من كلامه في الربذة عند توجهه إلي الشام











من کلامه في الربذة عند توجهه إلي الشام



ولمّا توجّهَ أميم رُ المؤمنينَ عليهِ السلامُ إِلي البَصْرةِ، نَزَلَ الرَّبَذةَ[1] فلقِيَهُ بها آخرُ الحاجِّ، فاجتمعوا لِيسمعوا من کلامِه وهو في خِبائهِ.

قال ابن عباسِ- رحمة الله عليه- فأتيتُهُ فوجدتُهُ يَخصِفُ نَعْلاً، فقلتُ له: نحنُ إِلي أنْ تُصلِح أمرَنا أحوجُ مِنّا إِلي ما تَصنعُ، فلم يکلِّمْني حتّي فَرَغَ من نَعلهِ ثمِّ ضمَّها إِلي صاحبتِها ثُم قالَ لي: «قَوِّمْها» فقلتُ: ليسَ لها قيمةٌ، قال: «علي ذاکَ» قلتُ: کسر دِرْهَمٍ، قال: «والله لهما أحبُّ إِليَ من أَمرِکم هذا، إِلاّ أنْ أُقيمَ حقّاً أو أدفعَ باطلاً» قلتُ: إِنّ الحاجِّ قدِ اجتمعوا لِيسمعوا من کلامِک؛فتأذنُ لي أنْ أتکلَّمَ، فإِنْ کانَ حَسَناَ کانَ منکَ، وإِنْ کانَ غيرَ ذلکَ کانَ منّي، قالَ: «لا، أنا أتکلَّم» ثمَّ

[صفحه 248]

وَضَعَ يَدَهُ في صَدْريَ ـ وکانَ شَثْنَ[2] الکَفِّ ـ فآلمَني، ثم قامَ، فأخَذْتُ بثوبهِ فقلتُ: نَشَدْتُکَ اللّهَ والرَّحِمَ، قالَ: «لا تَنْشُدْني» ثُمَ خَرَجَ فاجتمعوا عليهِ فحَمِدَ اللهَ وأَثني عليهِ ثُمَ قالَ:

«أَمّا بعدُ: فإنّ اللّهَ بعثَ محمّداً صلي اللّهُ عليهِ والهِ وليسَ في العَرَب أحدٌ يقرأ کتاباً ولا يدّعي نبوّةً، فساقَ الناسَ إِلي مَنجاتِهم، أمَ واللهِ مازِلتُ في ساقَتِها ما غيرت ولاخُنتُ، حتّي توليتْ بحَذافيرِها. مالي ولِقُرَيْشٍ، أَمَ واللّهِ لقد قاتلتهم کافرينَ ولأقاتلَنَّهم مفتونينَ، وإِنّ مَسيري هذا عن عهلإِ إِليَّ فيهِ. أَمَ واللهِ، لأَبقُرَنَّ[3] الباطلَ حتّي يَخرُجَ الحقُّ من خاصِرَتِه. ما تَنقِمُ منّا قرَيشٌ إِلآ أَنّ الله اختارَنا عليهِم فأَدخلناهُم في حَيِّزنا. وأَنشدَ:


ذَنْبٌ لَعَمْريْ شرُبکَ المحض خالِصَاً
وأَکْلکَ بالزُّبْدِ اْلمُقَشَرَة[4] البُجْرَا[5] .


وَنَحْن وَهبْنَاکَ العَلاءَ وَلَمْ تَکُنْ
عليّاًً وَحُطْنَا حَولک الجرد والسُّمْرَا»[6] [7] .

[صفحه 249]

ولمّا نَزَلَ بذي قَارٍ[8] أخَذَ البيعةَ علي من حضَرَةُ، ثمَّ تَکلَّمَ فأکثرَمِنَ الحمدِ للّهِ والثناءِ عليهِ والصلاةِ علي رسولِ اللهِ صلّي اللّه عليهِ وآلهِ ، ثمّ قالَ: «قد جَرَتْ أُمورٌ صَبَرْنا فيها- وفي أَعْيُنِنا القَذَي- تسليماً لأمرِ اللّهِ تعالي فيما امتحَنَنا بهِ رَجاءَ الثّوابِ علي ذلکَ، وکانَ الصّبرُعليها أمثلَ من أنْ يَتفرَّقَ المسلمونَ وتُسفکَ دِماؤهم. نحنُ أهلُ بيتِ النّبوّةِ، وأحقُّ الخلقِ بسُلطانِ الرّسالةِ، ومَعْدِنُ الکَرامةِ التي ابتدأَ اللّهُ بها هذهِ الأمّةَ. وهذا طلحةُ والزُّبيرُ ليسا من أهلِ النّبوّةِ، ولا من ذُرّيةِ الرسولِ، حينَ رَأيا أنّ اللّهَ قد ردَّ علينا حقَّنا بعد أعْصُرٍ، فلم يَصبرا حَوْلاً واحداً ولا شَهراً کاملاً حتّي وَثَبا علي دَأب الماضِينَ قبلَهما، لِيذهبا بحقِّي ويُفرِّقا جَماعةَ المسلمينَ عنِّي» ثمَّ دَعاَ عليهما.


صفحه 248، 249.








  1. الربذة: من قري المدينة المنورة، بينهما ثلاثة أيام، وهي من منازل حاجّ العراق، وفيها قبر ابي ذرّ الغفاري رضي اللّه عنه. انظر «معجم البلدان 3: 24».
  2. شثِن کفه: أي خشنت وغلظت. «الصحاح-شثن- 5: 2142».
  3. في هامش «ش» و«م»: لانقبنّ.
  4. المقشرة: الرُطب المقشر.
  5. البُجر: جمع بجراء، وهي المنتفخة البطن، يعني التمر الجيد الکبار. أنظر «لسان العرب- بجر-4: 40».
  6. الجرد والسمر: يعني الخيل.
  7. شرح نهج البلاغة لابن ابي الحديد 2: 185 /33، ونقله العلامة المجلسي في البحار 8: 416 (ط /ح ).
  8. ذي قار: موضع في محافظة الناصرية في العراق.