مكانته و أقوال العلماء فيه











مکانته و أقوال العلماء فيه



ذکر أصحاب التراجم بعض أحوال ابن مردويه وآثاره.

فتحدّث الذهبي عن مبلغ شيوخ ابن مردويه وقال: «وقلَّ من يبلغ ما بلغه الطبراني، وشيوخه نحو من ألف، وکذا الحاکم وابن مردويه».[1] .

بل ذهب بعضهم إلي القول بتقدّم ابن مردويه علي الحاکم النيسابوري فيما بلغه.

حکي الذهبي عن أبي موسي في ترجمة ابن مردويه أنّه قال: «لو کان ابن مردويه خراسانيّاً، کان صيته أکثر من صيت الحاکم».[2] .

وأشارت المصادر إلي نباهة ابن مردويه، وتورّعه في الرواية، وتثبّته في النقل، وإتقانه وضبطه.

قال الذهبي في ترجمة الحافظ الطبراني:

«سليمان بن أحمد بن أيّوب اللخمي الطبراني، الحافظ الثبت المعمّر، أبوالقاسم، لاينکر له التفرّد في سعة ما روي. ليّنه الحافظ أبوبکر بن مردويه لکونه غلط أو نسي، فمن ذلک أنّه وهم، وحدّث بالمغازي عن أحمد بن عبداللَّه بن عبدالرحيم بن البرقي، وإنّما أراد عبدالرحيم أخاه، فتوهّم أنّ شيخه عبدالرحيم اسمه أحمد، واستمر علي هذا يروي عنه ويسميه أحمد، وقد مات أحمد قبل دخول الطبراني إلي مصر بعشر سنين أو أکثر».[3] .

وقال حفيده أبوبکر أحمد بن محمّد بن أحمد بن مردويه: «رأيت من أحوال جدّي من الديانة في الرواية ما قضيت منه العجب من تثبته وإتقانه. واُهدي له،

[صفحه 13]

فقال: إن قبلتها فلا آذن لک بعد في دخول داري، وإن ترجع تزد عليَّ کرامة».[4] .

وحکي الذهبي عمّن سمع أبابکر بن مردويه أنّه قال: «ما کتبت بعد العصر شيئاً قطّ- وقال-: عميت قبل کل أحد- يعني: من أقرانه-، وسمع أنّه کان يملي حفظاً بعد ما عمي».[5] .

وکغيره ممّن عشق الحديث النبوي الشريف رحل ابن مردويه في طلبه، وتذکر لنا المصادر التاريخيّة أنّه قدم العراق لأجل ذلک.

قال رحمه الله: «دخلت بغداد، وتطلّبت حديث إدريس بن جعفر العطار، عن يزيد بن هارون، وروح بن عبادة...».[6] .

وأشاد العلماء والمترجمون بجهود ابن مردويه في جمع التفاصيل عن الأخبار والروايات والأحاديث المختلفة، وأسبغوا عليه من النعوت والألقاب مايبرز مکانته العلميّة.

قال أبونُعيم (ت 430 ه) في ترجمته: «أحمد بن موسي بن مردويه الحافظ، جمع حديث الأئمّة والشيوخ والتفسير، وله المصنفات».[7] .

ووصفه الذهبي (ت 748 ه) ب «الحافظ الثبت العلّامة».[8] وب «الحافظ المجوّد العلّامة، محدّث أصبهان».[9] .

ونقل عن أبي بکر بن أبي عليّ أنّه قال: «هو أکبر من أن ندلَّ عليه وعلي فضله وعلمه وسيره، وأشهر بالکثرة والثقة من أن يوصف حديثه».[10] .

وقال الذهبي: «کان من فرسان الحديث، فهماً يقظاً متقناً، کثير الحديث جدّاً،

[صفحه 14]

ومن نظر في تواليفه عرف محلّه من الحفظ. ومن تصانيفه کتاب المستخرج علي صحيح البخاري بعلوٍّ في کثير من أحاديث الکتاب حتّي کأنّه لقي البخاري».[11] .

وقال الصفدي (ت 764 ه) في ترجمته: «الحافظ العلّامة... خرّج حديث الأئمّة، وسمع الکثير بأصبهان والعراق».[12] .

وقال ابن تغري بردي (ت 874 ه): «کان إماماً حافظاً ثقة سمع الکثير».[13] .

وقال الداوودي (ت 945 ه) في ترجمته: «أحمد بن موسي بن مردويه الأصبهاني، الحافظ الکبير، الثبت العلّامة، عمل المستخرج علي صحيح البخاري، وکان قيِّماً بمعرفة هذا الشأن، بصيراً بالرجال، طويل الباع، مليح التصانيف».[14] .

وقال ابن العماد الحنبلي (ت 1089 ه): «کان إماماً في الحديث، بصيراً بهذا الشأن».[15] .

وقال ابن الغزي (ت 1167 ه): «أحمد بن موسي بن مردويه. الإمام الحبر، البحر الحجّة، الحافظ أبوبکر الأصبهاني».[16] .

وقال فؤاد سزکين في وصفه: «کان محدّثاً ومفسّراً ومؤرّخاً وجغرافيّاً».[17] .

وتتضح منزلة ابن مردويه من بين أقرانه من الحفّاظ والمحدّثين ممّا قاله ابن قيم الجوزيّة (ت 751 ه) عقب إيراده حديث بني المنتفق، قال:

«هذا حديث کبير جليل، تنادي جلالته وفخامته وعظمته علي أنّه قد خرج من مشکاة النبوّة، لايعرف إلّا من حديث عبدالرحمان بن المغيرة بن عبدالرحمان

[صفحه 15]

المدني، رواه عنه إبراهيم بن حمزة الزبيري، وهما من کبار علماء المدينة، ثقتان محتج بهما في الصحيح، أحتج بهما إمام أهل الحديث محمّد بن إسماعيل البخاري، ورواه أئمّة أهل السنّة في کتبهم، وتلقّوه بالقبول، وقابلوه بالتسليم والانقياد، ولم يطعن أحد منهم فيه ولا في أحد من رواته. فممّن رواه:

الإمام ابن الإمام، أبوعبدالرحمان عبداللَّه بن أحمد بن حنبل في مسند أبيه، وفي کتاب السنّة.

ومنهم: الحافظ الجليل أبوبکر أحمد بن عمرو بن أبي عاصم النبيل في کتاب السنّة له.

ومنهم: الحافظ أبوأحمد محمّد بن أحمد بن إبراهيم بن سليمان العسّال في کتاب المعرفة.

ومنهم: حافظ زمانه، ومحدّث أوانه، أبوالقاسم سليمان بن أحمد بن أيّوب الطبراني في کثير من کتبه.

ومنهم: الحافظ أبومحمّد عبداللَّه بن محمّد بن حيّان أبوالشيخ الأصبهاني في کتاب السنّة.

ومنهم: الحافظ بن الحافظ أبوعبداللَّه محمّد بن إسحاق بن محمّد بن يحيي بن مندة، حافظ أصبهان.

ومنهم: الحافظ أبوبکر أحمد بن موسي بن مردويه.

ومنهم: حافظ عصره، أبونعيم أحمد بن عبداللَّه بن إسحاق الأصبهاني.

وجماعة من الحفّاظ سواهم يطول ذکرهم».[18] .

وتتضح منزلة ابن مردويه أيضاً من کلام لتاج الدين السبکي (ت 771 ه) حول أهميّة الأسانيد، وذکر فيه طبقات الصحابة والتابعين ومن بعدهم، قال:

«... وقال الأوزاعي: ما ذهاب العلم إلّا ذهاب الإسناد.

[صفحه 16]

وقال يزيد بن زُرَيع: لکلّ دين فرسان، وفرسان هذا الدين أصحاب الأسانيد. فرضي اللَّه عنهم، هم القوم، بهم کمّل اللَّه النعماء. فأين أهل عصرنا من حفّاظ هذه الشريعة: أبي بکر الصدّيق، وعمر الفاروق، وعثمان ذو النورين، وعليّ المرتضي؟!...

ومن طبقة أُخري من التابعين: أويس القرني، وعلقمة بن قيس...- إلي أن قال-: وأبي عبداللَّه بن مندة، وأبي عبداللَّه بن الحسين بن أحمد بن بکير، وأبي عبداللَّه الحاکم، وعبدالغني بن سعيد الأزدي، وأبي بکر بن مردويه... فهؤلاء مهرة هذا الفن. وقد أغفلنا کثيراً من الأئمّة، وأهملنا عدداً صالحاً من المحدّثين، وإنّما ذکرنا من ذکرناه لنُنبِّه بهم علي من عداهم، ثمّ أفضي الأمر إلي طيِّ بساط الأسانيد رأساً، وعُدّ الإکثار منها جهالةً ووسواساً».[19] .


صفحه 13، 14، 15، 16.








  1. سير أعلام النبلاء، ج 17، ص 36.
  2. المصدر السابق، ص 308.
  3. ميزان الإعتدال، ج 2، ص 195.
  4. سير أعلام النبلاء، ج 17، ص 308.
  5. سير أعلام النبلاء، ج 17، ص 308.
  6. لسان الميزان، ج 3، ص 75.
  7. تاريخ أصبهان، ج 1، ص 206.
  8. تذکرة الحفاظ، ج 3، ص 1050.
  9. سير أعلام النبلاء، ج 17، ص 308.
  10. المصدر السابق.
  11. سير أعلام النبلاء، ج 17، ص 308.
  12. الوافي بالوفيّات، ج 8، ص 801.
  13. النجوم الزاهرة، ج 4، ص 245.
  14. طبقات المفسرين، ج 1 ص 94.
  15. شذرات الذهب، ج 3، ص 190.
  16. ديوان الإسلام، ج 4، ص 271.
  17. تاريخ التراث العربي، ج 1، ص 462.
  18. زاد المعاد، ج 3، ص 677.
  19. طبقات الشافعية الکبري، ج 1، ص 314.