لفت نظر











لفت نظر



إن حديث معاوية: من مات بغير إمام مات ميتة جاهلية. أخرجه الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد 218:5، وأبوداود الطيالسي في مسنده ص 259 من طريق عبدالله ابن عمر وزاد: ومن نزع يدا من طاعة جاء يوم القيامة لا حجة له.

وهذا الحديث معتضد بألفاظ اخري من طرق شتي منها:

قوله صلي الله عليه وآله: من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية. أخرجه مسلم في صحيحه 22:6، والبيهقي في سننه 156:8، وابن کثير في تفسيره 517:1، والحافظ الهيثمي في المجمع 218:5، واستدل بهذا اللفظ شاه ولي الله في إزالة الخفاء 1 ص 3 علي وجوب نصب الخليفة علي المسلمين إلي يوم القيامة وجوبا کفائيا.

وقوله صلي الله عليه وآله: من مات وليس عليه طاعة مات ميتة جاهلية.

أخرجه أحمد في مسنده 446:3، والهيثمي في المجمع 223:5.

[صفحه 360]

وقوله صلي الله عليه وآله: من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية. ذکره التفتازاني في شرح المقاصد 275:2 وجعله لدة قوله تعالي: أطيعوا الله وأطيعوا الرسول واولي الامر منکم في المفاد. وبهذا اللفظ ذکره التفتازاني ايضا في شرح عقائد النسفي المطبوع سنة 1302 غير ان يد الطبع الامينة علي ودايع العلم والدين حرفت من الکتاب في طبع سنة 1313 سبع صحائف يوجد فيها هذا الحديث. وحکاه الشيخ علي القاري صاحب المرقاة في خاتمة الجواهر المضية 509:2، وقال في ص 457: وقوله عليه السلام في صحيح مسلم من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية. معناه: من لم يعرف من يجب عليه الاقتداء والاهتداء به في أوانه.

وقوله صلي الله عليه وآله: من خرج من الطاعة وفارق الجماعة فمات مات ميتة جاهلية.

أخرجه مسلم في صحيحه 21:6، والبيهقي في سننه 156:8، وذکر في تيسير الوصول 39: 3 نقلا عن الصحيحين للشيخين من طريق أبي هريرة.

وقوله صلي الله عليه وآله: من فارق الجماعة شبرا فمات فميتة جاهلية.

أخرجه مسلم في صحيحه 21:6.

وقوله صلي الله عليه وآله: من مات ولا إمام له مات ميتة جاهلية.

ذکره أبوجعفر الاسکافي في خلاصة نقض کتاب العثمانية للجاحظ ص 29، و ذکره الهيثمي في المجمع 225 و 224: 5 بلفظ: من مات وليس عليه إمام فميتته ميتة جاهلية. وبلفظ: من مات وليس عليه إمام مات ميتة جاهلية. وقوله صلي الله عليه وآله: من مات وليس لامام جماعة عليه طاعة مات ميتة جاهلية.

أخرجه الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد 219:5.

وقوله صلي الله عليه وآله وسلم: من أتاه من أميره ما يکرهه فليصبر، فان من خالف المسلمين قيد شبر ثم مات مات ميتة الجاهلية. شرح السير الکبير 113:1. هذه حقيقة راهنة أثبتتها الصحاح والمسانيد فلا ندحة عن البخوع لمفادها، ولا يتم اسلام مسلم إلا بالنزول لمؤداها، ولم يختلف في ذلک إثنان، ولا ان أحدا خالجه في ذلک شک، وهذا التعبير ينم عن سوء عاقبة من يموت بلا إمام وانه في منتئي عن أي

[صفحه 361]

نجاح وفلاح، فإن ميتة الجاهلية إنما هي شر ميتة، ميتة کفر وإلحاد، لکن هنا دقيقة لا بد من البحث عنها وهي أن الصديقة الطاهرة المطهرة بنص الکتاب الکريم التي يغضب الله ورسوله لغضبها ويرضيان لرضاها، ويؤذيهما ما يؤذيها قضت نحبها و ليس في عنقها بيعة لمن زعموا انه خليفة الوقت، ومثلها بعلها طيلة ستة أشهر أيام حياة حليلتها کما جاء في الصحيحين وفيهما: کان لعلي من الناس وجه حياة فاطمة، فلما توفيت استنکر علي وجوه الناس.[1] قال القرطبي في المفهم. کان الناس يحترمون عليا في حياتها کرامة لها لانها بضعة من رسول الله وهو مباشر لها، فلما ماتت وهو لم يبايع أبا بکر انصرف الناس عن ذلک الاحترام ليدخل فيما دخل فيه الناس ولا يفرق جماعتهم.اه.

فالحقيقة هاهنا مرددة بين أن الصديقة سلام الله عليها عزبت عنها ضرورية من ضروريات دين أبيها وهي أولاها وأعظمها وقد حفظته الامة جمعاء حضريها وبدويها وماتت- العياذ بالله- علي غير سنة أبيها، وبين أن لا يکون للحديث مقيل من الصحة وقد رواه الحفظة الاثبات من الفريقين وتلقته الامة بالقبول، وبين انها سلام الله عليها لم تک تعترف للمتقمص بالخلافة، ولا توافقه علي ما يدعيه، ولم تکن تراه أهلا لذلک، وکذلک الحال في مولانا أميرالمؤمنين عليه السلام.

فهل يسع لمسلم أن يختار الشق الاول ويرتأي لبضعة النبوة ولزوجها نفس النبي الامين ووصيه علي التعيين ما يأباه العقل والمنطق ويبرأ منه الله ورسوله؟ لا، ليس لاحد أن يقول ذلک.

وأما الشق الثاني، فلا أظن جاهلا يسف إلي مثله بعد استکمال شرايط الصحة والقبول وإصفاق أئمة الحديث ومهرة الکلام علي الخضوع لمفاده، وإطباق الامم الاسلامية علي مؤداه.

فلم يبق إلا الشق الثالث، فخلافة لم تعترف لها الصديقة الطاهرة وماتت وهي واجدة عليها وعلي صاحبها، ويجوز مولانا أميرالمؤمنين التأخر عنها ولو آناما، ولم

[صفحه 362]

يأمر حليلتها بالمبادرة إلي البيعة، ولا بايع هو، وهو يعلم أن من مات ولم يعرف إمام زمانه وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية، فخلافة هذا شأنها حقيقة بالاعراض عنها والنکوص عن البخوع لصاحبها.

8- من طريق أبي امية عمرو بن يحيي بن سعيد عن جده: إن معاوية أخذ الاداوة بعد أبي هريرة يتبع رسول الله صلي الله عليه وسلم بها واشتکي أبوهريرة فبينا هو يوضئ رسول الله صلي الله عليه وسلم رفع رأسه مرة أو مرتين فقال: يا معاوية إن وليت أمرا فاتق الله عز وجل وأعدل. قال: فما زلت أظن إني مبتلي بعمل لقول رسول الله صلي الله عليه وسلم حتي ابتليت.

المسند 101:4.

قال الاميني: إن من المأسوف عليه ان الرجل نسي هذه الوصية النبوية في عهديه جميعا من الامارة والملک العضوض، أو أنه کان يذکرها غير أنه لم يکترث لها فلم يدع شيئا من مظاهر العدل والتقوي إلا وترکه، ولا أمرا من موجبات الاثم والعدوان إلا وارتکبه، وإن البحث لفي غني عن سرد تلک المآثم والجرائم، وقد کررنا بعضها في أجزاء هذا الکتاب، وفي حيطة سعة الباحث الوقوف عليها کلها.

فليته کان يذکر تلک الوصية الخالدة يوم تثبط عن نصرة عثمان حتي اودي به، ويوم کاشف إمام الوقت أميرالمؤمنين عليه السلام بالحروب الطاحنة، وجابه ولاية الله الکبري بکل ما کان يسعه عناده ومکائده، وناوء الصحابة العدول بالقتل والتشريد، وأضطهد صلحاء الامة بکل ما في حوله وطوله من إخافة وإرجاف وقتل ذريع وأخذ بالظنون والتهم، أو کان من العدل والتقوي شيئ من هذه؟ أو کان منهما بيع الخمر وشرابها وأکل الربا، واستلحاق زياد بأبي سفيان، واستخلاف يزيد؟ ولعلک أعرف بيزيد من غيرک کما أن مستخلفه کان أعرف به من کل أحد.

ولعل من أظهر مصاديق عدله وتقواه دؤبه علي سب الامام الطاهر، ولعنه علي صهوات المنابر، وقنوته بذلک في صلواته- التي کانت تعلنه- وحمله الناس علي ذلک بالحواضر الاسلامية وأوساطها طول حياته حتي کانت بدعة مخزية مستمرة في العهد الاموي کلها بعد أن اخترمته المنية.

[صفحه 363]

وليتني کنت أدري انه ماذا کان يفعله مما يخالف العدل والتقوي لولا وصية رسول الله صلي الله عليه وآله إياه؟ أوانه «والعياذ بالله» لو کانت الوصية بخلاف ما سمعه منه صلي الله عليه وآله؟ فهل کان يتاح له أکثر وأشنع مما فعل؟.

9- من غير طريق عن معاوية قال: سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول: إذا أراد الله بعبد خيرا فقهه في الدين، وفي لفظ: من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين. وفي بعض الالفاظ: وکان معاوية قلما خطب إلا ذکر هذا الحديث في خطبته.[2] .

قال الاميني: کان من قضية هذا السماع ووعيه، والاکثار من روايته حتي انه جاء مکررا في مسند أحمد ست عشر مرة، وما کان يخطب معاوية إلا وذکره، التأثر بمفاده، والتهالک في التفقه في الدين، والحرص علي ما کان يسمعه أو يبلغه عن رسول الله صلي الله عليه وسلم في مبادئ الفقه وغاياته، فما هذا الذي قهقره عن ضبط ما هنالک من حکم وأحکام؟ وأبعده عن مستقي السنة ذلک البون الشاسع الذي ترکه أجهل خلق الله بأحکامه، عدا ما خالفه وباينه، من أحاديث کانت حجة عليه، بعيدا عن مغازيه وأعماله، وعدا طفائف لا يعود العالم بها فقيها في دينه، متبصرا في أمره، کل ذلک ينم عن أن الرجل لم يرد الله به خيرا ولا فقهه في دينه، وليس ذلک من ابن هند ببعيد.

10- من طريق محمد بن جبير بن مطعم يحدث: انه بلغ معاوية وهو عنده في وفد من قريش، أن عبدالله بن عمرو بن العاص يحدث انه سيکون ملک من قحطان، فغضب معاوية فقام فأثني علي الله عزوجل بما هو أهله، ثم قال: أما بعد: فإنه بلغني ان رجالا منکم يحدثون أحاديث ليست في کتاب الله ولا تؤثر عن رسول الله صلي الله عليه وسلم اولئک جهالکم، فإياکم والاماني التي تضل أهلها، فأني سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول: إن هذا الامر في قريش لا ينازعهم أحد إلا أکبه الله علي وجهه ما أقاموا الدين.

قال الاميني: لقد غلط معاوية في فهم الحديث علي تقدير صحته، فإن الذي ذکر عبدالله بن عمرو ان ذلک الکائن ملک، ولم ينص علي أنه خليفة، وکم في الدهر بعد رسول الله صلي الله عليه وآله ملوک من غير قريش؟ ومن الجائز أن يکون ذلک الملک الموعود به من أصحاب الملک العضوض، فما رده به معاوية من ان الذين يجب أن يکونوا من قريش

[صفحه 364]

هم الائمة الذين لا ينازعون في أمرهم ما أقاموا الدين، فمعاوية ومن اهتدي مثاله ممن لم يقيموا الدين بل ناوئوه وباينوه خارجون عنهم، وهاهنا تسقط مطامع معاوية وأمانيه التي أضلته من انطباق الرواية عليه وعلي نظرائه وإن لم يکونوا قحطانيين، فأولي به من تحذره عن تخلف نسبة قحطان عنه أخذه الحذر عن موانع الخلافة التي لا تبارحه أو کانت الخلافة في الطلقاء؟ أو کانت في غير البدريين؟ أو کان يشترط فيها فقدان العدل والتقوي في الخليفة؟ أو کان لآکلة الاکباد ورايتها نصيب من خلافة الله؟

وإن تعجب فعجب ان الرجل يعد عبدالله بن عمرو من الجهال، وهو الذي جاء فيه عن أبي هريرة: انه أکثر الناس حديثا من رسول الله صلي الله عليه وآله، وکان يکتب الحديث، وفي لفظ أبي عمر: أحفظ حديثا. وقال: کان فاضلا حافظا عالما، قرأ الکتاب واستأذن النبي صلي الله عليه وسلم في أن يکتب حديثه فأذن له، وهو الذي أثني عليه ابن حجر بغزاره العلم والاجتهاد في العبادة[3] .

نعم: يقع معاوية في الرجل کمن ملا إهابه علما، وشحن الطروس والسطور فقها وحديثا، ذهولا منه عن أن الامة المنقبة حفظت عليه حديث عبادة بن الصامت من قوله له: إن امک هند أعلم منک[4] .

هذا معاوية ومبلغه من العلم بالسنة.


صفحه 360، 361، 362، 363، 364.








  1. صحيح البخاري کتاب المغازي ج 197:6، صحيح مسلم کتاب الجهاد ج 154:5.
  2. المحلي لابن حزم 359:9.
  3. الاستيعاب 307:1، اسد الغابة 233:3، الاصابة 352:2، تهذيب التهذيب 337:5.
  4. تاريخ ابن عساکر 210:7.