خطبته الخالية من الألف











خطبته الخالية من الألف



5650- شرح نهج البلاغة: روي کثير من الناس قالوا: تذاکر قوم من أصحاب رسول اللَّه صلي الله عليه و آله أيّ حروف الهجاء أدخل في الکلام؟ فأجمعوا علي الألف، فقال عليّ عليه السلام:

[صفحه 281]

حمدت من عظمت منّته وسبغت نعمته وسبقت غضَبه رحمتُه وتمّت کلمته ونفذت مشيئته وبلغت قضيّته، حمدته حمد مقرٍّ بربوبيته متخضّع لعبوديّته متنصّل من خطيئته متفرّد بتوحيده مؤمّل منه مغفرة تُنجيه يوم يُشغل عن فصيلته وبنيه.

ونستعينه ونسترشده ونستهديه ونؤمن به ونتوکّل عليه، وشهدت له شهود مخلص موقن وفرّدته تفريد مؤمن متيقّن، ووحّدته توحيد عبدمذعن، ليس له شريک في ملکه، ولم يکن له وليّ في صنعه جلّ عن مشير ووزير وعن عون معين ونصير ونظير.

عَلِم فستر وبطن فخبر وملک فقهر وعُصي فغفر وحکم فعدل لم يزل ولن يزول «لَيْسَ کَمِثْلِهِ ي شَيْ ءٌ»[1] وهو بعد کلّ شي ء ربّ متعزّز بعزّته متمکّن بقوّته متقدّس بعلوّه متکبّر بسموّه، ليس يدرکه بصر ولم يُحط به نظر، قويّ منيع بصير سميع رؤوف رحيم. عجز عن وصفه من يصفه وضلّ عن نعته من يعرفه.

قرُب فبُعد وبُعد فقُرب، يجيب دعوة من يدعوه ويرزقه ويحبوه، ذو لطف خفي وبطش قويّ ورحمة موسعة وعقوبة موجعة، رحمته جنّة عريضة مونقة،[2] وعقوبته جحيم ممدودة موبقة.

وشهدتُ ببعث محمّد رسوله وعبده وصفيّه ونبيّه ونجيّه وحبيبه وخليله، بعثه في خير عصر وحين فترة وکفر، رحمةً لعبيده ومنّةً لمزيده، ختم به نبوّته وشيّد به حجّته، فوعظ ونصح وبلغ وکدح، رؤوف بکلّ مؤمن رحيم سخيّ رضيّ وليّ

[صفحه 282]

زکيّ، عليه رحمة وتسليم وبرکة وتکريم من ربّ غفور رحيم قريب مُجيب.

وصّيتکم معشر من حضرني بوصيّة ربّکم، وذکّرتُکم بسنّة نبيّکم، فعليکم برهبة تسکن قلوبکم، وخشية تُذري دموعکم، وتقيّة تنجيکم قبل يوم تُبليکم وتذهلکم، يوم يفوز فيه من ثقل وزن حسنته، وخفّ وزن سيّئته، ولتکن مسألتکم وتملّقکم مسألة ذلّ وخضوع وشکر وخشوع بتوبة وتورع وندم ورجوع، وليغتنم کلّ مغتنم منکم صحّته قبل سقمه وشبيبته قبل هرمه، وسعته قبل فقره وفرغته قبل شغله وحضره قبل سفره، قبل تکبّرٍ وتهرّمٍ وتسقّمٍ، يملّه طبيبه ويعرض عنه حبيبه، وينقطع غمده ويتغيّر عقله.

ثمّ قيل: هو موعوک وجسمه منهوک، ثمّ جدّ في نزع شديد، وحضره کلّ قريب وبعيد، فشخص بصره وطمح نظره، ورشح جبينه وعطف عرينه وسکن حنينه، وحزنته نفسه وبکته عرسه، وحُفر رمسه ويُتّم منه ولده، وتفرّق منه عدده وقُسم جمعه، وذهب بصره وسمعه، ومُدّد وجرّد وعُرّي وغُسل ونُشّف وسُجّي وبسط له وهُيّئ، ونُشر عليه کفنه وشدّ منه ذَقنه وقمّص وعمّم ووُدِع وسلّم، وحمل فوق سرير، وصُلّي عليه بتکبير، ونقل من دور مزخرفة وقصور مشيّدة وحُجر مُنجّدة،[3] وجُعل في ضريح ملحود وضيق مرصود بلبن منضود، مُسقّف بجُلمود، وهيل عليه حفره وحُثي عليه مدره، وتحقّق حِذره ونُسي خبره، ورجع عنه وليّه وصفيّه ونديمه ونسيبه، وتبدّل به قرينه وحبيبه، فهو حشو قبر ورهين قفر، يسعي بجسمه دود قبره، ويسيل صديده[4] من منخِره، يسحق تُربه لحمه،

[صفحه 283]

وينشف دمه ويرمّ عظمه حتي يوم حشره، فنُشر من قبره حين يُنفخ في صورٍ ويُدعي بحشرٍ ونشورٍ.

فثمّ بعثرت قبور، وحُصّلت سريرة صدورٍ، وجي ء بکلّ نبيّ وصدّيق وشهيد، وتوحّد للفصل قدير بعبده خبير بصير، فکم من زَفرة تُضنيه وحسرة تنضيه[5] في موقف مهول ومشهد جليل بين يدي ملک عظيم وبکلّ صغير وکبير عليم، فحينئذ يُلجمه عرقه ويُحصره قلقه، عبرته غير مرحومة وصرخته غير مسموعة وحجّته غير مقولة، زالت جريدته[6] ونُشرت صحيفته، نظر في سوء عمله، وشهدت عليه عينه بنظره، ويده ببطشه ورجله بخطوه وفرجه بلمسه وجلده بمسّه، فسلسل جيده وغُلّت يده، وسيق فسحب وحده، فورد جهنّم بکرب وشدّة، فظلّ يعذّب في جحيم، ويُسقي شربة من حميم تشوي وجهه وتسلخ جلده وتضربه زبنيةٌ بمقمع من حديد، ويعود جلده بعد نضجه کجلد جديد، يستغيث فتعرض عنه خزنة جهنّم، ويستصرخ فيلبث حقبة يندم.

نعوذ بربّ قدير من شرّ کلّ مصير، ونسأله عفو من رضي عنه ومغفرة من قبله، فهو وليّ مسألتي ومُنجح طلبتي، فمن زُحزح عن تعذيب ربّه، جُعل في جنّته بقربه وخلد في قصور مشيّدة وملک بحور عين وحفدة، وطيف عليه بکؤوس، اُسکن في حظيرة قدّوس، وتقلّب في نعيم وسقي من تسنيم، وشرب من عين سلسبيل، ومُزج له بزنجبيل مختّم بمسک وعبير، مستديم للملک مستشعر للسُّرُر، يشرب من خمور، في روض مُغدق، ليس يُصدّع من شربه وليس يُنزف.

[صفحه 284]

هذه منزلة من خشي ربّه، وحذر نفسه معصيته، وتلک عقوبة من جحد مشيئته، وسوّلت له نفسه معصيته، فهو قول فصل وحکم عدل وخبر قصص قصّ ووعظ نصّ «تَنزِيلٌ مِّنْ حَکِيمٍ حَمِيدٍ»[7] نزل به روح قدس مبين علي قلب نبيّ مهتد رشيد، صلّت عليه رسل سفرة مکرمون بررة.

عُذتُ بربّ عليم رحيم کريم من شرّ کلّ عدوّ لعين رجيم فليتضرّع متضرّعکم وليبتهل مُبتهلکم، وليستغفر کلّ مربوب منکم لي ولکم، وحسبي ربّي وحده[8] .



صفحه 281، 282، 283، 284.





  1. الشوري: 11.
  2. الأنَقَ: الفَرح والسرور، الشي ء الأنيق:المُعجِب (النهاية: 76:1).
  3. التنجيد: التَّزيين. يقال: بيت مُنَجَّد، ونُجوده: ستوره التي تُعَلّق علي حيطانه، يُزَيَّن بها (النهاية: 19:5).
  4. الصديدُ: قيحٌ ودَمٌ (مجمع البحرين، 1015:2).
  5. الضَّني: السقِيمُ، وأضناه المرض أي أثقَله، والضِّني بالکسر: الأوجاع(لسان العرب:486:14وص487).
  6. جُرَيَدة: تَصغير جَرْدَة، وهي: الخِرْقة البالية (النهاية: 257:1).
  7. فصّلت: 42.
  8. شرح نهج البلاغة: 140:19، مطالب السؤول: 60، کفاية الطالب: 393 عن أبي صالح، کنز العمّال: 44234:209:16؛ المصباح للکفعمي: 968، کلّها نحوه، بحارالأنوار: 28:340:77 وراجع المناقب لابن شهر آشوب: 48:2 والخرائج والجرائح: 56:740:2.