيْلاً مِنْهُمِْ وَاللّهَ عَلِيْمٌ بالظَّالمِيْنَ * وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهمْ اِنَّ اللهَ قَدْ بَعَثَ لَکُمْ طَالُوْتَ مَلِکَاَ قَالُوْا أنّي يًکُوْنُ لَهُ اْلمُلْکُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أحَقُّ باْلمُلْکِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْکُمْ وَزَادًهُ بَسْطَةً في الْعِلْم وَالْجسْمِ وَاللّهُ يُؤْتِيْ مُلْکَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيْمٌ )[2] أيُّها النَّاس، إِنّ لکم في هذهِ الآياتِ عِبرةً، لِتَعلموا أنّ اللّهَ تعالي جَعلَ الخِلافةَ والإمرةَ من بعدِ الأنبياءِ في أعقابهم، وأنه فَضَّلَ طَالُوتَ

[صفحه 263]

وقَدَّمَهُ علي الجَماعةِ باصطفائهِ إِيّاهُ، وزِيادتهِ بَسطةً في العلمِ والجسمِ، فهل تَجِدونَ اللهَ اصطفي بني أُميّةَ علي بني هاشم! وزادَ مُعاويةَ عَلَيَّ بَسطةً في العلمِ والجسم! فَاتَّقوا اللهَ- عبادَ اللهِ- وجاهدوا في سبيلهِ قبلَ أنْ ينالَکم سخطُه بعصيانِکم له، قالَ اللّهُ سُبحانَه: (لُعِنَ الَّذِيْنَ کَفَرُوْا مِنْ بَنْي إِسْرَائِيْلَ عَلَي لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيْسي بْنِ مَرْيَمَ ذلِکَ بِمَا عَصَوْا وکَانُوْا يَعْتَدُوْنَ * کَانُوْا لا يَتَنَاهَوْنَ عَن مُنْکَرٍ فَعَلُوْهُ لَبئْسَ مَاکَانُوْا يَفْعَلُوْنَ )[3] (إِنَّمَا اْلمُؤْمِنُوْنَ الَّذِيْنَ آمَنُوْا بِاللّهِ وَرَسُوْلِهِ ثُمَ لَمْ يَرْتَابوْا وَجَاهَدُوْا باَمْوَالِهِمْ وانفسِهِمْ فيْ سَبيْلِ اللّهِ أولئِکَ هُمُ الصَّادِقُونَ)[4] (يَا أيُّهَا الّذِيْنَ آَمَنُوْا هَلْ أدُلکُم فًيَ تَجَارَةٍ تُنْجِيْکُمْ مِنْ عَذَاب ألِيْمٍ * تُؤْمِنُوْنَ ِبالله وَرَسُوْلِهِ وَتجَاهِدُوْن فيْ سَبِيلِ اللّهِ بأمْوَالِکُمْ وَأنْفُسِکُمْ ذَلِکُمْ خَيْرٌ لَکُمَْ إنْ کُنْتًمْ تَعْلَمُوْنَ * يَغفِرْ لَکُمْ ذُنوْبکُمْ وَيُدْخلْکُمْ جَنَّاتٍ تَجرِيْ مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ وَمَسَاکِنَ طَيِّبَةً فِيْ جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِکَ الْفَوزُ الْعَظِيْم )[5] .

اتَّقوا الله- عبادَ اللّهِ- وتَحاثُّوا علي الجهادِ معَ إِمامِکم، فلو کانَ لي منکم عِصابةٌ بعددِ أهلِ بَدْرٍ، إِذا أمرتُهم أطاعوني، وِاذا استنهضتُهم نَهَضوا معي، لاستغنيتُ بهم عن کثيرٍ منکم، وأسرعتُ النهوضَ إِلي حربِ مُعاويةَ وأصحابِه فإنّه الجهادُ المفروضُ»[6] .

[صفحه 264]


صفحه 261، 262، 263، 264.








  1. في هامش «ش» و«م»: انعمتم: قبلتم وقلتم نعم.
  2. البقرة 2: 246 ـ247.
  3. المائدة 5: 78- 79.
  4. الحجرات 49:15.
  5. الصف 61: 10-12.
  6. الاحتجاج: 172، ونقله العلامة المجلسي في البحار 8: 472 و 697 (ط / ح ).