نظرة في أحاديث معاوية











نظرة في أحاديث معاوية



إن لنا حق النظر في شتي مناحي رواياته، لقد أخرج عنه أحمد في مسنده في الجزء الرابع ص 102 -91 مائة وستة أحاديث وفيها من المکرر.

[صفحه 353]

1- حديث إذا أراد الله بعبده خيرا يفقهه في الدين. کرره ست عشر مرة في ص 101 و 101 و 99 و 98 و 98 و 97 و 96 و 96 و 95 و 93 و 93 و 93 و 93 و 93 و 92 و 92

2- حديث تقصير شعر النبي بمشقص مکرر عشر مرات في ص 102 و 102 و 98 و 97 و 97 و 97 و 97 و 96 و 95 و 92.

3- حديث حکاية رسول الله صلي الله عليه وآله الاذن کرره سبع مرات في ص 100 و 100 و 98 و 98 و 93 و 92 و 91.

4- حديث عقوبة شرب الخمر مکرر خمس مرات في ص 101 و 97 و 96 و 95 و 93.

5- حديث وفاة رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وأبي بکر وعمر جاء في ص 100 و 97 و 97 و 96.

6- حديث کبة الشعر يوجد في ص 101 و 95 و 94 و 91.

7- حديث مناشدته عن أحاديث جاء في ص 99 و 96 و 95 و 92.

8- حديث صوم عاشوراء في ص 97 و 96 و 95.

9- حديث حب الانصار يوجد في ص 100 و 100 و 96.

10- حديث من أحب أن يمثل له قياما في ص 100 و 93 و 91.

11- حديث النهي عن لبس الذهب والحرير يوجد في ص 101 و 100 و 96

12- حديث منقبة المؤذنين في ص 98 و 95.

13- حديث إنما أنا خازن ص 100 و 99.

14- حديث العمري جائزة ص 99 و 97.

15- حديث سجدة السهو لکل منسي ص 100 و 100

16- حديث التبعية في الرکوع والسجود ص 98 و 92.

17- حديث النهي عن رکوب الخز والنمار ص 93 و 93.

فالباقي من أحاديثه من غير تکرير سبعة وأربعون حديثا، وهل تسد هي فراغ الاستنباط في أحکام الدين لاي مجتهد؟ مع أن فيها ما ليس من الاحکام مثل رواية ان رسول الله صلي الله عليه وآله وأبا بکر وعمر توفي کل منهم وهو ابن ثلاث وستين، وقوله: رأيت

[صفحه 354]

النبي صلي الله عليه وآله يمص لسان الحسن. إلي أمثال ذلک.

ولقد آن لنا أن ننظر نظرة اخري في غير واحد من متون أحاديثه فمنها:

1- ان معاوية دخل علي عائشة فقالت له: أما خفت أن أقعد لک رجلا يقتلک؟ فقال: ما کنت لتفعليه وأنا في بيت أمان، وقد سمعت النبي صلي الله عليه وسلم يقول. يعني: الايمان قيد الفتک. کيف أنا في الذي بيني وبينک وفي حوائجک؟ قالت: صالح قال فدعينا وإياهم حتي نلقي ربنا عزوجل. مسند أحمد 92:4.

قال الاميني إنه ينم عن ان ام المؤمنين کانت تستبيح دم الرجل بما ارتکبه من الجرائم والمآثم، وسفک دماء زکية، ونفوس مزهقة بريئة، حتي انها کانت تري من المعقول السائغ أن تقعد له رجلا فيقتله، فأقنعها بأنه في بيت أمان، وداخل في ذمتها، وأن ما بينه وبينها صالح، وأرجئ الموافاة للجزاء إلي يوم التلاقي بينه وبين الناس.

ويستشف من هذه انه لم يکن عند معاوية درأ لما کانت ام المؤمنين تنقمه عليه، وإلا لکان للرجل أن يتشبث به في تبرير أعماله وتبرأة نفسه دون التافهات.

وإن تعجب فعجب إقتناع ام المؤمنين من معاوية بأن بينه وبينها صالح، وإن لم يکن صالحا بينه وبين الله، ولا صالحا بينه وبينها لانه قاتل أخيها «محمد بن أبي بکر» وکان علي عنق معاوية ذلک الدم الطاهر، وإن غضت الطرف عنه اختها لان بينه وبينها صالح، کما انها غضت الطرف عن دم حجر وأصحابه وهو من موبقات إبن آکلة الاکباد وطالما نقمت عليه ذلک وکانت توبخه، لکن برره ذلک الصالح بينهما بلا عقل ولا قود، وأما دم عثمان فما غضت عنه ام المؤمنين مهما لم يکن بينهما وبين علي عليه السلام صالح، وهل يحتج معاوية يوم القيامة في موقف العدل الالهي متي خاصمه محمد وحجر وأصحابه و آلاف من الصلحاء الابرار ممن سفک دمائهم بأن بينه وبين عائشة صالح؟ وهل يفيده هذا الحجاج؟ أنا لا أدري.

أما کان لعائشة أن تفحم الرجل بأن الايمان لو کان قيد الفتک «وهو قيد الفتک» فلماذا لم يقيده؟ وقد فتک بآلاف من وجوه المؤمنين، وأعيان الامة المسلمة، ولم يأمن من فتکه أهل حرم أمن الله «مکة» ولا مجاورو بيت أمانه« المدينة» ولعل ام المؤمنين کانت تنظر إلي إيمان الرجل من وراء ستر رقيق ولم تجده ايمانا مستقرا (إن لم نقل

[صفحه 355]

انها وجدته مستودعا) يقيد صاحبه، ويسلم المسلمون بذلک من يده ولسانه، وقد صح عن رسول الله صلي الله عليه وآله: المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده والمؤمن من أمنه الناس علي دمائهم وأموالهم[1] .

2- عن عباد بن عبدالله بن الزبير قال: لما قدم علينا معاوية حاجا، قدمنا معه مکة فصلي بنا الظهر رکعتين، ثم انصرف إلي دار الندوة، وکان عثمان حين أتم الصلاة إذا قدم مکة صلي بها الظهر والعصر والعشاء الآخرة أربعا أربعا، فإذا خرج إلي مني وعرفات قصر الصلاة، فإذا فرغ من الحج وأقام بمني أتم الصلاة حتي يخرج من مکة، فلما صلي بنا الظهر رکعتين نهض إليه مروان بن الحکم وعمرو بن عثمان فقالا له: ما عاب أحد ابن عمک بأقبح ما عبته به، فقال لهما: وما ذاک؟ قال: فقالا له: ألم تعلم أنه أتم الصلاة بمکة؟ فقال لهما: ويحکما وهل کان غير ما صنعت؟ قد صليتهما مع رسول الله صلي الله عليه وسلم ومع أبي بکر وعمر رضي الله عنهما، قالا: فإن إبن عمک قد کان أتمها، وإن خلافک إياه له عيب، قال: فخرج معاوية إلي العصر فصلاها بنا أربعا. مسند أحمد 94:4.

قال الاميني: أنا لا أدري ان الشائنة ها هنا تعود إلي فقه معاوية؟ أم إلي دينه؟ حيث يتعمد الاتمام حيثما قصر فيه رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم واتخذته الامة سنة متبعة وفيهم أبوبکر وعمر، وقد صح عن عبدالله مرفوعا: الصلاة في السفر رکعتان من خالف السنة فقد کفر. لکن الرجل خالف الجميع، وجابه حکم الرسول صلي الله عليه وآله نزولا منه إلي رغبة مروان الطريد بن الطريد، وعمرو بن عثمان؟ صونا لسمعة ابن عمه عثمان مبتدع هذه الاحدوثة فإن کان هذا فقه الرجل في الحديث؟ فمرحا بالفقاهة، أو أن ذلک مبلغه من الدين؟ فبعدا له في موقف الديانة.

راجع الجزء الثامن ص 100 تا 269 و 122 ط 1.

3- عن الهنائي قال: کنت في ملا من أصحاب رسول الله صلي الله عليه وسلم عند معاوية، فقال معاوية: انشدکم الله أتعلمون أن رسول الله صلي الله عليه وسلم نهي عن لبس الحرير؟ قالوا: أللهم نعم.

إلي أن قال:

[صفحه 356]

قال: انشدکم الله تعالي أتعلمون أن رسول الله صلي الله عليه وسلم نهي عن الجمع بين حج و عمرة؟ قالوا: أما هذا فلا؟ قال: أما انها معهن.

وفي لفظ:

قال: وتعلمون أنه نهي عن المتعة- يعني متعة الحج- قالوا: أللهم لا.

راجع المسند 4 ص 99 و 95 و 92.

قال الاميني: هذا معطوف علي ما قبله، فإن حرص الرجل علي إحياء البدع تجاه السنة النبوية الثابتة، أوقفه هاهنا موقف المکابر المعاند، فقد أسلفنا في الجزء السادس ص 184 تا 200 و 191 تا 206: إن متعة الحج نزل بها القرآن الکريم ولم ينسخ حتي قضي رسول الله صلي الله عليه وآله نحبه، وکان عليها العمل أيام أبي بکر وصدرا من أيام عمر حتي منع عنها. وعليه فاقتصاص معاوية أثر ذلک المحرم «بالکسر» يجلب الطعن إما في فقهه هو وجهله بالسنة، أو في دينه، والجمع أولي، والثاني أقرب إليه.

4- من طريق حمران يحدث عن معاوية قال: إنکم لتصلون صلاة لقد صحبنا رسول الله صلي الله عليه وسلم فما رأيناه يصليها، ولقد نهي عنهما، يعني الرکعتين بعد العصر.

ج 100 و 99: 4.

قال الاميني: عرفت- في الجزء السادس ص 173 -170- ان الصلاة بعد العصر کانت مطردة علي العهد النبوي يصليها هو صلي الله عليه وآله ولم يکن يدعهما سرا ولا علانية، وما ترکهما حتي لقي الله تعالي، وصلاهما أصحابه إلي أن منع عنها عمر، واحتجت الصحابة عليه بأنها سنة ثابتة، ولا تبديل لسنة الله، غير أن الرجل لم يصخ إلي قولهم، وطفق يمضي وراء احدوثته، وجاء معاوية وقد زاد في الطنبور نغمة، وعزي إلي رسول الله النهي عنهما، وهل هذا مقتضي جهله بالسنة؟ أو مبلغه من الفقه والدين؟ فاسمع القول، واقض بالحق لک أو عليک.

5- من عدة طرق عن معاوية مرفوعا: من شرب الخمر فاجلدوه، فإن عاد فاجلدوه، فان عاد فاجلدوه، فإن عاد الرابعة فاقتلوه.

أخرجه في ج 101 و 97 و 96 و 95 و 93: 4.

[صفحه 357]

قال الاميني: إني واقف هاهنا موقف التحير، ولا أدري هل کان معاوية عاملا بمفاد هذا الحديث يوما من أيامه ابان خلافته وإمارته وقبلهما؟ أو کان يناقضه کمناقضته بکثير من الاحکام؟ ولان کان خاضعا لما فيه من الحکم البات لما حملت إليه روايا الخمر قطارا، ولما حملها إليه حماره الذي کان يصاحبه، ولا ادخرها في حجرته، ولا اتخذ متجرا لبيعها، ولا شربها هو، ولا يعربد بشعره فيما وهو سکران، ولا قدمها إلي وفوده، ولا استخلف جروه السکير بمرئي منه ومسمع، ولا أضاع حد الله علي من يشربها وينتشي بها، وحديث معاوية هذا مع جودة سنده واخراج مثل أحمد والترمذي وأبي داود إياه لم يأخذ به وبمفاده أحد من أئمة الفقه وضربوا عنه صفحا لتفرد معاوية بروايته وهو لا يؤتمن علي حديثه. هذا موقفه مع السنة التي اتخذها هو عن رسول الله صلي الله عليه وآله علي قلتها، فما ظنک بالکثير الذي لم يبلغه منها.

6- عن أبي إدريس قال: سمعت معاوية وکان قليل الحديث عن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم وهو يقول: کل ذنب عسي الله أن يغفره إلا الرجل يموت کافرا أو الرجل يقتل مؤمنا متعمدا. المسند 99:4.

وقد جاء کما يأتي في الجزء الحادي عشر من کتاب له کتبه إلي علي أمير المؤمنين عليه السلام: وإني سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول: لو تمالا أهل صنعاء وعدن علي قتل رجل و احد من المسلمين لاکبهم الله علي مناخرهم في النار.

قال الاميني: هل هذان الحديثان اللذان رواهما معاوية حجة له أو عليه؟ والحقيقة جلية لا يخفيها ستار، فإنک جد عليم بالذي باء بإثم تلکم الدماء المهراقة منذ يوم صفين، وبعده ريثما تتاح له الفرص مع مهب الريح، وتحت کل حجر ومدر، وعلي الروابي والثنيات، وعدد الرمل والحصي، عند کل هاتيک دم مسفوک، ونفس مزهقة، وأوصال مفصولة، وحرمات مهتوکة وهل شيئ من تلکم البوائق يباح بآية من الکتاب؟ أو يبرر بسنة صحيحة؟ أو يحبذ بشيئ من معاقد إجماع المسلمين؟ وهل هناک قياس ينتهي إلي شيئ من هذه المبادئ الاجتهادية؟ وهل معاوية يحسن شيئا منها أو يتقنها؟: وأين وأني له الرأي والاجتهاد؟ أو هو مجرم جاهل، وباغ

[صفحه 358]

ظلوم، وثان الخليفتين اللذين بويعا في عهد، فيجب قتال هذا، وقتل ذاک، بالنصوص النبوية، فلا يرقب فيه إل ولا ذمة، فلا ذمة لمهدور الدم، ولا حرمة لمن يجب إعدامه في الشريعة، أين هو والخلافة؟ حتي يستبيح الدماء الزاکية دون شهواته ومطامعه، وهل تدري أي دماء سفکها؟ وأي حرمات إنتهکها؟ نعم: إقترف بها إراقة دماء المهاجرين والانصار من الصحابة العدول والتابعين لهم بإحسان، وباء بإثم دماء البدريين ومئات من أهل بيعة الشجرة الذين رضي الله عنهم ورضوا عنه، وفيهم مثل عمار الذي قتلته الفئة الباغية- فئة معاوية-، وخزيمة بن ثابت ذي الشهادتين، وثابت بن عبيد الانصاري، وأبي الهيثم مالک بن التيهان، وأبي عمرة بشر الانصاري، وأبي فضالة الانصاري کل هؤلاء من البدريين، وفيهم حجر بن عدي راهب أصحاب محمد صلي الله عليه وآله وسلم، وثم البطل المجاهد مالک بن الحارث الاشتر النخعي، والعابد الصالح محمد بن أبي بکر.

وقبل هذه کلها استبشاره بدم الامام المقدس الخليفة عليه وعلي الامة جمعاء مولانا أميرالمؤمنين، وسروره بذلک، وعده ذلک من لطيف صنع الله.

وما ظنک بمجرم يکون عنده دم الامام السبط الزکي أبي محمد الحسن عليه السلام بدس السم إليه؟ وقد استبشر لما باء بإثمه، وناء بجرمه، فسيؤاخذ بما رواه عن رسول الله صلي الله عليه وآله في هذه کلها.

7- من طريق أبي صالح عن معاوية مرفوعا: من مات بغير إمام مات ميتة جاهلية. المسند للامام أحمد 96:4.

قال الاميني: هاهنا نسائل أنصار معاوية وأوداءه عن أن أي موتة مات هو بها، وعن أي إمام مات وعلي عنقه بيعته؟ ومن الذي اخترم الرجل وقد طوقته ولايته؟ وهل کان هناک إمام يجب طاعته وبيعته بالنص والاجماع غير مولانا أميرالمؤمنين عليه السلام يوم بارزه وکاشفه؟ وألقح دون مناوئته الحرب الزبون، ونازعه في أمر الخلافة، وخلع ربقة الاسلام من عنقه، أو يوم استبشر بقتل الامام عليه السلام وهي الطامة الکبري؟ و المصاب بها خاتم الانبياء صلي الله عليه وآله. أو يوم افتجعت به الصديقة الکبري فاطمة بشظية قلبها الامام السبط المجتبي بسم من معاوية مدسوس إليه؟ فهل بايعه يومئذ وهو خليفة

[صفحه 359]

الوقت بالجدارة والنص وإجماع لا يستهان به من بقايا رجال الحل والعقد؟ أو انه ناوئه في الامر وغدر به وکاده؟ لما ظهر من اجناده الخور والفشل، وقلبوا علي إمام الحق ظهر المجن، وحدت بهم المطامع والميول إلي أن يسلموه لمعاوية إن قامت الحرب علي أشدها، فالتجأ الامام إلي الصلح صونا لدماء شيعته، وإبقاء علي حياة ذوية.

فهل کان معاوية طيلة هذه المدد في ذکر من روايته هذه؟ وهل علم أنه طوي تلکم السنين وليس في عنقه بيعة لامام؟ وانه لا يحل لمسلم أن يبيت ليلتين ليس في عنقه لامام بيعة؟[2] وانه إن مات والحالة هذه مات ميتة جاهلية؟ أو انه کان يري من فقهه إستثناءه من هذه الکلية التي لم يستثن منا الرسول صلي الله عليه وآله أحدا؟ أو ان جهله بالاحکام وبنفسه کان يطمعه في أن يکون هو الخليفة المبايع له، والمطاع بأمر الله ورسوله؟ وهيهات له ذلک، وهو طليق ابن طليق، ولم يؤهله لها علم ولا حنکة، ولا نص ولا اجماع، إلا شره منهم، وطمع زائغ، وحلوم مطاشة، أو أن الرجل کان لم يکترث لان يموت ميتة جاهلية علي ولاية سواع وهبل؟


صفحه 353، 354، 355، 356، 357، 358، 359.








  1. أخرجهما البخاري ومسلم وأحمد والترمذي والنسائي وابن حبان والطبراني وابن داود. راجع فيض القدير 270:1.
  2. المحلي لابن حزم 359:9.