آدم أبوالبشر











آدم أبوالبشر



5371- الإمام عليّ عليه السلام- في صفة خلق آدم عليه السلام-: ثمّ جمع سبحانه من حَزن الأرض وسهلها، وعذبها وسبخها، تربةً سنّها بالماء حتي خَلصت، ولاطها بالبلّة حتي لزبت،[1] فجبل منها صورة ذات أحناء ووصول وأعضاء وفصول، أجمدها حتي استمسکت، وأصلدها حتي صلصلت، لوقت معدود وأمد معلوم؛ ثمّ نفخ فيها من روحه فمثُلت إنساناً ذا أذهان يُجيلها، وفکر يتصرّف بها، وجوارح يختدمها، وأدوات يُقلّبها، ومعرفة يَفرق بها بين الحقّ والباطل والأذواق والمشامّ والألوان والأجناس، معجوناً بطينة الألوان المختلفة، والأشباه المؤتلفة،

[صفحه 178]

والأضداد المتعادية، والأخلاط المتباينة من الحرّ والبرد والبلّة والجمود.

واستأدي اللَّهُ سبحانه الملائکةَ وديعته لديهم، وعهد وصيّته إليهم في الاذعان بالسجود له والخنوع لتکرمته، فقال سبحانه: «اسْجُدُواْ لِأَدَمَ فَسَجَدُواْ إِلَّآ إِبْلِيسَ»[2] اعترته الحميّة وغلبت عليه الشِّقوة وتعزّز بخلقة النار واستهون خلق الصلصال، فأعطاه اللَّه النظرة استحقاقاً للسخطة واستتماماً للبليّة وإنجازاً للعدّة، فقال: «إِنَّکَ مِنَ الْمُنظَرِينَ- إِلَي يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ»[3] ثمّ أسکن سبحانه آدم داراً أرغد فيها عيشه، وآمن فيها محلّته، وحذّره إبليس وعداوته. فاغترّه عدوُّه نفاسةً عليه بدار المُقام ومرافقة الأبرار، فباع اليقين بشکّه والعزيمة بوهنه، واستبدل بالجذل وجَلاً وبالاغترار ندماً. ثمّ بسط اللَّه سبحانه له في توبته ولقّاه کلمة رحمته، ووعده المردّ إلي جنّته. وأهبطه إلي دار البليّة، وتناسل الذريّة[4] .

5372- عنه عليه السلام: فلمّا مهّد أرضه وأنفذ أمره، اختار آدم عليه السلام خِيَرة من خلقه، وجعله أوّل جبلّته وأسکنه جنّته وأرغد فيها أکله، وأوعز إليه فيما نهاه عنه. وأعلمه أنّ في الإقدام عليه التعرّض لمعصيته والمخاطرة بمنزلته، فأقدم علي ما نهاه عنه- موافاةً لسابق علمه- فأهبطه بعد التوبة؛ ليعمُر أرضه بنسله وليقيم الحجّة به علي عباده[5] .

5373- عنه عليه السلام- في صفة خلق آدم من طين-: ولو أراد اللَّه أن يخلق آدم من

[صفحه 179]

نور يخطف الأبصار ضياؤه، ويبهر العقول رُواؤه، وطيب يأخذ الأنفاس عَرفُه لفعل.ولو فعل لظلّت له الأعناق خاضعة، ولخفّت البلوي فيه علي الملائکة.

ولکنّ اللَّه سبحانه يبتلي خلقه ببعض ما يجهلون أصله تمييزاً بالاختبار لهم ونفياً للاستکبار عنهم، وإبعاداً للخيلاء منهم[6] .



صفحه 178، 179.





  1. أي لَصِقت ولَزِمَت (النهاية: 248:4).
  2. البقرة: 34.
  3. الحِجر: 37 و38.
  4. نهج البلاغة: الخطبة 1، بحارالأنوار: 56:122:11؛ جواهر المطالب: 137:161:2 وفيه إلي «الجمود».
  5. نهج البلاغة: الخطبة 91 عن مسعدة بن صدقة عن الإمام الصادق عليه السلام، بحارالأنوار: 90:112:57.
  6. نهج البلاغة: الخطبة 192، بحارالأنوار: 37:465:14.