القياس











القياس



ألمعتبر من القياس عند أئمة السنة والجماعة أن يکون المناط منصوصا عليه في الکتاب والسنة، أو مخرجا عنهما بالبحث والاستنباط إما بنوعه أو بشخصه[1] ولم نجد في إختيارات معاوية شيئا من تلکم المناطات في المقيس عليه منصوصة أو مستنبطة يصح القياس في المقيس ويجوز التعويل عليها، نعم: کانت عنده أقيسة جاهلية أراد تطبيق أحکام الاسلام بها.

أي اجتهاد هذا؟!

لعلک إلي هنا عرفت معني الاجتهاد الصحيح وحقيقته ومبانيه عند أئمة الاسلام من رجالات الفقه واصوله، وألمسک باليد بعد معاوية عن کل ذلک بعد المشرقين، فهلم معي نقرأ صحيفة مکررة من أفعال هذا المجتهد الطاغية وتروکه التي اجتهد فيها ويري أبناء حزم وتيمية وکثير وحجر ومن لف لفهم أن الرجل لم يلحقه ذم وتبعة من تلکم الهفوات، بل يحسبونه مأجورا فيها لکونه مجتهدا مخطأ.

ألا تقول أي اجتهاد جوز علي هذا المجتهد أو أوجب عليه وعلي کل مسلم بأمره( رضي بذلک أم أبي) سب مثل مولانا أميرالمؤمنين علي صلوات الله عليه والقنوت بلعنه في الصلوات، والدعاء عليه وعلي الامامين السبطين[2] والصلحاء الاخيار معه؟!

هل اجتهد هذه الاحدوثة من آية التطهير والمباهلة أو من المئات النازلة في علي عليه السلام؟

أو من الآلاف من السنة الشريفة المأثورة عن صاحب الرسالة صلي الله عليه وآله من فضائله ومناقبه؟

أو من الاجماع المعقود علي بيعته واتخاذه خليفة مفترضة طاعته؟ ولئن تنازلنا عن

[صفحه 366]

الخلافة له، فهل هناک إجماع علي نفي اسلامه ونفي کونه من أعيان الصحابة العدول، حتي يستسيغ هذا المجتهد- رضيع ثدي هند المتفيئ تحت رايتها- الوقيعة فيه والنيل منه؟.

وهل هناک قياس يخرج ملاکه من مبادئ الاجتهاد الثلاثة التي قامت بسيف علي عليه السلام واعتنقتها الامة ببأسه، وعرفتها ببيانه، يسوغ للرجل ما تقحم فيه؟ نعم: کانت تراث وإحن بين القبيلتين- أبناء هاشم وبني امية- منذ العهد الجاهلي، وکان من عادات ذلک العهد وتقاليده نيل کل من الفئتين المتخاصمتين من الاخري کيفما وقع، وأينما أصاب، وريثما انتهز الفرصة من تمکن من الانتقام، سواء حمل المنکوب شيئا من الظلامة أولا، فيقتل غير القاتل، ويعذب غير المجرم، ويؤاخذ غير الجاني، شنشنة جاهلية ثبت عليها الجاهلون، واستمروا دائبين عليها حتي بعد انتحالهم الاسلام، وإلي مثل هذا القياس کان يطمح معاوية «المجتهد في أعماله واجتهاده».

أي اجتهاد يسوغ له دؤبه علي لعن الامام المفدي علي صهوات المنابر، وفي ادبار الصلوات، حتي غير سنة الله بتقديم خطبة صلاة العيدين عليها لاسماع الناس سبابه، وکان يوبخ الساکتين عن لعنه بملا فمه وصراحة لهجته؟ فبأي کتاب أم باية سنة أو اجماع أو قياس کان يستنبط هذا المجتهد الآثم إصراره علي تلکم البدع المخزية؟

أي اجتهاد يحتم عليه إستقراء کل من والي عليا أميرالمؤمنين في الحواضر والامصار وتقتيلهم، وتشرديهم، والتنکيل بهم، وتعذيبهم بأشد العذاب، ولم يرقب فيهم ذمة الاسلام ولا إليه، ولم يراع فيهم حرمة الصحبة وصونها؟ أو يساعده علي ذلک شيئ من الآي الکريمة؟ أو أثارة من السنة الشريفة؟ أو إجماع من أهل الدين؟ وأين هم؟ (وهم کلهم مناوئوا معاوية ومنفصلون عن آرائه) أو أن هناک قياس خرج ملاکه من تلکم الحجج الثلاث؟

أي إجتهاد يبيح له قذف علي عليه السلام بالالحاد والغي والبغي والضلال والعدوان و الخبث والحسد إلي طامات اخري؟ أو تحسب انک تجد حجة علي شيئ من ذلک من مطاوي الکتاب الکريم؟ أو من تضاعيف السنة النبوية؟ أو من معاقد إجماع الامة؟ والامة علي بکرة أبيها تعلم أن شيئا من هاتيک المفتريات والنسب المائنة لم تکتسح

[صفحه 367]

عنها إلا ببيان الامام وبنانه، وسيفه ولسانه، ولو قام للدين مثال شاخص لما عداه أن يقوم بصورة علي عليه السلام ومثاله.

أي إجتهاد يحبذ له المسرة والاستبشار بقتل أميرالمؤمنين وولده الحسن الزکي إمامي الهدي صلوات الله عليهما، والتظاهر بالجذل والحبور علي مصيبة الدين الفادحة بهما ويري لصاحبه قتل علي عليه السلام من لطف الله وحسن صنعه، وزعم قاتله أشقي مراد من عباد الله؟ وأنت جد عليم بان فقه الکتاب الکريم في منتئ عن هذه الشقوة، کما ان السنة الکريمة في مبتعد عن مثلها من قساوة، ودع عنک معقد إجماع الامة النائي عن هذه الفظاظة، و ملاکات الشريعة منصوصة ومستنبطة البائنة لتلک الصلافة. نعم: قياس الجاهلية الاولي يضرب علي وتره ويغني في وتيرته.

أي إجتهاد يرخص هتک حرمات مکة والمدينة، وشن الغارة علي أهلها لمحض ولائهم عليا عليه السلام ويشرع نذر قتل نساء ربيعة لحب رجالهم أميرالمؤمنين وتشيعهم له عليه السلام؟!.

أي إجتهاد يحلل مثلة من قتل تحت راية علي عليه السلام يوم صفين، وقد کان قتال الفئة الباغية بعهد من رسول الله وأمره؟ کما فصلنا القول فيه في الجزء الثالث.

أي اجتهاد يمنع إمام الحق وآلافا من المسلمين عن الماء المباح، ويعطي لمعاوية حق القول: بان هذا والله أول الظفر، لا سقاني الله ولا سقي أبا سفيان إن شربوا منه، أبدا حتي يقتلوا بأجمعهم عليه؟[3] .

أي اجتهاد يجوز بيع الخمر وشربها، وأکل الربا، وإشاعة الفحشاء، وقد حرمها کتاب الله وسنة نبيه، ويتلوهما الاجماع والقياس.؟

أي اجتهاد يحث الناس بإعطاء الامارة والولايات وبذل القناطير المقنطرة لمن لا خلاق لهم علي عداء أهل بيت النبي الاقدس وبغضهم والنيل منهم ومن شيعتهم؟أي أجتهاد يراق به دم من سکت عن لعن علي ولم يتبرأ منه ولو کان من جلة الصحابة ومن صلحاء امة محمد کحجر بن عدي وأصحابه وعمرو بن الحمق؟

أي اجتهاد يؤدي إلي خلاف ما ثبت من السنة الشريفة، ويصحح إدخال ما

[صفحه 368]

ليس منها في الاذان والصلاة والزکاة والنکاح والحج والديات علي التفصيل الذي مر في هذا الجزء.

أي اجتهاد يغير دين الله وسنته لمحض مخالفته عليا عليه السلام کما مر ص 205.

أي اجتهاد ينقض به حد من حدود الله لاستمالة مثل زياد بن امه وجلب مرضاته باستلحاقه بأبي سفيان، والولد للفراش وللعاهر الحجر؟

أي اجتهاد يحابي خلافة الله ليزيد السکير المستهتر، ويستحل به دماء من تخلف عن تلک البيعة الغاشمة؟

أي اجتهاد يشترط البراءة من أميرالمؤمنين علي عليه السلام في عقد البيعة للطليق ابن الطليق؟

أي اجتهاد تدعم به الشهادات المزورة والفرية والافک والکذب وقول الزورو النسب المختلقة والمکر والخديعة لنيل الاماني الوبيلة المخزية؟

أي اجتهاد يجوز ايذاء رسول الله صلي الله عليه وآله في أهل بيته وعترته، وايذاء أولياء الله وعباده الصالحين من الصحابة الاولين والتابعين لهم بإحسان وفي مقدمهم سيدهم وفي الذکر الحکيم قوله تعالي: الذين يؤذون رسول الله لهم عذاب أليم. والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اکتسبوا فقد احتملوا بهتانا واثما مبينا. وجاء عن الصادع الکريم: من آذي مسلما فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذي الله عزوجل[4] وقوله عن جبريل عن الله تعالي: من أهان لي وليا فقد بارزني بالمحاربة. ومن عادي لي وليا فقد آذنته بالحرب.وقوله: من آذي لي وليا فقد استحل محاربتي. وقوله: من أهان لي وليا فقد استحل محاربتي. وقوله: من أهان لي وليا فقد بارزني بالعداوة. وقوله: من عادي لي وليا فقد ناصبني بالمحاربة[5] .

أي اجتهاد يري صاحبه نقض الال وحنث العهد، من السهل الهين في جميع موارده ومصادره؟

أي اجتهاد يجابه به سنة رسول الله وما يؤثر عنه بالهزء والازدراء والضرطة؟

[صفحه 369]

کما فصل في ص 281 تا 283.

أي اجتهاد يفسد البلاد، ويضل العباد، ويشق عصا المسلمين، بالشذوذ عن الجماعة، وخلع ربقة الاسلام عن البيعة الحقة، ومحاربة إمام الوقت بعد إجماع الامة من أهل الحل والعقد من المهاجرين والانصار علي بيعته؟.

إلي غير هذه من اجتهادات باطلة، وآراء سخيفة تافهة، ليس لها في مستوي الصواب مقيل، ولا لها في سوق الدين اعتبار يعذر صاحبه، وکلها مبائنة للکتاب، مضادة مع السنة الثابتة الصحيحة، ونقض للاجماع الصحيح المتسالم عليه، والقياس الذي نص في المقيس عليه علي ملاک الحکم في أي من الکتاب والسنة، أو انه مستنبط بالاجتهاد والتظني فيهما.

وهل وقف الباحث في جملة ما سبره من الاحکام والعلل علي اجتهاد يکون هذا نصيبه من تحري الحق؟ أللهم انها ميول وأهواء ومطامع وشهوات تزجي بصاحبها إلي هوات المهالک، وهل هذا يضاهي شيئا من اجتهاد المجتهدين؟

علي أن جملة من المذکورات مما لا مساغ للاجتهاد فيه، ولا يتطرق اليه الرأي والاستنباط، لان الحکم فيها ملحق بالضروريات من الدين، ومما لا يسع فيه الخلاف، فمن حاول شيئا من ذلک فقد حاول دفاعا للضروري من الدين، واستباح محظورا ثابتا من الشريعة، کمن يستبيح قتل النبي صلي الله عليه وآله وسلم باجتهاده، أو يروم تحليل حرام من الشريعة دون تحليله شق المرائر، واستمراء جرع الحتف المبير.


صفحه 366، 367، 368، 369.








  1. راجع الکلمات التي اسلفناها في هذا الجزء تحت عنوان: الاجتهاد ماذا هو.
  2. راجع الجزء الثاني ص 101 و 102 و 132 و 133 ط 2.
  3. کتاب صفين ص 182، شرح نهج البلاغة 328:1.
  4. راجع الحاوي للفتاوي 47:2.
  5. راجع الحاوي للفتاوي 361:1 تا 324.