جوامع الأسماء والصفات











جوامع الأسماء والصفات



5336- الإمام عليّ عليه السلام: الحمد للَّه الذي لا يبلغ مدحته القائلون، ولا يحصي نعماءه العادّون، ولا يؤدّي حقّه المجتهدون، الذي لا يدرکه بُعد الهمم، ولا يناله غوص الفطن، الذي ليس لصفته حدّ محدود، ولا نعت موجود، ولا وقت معدود، ولا أجل ممدود. فطر الخلائق بقدرته، ونشر الرياح برحمته، ووتّد بالصخور ميدان أرضه.

أوّل الدين معرفته، وکمال معرفته التصديق به، وکمال التصديق به توحيده، وکمال توحيده الإخلاص له، وکمال الإخلاص له نفي الصفات عنه، لشهادة کلّ صفة أنّها غير الموصوف، وشهادة کلّ موصوف أنّه غير الصفة.

فمن وصف اللَّه سبحانه فقد قرنه، ومن قرنه فقد ثنّاه، ومن ثنّاه فقد جزّأه، ومن جزّأه فقد جهله، ومن جهله فقد أشار إليه، ومن أشار إليه فقد حدّه، ومن حدّه فقد عدّه.

ومن قال «فيم؟» فقد ضمّنه، ومن قال «علام؟» فقد أخلي منه. کائن لا عن

[صفحه 142]

حدث، موجود لا عن عدم مع کلّ شي ء لا بمقارنة، وغير کلّ شي ء لا بمُزايلة. فاعل لا بمعني الحرکات والآلة، بصير إذ لا منظور إليه من خلقه، متوحّد إذ لا سکن يستأنس به ولا يستوحش لفقده[1] .

5337- عنه عليه السلام- في الحثّ علي معرفته تعالي والتوحيد له-: أوّل عبادة اللَّه معرفته، وأصل معرفته توحيده، ونظام توحيده نفي التشبيه عنه، جلّ عن أن تحلّه الصفات لشهادة العقول: أنّ کل من حلّته الصفات مصنوع، وشهادة العقول: أنّه جلّ جلاله صانع ليس بمصنوع، بصنع اللَّه يستدلّ عليه، وبالعقول تُعتَقد معرفته، وبالنظر تثبت حجّته، جعل الخلق دليلاً عليه، فکشف به عن ربوبيّته، هو الواحد الفرد في أزليّته، لا شريک له في إلهيّته، ولا ندّ له في ربوبيّته، بمضادّته بين الأشياء المتضادّة علم أن لا ضدّ له، وبمقارنته بين الاُمور المقترنة علم أن لا قرين له[2] .

5338- عنه عليه السلام: ما وحّده من کيّفه، ولا حقيقته أصاب من مثّله، ولا إيّاه عني من شبّهه، ولا صمده من أشار إليه وتوهّمه. کلّ معروف بنفسه مصنوع، وکلّ قائم في سواه معلول. فاعل لا باضطراب آلة، مقدِّر لا بجَول فکرة، غنيّ لا باستفادة. لا تصحبه الأوقات، ولا ترفده الأدوات.

سبق الأوقات کونه، والعدم وجوده، والابتداء أزله. بتشعيره المشاعر عُرف أن لا مشعر له، وبمضادّته بين الاُمور عُرف أن لا ضدّ له، وبمقارنته بين الأشياء

[صفحه 143]

عُرف أن لا قرين له.

ضادّ النور بالظلمة، والوضوح بالبهمة، والجمود بالبلل، والحَرور بالصرْد[3] .

مؤلّفٌ بين متعادياتها، مقارن بين متبايناتها، مُقرِّب بين متباعداتها، مفرّق بين متدانياتها. لا يُشمَل بحدّ، ولا يُحسَب بعدٍّ، وإنّما تَحُدّ الأدوات أنفسها، وتُشير الآلات إلي نظائرها.

منعتها «منذ» القِدْمةَ، وحمتها «قد» الأزليّةَ، وجنّبتها «لولا» التکملةَ![4] بها تجلّي صانعها للعقول، وبها امتنع عن نظر العيون، ولا يجري عليه السکون والحرکة، وکيف يجري عليه ما هو أجراه، ويعود فيه ما هو أبداه، ويحدث فيه ما هو أحدثه! إذاً لتفاوتت ذاته، ولتجزّأ کنهه، ولامتنع من الأزل معناه، ولکان له وراء إذ وجد له أمام، ولالتمس التمام إذ لزمه النقصان. وإذاً لقامت آيةٌ المصنوع فيه، ولتحوّل دليلاً بعد أن کان مدلولاً عليه، وخرج بسلطان الامتناع من أن يؤثّر فيه ما يؤثّر في غيره.

الذي لا يحول ولا يزول، ولا يجوز عليه الأُفول. لم يلد فيکون مولوداً، ولم يولد فيصير محدوداً. جلّ عن اتّخاذ الأبناء، وطهر عن ملامسة النساء.

[صفحه 144]

لا تناله الأوهام فتقدّره، ولا تتوهّمه الفطن فتصوّره، ولا تدرکه الحواسّ فتُحسّه، ولا تلمسه الأيدي فتَمَسّه. ولا يتغيّر بحال، ولا يتبدّل في الأحوال. ولا تُبليه الليالي والأيّام، ولا يُغيّره الضياء والظلام. ولا يوصف بشي ء من الأجزاء، ولا بالجوارح والأعضاء، ولا بعرض من الأعراض، ولا بالغيريّة والأبعاض.

ولا يقال له حدٌّ ولا نهاية، ولا انقطاع ولا غاية؛ ولا أنّ الاشياء تحويه فتُقِلّه أو تهويه، أو أنّ شيئاً يحمله فيميله أو يعدّله. ليس في الأشياء بوالج، ولا عنها بخارج. يُخبِر لا بلسان ولَهَوات، ويسمع لا بخروق وأدوات. يقول ولا يلفظ، ويحفظ ولا يتحفّظ، ويريد ولا يضمر.

يحبّ ويرضي من غير رقّة، ويبغض ويغضب من غير مشقّة. يقول لمن أراد کونه: «کن فيکون»، لا بصوت يقرع، ولا بنداءٍ يسمع ؛ وإنّما کلامه سبحانه فعل منه أنشأه ومثّله، لم يکن من قبل ذلک کائناً، ولو کان قديماً لکان إلهاً ثانياً.

لا يقال: کان بعد أن لم يکن؛ فتجري عليه الصفات المحدثات، ولا يکون بينها وبينه فصل، ولا له عليها فضل؛ فيستوي الصانع والمصنوع، ويتکافأ المبتدع والبديع. خلق الخلائق علي غير مثال خلا من غيره، ولم يستعِن علي خلقها بأحد من خلقه. وأنشأ الأرض فأمسکها من غير اشتغال، وأرساها علي غير قرار، وأقامها بغير قوائم، ورفعها بغير دعائم، وحصّنها من الأوَد والاعوجاج، ومنعها من التهافت والانفراج. أرسي أوتادها، وضرب أسدادها، واستفاض عيونها، وخدّ أوديتها، فلم يَهِن ما بناه، ولا ضَعُف ما قوّاه.

هو الظاهر عليها بسلطانه وعظمته، وهو الباطن لها بعلمه ومعرفته، والعالي علي کلّ شي ء منها بجلاله وعزّته. لا يُعجزه شي ء منها طَلَبَه، ولا يمتنع عليه فيغلبه، ولا يفوته السريع منها فيسبقه، ولا يحتاج إلي ذي مالٍ فيرزقه. خضعت

[صفحه 145]

الأشياء له، وذلّت مستکينة لعظمته، لا تسطيع الهرب من سلطانه إلي غيره فتمتنع من نفعه وضرّه، ولا کف ء له فيکافئه، ولا نظير له فيساويه. هو المفني لها بعد وجودها، حتي يصير موجودها کمفقودها.

وليس فناء الدنيا بعد ابتداعها بأعجب من إنشائها واختراعها. وکيف ولو اجتمع جميع حيوانها من طيرها وبهائمها، وما کان من مراحها وسائمها، وأصناف أسناخها وأجناسها، ومتبلِّدة اُممها وأکياسها، علي إحداث بعوضة ما قدرت علي إحداثها، ولا عرفت کيف السبيل إلي إيجادها، ولتحيّرت عقولها في علم ذلک وتاهت، وعجزت قواها وتناهت، ورجعت خاسئة حسيرة، عارفة بأنّها مقهورة، مقرّة بالعجز عن إنشائها، مذعنة بالضعف عن إفنائها!

وإنّ اللَّه سبحانه يعود بعد فناء الدنيا وحده لا شي ء معه. کما کان قبل ابتدائها کذلک يکون بعد فنائها، بلا وقت ولا مکان، ولا حين ولا زمان. عدمت عند ذلک الآجال والأوقات، وزالت السنون والساعات، فلا شي ء إلّا اللَّه الواحد القهّار الذي إليه مصير جميع الاُمور. بلا قدرة منها کان ابتداء خلقها، وبغير امتناع منها کان فناؤها، ولو قدرت علي الامتناع لدام بقاؤها.

لم يتکاءدهُ[5] صنع شي ء منها إذ صنعه، ولم يَؤُدْهُ منها خلق ما خلقه وبرأه، ولم يکوّنها لتشديد سلطان، ولا لخوف من زوال ونقصان، ولا للاستعانة بها علي ندٍّ مکاثر، ولا للاحتراز بها من ضدٍّ مثاور، ولا للازدياد بها في ملکه، ولا لمکاثرة شريک في شرکه، ولا لوحشة کانت منه؛ فأراد أن يستأنس إليها.

ثمّ هو يُفنيها بعد تکوينها، لا لسأَم دخل عليه في تصريفها وتدبيرها، ولا

[صفحه 146]

لراحة واصلة إليه، ولا لثِقَل شي ء منها عليه. لا يُمِلّه طول بقائها فيدعوه إلي سرعة إفنائها، ولکنّه سبحانه دبّرها بلطفه، وأمسکها بأمره، وأتقنها بقدرته، ثمّ يعيدها بعد الفناء من غير حاجة منه إليها، ولا استعانة بشي ء منها عليها، ولا لانصراف من حال وحشة إلي حال استئناس، ولا من حال جهل وعميً إلي حال علم والتماس، ولا من فقر وحاجة إلي غنيً وکثرة، ولا من ذلّ وضَعَة إلي عزٍّ وقدرة[6] .

5339- عنه عليه السلام- عندما استنهض الناس في حرب معاوية في المرّة الثانية، فلمّا اجتمع الناس قام خطيباً-: الحمد للَّه الواحد الأحد الصمد المتفرّد الذي لا من شي ء کان، ولا من شي ء خلق ما کان، قدرة بان بها من الأشياء وبانت الأشياء منه، فليست له صفة تُنال ولا حدٌّ تُضرَب له فيه الأمثال، کَلَّ دون صفاته تحبير اللغات، وضلّ هناک تصاريف الصفات، وحار في ملکوته عميقات مذاهب التفکير، وانقطع دون الرسوخ في علمه جوامع التفسير، وحالَ دون غيبه المکنون حجب من الغيوب، تاهت في أدني أدانيها طامحات العقول في لطيفات الاُمور.

فتبارک اللَّه الذي لا يبلغه بُعد الهمم، ولا يناله غوص الفطن، وتعالي الذي ليس له وقتٌ معدود، ولا أجل ممدودٌ، ولا نعتٌ محدودٌ، سبحان الذي ليس له أوّل مبتدأ، ولا غاية منتهي، ولا آخر يفني.

سبحانه هو کما وصف نفسه، والواصفون لا يبلغون نعته، وحدّ الأشياء کلّها عند خلقه، إبانة لها من شبهه وإبانة له من شبهها، لم يحلل فيها فيقال: هو فيها

[صفحه 147]

کائن، ولم ينأ عنها فيقال: هو منها بائن، ولم يخلُ منها فيقال له: أين، لکنّه سبحانه أحاط بها علمه، وأتقنها صنعه، وأحصاها حفظه، لم يعزب عنه خفيّات غيوب الهواء، ولا غوامض مکنون ظلم الدجي، ولا ما في السماوات العُلي إلي الأرضين السُّفلي، لکلّ شي ء منها حافظ ورقيب، وکلّ شي ء منها بشي ء محيط، والمحيط بما أحاط منها.

الواحد الأحد الصمد، الذي لا يغيّره صروف الأزمان، ولا يتکأّده صنع شي ء کان، إنّما قال لما شاء: کن فکان. ابتدع ما خلق بلا مثال سبق، ولا تعب ولا نصب، وکلّ صانع شي ء فمن شي ء صنع، واللَّه لا من شي ء صنع ما خلق، وکلّ عالم فمِن بعد جهل تعلّم، واللَّهُ لم يجهل ولم يتعلّم. أحاط بالأشياء علماً قبل کونها، فلم يزدد بکونها علماً، علمه بها قبل أن يکوّنها کعلمه بعد تکوينها، لم يکوّنها لتشديد سلطان، ولا خوف من زوال ولا نقصان، ولا استعانة علي ضدّ مناوٍ، ولا ندّ مکاثر، ولا شريک مکابر، لکن خلائق مربوبون وعبادٌ داخرون.

فسبحان الذي لا يؤوده خلق ما ابتدأ، ولا تدبير ما برأ، ولا من عجز ولا من فترة بما خلق اکتفي، علم ما خلق وخلق ما علم، لا بالتفکير في علم حادث أصاب ما خلق، ولا شبهة دخلت عليه فيما لم يخلق، لکن قضاء مبرم، وعلم محکم، وأمر متقَن. توحّد بالربوبيّة، وخصّ نفسه بالوحدانيّة، واستخلص بالمجد والثناء، وتفرّد بالتوحيد والمجد والسناء، وتوحّد بالتحميد، وتمجّد بالتمجيد، وعلا عن اتّخاذ الأبناء، وتطهّر وتقدّس عن ملامسة النساء، وعزّ وجلّ عن مجاورة الشرکاء.

فليس له فيما خلق ضدّ، ولا له فيما ملک ندّ، ولم يشرکه في ملکه أحد، الواحد الأحد الصمد، المبيد للأبد والوارث للأمد، الذي لم يزل ولم يزال

[صفحه 148]

وحدانيّاً أزليّاً، قبل بدء الدهور وبعد صروف الاُمور، الذي لا يبيد ولا ينفد، بذلک أصف ربّي فلا إله إلّا اللَّه، من عظيم ما أعظمه؟! ومن جليل ما أجلّه؟! ومن عزيز ما أعزّه؟! وتعالي عمّا يقول الظالمون علوّاً کبيراً[7] .

5340- عنه عليه السلام- في خطبته في مسجد الکوفة-: الحمد للَّه الذي لا من شي ء کان، ولا من شي ء کوّن ما قد کان، المستشهد بحدوث الأشياء علي أزليّته، وبما وسمها به من العجز علي قدرته، وبما اضطرّها إليه من الفناء علي دوامه، لم يخل منه مکان فيدرک بأينيّته، ولا له شبح مثال فيوصف بکيفيّته، ولم يغِب عن شي ء فيعلم بحيثيّته.

مباين لجميع ما أحدث في الصفات، وممتنع عن الإدراک بما ابتدع من تصريف الذوات، وخارج بالکبرياء والعظمة من جميع تصرّف الحالات، محرَّم علي بوارع ناقبات الفطن تجديدها، وعلي غوامض ثاقبات الفکر تکييفه وعلي غوائص سابحات النظر تصويره.

لا تحويه الأماکن لعظمته، ولا تدرکه المقادير لجلاله، ولا تقطعه المقائيس لکبريائه، ممتنع عن الأوهام أن تکتنهه، وعن الأفهام أن تستغرقه، وعن الأذهان أن تمثّله، وقد يئست من استنباط الإحاطة به طوامح العقول، ونضبت عن الإشارة إليه بالاکتناه بحار العلوم، ورجعت بالصغر عن السموّ إلي وصف قدرته لطائف الخصوم.

واحد لا من عدد، ودائم لا بأمد، وقائم لا بعمد، ليس بجنس فتعادِلَه

[صفحه 149]

الأجناس، ولا بشبح فتضارعه الأشباح، ولا کالأشياء فتقع عليه الصفات، قد ضلّت العقول في أمواج تيّار إدراکه، وتحيّرت الأوهام عن إحاطة ذکر أزليّته، وحَصِرت الأفهام عن استشعار وصف قدرته، وغرقت الأذهان في لجج أفلاک ملکوته، مقتدر بالآلاء، وممتنع بالکبرياء، ومتملّک علي الأشياء.

فلا دهر يُخلقه ولا زمان يُبليه، ولا وصف يُحيط به، وقد خضعت له الرقاب الصعاب في محلّ تخوم قرارها، وأذعنت له رواصن الأسباب في منتهي شواهق أقطارها، مستشهد بکليّة الأجناس علي ربوبيّته، وبعجزها علي قدرته، وبفطورها علي قدمته، وبزوالها علي بقائه، فلا لها محيص عن إدراکه إيّاها، ولا خروج من إحاطته بها، ولا احتجاب عن إحصائه لها، ولا امتناع من قدرته عليها.

کفي بإتقان الصنع لها آية، وبمرکب الطبع عليها دلالة، وبحدوث الفطر عليها قدمة، وبإحکام الصنعة لها عبرة[8] .

5341- عنه عليه السلام: الحمد للَّه الذي منع الأوهام أن تنال إلّا وجوده، وحجب العقول أن تتخيّل ذاته لامتناعها من الشبه والتشاکل، بل هو الذي لا يتفاوت في ذاته، ولا يتبعّض بتجزئة العدد في کماله.

فارقَ الأشياء لا علي اختلاف الأماکن، ويکون فيها لا علي وجه الممازجة. وعلِمَها لا بأداة؛ لا يکون العلم إلّا بها. وليس بينه وبين معلومه علم غيره به کان عالماً بمعلومه. إن قيل: کان، فعلي تأويل أزليّة الوجود، وإن قيل: لم يزل، فعلي

[صفحه 150]

تأويل نفي العدم[9] .

5342- عنه عليه السلام: الحمد للَّه الذي بطن خفيّات الاُمور، ودلّت عليه أعلام الظهور، وامتنع علي عين البصير؛ فلا عين من لم يره تُنکره، ولا قلب من أثبته يُبصره. سبق في العلوّ فلا شي ء أعلي منه، وقرب في الدنوّ فلا شي ء أقرب منه.

فلا استعلاؤه باعده عن شي ء من خلقه، ولا قربه ساواهم في المکان به، لم يُطلِع العقول علي تحديد صفته، ولم يحجبها عن واجب معرفته، فهو الذي تشهد له أعلام الوجود علي إقرار قلب ذي الجحود. تعالي اللَّه عمّا يقوله المشبّهون به والجاحدون له علوّاً کبيراً[10] .

5343 - عنه عليه السلام: قريب من الأشياء غير ملابس، بعيد منها غير مباين، متکلّم لا برَوِيّة، مريد لا بهمّة، صانع لا بجارحة، لطيف لا يوصف بالخفاء، کبير لا يوصف بالجفاء، بصير لا يوصف بالحاسّة، رحيم لا يوصف بالرقّة، تعنو الوجوه لعظمته، وتجب القلوب من مخافته[11] .

5344- عنه عليه السلام: الحمد للَّه الذي لم تسبق له حال حالاً، فيکون أوّلاً قبل أن يکون آخراً، ويکون ظاهراً قبل أن يکون باطناً، کلّ مسمّي بالوحدة غيره قليل، وکلّ

[صفحه 151]

عزيز غيره ذليل، وکّل قويّ غيره ضعيف، وکلّ مالک غيره مملوک، وکلّ عالم غيره متعلّم[12] .

5345- عنه عليه السلام: لا إله إلّا اللَّه الشاکر للمطيع له، المملي للمشرک به، القريب ممّن دعاه علي حال بعده، والبرّ الرحيم بمن لجأ إلي ظلّه واعتصم بحبله.

ولا إله إلّا اللَّه المجيب لمن ناداه بأخفض صوته، السميع لمن ناجاه لأغمض سرّه، الرؤوف بمن رجاه لتفريج همّه، القريب ممّن دعاه لتنفيس کربه وغمّه.

ولا إله إلّا اللَّه الحليم عمّن ألحد في آياته، وانحرف عن بيّناته، ودان بالجحود في کلّ حالاته. واللَّه أکبر القاهر للأضداد، المتعالي عن الأنداد، المتفرّد بالمنّة علي جميع العباد، واللَّه أکبر المحتجب بالملکوت والعزّة، المتوحّد بالجبروت والقدرة، المتردّي بالکبرياء والعظمة، واللَّه أکبر المتقدّس بدوام السلطان، والغالب بالحجّة والبرهان، ونفاذ المشيّة في کلّ حين وأوان[13] .

5346- حلية الأولياء عن النعمان بن سعد: کنت بالکوفة في دار الإمارة دارعليّ بن أبي طالب، إذ دخل علينا نوف بن عبداللَّه فقال: يا أميرالمؤمنين بالباب أربعون رجلاً من اليهود فقال عليٌّ: عليّ بهم، فلمّا وقفوا بين يديه قالوا له: يا عليّ صف لنا ربّک هذا الذي في السماء، کيف هو؟ وکيف کان؟ ومتي کان؟

وعلي أيّ شي ء هو؟

فاستوي عليٌّ جالساً وقال: معشر اليهود! اسمعوا منّي ولا تبالوا أن تسألوا أحداً غيري! إنّ ربّي عزّ وجلّ هو الأوّل لم يبد من ما، ولا ممازج مع ما، ولا حالّ

[صفحه 152]

وهماً، ولا شبحٌ يُتقصّي، ولا محجوبٌ فيُحوي، ولا کان بعد أن لم يکن فيُقال حادث، بل جلّ أن يُکيِّف المکيِّف الأشياء کيف کان، بل لم يزل ولا يزول لاختلاف الأزمان، ولا لتقلّب شان بعد شان.

وکيف يوصف بالأشباح، وکيف ينعت بالألسن الفِصاح من لم يکن في الأشياء.

فيقال: بائن ولم يبِنْ عنها فيقال: کائن؟ بل هو بلا کيفيّة، وهو أقرب من حبل الوريد، وأبعد في الشبَه من کلّ بعيد، لا يخفي عليه من عباده شخوص لحظة، ولا کرور لفظةٍ، ولا ازدلاف رقوة، ولا انبساط خطوة، في غسق ليلٍ داجٍ، ولا ادلاج، ولا يتغشّي عليه القمر المنير، ولا انبساط الشمس ذات النور بضوئهما في الکُرور، ولا إقبال ليل مقبل، ولا إدبار نهار مدبر إلّا وهو محيط بما يريد من تکوينه.

فهو العالم بکلّ مکان، وکلّ حين وأوان، وکلّ نهاية ومدّة، والأمد إلي الخلق مضروب، والحدّ إلي غيره منسوب، لم يخلق الأشياء من اُصول أوليّة ولا بأوائل کانت قبله بديّة، بل خلق ما خلق فأقام خلقه. وصوّر ما صوّر فأحسن صورته، توحّد في علوّه.

فليس لشي ء منه امتناع، ولا له بطاعة شي ء من خلقه انتفاع، إجابته للداعين سريعة، والملائکة في السماوات والأرضين له مطيعة، علمه بالأموات البائدين کعلمه بالأحياء المتقلّبين، وعلمه بما في السماوات العُلي کعلمه بما في الأرض السفلي، وعلمه بکلّ شي ء.

لا تحيّره الأصوات، ولا تشغله اللغات، سميع للأصوات المختلفة، بلا جوارح له مؤتلفة، مدبّر بصير، عالم بالاُمور، حيّ قيّوم، سبحانه.

[صفحه 153]

کلّم موسي تکليماً بلا جوارح ولا أدوات ولا شَفَة ولا لَهَوات، سبحانه وتعالي عن تکييف الصفات.

من زعم أنّ إلهنا محدود فقد جهل الخالق المعبود، ومن ذکر أنّ الأماکن به تحيط لزمته الحيرة والتخليط، بل هو المحيط بکلّ مکان.

فإن کنت صادقاً أيّها المتکلّف لوصف الرحمن بخلاف التنزيل والبرهان فصف لنا جبريل وميکائيل وإسرافيل، هيهات! أ تعجز عن صفة مخلوق مثلک وتصف الخالق المعبود؟! وأنت تدرک صفة ربّ الهيئة والأدوات، فکيف من لم تأخذه سنة ولا نوم، له ما في الأرضين والسماوات، وما بينهما وهو ربّ العرش العظيم![14] .

[صفحه 155]



صفحه 142، 143، 144، 145، 146، 147، 148، 149، 150، 151، 152، 153، 155.





  1. نهج البلاغة: الخطبة 1، الاحتجاج: 113:473:1، بحارالأنوار: 7:300:77 و ج 5:247:4 وراجع نهج الحقّ: 65.
  2. الإرشاد: 223:1 عن صالح بن کيسان، الاحتجاج: 114:475:1 وفيه «نفي الصفات» بدل «نفي التشبيه» و «بالفکر» بدل «بالنظر»، بحارالأنوار: 6:253:4.
  3. الحرور: الريح الحارّة بالليل، وقد تکون بالنهار. والصرَد: البَرد وقيل: شِدّته (لسان العرب: 177:4 و ج 248:3).
  4. قال ابن أبي الحديد ما خلاصته: تقدير الکلام- علي القول بنصب القدمة والأزليّة والتکملة-: أنّ إطلاق لفظة «منذ» علي الآلات والأدوات يمنعها عن کونها قديمة؛ لأنّ لفظة «منذ» وضعت لابتداء الزمان، والقديم لا ابتداء له....

    وتقديره- علي القول برفعها- أنّ قِدم الباري وأزليّته وکماله منعت الأدوات والآلات من إطلاق لفظة «منذ» و«قد» و«لولا» عليه سبحانه؛ لأنّ اللَّه تعالي قديم کامل، ولفظتا «منذ» و«قد» لا يطلقان إلّا علي محدَث، ولفظة «لولا» لا تُطلَق إلّا علي ناقص... (شرح نهج البلاغة: 76:13 و 77).

  5. يتکاءدهُ: أي يَصعب عليه ويَشقّ (النهاية: 137:4).
  6. نهج البلاغة: الخطبة 186، بحارالأنوار: 14:310:77.
  7. الکافي: 1:134:1 عن محمّد بن أبي عبداللَّه ومحمّد بن يحيي جميعاً رفعاه إلي الإمام الصادق عليه السلام، التوحيد: 3:41 عن الحصين بن عبدالرحمن عن أبيه عن الإمام الصادق عن آبائه عنه عليهم السلام، بحارالأنوار: 15:269:4.
  8. عيون أخبار الرضا: 15:121:1، التوحيد: 26:69 کلاهما عن الهيثم بن عبداللَّه الرماني عن الإمام الرضا عن آبائه عليهم السلام، البلد الأمين: 92 کلاهما نحوه، بحارالأنوار: 2:221:4.
  9. الکافي: 4:18:8 عن جابر بن يزيد عن الإمام الباقر عليه السلام، التوحيد: 27:73، الأمالي للصدوق: 515:399 کلاهما عن جابر بن يزيد عن الإمام الباقر عن آبائه عنه عليهم السلام نحوه وفيهما «أعجز الأوهام» بدل «منع الأوهام»، تحف العقول: 92 وفيه «أعدم الأوهام» بدل «منع الأوهام»، بحارالأنوار: 1:280:77.
  10. نهج البلاغة: الخطبة 49، شرح الأخبار: 640:311:2 نحوه وفيه «واستتر بلطفه عن عين البصيرة» بدل «وامتنع علي عين البصير»، بحارالأنوار: 36:308:4.
  11. نهج البلاغة: الخطبة 179، بحارالأنوار: 279:72.
  12. نهج البلاغة: الخطبة 65، بحارالأنوار: 37:309:4.
  13. البلد الأمين: 93، بحارالأنوار: 7:139:90.
  14. حلية الأولياء: 72:1، کنز العمّال: 1737:408:1.