تقديم











تقديم



بسم الله الرحمن الرحيم

نشر علي صفحات نشرة « تراثنا » وفي عددها الثاني عشر ، من ص 79 ـ 133 ، کتاب مقتل الامام علي عليه السلام لابن أبي الدنيا ، ولما يحمله هذا المقتل من تجن علي الحقيقة وما فيه من المغالطات ، فلقد قمنا وبعون الله تعالي بجمع جملة من الروايات الواردة في کتب أهل السنة والتي أشارت إلي الحقائق الناصعة التي أهملها ابن أبي الدنيا في مقتله المذکور.

لا يغالي المرء عندما يجزم بأن التاريخ الاسلامي بسجله الحافل وصفحاته الواسعة لم تستوقفه شخصية ما بعد رسول الله محمد صلي الله عليه وآله وسلم ـ الرحمة الالهية المهداة ـ غير شخصية الامام علي بن أبي طالب عليه السلام ، ولا يذهب ـ قطعا ـ إلي هذا القول بسطاء الناس وعامتهم ، ولا فقط من يحمل عليهم البغض ويصمهم بشتي النعوت وأقسي الاوصاف ، کالمغالاة ، والحب المفرط ، بل قلما يجد المرء ـ بعد عسير الجهد ومشقة البحث ـ من يتجاهلها ، وهم اولاء لا يعدو کونهم إلا ممن أعمتهم الشمس الساطعة... فاتهموها بالکسوف. ناهيک عن

أنه ما حظيت شخصية بالتکريم الالهي والثناء المحمدي ـ وبهذا الاطناب الرائع ـ عدا شخصية أمير المؤمنين عليه السلام ، وکذا لم ينقل لاحد ما نقل له من هذه الاوصاف والنعوت التکريمية[1] ، واغترف الکثيرون من هذا البحر الکبير ، في حين تجرأ البعض منهم فخاضوا عبابه ، فما استدل معظمهم علي مرافئه الامنة وشواطئه الساکنة ، فحلت بهم سفنهم حيث الضلال والانحراف.

فالتجرد الواعي ، والنزاهة السليمة لابد وأن تکون محک البحث ، ومقياس الحکم ، ومداد الاقلام ، حيث أن مئات من السنين العجاف التي ألمت بالعالم الاسلامي لابد وأن تستوقف کل ذي عقل لبيب ، وذهن فطن.

فالصراع الازلي بين الظلمة والنور ، وبين الخير والشر لا يمکن أن يسترسل علي منوال واحد وسبيل معروف ، ومن الخطأ التسليم بأن لا جديد تحت الشمس ، فالتلون أمسي ستارا يستخفي خلفه ذوو المآرب الدنيئة والنفوس الفاسدة.

ولعله من قبيل الامر المسلم به أن الامويين وقفوا کالشوکة المدببة ، والذئب الضاري ، يعمل أنيابه الناتئة وأضراسه الحادة في کل ما خلفه علي عليه السلام نسلا وحرثا وتراثا.

وهذي أمهات الکتاب حبلي من آثار تلک البصمات الوسخة التي حاولت جاهدة أن تخفي نور النهار بمساحة الکف.

وإذا کان الظلم قد أنشب أظافره بادئ ذي بدء بذاک الجسد الطري للصبي الذي کان أول من نطق بالشهادتين[2] ، فإن هذا الظلم لازمه ولصق به حتي يومنا هذا ، فلذا ما أصدق قوله عليه السلام: « أنا أول من يجثو بين يدي

الرحمن للخصومة يوم القيامة »[3] وقوله عن رسول الله صلي الله عليه وآله: « إن مما عهد إلي النبي صلي الله عليه وآله وسلم أن الامة ستغدر بي بعده »[4] .

وإذا کان للزمن أثر ، فما ترکه الامويون من آثار لهي من الکثرة بمکانة بحيث تستوجب التأمل والتريث في أخذ ما مر تحت أنظارهم وما تناقلته ألسنتهم ، فقد « عمل الامويون علي طمس مناقب الامام علي وفضائله بسبب حقدهم عليه ، [ ولم يکتفوا بذلک بل ] کانوا يهددون کل من تحدث بمناقبه »[5] ، ولعل روايات مقتله عليه السلام جانب من تلک الجوانب التي امتدت إليها أصابع التزوير وترکت فيها آثارا واضحة لا تخفي علي من وهبه الله تعالي بصيرة يستهدي بها ويتجنب العثار.

فحقد الامويين هذا وسعيهم الدؤوب في طمس فضائل الامام علي عليه السلام دفع الکثيرين إلي التساؤل... لم ؟! ولا تفسير أبلغ لهذا السؤال من قول مروان للامام علي بن الحسين عليهما السلام عندما سأله عن مغزي الاصرار علي شتم علي عليه السلام علي المنابر ، فقال: « لا يستقيم لنا هذا إلا بهذا »[6] .

بيد أن ما يسمو بعلي ويزيد في غيظ أعدائه قول رسول الله صلي الله عليه وآله له: « يا علي ، إنک أول من يقرع باب الجنة فتدخلها بغير حساب بعدي »[7] .

وإن کنت قد حشرت نفسي في ساحة لا موطئ قدم لي فيها ، فإني قد استللت بعض الروايات التي تروي جانبا من قصة هذا المقتل ، وبشکل مختصر ، وأوردتها في أبواب تساير الفتنة وحتي الاستشهاد... والله من وراء القصد.

إشارة

ابن إسحاق ، وابن شهاب ، أنه کتب حلية أمير المؤمنين عليه السلام عن ثبيت الخادم ، فأخذا عمرو بن العاص فزم بأنفه ، فقطعها وکتب: إن أبا تراب کان شديد الادمة ، عظيم البطن ، حمش الساقين... ونحو ذلک ، فلذلک رقع الخلاف في حليته[8] .









  1. روي مثل هذا القول ابن حجر في الاصابة 2 / 507.
  2. الرياض النضرة 3 ـ 4 / 110 ، مستدرک الحاکم 3 / 136 ، تاريخ بغداد 2 / 8 ، الاستيعاب 2 / 457 ، رووا عن رسول الله صلي الله عليه وآله: « أولکم ورودا علي الحوض أولکم إسلاما ، علي ابن أبي طالب » وأورده الطبراني في الاوائل: 78 ح 51 بطرق مختلفة.

    وروي عن زيد بن أرقم قوله: « کان أول من أسلم علي بن أبي طالب » الرياض النضرة 2 ـ 3 / 110 وقال: خرجه أحمد والترمذي

  3. نور الابصار ـ للشبلنجي ـ: 90.
  4. مستدرک الحاکم 3 / 140.
  5. الاصابة ـ لابن حجر ـ 2 / 507.
  6. أنساب الاشراف 2 / 184.
  7. الرياض النضرة 3 ـ 4 / 114.
  8. المناقب ـ لابن شهر آشوب ـ 3 / 306 ، حمش الساقين: أي دقيقهما.