اي اجماع علي بيعة يزيد؟











اي اجماع علي بيعة يزيد؟



ثم أي إجماع صحيح من رجال الدين صحح لابن عمر بيعة يزيد الممجوج عند الصحابة والتابعين، المنبوذ لدي صلحاء الامة، المعروف بالخلاعة والمجون والخمور والفجور علي حد قول شاعر القضاة الاستاذ بولس سلامة في ملحمة الغدير ص 217:


رافع الصوت داعيا للفلاح
اخفض الصوت في أذان الصباح


وترفق بصاحب العرش مشغو
لا عن الله بالقيان الملاح


ألف «الله اکبر» لا يساوي
بين کفي يزيد نهلة راح


تتلظي في الدنان بکرا فلم
تدنس بلثم ولا بماء قراح


والامة مجمعة علي شرطية العدالة في الامامة، قال القرطبي في تفسيره 231: 1: الحادي عشر- من شروط الامامة- أن يکون عدلا لانه لا خلاف بين الامة انه لا يجوز أن تعقد الامامة لفاسق، ويجب أن يکون من أفضلهم في العلم لقوله عليه السلام: أئمتکم شفعاؤکم فانظروا بمن تستشفعون. وفي التنزيل في وصف طالوت: إن الله اصطفاه عليکم وزاده بسطة في العلم والجسم. فبدأ بالعلم ثم ذکر ما يدل علي القوة.

وقال في صفحة 232: الامام إذا نصب ثم فسق بعد انبرام العقد فقال الجمهور: إنه تنفسخ إمامته ويخلع بالفسق الظاهر المعلوم، لانه قد ثبت أن الامام إنما يقام لاقامة الحدود واستيفاء الحقوق وحفظ أموال الايتام والمجانين والنظر في امورهم إلي غير ذلک مما تقدم ذکره، وما فيه من الفسق يقعده عن القيام بهذه الامور والنهوض فيها، فلو جوزنا أن يکون فاسقا أدي إلي إبطال ما اقيم لاجله، ألا تري في الابتداء إنما لم يجز أن يعقد للفاسق لاجل أنه يؤدي إلي إبطال ما اقيم له وکذلک هذا مثله.ه

أجل: المائة ألف المقبوضة من معاوية لتلک البيعة الغاشمة[1] جعلت الفرقة لابن عمر إجماعا، والاختلاف إصفاقا، کما فعلت مثله عند غير ابن عمر من سماسرة النهمة

[صفحه 33]

والشره، فرکضوا إلي البيعة ضابحين يقدمهم عبدالله فبايعه بعد أبيه وکتب إليه ببيعته، ونصب عينه الناهض الکريم، والفادي الاقدس، الحسين السبط سلام الله عليه المتحلي بآصرة النبوة، وشرف الامامة، وعلم الشريعة، وخلق الانبياء، والفضائل المرموقة، سيد شباب أهل الجنة أجمعين، وقد حنت إليه القلوب، وارتمت إليه الافئدة فرحين بکسر رتاج الجور، ورافضين لمن بعده. لکن الرجل لم يتأثر بکل هذه ولم يرها خلافا، ونبذ وصية نبيه الکريم وراء ظهره ولم يعبأ بقوله صلي الله عليه وآله إن ابني هذا- يعني الحسين- يقتل بأرض يقال لها: کربلا. فمن شهد ذلک منکم فلينصره[2] نعم: نصر ذلک المظلوم قرة عين رسول صلي الله عليه وآله بتقرير بيعة يزيد. وحسبانها بيعة صحيحة، کان ينهي عن نکثها عند مرتجع الوفد المدني من الشام وقد شاهدوا منه البوائق والموبقات معتقدين خروجه عن حدود الاسلام قائلين: إنا قدمنا من عند رجل ليس له دين، يشرب الخمر، ويعزف بالطنابير، ويضرب عنده القيان، ويلعب بالکلاب، ويسامر الحراب والفتيان، وإنا نشهدکم أنا قد خلعناه. فتابعهم الناس[3] وقال ابن فليح: إن أبا عمرو بن حفص وفد علي يزيد فأکرمه وأحسن جائزته، فلما قدم المدينة قام إلي جنب المنبر وکان مرضيا صالحا فقال: ألم احب؟ ألم اکرم؟ والله لرأيت يزيد بن معاوية يترک الصلاة سکرا. فأجمع الناس علي خلعه بالمدينة[4] .

وکان مسور بن مخرمة الصحابي ممن وفد إلي يزيد، فلما قدم شهد عليه بالفسق وشرب الخمر فکتب إلي يزيد بذلک فکتب إلي عامله يأمره أن يضرب مسورا الحد فقال أبوحرة:


أيشربها صحباء کالمسک ريحها
أبوخالد والحد يضرب مسور[5] .


قد جبههم ابن عمر بما جاء هو عن رسول الله صلي الله عليه وآله کما فصلناه في الجزء السابع

[صفحه 34]

ص 145، جمع أهل بيته وحشمه ومواليه وقال: لا يخعلن أحد منکم يزيد ولا يشرفن أحد منکم في هذا الامر فيکون صيلما بيني وبينه. وفي لفظ البخاري: إني لا أعلم أحدا منکم خلعه ولا بايع في هذا الامر إلا کانت الفيصل بيني وبينه.

وتمسک في تقرير تلک البيعة الملعونة بما عزاه إلي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم من قول: إن الغادر ينصب له لواء يوم القيامة فيقال: هذه غدرة فلان. جهلا منه بأساليب الکلام لما هو المعلوم من أن مصداق هذا الکلي هو الفرد المتأهل للبيعة الدينية بيع الله ورسوله، لا من هو بمنتأي عن الله سبحانه، وبمجنب عن رسوله، کيزيد الطاغية أو والده الباغي.

ومهما ننس من شئ فإنا لا ننسي مبدء البيعة ليزيد علي عهد ابن آکلة الاکباد بين صفيحة مسلولة ومنيحة مفاضة، أقعدت هاتيک من نفي جدارة الخلافة عن يزيد، وأثارت هذه سماسرة الشهوات، فبايعوا بين صدور واغرة، وأفئدة لا تري ما تأتي به من البيعة إلا هزوا.

وفي لهوات الفضاء وأطراف المفاوز کل فار بدينه متعوذين من معرة هذه البيعة الغاشمة، وکان عبدالله نفسه ممن تأبي عن البيعة[6] لاول وهلة من قبل أن يتذوق طعم هاتيک الرضيخة،- مائة ألف- وکان يقول: إن هذه الخلافة ليست بهرقلية ولا قيصرية ولا کسروية يتوارثها الابناء علي الآباء[7] وبعد أن تذوقه کان لم يزل بين اثنتين: فضيحة العدول عن رأيه في يزيد، ومغبة التمرد عليه، لا سيما بعد أخذ المنحة، فلم يبرح مصانعا حتي بايعه بعد أبيه، ولما جاءت بيعته قال: إن کان خيرا رضينا، وإن کان بلاء صبرنا[8] ونحت لذلک التريث حجة تافهة من أن المانع عن البيعة کان هو وجود أبيه. وکان ليزيد أن يناقشه الحساب بأن أباه لم يکن يأخذ البيعة له في عرض بيعته، وإنما أخذها طولية لما بعده، لکنه لم يناقشه لحصول الغاية.

[صفحه 35]

هذه صفة بيعة يزيد منذ أول الامر ولما هلک أبوه ازدلفت إليه رواد المطامع نظراء ابن عمر في نهيق ورغاء يجد دون ذلک الارهاب والاطماع، فمن جراء تقريرهم بيعة ذلک المجرم المستهتر، وتعاونهم علي الاثم والعدوان، والله يقول: تعاونوا علي البر والتقوي، ولا تعاونوا علي الاثم والعدوان، وشقهم عصا المسلمين، وخلافهم الامة الصالحة من الصحابة والتابعين لهم باحسان، جهز يزيد جيش مسلم بن عقبة، وأباح له دماء مجاوري رسول الله صلي الله عليه وآله وأموالهم، فاستباحها ثلاثة أيام نهبا وقتلا، وقتل من حملة القرآن يوم ذاک سبعمأة نفس، وحکي البلاذري: انه قتل بالحرة من وجوه قريش سبعمائة رجل وکسر، سوي من قتل من الانصار، وفيهم ممن صحب رسول الله صلي الله عليه وآله جماعة، وممن قتل صبرا من الصحابة عبدالله بن حنظلة غسيل الملائکة، وقتل معه ثمانية من بنيه، ومعقل بن سنان الاشجعي، وعبدالله بن زيد، والفضل بن العباس بن ربيعة، وإسماعيل بن خالد، ويحيي ابن نافع، وعبدالله بن عتبة، والمغيرة بن عبدالله، وعياض بن حمير، ومحمد بن عمرو بن حزم، وعبدالله بن أبي عمرو، وعبيدالله وسليمان إبنا عاصم، ونجا الله أبا سعيد وجابرا وسهل بن سعد[9] وقد جاء في قتلي الحرة عن رسول الله صلي الله عليه وآله: انهم خيار امتي بعد أصحابي[10] ثم بايع من بقي علي أنهم عبيد ليزيد ومن امتنع قتل[11] ووقعت يوم ذاک جرائم وفجائع وطامات حتي قيل: انه قتل في تلکم الايام نحو من عشرة آلاف انسان سوي النساء والصبيان، وافتض فيها نحو ألف بکر، وحبلت ألف امرأة في تلک الايام من غير زوج[12] ولما بلغ يزيد خبر تلک الوقعة المخزية قال:


ليت أشياخي ببدر شهدوا
جزع الخزرج من وقع الاسل[13] .


فاتبع ابن عمر في بيعة يزيد إجماع اولئک الاوباش سفلة الاعراب وبقية الاحزاب ولم يعبأ باجماع رجال الحل والعقد من أبناء المهاجرين والانصار، وخيرة الخلف للسلف

[صفحه 36]

الصالح وفيهم من فيهم، فساهم يزيد وفئته الباغية في دم سبط الشهيد الطاهر ومن قتل يوم الحرة وفي جميع تلکم المآثم التي جنتها يد يزيد الاثيمة، والله يعلم منقلبهم ومثواهم.

ألا تعجب من ابن عمر وهو يري يزيد الکفر والالحاد وأباه الغاشم الظلوم ومن يتلوهما في الفسوق صلحاء لا يوجد مثلهم؟ أخرج ابن عساکر من عدة طرق کما قاله الذهبي وذکره السيوطي في تاريخ الخلفاء ص 140 عن ابن عمر إنه قال: أبوبکر الصديق أصبتم إسمه، عمر الفاروق قرن من حديد أصبتم إسمه، ابن عفان ذو النورين قتل مظلوما يؤتي کفلين من الرحمة، ومعاوية وإبنه ملکا الارض المقدسة، والسفاح وسلام ومنصور وجابر والمهدي والامين وأمير العصب کلهم من بني کعب بن لوي، کلهم صالح لا يوجد مثله.

وفي لفظ: يکون علي هذه الامة اثنا عشر خليفة أبوبکر الصديق أصبتم اسمه، عمر الفاروق قرن من حديد أصبتم اسمه، عثمان بن عفان ذو النورين قتل مظلوما اوتي کفلين من الرحمة، ملک الارض المقدسة، معاوية وابنه، ثم يکون السفاح ومنصور وجابر والامين وسلام[14] وأمير العصب لا يري مثله ولا يدري مثله، کلهم من بني کعب ابن لوي فيهم رجل من قحطان، منهم من لا يکون ملکه إلا يومين، منهم من يقال له لتبايعنا أو لنقتلنک فإن لم يبايعهم قتلوه(کنز العمال 67:6) ومن جراء هذا الرأي الباطل قتل الصحابي بن الصحابي محمد بن أبي الجهم لما شهد علي يزيد بشرب الخمر کما في الاصابة 473:3.

[صفحه 37]


صفحه 33، 34، 35، 36، 37.








  1. راجع انساب الاشراف للبلاذري 31:5.
  2. الاصابة 68:2.
  3. تاريخ الطبري 4:7، انساب البلاذري 31:5، فتح الباري 59:13. يأتي الحديث علي تفصيله في هذا الجزء.
  4. تاريخ ابن عساکر 280:7.
  5. انساب الاشراف للبلاذري 31:5.
  6. الامامة والسياسة 143:1، تاريخ الطبري 170:6، تاريخ ابن کثير 79:8، لسان الميزان 203:6.
  7. الامامة والسياسة 143:1.
  8. لسان الميزان 294:6.
  9. انساب البلاذري 42:5، الاستيعاب 258:1، تاريخ ابن کثير 221:8، الاصابة 473:3، وفاء الوفاء 93:1.
  10. الروض الانف 185:5.
  11. لسان الميزان 294:6.
  12. تاريخ ابن کثير 221:8، الاتحاف ص 22، وفاء الوفاء 88:1.
  13. انساب الاشراف للبلاذري 5 ص 42.
  14. سقط من هذا اللفظ «المهدي» وهو ثاني عشرهم.