الخفّاش











الخفّاش



5382- الإمام عليّ عليه السلام: ومن لطائف صَنعته وعجائب خلقته ما أرانا من غوامض الحکمة في هذه الخفافيش التي يقبضها الضياء الباسط لکلّ شي ء، ويبسطها الظلام القابض لکلّ حيّ، وکيف عَشيت أعينُها عن أن تستمدّ من الشمس المضيئة نوراً تهتدي به في مذاهبها، وتتّصل بعلانية برهان الشمس إلي معارفها. وردعها بتلألؤ ضيائها عن المضيّ في سُبحات إشراقها. وأکنّها في مکامنها عن الذهاب في بُلج ائتلاقها، فهي مسدلة الجفون بالنهار علي حِداقها. وجاعلة الليل سراجاً تستدلّ به في التماس أرزاقها. فلا يردّ أبصارَها إسدافُ ظلمته، ولا تمتنع من المضيّ فيه لغسق دُجُنّته. فإذا ألقت الشمس قناعها، وبدت أوضاح نهارها،

[صفحه 186]

ودخل من إشراق نورها علي الضِّباب في وجارها،[1] أطبقت الأجفان علي مآقيها، وتبلّغت بما اکتسبته من المعاش في ظلم لياليها.

فسبحان من جعل الليل لها نهاراً ومعاشاً، والنهار سکناً وقراراً! وجعل لها أجنحة من لحمها تعرج بها عند الحاجة إلي الطيران، کأنّها شظايا الآذان، غير ذوات ريش ولا قصب. إلّا أنّک تري مواضع العروق بيّنة أعلاماً. لها جناحان لمّا يرقّا فينشقّا، ولم يغلُظا فيثقُلا. تطير وولدها لاصق بها لاجئ إليها يقع إذا وقعت ويرتفع إذا ارتفعت. لا يفارقها حتي تشتدّ أرکانه، ويحمله للنهوض جناحه، ويعرف مذاهب عيشه ومصالح نفسه. فسبحان البارئ لکلّ شي ء علي غير مثال خلا من غيره![2] .



صفحه 186.





  1. حُجْرُها الذي تَأوي إليه (النهاية: 156:5).
  2. نهج البلاغة: الخطبة 155، بحارالأنوار: 2:323:64.