خطبتها في مجلس أبي بكر











خطبتها في مجلس أبي بکر



284. ابن مردويه، أخبرنا عبداللَّه بن إسحاق، أخبرنا محمّد بن عبيد، أخبرنا محمّد ابن زياد، أخبرنا شرقي بن قطامي، عن صالح بن کيسان، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة أنّها قالت: لمّا بلغ فاطمة أنّ أبابکر أظهر منعها فدکاً،

[صفحه 202]

لاثت خمارها علي رأسها، واشتملت بجلبابها، وأقبلت في لمّة من حفدتها ونساء قومها، تطأ ذيولها، ماتخرم مشية رسول اللَّه صلي الله عليه و آله حتّي دخلت علي أبي بکر وهو في حشدٍ من المهاجرين والأنصار وغيرهم، فنيطت دونها ملآءة، ثمّ أنّت أنّة أجهش لها القوم بالبکاء، ثمّ أمهلت هنيهة حتّي إذا سکنت فورتهم افتتحت کلامها بحمد اللَّه، والثناء عليه، ثمّ قالت: «لَقَدْ جَآءَکُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِکُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْکُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ»[1] فان تعزوه تجدوه أبي دون نسائکم، وأخا ابن عمّي، دون رجالکم، فبلّغ الرسالة، صادعاً بالنذارة، مائلاً عن مدرجة المشرکين، ضارباً لحدتهم، يجذ الأصنام، وينکث الهام، ويدعو إلي سبيل ربّه بالحکمة والموعظة الحسنة، حتّي تفرّي الليل عن صبحه، وأسفر الحق عن محضه، ونطق زعيم الدين، وخرست شقاشق الشياطين، وتمّت کلمة الإخلاص «وَکُنتُمْ عَلَي شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ»،[2] نهزة الطامع، ومذقة الشارب، وقبسة العجلان، وموطئ الأقدام، تشربون الطرق، وتقتاتون القد، أذلّةً خاسئين، حتّي استنقذکم اللَّه ورسوله بعد اللتيا والّتي، وبعد أن مَني ببهم الرجال، وذؤبان العرب، ومردة أهل الکتاب، کلّما أوقدوا ناراً للحرب، وفغرت فاغرة، قذف أخاه في لهواتها فلا ينکفي حتّي يطأ صماخها بأخمصه، ويطفئ عادية لهبها بسيفه، وأنتم في رفاهيّة آمنون وادعون، حتّي إذا اختار اللَّه لنبيّه دار أنبيائه، أطلع الشيطان رأسه، فدعاکم فألفاکم لدعوته مستجيبين، وللغرة ملاحظين، ثمّ استنهضکم فوجدکم غضاباً، فوسمتم غير إبلکم، ووردتم غير شربکم، هذا والعهد قريب، والکلم رحيب، والجرح لمّا

[صفحه 203]

يندمل، إنّما زعمتم خوف الفتنة «أَلَا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُواْ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةُم بِالْکَفِرِينَ»،[3] ثمّ لم تلبثوا حيث تسرون حسواً في ارتغاء، ونصبر منکم علي مثل حز المدي، وأنتم تزعمون أن لا إرث لنا، «أَفَحُکْمَ الْجَهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُکْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ»،[4] يا معشر المسلمين، أأبتز إرث أبي؟! أبي اللَّه أن ترث أباک ولاأرث أبي! لقد جئت شيئاً فريّا، فدونکها مرحولة مخطومة، تلقاک يوم حشرک، فنعم الحکم اللَّه، والزعيم محمّد، والموعد القيامة، وعند الساعة يخسر المبطلون.

ثمّ انکفأت إلي قبر أبيها تقول:


قد کان بعدک أنباء وهنبثة
لو کنت شاهدها لم تکثر الخطب


إنّا فقدناک فقد الأرض وابلها
واختل قومک فاشهدهم فقد نکبوا


فلمّا فرغت من مقالتها، حمد اللَّه أبوبکر وصلي علي نبيّه ثمّ قال: يا خير النساء، ويا ابنة خير الأنبياء، واللَّه ماتجاوزت رأي أبيک رسول اللَّه، ولاخالفت أمره، إنّ الرائد لايکذب أهله، إنّي أشهد اللَّه وکفي به شهيداً أنّي سمعت رسول اللَّه يقول: «إنّا معاشر الأنبياء لانورّث ذهباً ولافضة ولاداراً ولاعقاراً، وإنّما نورّث الکتاب والحکمة والنبوة».[5] .

[صفحه 204]

قالت: فلمّا سمعت فاطمة ذلک رضيت وانصرفت.

قالوا: ولمّا أفضي الأمر إلي عليّ عليه السلام تُکلّم معه أن يردّ فدکاً، فقال: «معاذ اللَّه، إنّي لأستحيي أن أردّ شيئاً منع منه أبوبکر وأمضاه عمر»، وأبي أن يردّها.[6] .


صفحه 202، 203، 204.








  1. سورة التوبة، الآية 128.
  2. سورة آل عمران، الآية 103.
  3. سورة التوبة، الآية 49.
  4. سورة المائدة، الآية 50.
  5. بقيّة الحديث مزيدة، ففي السند شرقي بن قطامي، طعن فيه ابن حجر في ميزان الاعتدال (ج 2، ص 268)، وقال: ضعّفه ابن زکريا الساجي، وذکره ابن عدي في کامله.

    وقد روي البخاري في صحيحه (ج 8، کتاب الفرائض، باب قول النبيّ صلي الله عليه و آله لانورّث، ص 3): أنّ فاطمة عليهاالسلام هجرت أبابکر ولم تکلّمه حتّي توفيت.

    کما روي هذه الخطبة- بغير الزيادة- أبوالفضل ابن طيفور في بلاغات النساء (ص 12، ص 14). وابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة (ج 16، ص 211).

  6. مقتل الحسين، ج 1، ص 77، قال الخوارزمي: وبهذا الإسناد [أي: إسناد الحديث المتقدم في کتابه، قال: أخبرني أبوالنجيب فيما کتب إليَّ بإسناده عن الحافظ أبي بکر بن مردويه...].