في فتح مكّة











في فتح مکّة



189. ابن مردويه، عن ابن عباس- رضي اللَّه عنهما- في قوله: «يَأَيُّهَا الَّذِينَء َامَنُواْ لَا تَتَّخِذُواْ عَدُوِّي وَ عَدُوَّکُمْ»[1] الآية، قال: نزلت في رجل کان مع النبيّ صلي الله عليه وسلم بالمدينة من قريش، کتب إلي أهله وعشيرته بمکة يخبرهم وينذرهم أنّ رسول اللَّه صلي الله عليه وسلم سائر إليهم، فأخبر رسول اللَّه صلي الله عليه وسلم بصحيفته، فبعث عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه فأتاه بها.[2] .

190. ابن مردويه، عن عليّ قال: بعثني رسول اللَّه صلي الله عليه وسلم أنا والزبير والمقداد، فقال: «انطلقوا حتّي تأتوا روضة خاخ، فإن بها ظعينة معها کتاب، فخذوه منها فأتوني به»، فخرجنا حتّي أتينا الروضة، فإذا نحن بالظعينة، فقلنا: أخرجي الکتاب، قالت: ما معي کتاب، قلنا: لتخرجين الکتاب أو لتلقين الثياب، فأخرجته من عقاصها، فأتينا به النبيّ صلي الله عليه وسلم، فإذا فيه من حاطب بن أبي بلتعة إلي أُناس من المشرکين بمکّة يخبرهم ببعض أمر النبيّ صلي الله عليه وسلم، فقال النبيّ صلي الله عليه وسلم: «ما هذا يا حاطب؟!» قال: لاتعجل عليَّ يا رسول اللَّه، إنّي کنت امرؤاً ملصقاً من قريش، ولم أکن من أنفسها، وکان مَن معکَ من المهاجرين لهم قرابات يحمون بها أهليهم وأموالهم بمکة، فأجبت إذ فاتني ذلک من النسب فيهم، أن أصطنع إليهم بدّاً يحمون بها قرابتي، وما فعلت ذلک کفراً ولا

[صفحه 154]

إرتداداً عن ديني، فقال النبيّ صلي الله عليه وسلم: «صدق»، فقال عمر: دعني يا رسول اللَّه، فأضرب عنقه، فقال: «إنّه شهد بدراً! وما يدريک! لعلّ اللَّه أطلع علي أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لکم»، ونزلت فيه: «يَأَيُّهَا الَّذِينَء َامَنُواْ لَا تَتَّخِذُواْ عَدُوِّي وَ عَدُوَّکُمْ أَوْلِيَآءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ».[3] .

191. ابن مردويه، من طريق ابن شهاب، عن عروة بن الزبير، عن عبدالرحمان ابن حاطب بن أبي بلتعة، وحاطب رجل من أهل اليمن کان حليفا للزبير بن العوام من أصحاب النبيّ صلي الله عليه وسلم، قد شهد بدراً، وکان بنوه وإخوته بمکة، فکتب حاطب وهو مع رسول اللَّه صلي الله عليه وسلم بالمدينة إلي کفار قريش بکتاب ينتصح لهم فيه، فدعا رسول اللَّه صلي الله عليه وسلم عليّاً والزبير فقال لهما: «انطلقا حتّي تدرکا امرأة معها کتاب، فخذا الکتاب فأتياني به»، فانطلقا حتّي أدرکا المرأة بحليفة بني أحمد، وهي من المدينة علي قريب من اثني عشر ميلاً، فقالا لها: اعطينا الکتاب الّذي معک، قالت: ليس معي کتاب، قالا: کذبت. قد حدّثنا رسول اللَّه صلي الله عليه وسلم أن معک کتاباً. واللَّه، لتعطين الکتاب الّذي معک أو لانترک عليک ثوباً إلّا التمسنا فيه، قالت: أولستم بناس مسلمين؟ قالا: بلي، ولکن رسول اللَّه صلي الله عليه وسلم قد حدّثنا أنّ معک کتاباً. حتّي إذ ظنت أنهما ملتمسان کلّ ثوب معها حلّت عقاصها، فأخرجت لهما الکتاب من بين قرون رأسها، کانت قد اعتقصت عليه، فأتيا رسول اللَّه صلي الله عليه وسلم، فإذا هو کتاب من حاطب بن أبي بلتعة إلي أهل مکّة، فدعا رسول اللَّه صلي الله عليه وسلم حاطباً، قال: «أنت کتبت هذا الکتاب؟» قال: نعم، قال: «فما حملک علي أن تکتب به؟» قال حاطب: أما واللَّه، ما ارتبت منذ أسلمت في اللَّه عزوجل، ولکنّي کنت امرؤاً غريباً فيکم أيّها الحي من

[صفحه 155]

قريش، وکان لي بنون وإخوة بمکّة، فکتبت إلي کفار قريش بهذا الکتاب لکي أدفع عنهم. فقال عمر: ائذن لي يا رسول اللَّه أضرب عنقه، فقال رسول اللَّه صلي الله عليه وسلم: «دعه، فإنّه قد شهد بدراً، وإنّک لاتدري! لعلّ اللَّه أطلع علي أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فإنّي غافر لکم ما عملتم!» فأنزل اللَّه في ذلک: «يَأَيُّهَا الَّذِينَء َامَنُواْ لَا تَتَّخِذُواْ عَدُوِّي وَ عَدُوَّکُمْ أَوْلِيَآءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ»[4] حتّي بلغ: «لَّقَدْ کَانَ لَکُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن کَانَ يَرْجُواْ اللَّهَ وَ الْيَوْمَ الْأَخِرَ».[5] [6] .

192. ابن مردويه، عن أنس رضي الله عنه قال: أمن رسول اللَّه صلي الله عليه وسلم الناس يوم الفتح إلّا أربعة: عبداللَّه بن خطل، ومقيس بن صبابة، وعبداللَّه بن سعد بن أبي سرح، واُمّ سارة، فذکر الحديث قال: وأمّا اُمّ سارة فإنّها کانت مولاة لقريش، فأتت رسول اللَّه صلي الله عليه وسلم فشکت إليه الحاجة، فأعطاها شيئاً، ثمّ أتاها رجل فبعث معها بکتاب إلي أهل مکّة يتقرب بذلک إليهم لحفظ عياله، وکان له بها عيال، فأخبر جبريل النبيّ صلي الله عليه وسلم بذلک، فبعث في أثرها عمر بن الخطاب وعليّ بن أبي طالب- رضي اللَّه عنهما-، فلقياها في الطريق ففتشاها، فلم يقدرا علي شي ء معها، فأقبلا راجعين، ثمّ قال أحدهما لصاحبه: واللَّه ما کَذبْنا ولاکُذِبْنا، ارجع بنا إليها، فرجعا إليها فسلّا سيفهما فقالا: واللَّه، لنذيقنّکِ الموت أو لتدفعي إلينا الکتاب، فأنکرت، ثمّ قالت: أدفعه إليکما علي أن لاتردّاني إلي رسول اللَّه صلي الله عليه وسلم فقبلا ذلک منها، فحلّت عقاص رأسها فأخرجت الکتاب من قرن من قرونها، فدفعته إليهما فرجعا به إلي رسول اللَّه صلي الله عليه وسلم فدفعاه إليه، فدعا الرجل فقال: «ما هذا الکتاب؟!» فقال: أخبرک يا رسول اللَّه، إنّه ليس من

[صفحه 156]

رجل ممّن معک إلّا وله بمکة من يحفظ عياله، فکتبت بهذا الکتاب ليکونوا لي في عيالي، فأنزل اللَّه: «يَأَيُّهَا الَّذِينَء َامَنُواْ لَا تَتَّخِذُواْ عَدُوِّي وَ عَدُوَّکُمْ أَوْلِيَآءَ...» الآية.[7] .

193. ابن مردويه، عن أبي هريرة، قال: قال رسول اللَّه صلي الله عليه و آله يوم فتح مکّة لعليّ عليه السلام: «أما تري هذا الصنم بأعلي الکعبة؟» قال: بلي يا رسول اللَّه، قال: «فأحملک فتناوله»، قال: بل أنا أحملک يا رسول اللَّه، فقال: «لو أنّ ربيعة ومضر جهدوا أن يحملوا منّي بضعة وأنا حي ما قدروا، ولکن قف يا عليّ»، قال: فضرب رسول اللَّه بيده إلي ساقي عليّ عليه السلام فوق القربوس، ثمّ اقتلعه من الأرض بيده فرفعه حتّي تبيّن بياض إبطيه، ثمّ قال له: «ما تري يا عليّ؟» قال: أري أنّ اللَّه عزوجل قد شرّفني بک حتّي لو أردت أن أمسّ السماء بيدي لمسستها، فقال له: «تناول الصنم يا عليّ»، فتناوله ثمّ رمي به.[8] .

[صفحه 157]


صفحه 154، 155، 156، 157.








  1. سورة الممتحنة، الآية 1.
  2. الدرّ المنثور، ج 6، ص 203.
  3. الدرّ المنثور، ج 6، ص 202. قال: أخرج أحمد، والحميدي، وعبد بن حميد، والبخاري، ومسلم وأبوداوود، والترمذي، والنسائي، وأبوعوانه، وابن حبان، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، والبيهقي، وأبونعيم معاً في الدلائل، عن عليّ....
  4. سورة الممتحنة، الآية 1.
  5. سورة الأحزاب، الآية 21.
  6. الدرّ المنثور، ج 6، ص 203.
  7. المصدر السابق، ص 204.
  8. الطرائف، ص 80، ح 113.

    ورواه ابن المغازلي في مناقب عليّ بن أبي طالب عليه السلام (ص 202، ح 240). قال: أخبرنا أبونصر أحمد بن موسي ابن الطحان إجازةً، عن القاضي أبي الفرج أحمد بن عليّ بن جعفر بن محمّد بن المعلّي الخيوطي، حدّثنا محمّد ابن الحسن الحساني، حدّثنا محمّد بن غياث، حدّثنا هدبة بن خالد، حدّثنا حمّاد بن زيد، عن عليّ بن زيد بن جدعان، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة قال: قال رسول اللَّه صلي الله عليه و آله و سلم لعليّ بن أبي طالب يوم فتح مکّة: «أما تري هذا الصنم بأعلي الکعبة؟» قال: بلي يا رسول اللَّه، قال: «فأحملک فتناوله» فقال: بل أنا أحملک يا رسول اللَّه، فقال صلي الله عليه و آله: «واللَّه، لو أن ربيعة ومضر جهدوا أن يحملوا منّي بضعة وأنا حي ما قدروا، ولکن قف يا عليّ»، فضرب رسول اللَّه صلي الله عليه و آله بيده إلي ساقي عليّ فوق القربوس، ثمّ اقتلعه من الأرض بيده، فرفعه حتّي تبيّن بياض إبطيه، ثمّ قال له: «ما تري يا عليّ»، قال: أري أن اللَّه عزوجل قد شرّفني بک حتّي أنّي لو أردت أن أمسّ السماء لمسستها، فقال له: «فتناول الصنم يا عليّ» فتناوله ثمّ رمي به.

    وقال العلّامة المجلسي بعد إيراده الحديث في البحار (ج 38، ص 86): رواه أحمد بن حنبل وأبويعلي الموصلي في مسنديهما، وأبوبکر الخطيب في تاريخ بغداد، ومحمّد بن صباح الزعفراني في الفضائل، والحافظ أبوبکر البيهقي، والقاضي أبوعمرو عثمان بن أحمد في کتابيهما، والثعلبي في تفسيره، وابن مردويه في المناقب، وابن مندة في المعرفة، والنطنزي في الخصائص، والخطيب الخوارزمي في الأربعين، وأبوأحمد الجرجاني في التاريخ، وقد صنف في صحته أبوعبد اللَّه الجعل، وأبوالقاسم الحسکاني، وأبوالحسن شاذان مصنفات.