فكرة معاوية لها قدم











فکرة معاوية لها قدم



إن رأي معاوية في خلافة الامام عليه السلام لم يکن وليد يومه ولا بنت ليلته، وإنما کان مناوئا منذ فرق بينهما الاسلام، وقتل في يوم واحد أخوه وجده وخاله بسيف علي عليه السلام، فلم يزل يلهج ويهملج في تفخيذ الناس عنه صلوات الله عليه من يوم قتل عثمان، بعث رجلا من بني عميس وکتب معه کتابا إلي الزبير بن العوام، وفيه:

بسم الله الرحمن الرحيم، لعبد الله الزبير أميرالمؤمنين من معاوية بن أبي سفيان.

سلام عليک. أما بعد: فإني قد بايعت لک أهل الشام، فأجابوا واستوسقوا کما يستوسق الحلب[1] فدونک الکوفة والبصرة لا يسبقک إليهما ابن أبي طالب، فإنه لا شيئ بعد هذين المصرين، قد بايعت لطلحة بن عبيد الله من بعدک، فأظهر الطلب بدم عثمان، وادعو الناس إلي ذلک، وليکن منکما الجد والتشمير، أظفرکما الله، وخذل مناوئکما.

فسر الزبير بهذا الکتاب، وأعلم به طلحة، ولم يشکا في النصح لهما من قبل معاوية، وأجمعا عند ذلک علي خلاف علي عليه السلام. شرح ابن ابي الحديد 77:1.

قال الاميني: انظر إلي دين الرجل وورعه يستسيغ أن يخاطب الزبير بامرة المؤمنين لمحض حسبانه انه بايع له أجلاف أهل الشام، ولا يقول بها لامير المؤمنين حقا علي عليه السلام وقد تمت له بيعة المسلمين جمعاء وفي مقدمهم الزبير نفسه وطلحة بن عبيد الله الذي حاباه معاوية ولاية العهد بعد صاحبه، فغرهما علي نکث البيعة فذاقا وبال أمرهما، وکان عاقبتهما خسرا.

وأنت تري أن الطلب بدم عثمان قنطرة النزاع في الملک، ووسيلة النيل إلي الاماني من الخلافة الباطلة، أوحاه معاوية إلي الرجلين، وإن الشياطين ليوحون إلي أوليائهم.

[صفحه 328]

ويدعوا الرجل لمناوئي علي عليه السلام بالظفر وعليه عليه السلام بالخذلان، والصادع الکريم يقول في الصحيح المتفق عليه: أللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله.

وکتب إلي الزبير ايضا:

أما بعد: فانک الزبير بن العوام، إبن أبي خديجة[2] وابن عمة[3] رسول الله صلي الله عليه وسلم وحواريه، وسلفه[4] وصهر أبي بکر، وفارس المسلمين، وأنت الباذل في الله مهجته بمکة عند صيحة الشيطان، بعثک المنبعث: فخرجت کالثعبان المنسلخ بالسيف المنصلت، تخبط خبط الجمل الرديع، کل ذلک قوة ايمان وصدق يقين، وسبقت لک من رسول الله صلي الله عليه وسلم البشارة بالجنة، وجعلک عمر أحد المستخلفين علي الامة.

واعلم يا أبا عبدالله: أن الرعية أصبحت کالغنم المتفرقة لغيبة الراعي، فسارع (رحمک الله) إلي حقن الدماء: ولم الشعث، وجمع الکلمة، وصلاح ذات البين، قبل تفاقم الامر، وانتشار الامة، فقد أصبح الناس علي شفا جرف هار، عما قليل ينهار إن لم ير أب، فشمر لتأليف الامة، وابتغ إلي ربک سبيلا، فقد أحکمت الامر من قبلي لک ولصاحبک علي أن الامر للمقدم، ثم لصاحبه من بعده، جعلک الله من أئمة الهدي، وبغاة الخير والتقوي، والسلام.

ألا مسائل ابن هند عن قوله: إن الرعية أصبحت کالغنم المتفرقة. إلخ. لماذا أصبحت؟ ومتي أصبحت؟ وکيف أصبحت؟ وراعيها الذي يرقبها ويرقب کل صالح لها ويشمر علي درأ کل معرة عنها هو صنو رسول الله ونفسه الامام المنصوص عليه، وقد اجمعت الامة علي بيعته لولا ان معاوية يکدر الصفو، ويقلق السلام، ويفرق الکلمة بدسائسه وتسويلاته، فمثله کما قال مولانا أميرالمؤمنين عليه السلام کمثل الشيطان يأتي المرء من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله، لم يجعل الله له سابقة في الدين، ولا سلف صدق في الاسلام،

[صفحه 329]

وکتب إلي طلحة:

أما بعد: فإنک أقل قريش في قريش وترا، مع صباحة وجهک، وسماحة کفک، وفصاحة لسانک، فأنت بإزاء من تقدمک في السابقة، وخامس المبشرين بالجنة، و لک يوم احد وشرفه وفضله، فسارع- رحمک الله- إلي ما تقلدک الرعية من أمرها، مما لا يسعک التخلف عنه، ولا يرضي الله منک إلا بالقيام به، فقد أحکمت لک الامر قبلي، والزبير فغير متقدم عليک بفضل، وأيکما قدم صاحبه فالمقدم الامام، والامر من بعده للمقدم له، سلک الله بک قصد المهتدين، ووهب لک رشد الموفقين، والسلام.

قال الاميني: لمسائل هاهنا أن يحفي لمعاوية السؤال عن أن ما تبجح به للزبير و طلحة من الفضائل التي استحقا بها الخلافة هل کان علي عليه السلام خلوا منها؟ يذکر لهما البشارة بالجنة، وان زبيرا أحد اولئک المبشرين، وأن طلحة خامسهم، فهلا کان علي عليه السلام عاشرهم؟ فلماذا سلخها عنه، وحثهما بالمبادرة إليها حتي لا يسبقهما إليها إبن أبي طالب؟؟ وإن کان تلکم البشارة- المزعومة- بمجردها کافية في إثبات الجدارة للخلافة؟ فلماذا أخرج عنها سعد بن أبي وقاص؟ وهو أحد القوم المبشرين وکان يومئذ حيا يرزق، و لعل طمعه فيهما کان آکد، فحلب حلبا له شطره.

والاعجب قوله لطلحة: فأنت بإزاء من تقدمک في السابقة. فهلا کان أمير المؤمنين أول السابقين وأولاهم بالمئاثر کلها؟ وهلا ثبت عن رسول الله صلي الله عليه وآله قوله: السباق ثلاثة: السابق إلي موسي يوشع. وصاحب ياسين إلي عيسي. والسابق إلي محمد علي بن أبي طالب؟[5] .

وهلا صح عند امة محمد صلي الله عليه وآله ان عليا أول من آمن بالله، وصدق نبيه صلي الله عليه وآله وصلي معه، وجاهد في سبيله؟

وإن کان لطلحة يوم احد وشرفه وفضله فلعلي عليه السلام مغازي الرسول صلي الله عليه وآله وسلم کلها من بدر واحد وخيبر والاحزاب وحنين ويوم حمراء الاسد[6] هب أن معاوية کان في اذنه وقر من شرکه لم يسمع نداء جبريل ورضوان يوم ناديا:

[صفحه 330]

لا فتي إلا علي
لا سيف إلا ذو الفقار[7] .


فهل کان في بصره عمي کبصيرته لا يبصر نضال علي ونزاله في تلکم المعارک الدامية؟ نعم: معاوية لا يري مواقف علي عليه السلام فضلا وشرفا لانه هو الذي أثکل امهات بيته، و ضرب أقذلة أخيه وجده وخاله وأبناء بيته الساقط بسيفه البتار، وإلي هذا يومي قوله لطلحة: فإنک أقل قريش في قريش وترا.

ومن کتاب له إلي مروان:

فإذا قرأت کتابي هذا فکن کالفهد، لا يصطاد إلا غيلة، ولا يتشازر إلا عن حلية، وکالثعلب لا يفلت إلا روغانا، واخف نفسک منهم أخفاء القنفذ رأسه عند لمس الاکف، وامتهن[8] نفسک امتهان من ييأس القوم من نصره وانتصاره، وابحث عن امورهم بحث الدجاجة عن حب الدخن عند فقاسها[9] وأنغل[10] الحجاز، فإني منغل الشام، والسلام.

قال الاميني: هذه شنشنة معاوية منذ بلغه أمر الامام عليه السلام وانعقاد البيعة له، فوجد نفسه عند الامة في معزل عن المشورة أو اعتضاد في رأي، وأن البيعة لاحقته لا محالة، فلم يجد منتدحا عن إقلاق الامر علي صاحب البيعة الحقة، وأن يستدني منه أمانيه الخلابة بتعکير الصفو له عليه السلام فطفق يفسد ما اطمأن إليه من الامصار، ويوعز في کتبه إلي إفساد الرأي، وتفريق الکلمة، وهو ضالته المنشودة.

وإن تعجب فعجب أخذه البيعة لطلحة والزبير واحدا بعد آخر وقد ثبت في أعناقهما بيعة الامام عليه السلام، وکانت هذه البيعة ابان ثبوت بيعتهما کما ينم عنه نص کتبه إليهما، ثم ومن هو معاوية حتي يرشح أحدا للخلافة بعد انعقاد الاجماع لخليفة الحق؟ ولم يکن هو من أهل الترشيح لو لم تنعقد البيعة المذکورة.

علي أن الغبي لم يهتد إلي أن أخذ البيعة لهما مستلزم لنکثهما عن البيعة الاولي وما غناء إمام ناکث عن مناجح الامة ومصالحها، مع انهما علي تقدير صحة البيعة يکون

[صفحه 331]

کل منهما ثاني الخليفتين الذي يجب قتله بالنصوص الصحيحة الثابتة[11] فهل هناک خليفة علي المسلمين يجب إعدامه؟.


صفحه 328، 329، 330، 331.








  1. استوسق: اجتمع. الحلب: اللبن المحلوب.
  2. خويلد أبوخديجة زوج الرسول (ص) جد الزبير بن العوام بن خويلد.
  3. ام الزبير هي صفية بنت عبدالمطلب عمة رسول الله.
  4. السلف: زوج اخت امرأته.تزوج الزبير أسماء بنت ابي بکر، وتزوج رسول الله اختها عايشه.
  5. راجع الجزء الثاني: 306 ط ثاني.
  6. راجع ما مر في الجزء السابع ص 206 -202.
  7. انظر الجزء الثاني ص 55.
  8. امتهنه: احتقره وابتذله.
  9. فقس الطائر بيضه. کسرها وأخرج ما فيها.
  10. نغل الاديم کفرح: فسد في الدباغ. أنغله: أفسده.
  11. ترجمة عبدالرحمن بن غنم الاشعري ج 402:2، اسد الغابة 318:3.