الرواية 002











الرواية 002



أللهم علمه الکتاب والحساب وقه العذاب.

في إسنادها الحارث بن زياد، وهو ضعيف مجهول کما قاله ابن أبي حاتم، عن أبيه، وابن عبدالبر، والذهبي، کما في ميزان الاعتدال 201:1، وتهذيب التهذيب 142:2، ولسان الميزان 149:2. وهو شامي غير مکترث لرواية الموضوعات في طاغية الشام.

وان متنه لفي غني عن أي تفنيد فإن المراد به إما علم الکتاب کله أو بعضه، و نحن لم نجد عنده شيئا من علم الکتاب فضلا عن کله، فإن أعماله وتروکه مضادة کلها لمحکمات الذکر الحکيم، من إيذاء رسول الله صلي الله عليه وآله بإيذاء أهل بيته وصلحاء امته، ولا سيما صنوه وخليفته المفروض طاعته الذي هو نفسه، ومطهر عن أي رجاسة في نصوص من الکتاب العزيز.

ومن إيذاء المؤمنين والمؤمنات بغير ما اکتسبوا إثما لمحض ولائهم من قرن الله ولايته بولايته وولاية رسوله.

ومن القتل الذريع للصلحاء الابرار، لعدم نزولهم علي رغباته الباطلة، وميوله وأهواءه.

ومن الکذب الصراح، وکل فرية وبهت وإفک وقول زور، طفح الکتاب بتحريمها النهائي.

ودع عنک بيع الخمر وشربها، وأکل الربا، وتبديل سنة الله التي لا تبديل لها متي ما خالفت خطته السيئة، وتعديه حدود الله، ومن يتعد حدود الله فاولئک هم

[صفحه 380]

الظالمون، إلي طامات صافقت علي خطرها الکتاب ضرورة الدين.

فالاعتقاد بجهله بکل هذه الموارد وما شاکلها خير له من علمه بها ومروقه عنها وخروجه عن حکم الکتاب، ونبذه إياه وراء ظهره، کما ذهب إليه مولانا أميرالمؤمنين و امة صالحة من الصحابة، فالدعاء المزعوم له قد عدته الاجابة في کل ورد له وصدر.

وأما بعض الکتاب فما عسي أن يجديه نفعا إن کان يؤمن ببعض ويکفر ببعض؟ ولو کان يعرف من الکتاب قوله تعالي: وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما علي الاخري فقاتلوا التي تبغي.

وقوله تعالي: «ألذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الارض اولئک لهم اللعنة ولهم سوء الدار» وقوله تعالي: إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الارض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الارض ذلک لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم. وقوله تعالي: الذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اکتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا. أو کان يعرف شيئا من أمثال هذه من کتاب الله لکان يعرف حده ولم يتعد طوره. ومما لا نشک فيه ان ابن حجر الذي يقول: لا شک ان دعاءه صلي الله عليه وسلم مستجاب لا يأول الرواية بأنه اريد بها علم الکتاب لا العمل به، وإن أبي الزاعم إلا ذلک؟ فياهبلته الهبول.

وإنا لا نعلم معني «الحساب» وعلمه الذي جاء في هذه الرواية معطوفا علي الکتاب، فإما أن يراد به تطبيق أفعاله وتروکه علي نواميس الشريعة المقررة، أو علمه بکل ما يحاسب عليه الله عباده، فيخرج من العهدة من غير تبعة، أو أنه يحاسب نفسه قبل أن يحاسب بکل قول وعمل، أو أنه يقسم بالسوية فيعطي کل ذي حق حقه، ولا يحيف في مال الله، ولا يميل في أعطيات الناس بمحاباة أحد وقطع آخر من غير تخط عن سنن الحق، أو أنه يعرف فروض المواريث الحسابية، أو أنه يعلم بقواعد الحساب العددية من الجمع والضرب والتقسيم والتفريق والجبر والمقابلة والخطأين إلي أمثالها من اصول علم الحساب.

[صفحه 381]

أما ما قبل الاخرين فإن الرجل کان يأثم بغير حساب، ويقتل بغير حساب، ويکذب بغير حساب، ويحيف بغير حساب، ويجهل من معالم الدين بغير حساب، وإن أخطاءه في الاجتهاد «المزعوم» بغير حساب، ويعطي ويمنع من غير حجة بغير حساب، فياله من دعاء لم يقرن بالاجابة في مورد من الموارد؟.

وأما قواعد علم الحساب ويلحق بها فروض المواريث، فماذا الذي نجم منها بين معلومات معاوية وفتاواه؟ غير جهل شائن مستوعب لکل ما ناء به من کل فرض وندب، ولم تعهد له دراسة لهذه العلوم والقواعد حتي تتحقق بها إجابة الدعوة بتوفيق إلهي.

وأما جملة «وقه العذاب» فإن صحت الرواية فإنها تشبه أن تکون ترخيصا في المعصية لرجل مثل معاوية يلغ في المآثم، ويتورط بالموبقات، ويرتطم في المهالک، فليس فيما سبرناه وأحصيناه من أفعاله وتروکه إلا جنايات للعامة، وميول وشهوات في الخاصة، وحيف وميل في الحقوق، وبسط وقبض، وإقصاء وتقريب من غير حق، فلا يکاد يخلو ما ناء به من مآثم أوعد الله تعالي فاعله بالنار، أو محظور في الشريعة يمقت صاحبها، أو عمل بغيض يمجه الحق، ويزور عنه الصواب، أو بدع محدثة في منتأي عن رضا الرب وتشريع الرسول صلي الله عليه وآله فإن کان يوقي مثل هذا الانسان عن العذاب المجرئ له علي الهلکات؟ فأين مصب التوعيدات المعدة لمن عصي الله ورسوله؟ إن الله لا يخلف الميعاد، أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم کالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحکمون.

فالخضوع لمثل هذه الرواية علي طرف النقيض من مسلمات الشريعة بتحريم ما کان يستبيحه معاوية، ولذلک کان يراه مولانا أميرالمؤمنين ووجوه الصحابة الاولين من أهل النار[1] مع أن هذا الموضوع المفتعل کان بطبع الحال بمرأي منهم ومسمع، إلا أن يکون تاريخ ايلاده بعد صدور تلکم الکلم القيمة.

ولو کان مثل معاوية يدرء عنه العذاب، ويدعي له بالسلامة منه، وحاله ما علمت، وکان رسول الله صلي الله عليه وآله أعلم بها منک ومن کل أحد، وعنده من حقوق الناس

[صفحه 382]

مالا يحصي مما لا تدرکه شفاعة أي معصوم من دم مسفوک، ومن مال منهوب، ومن عرض مهتوک، ومن حرمة مضاعة، فما حال من ساواه في الخلاعة، أو من هو دونه في النفاق والضلال؟ وأي قيمة تبقي سالمة لتوعيدات الشريعة عندئذ؟ لاها الله، هذه امنية حالم قط لا تتحقق، إلا أن تکون تلک المحاباة تشريفا لابن أبي سفيان بخرق النواميس الالهية، والخروج عن حکم الکتاب والسنة، تکريما لراية هند ومکانة حمامة، إذن فعلي الاسلام السلام.

أفمن الحق لمن له أقل إلمامة بالعلم والحديث أن يرکن ألي أمثال هذه التافهاف، ولا يقتنع بذلک حتي يحتج بها لامامة الرجل عن حق، وصدق خلافته؟ کما فعله ابن حجر في الصواعق، وفي هامشه تطهير الجنان ص 32، وکأنه غض الطرف عن کل ما جاء في حق الرجل من حديث وسيرة وتاريخ، وأغضي عن کل ما انتهي إليه من الاصول المسلمة في الاسلام، وحرمات الدين. نعم: الحب يعمي ويصم.


صفحه 380، 381، 382.








  1. راجع الکلمات التي اسلفناها في هذا الجزء.