هلم معي إلي صلاة ابن عمر











هلم معي إلي صلاة ابن عمر



وأما صلاته مع من غلب وتأمر فمن شواهد جهله بشأن العبادات وتهاونه بالدين الحنيف، ولعبه بشعائر الله شعائر الاسلام المقدس، قد استحوذ عليه الشيطان فأنساه ذکر الله، اعتذر الرجل بهذه الخزاية عن ترکه الصلاة وراء خير البشر أحد الخيرتين. أحب الناس إلي الله ورسوله، علي أميرالمؤمنين المعصوم بلسان الله العزيز، وعن إقامته إياها وراء الحجاج الفاتک المستهتر، وقد جاء من طريق سفيان الثوري عن سلمة بن کهيل قال:

اختلفت أنا وذر المرهبي[1] في الحجاج فقال: مؤمن. وقلت: کافر. قال الحاکم: وبيان

[صفحه 51]

صحته ما اطلق فيه مجاهد بن جبر رضي الله عنه فيما حدثناه من طريق أبي سهل أحمد القطان عن الاعمش قال: والله لقد سمعت الحجاج بن يوسف يقول: يا عجبا من عبد هذيل (يعني عبدالله بن مسعود) يزعم انه يقرأ قرآنا من عند الله، والله ما هو إلا رجز من رجز الاعراب، والله لو أدرکت عبد هذيل لضربت عنقه[2] وزاد ابن عساکر: ولاخلين منها المصحف ولو بضلع خنزير.

وذکر ابن عساکر في تاريخه: 69 من خطبة له قوله: اتقوا الله ما استطعتم فليس فيها مثوبة، واسمعوا واطيعوا لامير المؤمنين عبدالملک فانها المثوبة، والله لو أمرت الناس أن يخرجوا من باب من ابواب المسجد فخرجوا من باب آخر لحلت لي دمائهم و أموالهم.

علي أن ابن عمر هو الذي جاء بقوله عن رسول الله صلي الله عليه وآله: في ثقيف کذاب ومبير. أو قوله: إن في ثقيف کذابا ومبيرا[3] وأطبق الناس سلفا وخلفا علي أن المبير هو الحجاج قال الجاحظ: خطب الحجاج بالکوفة فذکر الذين يزورون قبر رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم بالمدينة فقال: تبا لهم إنما يطوفون بأعواد ورمة بالية هلا طافوا بقصر أميرالمؤمنين عبدالملک؟ ألا يعلمون أن خليفة المرأ خير من رسوله؟[4] .

وقال الحافظ ابن عساکر في تاريخه 81:4: اختلف رجلان فقال احدهما: إن الحجاج کافر، وقال الآخر: انه مؤمن ضال. فسألا الشعبي فقال لهما: انه مؤمن بالجبت والطاغوت، کافر بالله العظيم.

وقال: وسئل عنه واصل بن عبدالاعلي فقال: تسألوني عن الشيخ الکافر.

وقال: قال القاسم بن مخيمرة: کان الحجاج ينتفض من الاسلام.

وقال: قال عاصم بن أبي النجود: ما بقيت لله تعالي حرمة إلا وقد انتهکها الحجاج.

وقال: قال طاوس: عجبت لاخواننا من أهل العراق يسمون الحجاج مؤمنا.

وقال الاجهوري: وقد اختار الامام محمد بن عرفة والمحققون من اتباعه کفر

[صفحه 52]

الحجاج. الاتحاف ص 22.

دع هذه کلها وخذ ما أخرجه الترمذي وابن عساکر من طريق هشام بن حسان انه قال: احصي ما قتل الحجاج صبرا فوجد مائة ألف وعشرون ألفا[5] ووجد في سجنه ثمانون ألفا محبوسون، منهم ثلاثون ألف امرأة[6] وکانت هذه المجزرة الکبري والسجن العام بين يدي ابن عمر ينظر إليهما من کثب، أدرک أيام الحجاج کلها ومات وهو حي يذبح ويفتک.

أمثل هذا الجائر الغادر الآثم يتأهل للايتمام به دون سيد العرب مثال القداسة والکرامة؟.

وهل ابن عمر نسي يوم بايع الحجاج ما اعتذر به من امتناعه عن بيعة ابن الزبير لما قيل له: ما يمنعک أن تبايع امير المؤمنين- ابن الزبير- فقد بايع له أهل العروض وعامة أهل الشام؟ فقال: والله لا ابايعکم وأنتم واضعوا سيوفکم علي عواتقکم تصيب أيديکم من دماء المسلمين[7] .

هلا کان ابن عمر ونصب عينيه ما کانت تصيبه أيدي الحجاج وزبانيته من دماء المسلمين، دماء امة کبيرة من عباد الله الصالحين، دماء نفوس زکية من شيعة آل الله؟

فکيف إئتم به وبايعه؟ وباي کتاب أم بأية سنة ساغ له حنث يمينه يوم بايع ابن الزبير ومديده إلي بيعته وهي ترجف من الضعف بعد ما بايعه رؤس الخوارج أعداء الاسلام، المارقين من الدين: نافع بن الازرق، وعطية بن الاسود، ونجدة بن عامر؟.[8] .

ليتني أدري وقومي أفي شريعة الاسلام حکم للغلبة يرکن إليه المسلم في الصلاة التي هي عماد الدين وأفضل أعمال امة محمد صلي الله عليه وآله؟ أو أن الايتمام في الجمعة والجماعة يدور مدار تحقق البيعة وإجماع الامة، وعدم النزاع بين الامام وبين من خالفه من الخوارج عليه؟ أو أن هاتيک الاعذار- أعذار إبن عمر- أحلام نائم وأماني کاذبة لا طائل تحتها؟ انظر إلي ضئولة عقل ابن عمر يحسب ان الامة تتلقي خزعبلاته

[صفحه 53]

بالقبول، وتراه بها معذورا في طاماته، ذاهلا عن أن هذه المعاذير أکثر معرة من بوادره والانسان علي نفسه بصيرة ولو ألقي معاذيره.

کان الرجل يصلي مع الحجاج بمکة کما قاله ابن سعد[9] وقال ابن حزم في المحلي 213:4: کان ابن عمر يصلي خلف الحجاج ونجدة[10] وکان أحدهما خارجيا، والثاني أفسق البربة. وذکره أبوالبرکات في بدائع الصنائع 156:1.

أليس أحق الناس بالامامة أقرؤهم لکتاب الله وأعلمهم بالسنة؟ أليس من السنة الصحيحة الثابتة قوله صلي الله عليه وآله: يؤم القوم أقرؤهم لکتاب الله فإن کانوا في القرائة سواء فأعلمهم بالسنة، فإن کانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة، فإن کانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سلما؟![11] .

أم لم يکن منها قوله صلي الله عليه وآله: إن سرکم أن تقبل صلاتکم فليؤمکم خيارکم، فإنهم وفدکم فيما بينکم وبين ربکم؟[12] .

أو لم يکن يسر ابن عمر أن تقبل صلاته؟ أم کان يروقه من صلاة الحجاج انه وخطباؤه کانوا يلعنون عليا وابن الزبير؟[13] أم کان يعلم أن الصلاة وغيرها من القربات لا تنجع لاي مسلم إلا بالولاية لسيد العترة سلام الله عليه[14] وابن عمر علي نفسه بصيرة، ويراه فاقدا إياها، بعيدا عنها، فايتمامه عندئذ بالامام العادل أو الجائر المستهتر سواسية؟.

إن کان الرجل يجد الغلبة ملاک الايتمام فهلا إئتم بمولانا أميرالمؤمنين عليه السلام وکان هو الغالب في وقعة الجمل ويوم النهروان؟ ولم يکن في صفين مغلوبا وإنما لعب ابن العاصي فيها بخديعته فالتبس الامر علي الاغرار، لکن أهل البصائر عرفوها فلم يتزحزحوا

[صفحه 54]

عن معتقدهم طرفة عين، وقبل هذه الحروب انعقدت البيعة بخليفة الحق من غير معارض ولا مزاحم حتي يتبين فيه الغالب من المغلوب، فکان إمام العدل عليه السلام هو المستولي علي عرش الخلافة والمحتبي بصدر دستها، فلما ذا ترکه عليه السلام ابن عمر ولم يأتم به وقد تم أمره، بتمام شروط البيعة وملاک الايتمام علي رأيه هو؟!

ومن نجدة الخارجي؟ ومتي غلب علي جميع الحواضر الاسلامية؟ وما قيمته وقيمة الايتمام به ورسول الله صلي الله عليه وآله يعرف الخوارج بالمروق من الدين بقوله: يخرج قوم من امتي يقرأون القرآن ليست قراءتکم إلي قراءتهم بشئ، ولا صلاتکم إلي صلاتهم بشئ، ولا صيامکم إلي صيامهم بشئ، يقرأون القرآن يحسبون انه لهم، وهو عليهم، لا تجاوز صلاتهم تراقيهم، يمرقون من الدين کما يمرق السهم من الرمية[15] .

وبقوله صلي الله عليه وآله وسلم: سيخرج قوم في آخر الزمان حدثاء الاسنان، سفهاء الاحلام، يقولون من خير قوله البرية، يقرأون القرآن، لا يجاوز ايمانهم حناجرهم، يمرقون من الدين کما يمرق السهم من الرمية، فأينما لقيتموهم فاقتلوهم، فإن في قتلهم أجرا لمن قتلهم عند الله يوم القيامة[16] .

وبقوله صلي الله عليه وآله: سيکون في امتي اختلاف وفرقة، قوم يحسنون القيل ويسيئون الفعل، يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الدين کما يمرق السهم من الرمية، ثم لا يرجعون حتي يرتد علي فوقه، هم شر الخلق، طوبي لمن قتلهم وقتلوه يدعون إلي کتاب الله وليسوا منه في شئ، من قاتلهم کان أولي بالله منهم. قالوا: يا رسول الله ما سيماهم؟ قال: التحليق[17] .

وبقوله صلي الله عليه وآله: يخرج من قبل المشرق قوم کان هديهم هکذا يقرؤن القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الدين کما يمرق السهم من الرمية، ثم لا يرجعون إليه ووضع يده علي صدره، سيماهم التحليق لا يزالون يخرجون حتي يخرج آخرهم، فإذا

[صفحه 55]

رأيتموهم فاقتلوهم. مستدرک الحاکم 147:2.

وبقوله صلي الله عليه وآله: يوشک أن يأتي قوم مثل هذا يتلون کتاب الله وهم أعداؤه، يقرؤن کتاب الله محلقة رؤسهم، فإذا خرجوا فاضربوا رقابهم. المستدرک 145:2.

وبقوله صلي الله عليه وآله إن أقواما من امتي أشدة، ذلقة ألسنتهم بالقرآن، لا يجاوز تراقيهم يمرقون من الدين کما يمرق السهم من الرمية، فإذا لقيتموهم فاقتلوهم فإن المأجور من قتلهم. المستدرک 146:2.

وبقوله صلي الله عليه وآله: الخوارج کلاب النار[18] من طريق صححه السيوطي في الجامع الصغير.

فما قيمة صحابي لا ينتجع مما جاء عن النبي الاقدس صلي الله عليه وآله من الکثير الصحيح في الناکثين والقاسطين والمارقين؟ ولم يرقط قيمة لتلکم النصوص، ويضرب عنها صفحا ولم يتبصر بها في دينه، ويتترس تجاه ذلک الحکم البات النبوي عن التقاعس عن تلک المشاهد بأنها فتنة. أحسب الناس أن يترکوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون؟.

لقد ذاق ابن عمر وبال أمره بترکه واجبه من البيعة لمولانا أميرالمؤمنين عليه السلام والتبرک بيده الکريمة التي هي يد رسول الله صلي الله عليه وآله وهو خليفته بلا منازع، وبترکه الايتمام به والدخول في حشده وهو نفس الرسول الاعظم صلي الله عليه وآله وسلم والبقية منه، بذل البيعة لمثل الحجاج الفاجر فضرب الله عليه الذلة والهوان هاهنا حتي أن ذلک المتجبر الکذاب المبير لم ير فيه جدارة بأن يناوله يده فمد إليه رجله فبايعها. وأخذه الله بصلاته خلفه وخلف نجدة المارق من الدين، وحسبه بذينک هوانا في الدنيا ولعذاب الآخرة أشد وأبقي، وکان من أخذه سبحانه إياه أن سلط عليه الحجاج فقتله وصلي عليه[19] ويالها من صلاة مقبولة ودعاء مستجاب من ظالم غاشم؟


صفحه 51، 52، 53، 54، 55.








  1. کان من عباد أهل الکوفة، أحد رجال الصحاح الستة.
  2. مستدرک الحاکم 556:3، تاريخ ابن عساکر 69:4.
  3. صحيح الترمذي 64:9، وج 294:13، مسند أحمد 92 و 91: 2، تاريخ ابن عساکر 50:4.
  4. النصايح لابن عقيل ص 81 ط 2.
  5. صحيح الترمذي 64:9، تاريخ ابن عساکر 80:4، تيسير الوصول 36:4.
  6. تاريخ ابن عساکر 80:4، المستطرف 66:1.
  7. سنن البيهقي 192:8.
  8. سنن البيهقي 193:8.
  9. الطبقات الکبري 110:4.
  10. نجدة بن عامر- عمير- اليماني من رؤس الخوارج زائغ عن الحق، خرج باليمامة عقب موت يزيد بن معاوية، وقدم مکة، وله مقالات معروفة، واتباع انقرضوا، قتل في سنة سبعين. لسان الميزان 148:6.
  11. صحيح مسلم 133:2، صحيح الترمذي 34:6، سنن ابي داود 96:1.
  12. نصب الراية 26:2.
  13. راجع المحلي لابن حزم 64:5.
  14. راجع الجزء الثاني ص 301.
  15. صحيح الترمذي 37:9، سنن البيهقي 170:8، وأخرجه مسلم وأبوداود کما في تيسير الوصول 31:4.
  16. أخرجه الخمسة إلا الترمذي کما في تيسير الوصول 32:4، والبيهقي في السنن الکبري 170:8.
  17. سنن أبي داود 284:2، مستدرک الحاکم 148 و 147: 2، سنن البيهقي 171:8، وللشيخين عن أبي سعيد نحوه کما في تيسير الوصول 33:4.
  18. مسند أحمد 355:4، سنن ابن ماجة 74:1.
  19. الاستيعاب 369:1، اسد الغابة 230:3.