الرواية 001











الرواية 001



أما ما أخرجه الترمذي وحسنه عن عبدالرحمن بن أبي عميرة مرفوعا، أللهم

[صفحه 376]

اجعله هاديا مهديا واهد به[1] فإن کون إبن أبي عميرة صحابيا في محل التشکيک فإنه لا يصح کما أن حديثه هذا لا يثبت، قال أبوعمر في الاستيعاب 395:2 بعد ذکره بلفظ: أللهم اجعله هاديا مهديا واهده واهد به: عبدالرحمن حديثه مضطرب لا يثبت في الصحابة وهو شامي، ومنهم من يوقف حديثه هذا ولا يرفعه، ولا يصح مرفوعا عندهم. وقال: لا يثبت أحاديثه، ولا يصح صحبته.

1- ورجال الاسناد کلهم شاميون وهم: أبوسهر الدمشقي.

2- سعيد بن عبدالعزيز الدمشقي.

3- ربيعة بن يزيد الدمشقي

4- إبن أبي عميرة الدمشقي.

وتفرد به ابن أبي عميرة ولم يروه غيره ولذلک حکم فيه الترمذي بالغرابة بعد ما حسنه، وإبن حجر حرف کلمة الترمذي حرصا علي إثبات الباطل، فما ثقتک برواية تفرد بها شامي عن شامي إلي شامي ثالث إلي رابع مثلهم ايضا، ولا يوجد عند غيرهم من حملة السنة علم بها، ولم يک يومئذ يتحرج الشاميون من الافتعال لما ينتهي فضله إلي معاوية ولو کانت مزعمة باطلة، علي حين ان أمامهم القناطير المقنطرة لذلک العمل الشائن، ومن ورائهم النزعات الاموية السائقة لهم إلي الاختلاق، لتحصيل مرضاة صاحبهم. فهناک مرتکم الاباطيل والروايات المائنة. علي ان هذا المزعوم حسنه کان بمرأي ومشهد من البخاري الذي يتحاشي في صحيحه عن أن يقول: باب مناقب معاوية. وإنما عبر عنه بباب ذکر معاوية. وکذلک من شيخه إسحاق بن راهويه الذي ينص علي عدم صحة شيئ من فضائل معاوية. ومن الحفاظ: النسائي، والحاکم النيسابوري، والحنظلي، والفيروز آبادي، وابن تيمية، والعجلوني وغيرهم، وقد أطبقوا جميعا علي أنه لم يصح لمعاوية حديث فضيلة، ومساغ کلماتهم يعطي نفي ما يصح الاعتماد عليه لا الصحيح المصطلح في باب الاحاديث، فلا ينافي شمول قولهم علي حسنة الترمذي المزعومة مع غرابتها، فإنهم يقذفون الحديث بأقل مما ذکرناه في هذا المقام، ولو کان لهذه الحسنة وزن يقام «کحسنات معاوية» لا عزوا إليها عند نفيهم العام.

وان مفاد الحديث لمما يربک القارئ ويغنيه عن التکلف في النظر إلي إسناده

[صفحه 377]

فإن دعاء النبي صلي الله عليه وآله مستجاب لا محالة يقوله ابن حجر، ونحن في نتيجة البحث والاستقراء التام لاعمال معاوية لم نجده هاديا ولا مهديا في شيئ منها، ولعل ابن حجر يصافقنا علي هذه الدعوي، وليس عنده غير ان الرجل مجتهد مخطئ في کل ما أقدم وأهجم، فله أجر واحد في مزعمته، ولا يلحقه ذم وتبعة لاجتهاده، وقد أعلمناک أن عامة أخطاءه وجرائمه مما لا يتطرق إليه الاجتهاد، علي ما أسلفنا لک انه ليس من الممکن أن يکون معاوية مجتهدا لفقدانه العلم بمبادئ الاستنباط من کتاب وسنة، وبعده عن الاجماع والقياس الصحيح.

أو هل تري ان الدعاء المستجاب کهذا يقصد به هذا النوع من الاجتهاد المستوعب للاخطاء في أقوال الرجل وأفعاله؟ حتي انه لا يري مصيبا في واحد منها، وهل يحتاج تأتي مثل هذا الاجتهاد إلي دعاء صاحب الرسالة؟ فمرحبا بمثله من اجتهاد معذر، وهداية لا تبارح الضلال.

ثم من الذي هداه معاوية طيلة أيامه، وأنقذه من مخالب الهلکة؟ أيعد منهم ابن حجر بسر بن أرطاة الذي أغار بأمره علي الحرمين، وارتکب فيهما ما ارتکبه من الجرائم القاسية؟

أم ضحاک بن قيس الذي أمره بالغارة علي کل من في طاعة علي عليه السلام من الاعراب، وجاء بفجايع لم يعهدها التاريخ؟

أم زياد بن أبيه أو امه الذي استحوذ علي العراق، فأهلک الحرث والنسل، وذبح الاتقياء، ودمر علي الاولياء، ورکب نهابير لا تحصي؟

أم عمرو بن العاص الذي أطعمه مصر فباعه علي ذلک دينه بدنياه، وفعل من الجنايات ما فعل؟

أم مروان بن الحکم الطريد اللعين وابنهما الذي کان لعنه عليا أمير المؤمنين علي منبر رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم عدة أعوام إحدي طاماته؟

أم عمرو بن سعيد الاشدق الجبار الطاغي الذي کان يبالغ في شتم علي أمير المؤمنين صلوات الله عليه وبغضه إياه؟

أم مغيرة بن شعبة أزني ثقيف الذي کان ينال من علي عليه السلام ويلعنه علي منبر

[صفحه 378]

الکوفة؟

أم کثير بن شهاب الذي استعمله علي الري، وکان يکثر سب علي عليه السلام أميرالمؤمنين والوقيعة فيه؟

أم سفيان بن عوف الذي أمره أن يأتي هيت والانبار والمدائن، فقتل خلقا، و نهب أموالا، ثم رجع إليه؟

أم عبدالله الفزازي الذي کان أشد الناس علي علي عليه السلام، ووجهه إلي أهل البوادي فجاء بطامات کبري؟

أم سمرة بن جندب الذي کان يحرف کتاب الله لارضائه، وقتل خلقا دون رغباته لا يحصي؟

أم طغام الشام وطغاتها الذين کانوا يقتصون أثر کل ناعق، وانحاز بهم هو عن أي نعيق فأوردهم المهالک؟

أهذه کلها من ولائد ذلک الدعاء المستجاب؟ أللهم، لا. ولو کان مکان هذا الدعاء من رسول الله صلي الله عليه وآله- العياذ بالله- قوله: أللهم اجعله ضالا مضلا. لما عداه أن يکون کما کان عليه من البدع والضلالات.

ولو کان لهذا الدعاء المزعوم نصيب من الصدق لما کان يعزب علمه عن مثل مولانا أميرالمؤمنين، وولديه الامامين وعيون الصحابة الذين کانوا لا يبارحون الحق کأبي أيوب الانصاري، وعمار بن ياسر، وخزيمة بن ثابت ذي الشهادتين، ولما عهد إليهم رسول الله صلي الله عليه وآله علي حربه وقتاله، ولما عرف فئته بالبغي والقسط.

ولو کان السلف الصالح يري شيئا زهيدا من هداية الرجل واهتدائه أثر ذلک الدعاء المستجاب لما کانوا يعرفونه في صريح کتاباتهم وخطاباتهم بالنفاق والضلال والاضلال.

وللسيد العلامة ابن عقيل کلمة حول هذه المنقبة المزيفة ونعما هي قال في النصايح الکافية ص 167: وها هنا دلالة علي عدم استجابة الله هذه الدعوة لمعاوية لو فرضنا صحة الحديث من حديث صحيح أخرجه مسلم عن سعد قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: سألت ربي ثلاثا فأعطاني اثنتين ومنعني واحدة. سألت ربي أن لا يهلک امتي بالسنة فأعطانيها وسألته أن لا يهلک امتي بالغرق فأعطانيها. وسألته أن لا يجعل بأسهم بينهم فمنعنيها.

[صفحه 379]

تعرف بهذا الحديث وغيره شدة حرصه صلي الله عليه وآله علي أن يکون السلم دائما بين امته، فدعا الله تارة أن لا يکون بأس امته بينهم کما في حديث مسلم، وتارة أن يجعل معاوية هاديا مهديا لانه بلا ريب يعلم ان معاوية أکبر من يبغي ويجعل بأس الامة بينهما، فمآل الدعوتين واحد وعدم الاجابة في حديث مسلم تستلزم عدمها في حديث الترمذي، والمناسبة بل التلازم بينهما واضح بين، وفي معني حديث مسلم هذا جاءت أحاديث کثيرة ومرجعها واحد.


صفحه 376، 377، 378، 379.








  1. هذا لفظ الحديث في جامع الترمذي 229:13.