اخبار ابن عمر ونوادره











اخبار ابن عمر ونوادره



هذه عقلية ابن عمر في باب الخلافة، فما قيمة رأيه وقوله واختياره فيها وفي غيرها، وله أخبار تنم عن ضئولة رأيه وسخافة فکرته، وأخبار تدل علي مناوئته أميرالمؤمنين عليه السلام وانحيازه عنه، وتحيزه إلي الفئة الاموية الباغية، فلا حجة فيما يرتأيه في أي من الفئتين. ومن نماذج الفريق الاول من أخباره قوله: ما اعطي احد بعد رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم من الجماع ما اعطيت أنا[1] وهو يعطينا انه رجل شهوي لا صلة له بغيرها ومن ضعف رأيه انه حسب رسول الله صلي الله عليه وآله مثله بل أربي منه في الجماع، جهلا منه بأن ملکات صاحب الرسالة وقواه کلها کانت متعادلة ثابتة علي نقطة المرکز قد تساوت إليها خطوط الدائرة، فاذا آن له صلي الله عليه وآله وسلم أن يفخر فخر بجميعها علي حد واحد لا کابن عمر شهوة قوية مهلکة، وعقلية ضعيفة يباهي بالجماع وقد ترک غيره، وهي التي کانت تحذر أباه من أن يأذن له بالجهاد حين استأذنه له فقال: أي بني أني أخاف عليک الزنا[2] فما قيمة رجل في مستوي الدين، وهو يمنع عن مواقف الجهاد حذرا من معرة شهوته الغلبة، وسقطات شغبه وشبقه؟.

نعم: کان لابن عمر أن يشبه نفسه بأبيه- ومن يشابه أبه فما ظلم- إذ له کلمة قيمة في النکاح تعرب عن قوة شهوته قال محمد بن سيرين قال عمر بن الخطاب: ما بقي في شئ من أمر الجاهلية إلا أني لست ابالي أي الناس نکحت وأيهم أنکحت. أخرجه ابن سعد في الطبقات الکبري 208:3، ورواه عبدالرزاق کما في کنز العمال 297:8.

ومن جراء تلک النزعة الجاهلية التي کانت قد بقيت فيه قحم في مآثم سجلها له التاريخ، جاء عنه انه أتي جارية له فقالت: إني حائض فوقع بها فوجدها حائضا فأتي النبي صلي الله عليه وآله فذکر له ذلک، فقال: يغفر الله لک يا أبا حفص تصدق بنصف دينار[3] .

[صفحه 38]

وسولت له نفسه ليلة الصيام قبل حلية الرفث فيها وواقع أهله فغدا علي النبي صلي الله عليه وآله فقال: اعتذر إلي الله وإليک، فإن نفسي زينت لي فواقعت أهلي، فهل تجد لي من رخصة؟ فقال: لم تکن حقيقا بذلک يا عمر فنزلت: علم الله أنکم کنتم تختانون أنفسکم فتاب عليکم وعفا عنکم فالآن باشروهن. الآية[4] .

وأخرج ابن سعد في الطبقات الکبري عن علي بن زيد: إن عاتکة بنت زيد کانت تحت عبدالله بن أبي بکر فمات عنها واشترط عليها ألا تزوج بعده فتبتلت فجعلت لا تتزوج وجعل الرجال يخطبونها وجعلت تأبي فقال عمر لوليها: اذکرني لها فذکره لها فأبت علي عمر أيضا فقال عمر: زوجنيها، فزوجه إياها، فأتاها عمر فدخل عليها فعارکها حتي غلبها علي نفسها فنکحها فلما فرغ قال: اف اف اف افف بها، ثم خرج من عندها وترک لا يأتيها، فأرسلت إليه مولاة لها أن تعال فإني سأتهيأ لک[5] .

أيصح عن رجل هذا شأنه ما عزاه اليه الزمخشري في ربيع الابرار ب 68 من قوله: إني لاکره نفسي علي الجماع رجاء أن يخرج الله نسمة تسبحه وتذکره؟- ومنها: عن الهيثم عن إبن عمر أتاه رجل فقال: إني نذرت أن أقوم علي حراء عريانا يوما إلي الليل. فقال: اوف بنذرک. ثم أتي ابن عباس فقال له: أو لست تصلي؟ قال له: أجل قال: أفعريانا تصلي؟ قال: لا. قال: أو ليس حنثت؟ إنما أراد الشيطان أن يسخر بک ويضحک منک هو وجنوده، إذهب فاعتکف يوما وکفر عن يمينک. فأقبل الرجل حتي وقف علي ابن عمر فأخبره بقول ابن عباس فقال: ومن يقدر منا علي ما يستنبط ابن عباس؟[6] .

ها هنا يوقفنا السير علي مبلغ الرجل من العلم بالاحکام، أي فقيه هذا لا يعرف حکم النذر وانه لا بد فيه من الرجحان في المنذور، وان نذر التافهات وما ينکره العقل لا ينعقد قط؟ وهل مثل هذا يعد من المعضلات حتي لا يقدر علي عرفانه غير ابن عباس؟.

[صفحه 39]

ويکفي الرجل جهلا انه ما کان يحسن طلاق زوجته، وقد عجز واستحمق کما في صحيح مسلم 4 ص 181 ولم يک يعلم أنه لا يقع إلا في طهر لم يواقعها فيه[7] وفي لفظ مسلم في صحيحه 181:4: انه طلق امرأته ثلاثا وهي حائض.

ولذلک لم يره أبوه أهلا للخلافة بعد ما کبر وبلغ منتهي الکهولة لما قال له رجل استخلف عبدالله بن عمر. قال عمر: قاتلک الله والله ما أردت الله بها أستخلف من لم يحسن أن يطلق امرأته؟[8] وکأن عمر کان يجد إبنه يوم وفاته علي جهله ذاک حين طلق إمرأته وهو شاب عض أيام حياة رسول الله صلي الله عليه وآله، وإلا فکل من الخلفاء بالانتخاب الدستوري لم يکن عالما بالاحکام من أول يومه إن غضضنا الطرف عن يوم تسنمه عرش الخلافة وإلي أن اودع مقره الاخير وعمر نفسه کان في المسألة نفسها لدة ولده لم يک يعلم حکم ذلک الطلاق حتي سأل عمر رسول الله صلي الله عليه وآله فقال: مره فليراجعها ثم ليترکها حتي تطهر ثم تحيض ثم تطهر ثم إن شاء امسک بعد وإن شاء طلق[9] فالمانع عن الاستخلاف هو الجهل الحاضر وهذا من سوء حظ إبن عمر يخص به ولا يعدوه.

وإني لست أدري أي مرتبة رابية من الجهل کان يحوزها ابن عمر حتي عرفه منه والده الذي يمتاز في المجتمع الديني بنوادر الاثر[10] ؟ فمن رآه عمر جاهلا لا يقدر مبلغه من الجهل.

ومما يدلنا علي فقه الرجل، أو علي مبلغه من إتباع الهوي وإحياء البدع، أو علي نبذه سنة الله ورسوله وراء ظهره، إتمامه الصلاة في السفر أربعا مع الامام، وإعادته إياها في منزله قصرا کما في موطأ مالک 126:1 تقريرا للبدعة التي أحدثها عثمان في شريعة محمد صلي الله عليه وآله وسلم، واتبعه في احدوثته رجال الشره والتره وحملة النزعات الاموية کابن عمر، وأبناء البيت الاموي کما فصلناه في الجزء الثامن ص 116. وأخرج أحمد في

[صفحه 40]

مسنده 16:2 عنه قوله: صليت مع النبي صلي الله عليه وآله بمني رکعتين ومع أبي بکر وعمر وعثمان صدرا من إمارته ثم أتم.

ومن نوادر فقهه ما أخرجه أبوداود في سننه 289:1 من طريق سالم: ان عبد الله بن عمر کان يصنع يعني يقطع الخفين للمرأة المحرمة ثم حدثته صفية بنت أبي عبيد: ان عائشة حدثتها: ان رسول الله صلي عليه وآله وسلم قد کان رخص للنساء في الخفين فترک ذلک.

وأخرجه إمام الشافعية في کتابه «الام، ان ابن عمر کان يفتي النساء إذا أحرمن أن يقطعن الخفين حتي أخبرته صفية عن عائشة انها تفتي النساء أن لا يقطعن، فانتهي عنه.

وأخرجه البيهقي في سننه 52:5 باللفظين، وأخرجه أحمد في مسنده 29:2 بلفظ أبي داود.

والامة کما حکي الزرکشي في الاجابة ص 118 مجمعة علي أن المراد بالخطاب المذکور في اللباس الرجال دون النساء وانه لا بأس بلباس المخيط والخفاف للنساء.

ومنها: ما أخرجه الشيخان من أن ابن عمر کان يکري مزارعه علي عهد رسول الله صلي الله عليه وسلم وفي إمارة أبي بکر وعمر وعثمان وصدرا من خلافة معاوية حتي بلغه في آخر خلافة معاوية أن رافع بن خديج يحدث فيها بنهي عن النبي صلي الله عليه وسلم فدخل عليه فسأله فقال: کان رسول الله صلي الله عليه وسلم ينهي عن کراء المزارع، فترکها ابن عمر بعد و کان إذا سئل عنها بعد قال: زعم رافع بن خديج ان رسول الله صلي الله عليه وسلم نهي عنها.[11] .

وفي التعليق علي صحيح مسلم[12] قوله «وصدرا من خلافة معاوية» قد أغرب في وصف معاوية بالخلافة بعد ما وصف الخلفاء الثلاثة بالامارة، وأسقط رابعهم من البين مع أن الخلافة الکاملة خصيصتهم، وعبارة البخاري: إن ابن عمر رضي الله عنه کان يکري مزارعه علي عهد النبي صلي الله عليه وسلم وأبي بکر وعمر وعثمان وصدرا من إمارة معاوية وکان معاوية کما ذکره القسطلاني في باب صوم عاشوراء يقول: أنا أول الملوک. وقال المناوي في شرح حديث الجامع الصغير (الخلافة بالمدينة والملک بالشام) وهذا من معجزاته صلي الله تعالي عليه وسلم فقد کان کما أخبر، وقال في شرح حديثه (الخلافة بعدي في امتي ثلاثون سنة): قالوا:

لم يکن في الثلاثين إلا الخلفاء الاربعة وأيام الحسن (ثم ملک بعد ذلک) لان اسم الخلافة

[صفحه 41]

إنما هو لمن صدق هذا الاسم بعمله للسنة والمخالفون ملوک وإنما تسموا بالخلفاء.اه.

ولابن حجر حول الحديث کلمة أسلفناها في ص 24 من هذا الجزء.

قال الاميني: ألا تعجب من ابن خليفة شب ونمي وترعرع وشاخ في عاصمة الدين، في محيط وحي الله، في دار النبوة والرسالة، في مدرسة الاسلام الکبري، بين ناشئة الصحابة وفي حجور مشيختهم، بين امة عالمة استقي العالم من نمير علمهم، واهتدي الخلائق بنور هداهم، وبقي هذا الانسان في ظلمة الجهل إلي اخريات أيام معاوية، وعاش خمسين سنة بإجارة محرمة، وشد بها عظمه ومخه، ونبت بها لحمه وجلده، حتي حداه إلي السنة رافع بن خديج الذي لم يکن من مشيخة الصحابة وقد استصغره رسول الله صلي الله عليه وآله يوم بدر؟ وکانت السنة في المحاقلة والمخابرة تروي في لسان الصحابة، وفي بعض الفاظه شدة ووعيد مثل قوله صلي الله عليه وآله في حديث جابر: من لم يذر المخابرة فليؤذن بحرب من الله ورسوله[13] وجاءت هذه السنة في الصحاح والمسانيد باسانيد تنتهي إلي جابر بن عبدالله، وسعد بن أبي وقاص، وأبي هريرة، وأبي سعيد الخدري، وزيد بن ثابت[14] .

وليت ابن عمر بعد ما علم الحظر فيما أشبع به طيلة حياته نهمته- وطبع الحال انه کان يعلم بذلک ويرشد ويهدي أو يهلک ويغوي، وکان غيره يقتص أثره لانه ابن فقيه الصحابة وخليفتهم الذي أو عزنا إلي موارد من فقهه وعلمه في نوادر الاثر في الجزء السادس- کان يسأل عن فقهاء الامة أو عن خليفته معاوية عن حکم المال المأخوذ المأکول بالعقد الباطل.

أليس من الغلو الفاحش أو الجناية الکبيرة علي المجتمع الديني أن يعد هذا الانسان من مراجع الامة وفقهائها وأعلامها ومستقي علمها وممن يحتج بقوله و فعله؟ وهل کان هو يعرف من الفقه موضع قدمه؟ أنا لا أدري.

ومنها: ما أخرجه الدارقطني في سننه من طريق عروة عن عائشة أنه بلغها قول ابن عمر: في القبلة الوضوء. فقالت: کان رسول الله صلي الله عليه وسلم يقبل وهو صائم ثم

[صفحه 42]

لا يتوضأ. (الاجابة للزرکشي ص 118).

ومنها: قوله في المتعة، والبکاء علي الميت، وطواف الوداع علي الحائض، والتطيب عند الاحرام. وستوافيک أخبارها.

ويعرب عن مبلغ الرجل من فقه الاسلام ما ذکره ابن حجر في فتح الباري 209:8 من قوله: ثبت عن مروان انه قال لما طلب الخلافة فذکر واله ابن عمر فقال: ليس ابن عمر بأفقه مني ولکنه أسن مني وکانت له صحبة.

فما شأن امرء يکون مروان أفقه منه؟

ولعل نظرا إلي هذه وما يأتي من نوادر الرجل أو بوادره في الفقه تري ابراهيم النخعي لما ذکر له ابن عمر وتطيبه عند الاحرام قال: ما تصنع بقوله؟[15] .

وقال الشعبي: کان ابن عمر جيد الحديث ولم يکن جيد الفقه کما رواه ابن سعد في الطبقات الکبري 891 رقم التسلسل.

هذا رأي الشعبي وأما نحن فلا نفرق بين فقه الرجل وحديثه وکلاهما شرع سواء غير جيدان، بل حديثه أردي من فقهه، وردائة فقهه من ردائة حديثه، وکأن الشعبي لم يقف علي شواهد سوء حفظه أو تحريفه الحديث فإليک نماذج منها:

1- أخرج الطبراني من طريق موسي بن طلحة قال: بلغ عائشة ان ابن عمر يقول: ان موت الفجأة سخط علي المؤمنين. فقالت: يغفر الله لابن عمر إنما قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: موت الفجاءة تخفيف علي المؤمنين وسخط علي الکافرين. الاجابة للزرکشي ص 119.

2- أخرج البخاري من طريق ابن عمر قال: وقف النبي صلي الله عليه وسلم علي قليب بدر فقال: هل وجدتم ما وعدکم ربکم حقا؟ ثم قال: إنهم الآن يسمعون ما أقول فذکر ذلک لعائشة فقالت: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: إنهم ليعلمون الآن ما کنت أقول لهم حق.

وفي لفظ أحمد في مسنده 31:2: وقف رسول الله صلي الله عليه وسلم علي القليب يوم بدر فقال: يا فلان؟ يا فلان؟ هل وجدتم ما وعدکم ربکم حقا؟ أما والله انهم الآن ليسمعون کلامي. قال يحيي: فقالت عائشة: غفر الله لابي عبدالرحمن انه وهم، انما قال رسول

[صفحه 43]

الله صلي الله عليه وسلم: والله انهم ليعلمون الآن ان الذي کنت أقول لهم حقا، وإن الله تعالي يقول: إنک لا تسمع الموتي وما أنت بمسمع من في القبور.

3- روي الحکيم الترمذي في نوادر الاصول من طريق ابن عمر قال قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: اهتز العرش لموت سعد بن معاذ. قال أبو عبدالله: فتأول ناس في هذا الحديث وقالوا: العرش سريره الذي حمل عليه، واحتجوا بحديث رووه عن ابن عمر انه تأوله، کذا حدثنا الجارود قال: حدثنا جرير عن عطاء بن السائب عن مجاهد عن ابن عمر قال: ذکر يوما عنده حديث سعد: ان العرش يهتز بحب الله لقاء سعد قال ابن عمر: إن العرش ليس يهتز لموت أحد ولکنه سريره الذي حمل عليه. قال: فهذا مبلغ ابن عمر رحمه الله من علم ما القي اليه من ذلک، وفوق کل ذي علم عليم. انتهي. وأخرجه الحاکم في المستدرک 606:3 ولفظه: قال ابن عمر: اهتز لحب لقاء الله العرش. يعني السرير قال: ورفع أبويه علي العرش. تفسخت أعواده.

وأنت تعرف سخافة هذا التأويل مما أخرجه البخاري والحاکم في المستدرک من طريق جابر بن عبدالله رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول: اهتز عرش[16] .

الرحمن لموت سعد بن معاذ. فقال رجل لجابر: فإن البراء يقول: اهتز السرير. فقال إنه کان بين هذين الحيين الاوس والخزرج ضغائن سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول: اهتز عرش الرحمن لموت سعد بن معاذ[17] وأخرجه مسلم بلفظ: اهتز عرش الرحمن[18] .

وفي فتح الباري 98:7: قد جاء حديث اهتزاز العرش لسعد بن معاذ عن عشرة من الصحابة أو أکثر وثبت في الصحيحين فلا معني لانکاره.

4- في کتاب «الانصاف» لشاه صاحب: روي ابن عمر عنه صلي الله عليه وسلم من ان الميت يعذب ببکاء أهله عليه فقضت عائشة عليه بانه لم يأخذ الحديث علي وجهه، مر رسول الله صلي الله عليه وسلم علي يهودية يبکي عليها أهلها فقال صلي الله عليه وسلم: إنهم يبکون عليها، وانها تعذب في قبرها. وظن- ابن عمر- العذاب معلولا بالبکاء، وظن الحکم عاما علي کل ميت.

[صفحه 44]

وأخرج أحمد في المسند 281:6 عن عائشة انه بلغها ان ابن عمر يحدث عن أبيه ان رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: الميت يعذب ببکاء أهله عليه. فقالت: يرحم الله عمر و ابن عمر فوالله ما هما بکاذبين ولا مکذبين ولا متزيدين انما قال ذلک رسول الله صلي الله عليه وسلم في رجل من اليهود ومر بأهله وهم يبکون عليه فقال: إنهم ليبکون عليه وان الله عزوجل ليعذبه في قبره. ولاحمد في مسنده لفظ آخر يأتي بعد بضع صحائف من هذا الجزء.

أسلفنا الحديث نقلا عن عدة صحاح ومسانيد في الجزء السادس ص 151 ط 1 وفصلنا هنالک القول حول المسألة.

5- أخرج البخاري في کتاب الاذان من صحيحه ج 6:2 عن عبدالله بن عمر ان رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: إن بلالا يؤذن بليل فکلوا واشربوا حتي ينادي ابن ام مکتوم. هذا الحديث مما استدرکت به عائشة علي ابن عمر وکانت تقول: غلط ابن عمر وصحيحه إن ابن مکتوم ينادي بليل فکلوا واشربوا حتي يؤذن بلال، وبهذا جزم الوليد وکذا أخرجه ابن خزيمة وابن المنذر وابن حبان من طرق عن شعبة، وکذلک أخرجه الطحاوي والطبراني من طريق منصور بن زاذان عن خبيب بن عبدالرحمن.

وفي لفظ البيهقي في سننه 382:1: قالت عائشة: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: إن ابن مکتوم رجل أعمي فإذا أذن فکلوا واشربوا حتي يؤذن بلال. قالت: وکان بلال يبصر الفجر، وکانت عائشة تقول غلط ابن عمر.

وقال ابن حجر: ادعي ابن عبدالبر وجماعة من الائمة بأنه مقلوب وان الصواب حديث الباب)يعني لفظ البخاري وقد کنت أميل إلي ذلک إلي أن رأيت الحديث في صحيح ابن خزيمة من طريقين آخرين عن عائشة، وفي بعض ألفاظه ما يبعد وقوع الوهم فيه وهو قوله: إذا أذن عمرو فإنه ضرير البصر فلا يغرنکم، وإذا أذن بلال فلا يطعمن أحد. وأخرجه أحمد[19] وجاء عن عائشة أيضا: انها کانت تنکر حديث ابن عمر وتقول: إنه غلط، أخرج ذلک البيهقي من طريق الدراوردي عن هشام عن أبيه عنها فذکر الحديث وزاد قالت عائشة: وکان بلال يبصر الفجر. قال: وکانت عائشة تقول:

[صفحه 45]

غلط ابن عمر. فتح الباري 81:2.

6- أخرج أحمد في مسنده 21:2 من طريق يحيي بن عبدالرحمن بن حاطب قال قال عبدالله بن عمر: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: الشهر تسع وعشرون وصفق بيديه مرتين ثم صفق الثالثة وقبض إبهامه. فقالت عائشة: غفر الله لابي عبدالرحمن انه وهم، إنما حجر رسول الله صلي الله عليه وسلم نساءه شهرا فنزل لتسع وعشرين فقالوا: يا رسول الله إنک نزلت لتسع وعشرين فقال: ان الشهر يکون تسعا وعشرين. وفي ص 56: فقيل له فقال (صلي الله عليه وسلم): إن الشهر قد يکون تسعا وعشرين. ورواه أبومنصور البغدادي ولفظه:

اخبرت عائشة رضي الله عنها بقول ابن عمر رضي الله عنه: إن الشهر تسع وعشرون فانکرت ذلک عليه وقالت: يغفر الله لابي عبدالرحمن ما هکذا قال رسول الله ولکن قال: إن الشهر قد يکون تسعا وعشرين (الاجابة للزرکشي ص 120).

کان ابن عمر يعمل بوهمه هذا ويري کل شهر تسعا وعشرين يوما وکان يقول: قال رسول الله: الشهر تسع وعشرون، وکان إذا کان ليلة تسع وعشرين وکان في السماء سحاب أو قتر أصبح صائما[20] .

7- أخرج الشيخان من جهة نافع قال: قيل لابن عمر: إن أبا هريرة يقول: سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول: من تبع جنازة فله قيراط من الاجر. فقال ابن عمر: أکثر علينا أبوهريرة فبعث إلي عائشة فسألها فصدقت أبا هريرة فقال ابن عمر: لقد فرطنا في قراريط کثيرة.

وأخرج مسلم من طريق عامر بن سعد بن أبي وقاص إنه کان قاعدا عند عبدالله ابن عمر إذ طلع خباب صاحب المقصورة فقال: يا عبدالله بن عمر: ألا تسمع ما يقول أبوهريرة؟ إنه سمع رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول: من خرج مع جنازة من بيتها وصلي عليها ثم تبعها حتي دفن کان له قيراطان من أجر، کل قيراط مثل احد، ومن صلي عليها ثم رجع کان له من الاجر مثل احد، فأرسل ابن عمر خبابا إلي عائشة يسألها عن قول أبي هريرة ثم يرجع إليه فيخبره بما قالت، وأخذ ابن عمر قبضة من حصي المسجد يقلبها في يده حتي رجع إليه الرسول فقال: قالت عائشة: صدق أبوهريرة. فضرب

[صفحه 46]

ابن عمر بالحصي الذي کان في يده الارض وقال: لقد فرطنا في قراريط کثيرة[21] .

ولعل الباحث لا يشک إذا وقف علي هذه الروايات وأمثالها في أن رواية ابن عمر لا تقل عن فقاهته في الردائة، ومن هذا شأنه في الفقه والحديث لا يعبأ به وبرأيه ولا يوثق بحديثه.


صفحه 38، 39، 40، 41، 42، 43، 44، 45، 46.








  1. نوادر الاصول للحکيم الترمذي ص 212.
  2. سيرة عمر بن الخطاب لابن الجوزي ص 115، وفي طبع ص 138.
  3. المحلي لابن حزم 188:2، سنن البيهقي 316:1، کنز العمال 305:8 نقلا عن ابن ماجة واللفظ له.
  4. تفسير الطبري 96:2، تفسير ابن کثير 220:1، تفسير القرطبي 294:2، و تفاسير اخري.
  5. طبقات ابن سعد، کنز العمال 100:7، منتخب الکنز هامش مسند أحمد 279:5.
  6. کتاب الاثار ص 168 متنا وتعليقا.
  7. صحيح البخاري 76:8، صحيح مسلم 179:4 تا 813، مسند أحمد 51:2 و 61 و 64 و 74 و 80 و 128 و 145.
  8. تاريخ الطبري 34:5، کامل ابن الاثير 27:3، الصواعق ص 62، فتح الباري 54:7 وصححه.
  9. صحيح مسلم 179:4.
  10. ذکرنا جملة منها في الجزء السادس ص 325 -83ط 2.
  11. صحيح البخاري 47:4، صحيح مسلم 21:5، سنن النسائي 47 و 46: 7، مسند أحمد 6:2، سنن ابن ماجة 87:2، سنن ابي داود 91:2، سنن البيهقي 130:6 واللفظ لمسلم.
  12. راجع صحيح مسلم 22:5 من طبع محمد علي صبيح وأولاده.
  13. سنن البيهقي 128:6.
  14. راجع سنن النسائي 52:3، سنن البيهقي 128:6 تا 133.
  15. صحيح البخاري 58:3، تيسير الوصول 267:1.
  16. فصل ابن حجر القول في معني الحديث في فتح الباري 97:7 و 98.
  17. صحيح البخاري في المناقب ج 3:6، مستدرک الحاکم 207:3.
  18. صحيح مسلم 150:7.
  19. في المسند 186:6.
  20. مسند أحمد 13:2.
  21. صحيح البخاري 239:2، صحيح مسلم 53 و 52: 3.