راي ابن عمر في القتال والصلاة











راي ابن عمر في القتال والصلاة



ومنها: أخرج ابن سعد في الطبقات الکبري 110:4 ط ليدن عن ابن عمر انه کان يقول: لا اقاتل في الفتنة واصلي وراء من غلب. وقال ابن حجر في فتح الباري 39:13: کان رأي ابن عمر ترک القتال في الفتنة ولو ظهر ان إحدي الطائفتين محقة والاخري مبطلة. وقال ابن کثير في تاريخه 5:9: کان في مدة الفتنة لا يأتي أميرا إلا صلي خلفه، وأدي إليه زکاة ماله.

يترائا هاهنا من وراء ستر رقيق تترس ابن عمر باغلوطته هذه عن سبة تقاعده عن حرب الجمل وصفين مع مولانا أميرالمؤمنين، ذا هلا عن ان هذه جناية اخري لا يغسل بها دنس ذلک الحوب الکبير، متي کانت تلکم الحروب فتنة حتي يتظاهر ابن عمر تجاهها بزهادة جامدة لاقتناص الدهماء؟ والامر کما قال حذيفة اليماني ذلک الصحابي العظيم: لا تضرک الفتنة ما عرفت دينک، إنما الفتنة إذا اشتبه عليک الحق والباطل[1] .

أو کان ابن عمر بمنتأي عن عرفان دينه؟ أو کان علي حد قوله تعالي: يعرفون نعمة الله ثم ينکرونها؟ وهل کان ابن عمر لم يعرف من القرآن قوله تعالي: وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فاصلحوا بينهما، فإن بغت إحداهما علي الاخري فقاتلوا التي تبغي حتي تفئ إلي أمر الله، فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا، إن الله يحب المقسطين[2] وقد أفحمه رجل عراقي بهذه الآية وحيره فلم يحر ابن عمر جوابا غير أنه تخلص منه بقوله: مالک ولذلک؟ إنصرف عني. وسيوافيک تمام الحديث.

هلا کان ابن عمر بان له الرشد من الغي، ولم يک يشخص الحق من الباطل؟

[صفحه 47]

وهلا کان يعرف الباغية من الفئتين؟ وهل کان يزعم بأن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم أخبر عن الفتن بعده وإنها تغشي امته کقطع الليل المظلم[3] وترک الامة مغمورة في مدلهماتها، هالکة في غمراتها، ولم يعبد لها طريق النجاة، وما رشدها إلي مهيع الحق، ولم ينبس عما ينجيها ببنت شفة؟ حاشي نبي الرحمة عن ذلک، وهو صلي الله عليه وآله لم يبق عذرا لاي أحد من عرفان الباغية من الطائفتين في تلکم الحروب، ولم يک يخفي حکمها علي أي ديني قال مولانا أميرالمؤمنين: لقد أهمني هذا الامر وأسهرني، وضربت أنفه وعينيه فلم أجد إلا القتال أو الکفر بما أنزل الله علي محمد صلي الله عليه، إن الله تبارک وتعالي لم يرض من أوليائه أن يعصي في الارض وهم سکوت مذعنون، لا يأمرون بالمعروف ولا ينهون عن المنکر، فوجدت القتال أهون علي من معالجة الاغلال في جهنم[4] .

أکان في اذن ابن عمر وقر عن سماع ذلک الهتاف القدسي بمثل قوله صلي الله عليه وآله لعائشة: کأني بک تنبحک کلاب الحوأب تقاتلين عليا وأنت له ظالمة. وقوله لزوجاته: کأني بأحداکن قد نبحها کلاب الحوأب، وإياک أن تکوني أنت يا حميراء.

وقوله لها: انظري أن لا تکوني أنت.

وقوله للزبير: انک تقاتل عليا وأنت ظالم له.

وقوله: سيکون بعدي قوم يقاتلون عليا علي الله جهادهم، فمن لم يستطع جهادهم بيده فبلسانه، فمن لم يستطع بلسانه فبقلبه، ليس وراء ذلک شئ. (حقا جاهد ابن عمر في الخلاف علي قول رسول الله هذا بلسانه وقلبه ما استطاع).

وقوله لعلي: يا علي ستقاتل الفئة الباغية وأنت علي الحق، فمن لم ينصرک يومئذ فليس مني.

وقوله له: ستقاتل بعدي الناکثين والقاسطين والمارقين.

وقوله له: أنت فارس العرب وقاتل الناکثين والمارقين والقاسطين.

وقوله لام سلمة لما رأي عليا: هذا والله قاتل القاسطين والناکثين والمارقين من بعدي.

[صفحه 48]

وعهده إلي علي عليه السلام أن يقاتل بعده القاسطين والناکثين والمارقين[5] .

وقوله لاصحابه: إن فيکم من يقاتل علي تأويل القرآن کما قاتلت علي تنزيله قال أبوبکر: أنا هو يا رسول الله؟ قال: لا. قال عمر: أنا هو يا رسول الله؟ قال: لا، ولکن خاصف النعل. وکان أعطي عليا نعله يخصفها[6] .

وقوله لعمار بن ياسر: تقتلک الفئة الباغية. وقد قتلته فئة معاوية.

وقول أبي أيوب الانصاري وأبي سعيد الخدري وعمار بن ياسر: أمرنا رسول الله صلي الله عليه آله وسلم بقتال الناکثين والقاسطين والمارقين. قلنا يا رسول الله؟ أمرت بقتال هؤلاء مع من؟

قال: مع علي بن أبي طالب.

إلي أحاديث اخري ذکرناها في الجزء الثالث ص 170 تا 165 هب ان ابن عمر لم يکن يسمع شيئا من هذه الاحاديث الثابتة عن رسول الله صلي الله عليه وآله، أوما کان يسمع ايضا أوما کان يصدق اولئک الجم الغفير من البدريين أعاظم الصحابة الاولين الذين حاربوا الناکثين والقاسطين وملا فمهم عهد رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم إليهم، وأمره إياهم بقتال اولئک الطوائف الخارجة علي الامام الحق الطاهر؟ فاي مين أعظم مما جاء به ابن عمر في کتاب له إلي معاوية من قوله: أحدث (علي) أمرا لم يکن إلينا فيه من رسول الله صلي الله عليه وسلم عهد: ففزعت إلي الوقوف. وقلت: إن کان هذا هدي ففضل ترکته، وإن کان ضلالة، فشر منه نجوت.[7] .

وهل ابن عمر کان يخفي عليه هتاف الصادع الکريم: علي مع الحق والحق مع علي، ولن يفترقا حتي يردا علي الحوض يوم القيامة؟.

أو قوله: علي مع الحق والحق معه وعلي لسانه، والحق يدور حيثما دار علي.

أو قوله لعلي: إن الحق معک والحق علي لسانک. وفي قلبک وبين عينيک، والايمان مخالط لحمک ودمک کما خالط لحمي ودمي؟.

أو قوله مشيرا إلي علي: الحق مع ذا، الحق مع ذا، يزول معه حيثما زال؟

أو قوله: علي مع القرآن والقرآن معه لا يفترقان حتي يردا علي الحوض؟

[صفحه 49]

أو قوله لعلي لحمک لحمي، ودمک دمي، والحق معک؟.

أو قوله ستکون بعدي فتنة فإذا کان ذلک فالزموا علي بن أبي طالب فانه أول من يصافحني يوم القيامة، وهو الصديق الاکبر، وهو فاروق هذه الامة، يفرق بين الحق والباطل، وهو يعسوب المؤمنين، والمال يعسوب المنافقين؟.[8] .

أو قوله لعلي وحليلته وشبليه: أنا حرب لمن حاربتم وسلم لمن سالمتم؟.

أو قوله لهم: أنا حرب لمن حاربکم وسلم لمن سالمکم؟.

أو قوله وهم في خيمة: معشر المسلمين أنا سلم لمن سالم أهل الخيمة، حرب لمن حاربهم، ولي لمن والاهم، لا يحبهم إلا سعيد الجد، طيب المولد، ولا يبغضهم إلا شقي الجد، ردي الولادة؟.

أو قوله وهو آخذ بضبع علي: هذا أمير البررة، قاتل الفجرة، منصور من نصره، مخذول من خذله؟.[9] .

أو قوله في حجة الوداع في ملا من مائة ألف أو يزيدون: من کنت مولاه فهذا علي مولاه، أللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله واحب من أحبه، وأبغض من أبغضه، وأدر الحق معه حيث دار؟.[10] .

إلي أخبار جمة ملات بين الخافقين، فهل ابن عمر کان بمنتأي عن هذه کلها فحسب تلکم المواقف حربا دنيوية أو فتنة لا يعرف وجهها، قتالا علي الملک؟[11] أو کان تتلي عليه ثم يصر مستکبرا کأن لم يسمعها کأن في اذنيه وقرا، وعلي کل تقدير لم يک رأيه إلا اجتهادا في مقابل النص لا يصيخ إليه أي ديني صميم. ومن المأسوف عليه ان الرجل ندم يوم لم ينفعه الندم عما فاته في تلکم الحروب من مناصرة علي أميرالمؤمنين وکان يقول: ما أجدني آسي علي شيئ من أمر الدنيا إلا اني لم اقاتل الفئة الباغية. وفي لفظ: ما آسي علي شيئ إلا اني لم اقاتل مع علي الفئة الباغية. وفي لفظ: ما أجدني آسي علي شيئ فاتني من الدنيا إلا اني لم اقاتل

[صفحه 50]

مع علي الفئة الباغية. وفي لفظ: قال حين حضرته الوفاة: ما أجد في نفسي من أمر الدنيا شيئا إلا اني لم اقاتل الفئة الباغية مع علي بن أبي طالب رضي الله عنه. وفي لفظ ابن أبي الجهم: ما آسي علي شيئ إلا ترکي قتال الفئة الباغية مع علي رضي الله الله عنه.[12] .

وأخرج البيهقي في سننه 172:8 من طريق حمزة بن عبدالله بن عمر قال: بينما هو جالس مع عبدالله بن عمر إذ جاءه رجل من أهل العراق فقال: يا أبا عبدالرحمن إني و الله لقد حرصت أن اتسمت بسمتک، واقتدي بک في أمر فرقة الناس، واعتزل الشر ما استطعت واني أقرأ آية من کتاب الله محکمة قد أخذت بقلبي فأخبرني عنها أرأيت قول الله تعالي:

وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحديهما علي الاخري فقاتلوا التي تبغي حتي تفئ إلي أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين. أخبرني عن هذه الآية. فقال عبدالله: ومالک ولذلک؟ انصرف عني، فانطلق حتي تواري عنا سواده أقبل علينا عبدالله بن عمر فقال: ما وجدت في نفسي من شئ من أمر هذه الامة ما وجدت في نفسي اني لم اقاتل هذه الفئة الباغية کما أمرني الله عزوجل.

هذه حجة الله الجارية علي لسان ابن عمر ونفثات ندمه، وهل أثرت تلکم الحجج في قلبه؟ وصدق الخبر الخبر يوما ما من أيامه؟ أنا لا أدري.


صفحه 47، 48، 49، 50.








  1. فتح الباري 40:13.
  2. سورة الحجرات. آية 9.
  3. صحيح الترمذي 49:9، مستدرک الحاکم 440 و 438: 4، کنز العمال 37 و 31: 6.
  4. کتاب صفين ص 542.
  5. راجع الجزء الثالث.
  6. راجع ج 132:7.
  7. الامامة والسياسة 76:1، شرح ابن ابي الحديد 260:1.
  8. راجع الجزء الثالث ص 22 و 156 تا 159 تا 165، الاستيعاب 657:2، الاصابة 171:4.
  9. راجع الجزء الاول ص 301 وج 90:8، أحکام القرآن للجصاص 560:1.
  10. راجع ما مر في الجزء الاول من حديث الغدير.
  11. راجع مسند احمد 94 و 70: 2، سنن البيهقي 192:8.
  12. الطبقات الکبري ط ليدن 136:4 و 137، الاستيعاب 370 و 369: 1، اسد الغابة 229:3، الرياض النضرة 242:2.