انباء في طيات الكتب تعرب عن مرمي معاوية











انباء في طيات الکتب تعرب عن مرمي معاوية



هلم معي ننظر في شطر من کتب ابن حرب المعربة عن مرماه الذي کان ترکاضه وراءه، هل فيها ايعاز أو تلويح أو تصريح بغايته المتوخاة في نزاعه الامام الطاهر عليه السلام، وانه کان يروم الخلافة ويحوم حولها وينازع الامر أهله؟ رغم إنکار ابن حجر إياه إنکارا باتا نصرة له.

إن النعمان بن بشير لما قدم علي معاوية بکتاب زوجة عثمان تذکر فيه دخول القوم عليه، وما صنع محمد بن أبي بکر عن نتف لحيته، في کتاب رققت فيه وأبلغت حتي إذا سمعه السامع بکي حتي يتصدع قلبه. وبقمص عثمان مخضبا بالدم ممزقا، وعقدت شعر لحيته في زر القميص، قال: فصعد المنبر معاوية بالشام وجمع الناس، ونشر عليهم القميص، وذکر ما صنعوا بعثمان فبکي الناس وشهقوا حتي کادت نفوسهم أن تزهق، ثم دعاهم إلي الطلب بدمه، فقام إليه أهل الشام فقالوا: هو ابن عمک وأنت وليه، ونحن الطالبون معک بدمه، فبايعوه أميرا عليهم، وکتب، وبعث الرسل إلي کور الشام، وکتب

[صفحه 315]

إلي شرحبيل بن السمط الکندي وهو بحمص يأمره أن يبايع له بحمص کما بايع أهل الشام، فلما قرأ شرحبيل کتاب معاوية دعا اناسا من أشرف أهل حمص فقال لهم: ليس من قتل عثمان بأعظم جرما ممن يبايع لمعاوية أميرا، وهذه سقطة، ولکنا نبايع له بالخلافة، ولا نطلب بدم عثمان مع غير خليفة، فبايع لمعاوية بالخلافة هو وأهل حمص ثم کتب إلي معاوية: أما بعد: فإنک أخطأت خطأ عظيما حين کتبت إلي أن ابايع لک بالامرة، وانک تريد أن تطلب بدم الخليفة المظلوم وأنت غير خليفة، وقد بايعت ومن قبلي لک بالخلافة.

فلما قرأ معاوية کتابه سره ذلک ودعا الناس وصعد المنبر وأخبرهم بما قال شرحبيل ودعاهم إلي بيعته بالخلافة، فأجابوه ولم يختلف منهم أحد، فلما بايع القوم له بالخلافة واستقام له الامر کتب إلي علي.[1] .

وفي حديث عثمان بن عبيدالله الجرجاني قال:

بويع معاوية علي الخلافة، فبايعه الناس علي کتاب الله وسنة نبيه، فأقبل مالک ابن هبيرة الکندي- وهو يومئذ رجل من أهل الشام- فقام خطيبا وکان غائبا من البيعة فقال: يا أميرالمؤمنين اخدجت هذا الملک، وأفسدت الناس، وجعلت للسفهاء مجالا، وقد علمت العرب أنا حي فعال، ولسنا بحي مقال، وإنا نأتي بعظيم فعالنا علي قليل مقالنا، فابسط يدک ابايعک علي ما أحببنا وکرهنا. فقال الزبرقان بن عبدالله السکوني:


معاوي أخدجت الخلافة بالتي
شرطت فقد بوا لک الملک مالک


ببيعة فصل ليس فيها غميزة
ألا کل ملک ضمه الشرط هالک


وکان کبيت العنکبوت مذبذبا
فأصبح محجوبا عليه الارائک


وأصبح لا يرجوه راج لعلة
ولا تنتحي فيه الرجال الصعالک


وما خير ملک يا معاوية مخدج
تجرع فيه الغيظ والوجه حالک


إذا شاء ردته السکون وحمير
وهمدان والحي الخفاف السکاسک[2] .


جرت بين الامام عليه السلام وبين معاوية مکاتبات نحن نأخذ من تلکم الکتب ما يخص

[صفحه 316]

بالموضوع، کتب عليه السلام إليه في أول ما بويع له بالخلافة:

أما بعد: فقد علمت إعذاري فيکم، وإعراضي عنکم، حتي کان ما لابد منه، ولا دفع له، والحديث طويل، والکلام کثير، وقد أدبر ما أدبر، وأقبل ما أقبل، فبايع من قبلک، وأقبل إلي في وفد من أصحابک، والسلام.

وفي لفظ:

أما بعد: فإن الناس قتلوا عثمان عن غير مشورة مني، وبايعوني عن مشورة منهم واجتماع، فإذا أتاک کتابي فبايع لي، وأوفد إلي أشراف أهل الشام قبلک.

وفي لفظ ابن قتيبة: أما بعد: فقد وليتک ما قبلک من الامر والمال، فبايع من قبلک، ثم أقدم إلي في ألف رجل من أهل الشام.

فکتب معاوية: أما بعد: فإنه


ليس بيني وبين قيس عتاب
غير طعن الکلي وضرب الرقاب


ومن کتاب له عليه السلام إلي معاوية: وقد بلغک ما کان من قتل عثمان رحمه الله، وبيعة الناس عامة إياي، ومصارع الناکثين لي، فادخل فيما دخل الناس فيه، وإلا فأنا الذي عرفت، وحولي من تعلمه. والسلام.

ومما کتب عليه السلام إليه مع جرير البجلي: فان بيعتي بالمدينة لزمتک وأنت بالشام لانه بايعني القوم الذين بايعوا أبا بکر وعمر وعثمان علي ما بايعوهم عليه، فلم يکن للشاهد أن يختار ولا للغائب أن يرد، وإنما الشوري للمهاجرين والانصار، فإذا اجتمعوا علي رجل وسموه إماما، کان ذلک لله رضا، وإن خرج عن أمرهم خارج بطعن أوبدعة ردوه إلي ما خرج عنه، فإن أبي قاتلوه علي اتباعه غير سبيل المؤمنين، وولاه الله ما تولي، وأصلاه جهنم وساءت مصيرا.

فادخل فيما دخل فيه المسلمون، فإن أحب الامور إلي قبولک العافية، إلا أن تتعرض للبلاء، فإن تعرضت له قاتلتک، واستعنت بالله عليک، وقد أکثرت في قتلة عثمان، فإن أنت رجعت عن رأيک وخلافک، ودخلت فيما دخل فيه المسلمون، ثم حاکمت القوم إلي، حملتک وإياهم علي کتاب الله، وأما تلک التي تريدها فهي خدعة الصبي عن اللبن.

[صفحه 317]

وأعلم أنک من الطلقاء الذين لا تحل لهم الخلافة، ولا تعقد معهم الامامة، ولا يدخلون في الشوري، وقد بعثت إليک وإلي من قبلک جرير بن عبدالله البجلي، وهو من أهل الايمان والهجرة، فبايعه، ولا قوة إلا بالله.

قدم جرير علي معاوية بکتاب علي، فلما أبطأ عليه معاوية برأيه استحثه بالبيعة، فقال له معاوية: يا جرير إن البيعة ليست بخلسة، وإنه أمر له ما بعده، فأبلعني ريقي، ودعا أهل ثقته فاستشارهم، فقال له أخوه عتبة: إستعن علي هذا الامر بعمرو بن العاص، فإنه من قد عرفت، فکتب معاوية إلي عمرو، وهو بفلسطين:

أما بعد: فقد کان من أمر علي وطلحة والزبير ما قد بلغک، وقد سقط إلينا مروان بن الحکم في نفر من أهل البصرة، وقدم علينا جرير بن عبدالله في بيعة علي، وقد حبست نفسي عليک، فاقدم علي برکة الله، اذاکرک امورا لا تعدم صلاح مغبتها إن شاء الله.

فقال معاوية لجرير: إني قد رأيت رأيا، قال جرير: هات. قال: اکتب إلي علي أن يجعل لي الشام ومصر جباية، فان حضرته الوفاة لم يجعل لاحد من بعده في عنقي بيعة، واسلم إليه هذا الامر، وأکتب إليه بالخلافة. قال جرير: اکتب ما شئت. فکتب إلي علي يسأله ذلک، فلما أتي عليا کتاب معاوية عرف انها خدعة منه، وکتب إلي جرير بن عبدالله:

أما بعد: فإن معاوية إنما أراد بما طلب ألا يکون لي في عنقه بيعة، وأن يختار من أمره ما أحب، وأراد أن يرثيک ويبطئک حتي يذوق أهل الشام، وقد کان المغيرة بن شعبة أشار علي وأنا بالمدينة أن أستعمله علي الشام، فأبيت ذلک عليه[3] ولم يکن الله ليراني أن أتخذ المضلين عضدا، فإن بايعک الرجل وإلا فأقبل، والسلام.[4] .

ولما فشا کتاب معاوية في العرب کتب إليه أخو عثمان لامه الوليد بن عقبة:


معاوي إن الشام شامک فاعتصم
بشامک، لا تدخل عليک الافاعيا


وحام عليها بالصوارم والقنا
ولا تک موهون الذراعين وانيا


وإن عليا ناظر ما تجيبه
فأهد له حربا تشيب النواصيا

[صفحه 318]

وإلا فسلم إن في السلم راحة
لمن لا يريد الحرب فاختر معاويا


وإن کتابا يابن حرب کتبته
علي طمع يزجي إليک الدواهيا


سألت عليا فيه ما لن تناله
وإن نلته لم تبق إلا لياليا


وسوف تري منه التي ليس بعدها
بقاء فلا تکثر عليک الامانيا


أمثل علي تعتريه بخدعة
وقد کان ما جريت من قبل کافيا؟


وکتب إلي معاوية أيضا:


معاوي إن الملک قد جب غاربه
وأنت بما في کفک اليوم صاحبه


أتاک کتاب من علي بخطة
هي الفصل فاختر سلمه أو تحاربه


فلا ترج عند الواترين مودة
ولا تأمن اليوم الذي أنت راهبه


وحاربه إن حاربت حر بن حرة
وإلا فسلم لا تدب عقاربه


فإن عليا غير ساحب ذيله
علي خدعة ما سوغ الماء شاربه


فلا تدعن الملک والامر مقبل
وتطلب ما أعيت عليه مذاهبه


فإن کنت تنوي أن تجيب کتابه
فقبح ممليه وقبح کاتبه


وإن کنت تنوي أن ترد کتابه
وأنت بأمر لا محالة راکبه


فألق إلي الحي اليمانين کلمة
عدو وما لاهم عليه أقاربه


أفانين: منهم قاتل ومحرض
بلا ترة کانت وآخر سالبه


وکنت أميرا قبل بالشام فيکم
فحسبي وإياکم من الحق واجبه


تجيبوا (ومن أرسي ثبيرا مکانه)
تدافع بحر لا ترد غواربه


فأقلل وأکثر، مالها اليوم صاحب
سواک فصرح لست ممن تورابه[5] .

فأقام جرير عند معاوية ثلاثة أشهر. وقيل: أربعة. وهو يماطله بالبيعة، فکتب علي إلي جرير:

سلام عليک، أما بعد: فإذا أتاک کتابي هذا فاحمل معاوية علي الفصل، وخذه بالامر الجزم، وخيره بين حرب مجلية، أو سلم مخزية، فإن اختار الحرب فأنبذ إليهم علي سواء إن الله لا يحب الخائنين، وإن اختار السلم فخذ بيعته وأقبل إلي، والسلام.

[صفحه 319]

فکتب معاوية إلي علي جوابا عن کتابه مع جرير:

أما بعد: فلعمري لو بايعک القوم الذين بايعوک وأنت برئ من دم عثمان لکنت کأبي بکر وعمر وعثمان رضي الله عنهم أجمعين، ولکنک أغريت بدم عثمان المهاجرين.

وخذلت عنه الانصار، فأطاعک الجاهل، وقوي بک الضعيف، وقد أبي أهل الشام إلا قتالک، حتي تدفع إليهم قتلة عثمان، فإن فعلت کانت شوري بين المسلمين، وإنما کان الحجازيون هم الحکام علي الناس والحق فيهم، فلما فارقوه کان الحکام علي الناس أهل الشام، ولعمري ما حجتک علي کحجتک علي طلحة والزبير، لانهما بايعاک ولم ابايعک، وما حجتک علي أهل الشام کحجتک علي أهل البصرة، لان أهل البصرة أطاعوک، ولم يطعک أهل الشام.

فکتب إليه الامام عليه السلام:

زعمت أنک إنما أفسد عليک بيعتي خفري[6] بعثمان ولعمري ما کنت إلا رجلا من المهاجرين، أوردت کما أوردوا، وأصدرت کما أصدروا، وما کان ليجمعهم علي ضلال، ولا ليضربهم بالعمي، وما أمرت فلزمتني خطيئة الامر، ولا قتلت فأخاف علي نفسي قصاص القاتل.

وأما قولک: إن أهل الشام هم حکام أهل الحجاز، فهات رجلا من قريش الشام يقبل في الشوري، أو تحل له الخلافة، فإن سميت کذبک المهاجرون و الانصار، ونحن نأتيک به من قريش الحجاز. فارجع إلي البيعة التي لزمتک، وحاکم القوم إلي.

وأما تمييزک بين أهل الشام والبصرة، وبينک وبين طلحة والزبير، فلعمري فما الامر هناک إلا واحد، لانها بيعة عامة، لا يتأتي فيها النظر، ولا يستأنف فيها الخيار. ومن کتاب کتبه معاوية إلي علي عليه السلام في أواخر حرب صفين:

فإن کنت (أبا حسن) إنما تحارب علي الامرة والخلافة فلعمري لو صحت خلافتک لکنت قريبا من أن تعذر في حرب المسلمين، ولکنها ما صحت لک، أني بصحتها وأهل الشام لم يدخلوا فيها ولم يرتضوها؟ وخف الله وسطواته، واتق بأسه

[صفحه 320]

ونکاله، واغمد سيفک عن الناس، فقد والله أکلتهم الحرب، فلم يبق منهم إلا کالثمد[7] في قرارة الغدير. والله المستعان.

فکتب علي عليه السلام اليه کتابا منه:

وأما تحذيرک إياي أن يحبط عملي وسابقتي في الاسلام، فلعمري لو کنت الباغي عليک لکان لک أن تحذرني ذلک، ولکني وجدت الله تعالي يقول: فقاتلوا التي تبغي حتي تفئ إلي أمر الله. فنظرنا إلي الفئتين، أما الفئة الباغية فوجدناها الفئة التي أنت فيها، لان بيعتي لزمتک وأنت بالشام، کما لزمتک بيعة عثمان بالمدينة، وأنت أمير لعمر علي الشام، وکما لزمت يزيد أخاک بيعة عمر وهو أمير لابي بکر علي الشام.

وأما شق عصا هذه الامة، فأنا أحق أن أنهاک عنه، فأما تخويفک لي من قتل أهل البغي فإن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم أمرني بقتالهم وقتلهم وقال لاصحابه: إن فيکم من يقاتل علي تأويل القرآن کما قاتلت علي تنزيله. وأشار إلي، وأنا أولي من اتبع أمره، وأما قولک: ان بيعتي لم تصح، لان أهل الشام لم يدخلوا فيها، فکيف؟ وإنما هي بيعة واحدة تلزم الحاضر والغائب، لا يثني فيها النظر، ولا يستأنف فيها الخيار، ألخارج منها طاعن، والمروي[8] فيها مداهن، فاربع علي ظلعک، وانزع سربال غيک، واترک ما لا جدوي له عليک، فليس لک عندي إلا السيف، حتي تفئ إلي أمر الله صاغرا، وتدخل في البيعة راغما، والسلام.

ومن کتاب لمعاوية إلي علي عليه السلام:

فدع اللجاج والعبث جانبا، وادفع إلينا قتلة عثمان، وأعد الامر شوري بين المسلمين، ليتفقوا علي من هو لله رضا، فلا بيعة لک في أعناقنا، ولا طاعة لک علينا، ولا عتبي لک عندنا، وليس لک ولاصحابک إلا السيف.

فأجابه الامام عليه السلام بکتاب منه قوله:

وزعمت أن أفضل الناس في الاسلام فلان وفلان، فذکرت أمرا إن تم اعتزلک

[صفحه 321]

کله، وإن نقص لم يلحقک ثلمه، وما أنت والفاضل والمفضول؟ والسائس والمسوس؟ وما للطلقاء وأبناء الطلقاء والتمييز بين المهاجرين الاولين، وترتيب درجاتهم، وتعريف طبقاتهم؟ هيهات لقد حن قدح ليس منها، وطفق يحکم فيها من عليه الحکم لها، ألا تربع أيها الانسان علي ظلعک؟ وتعرف قصور ذرعک، وتتأخر حيث أخرک القدر؟ فما عليک غلبة المغلوب، ولا لک ظفر الظافر.

ومنه قوله عليه السلام:

وذکرت انه ليس لي ولا صحابي عندک إلا السيف، فلقد أضحکت بعد استعبار، متي ألفيت بني عبدالمطلب عن الاعداء ناکلين، وبالسيوف مخوفين؟ ؟ فلبث قليلا يلحق الهيجا حمل[9] فسيطلبک من تطلب، ويقرب منک ما تستبعد، وأنا مرقل نحوک في جحفل من المهاجرين والانصار والتابعين لهم بإحسان، شديد زحامهم، ساطع قتامهم متسربلين سرابيل الموت، أحب اللقاء إليهم لقاء ربهم، وقد صحبتهم ذرية بدرية، وسيوف هاشمية، قد عرفت مواقع نصالها في أخيک وخالک وجدک وأهلک، وما هي من الظالمين ببعيد.

ولما نزل علي عليه السلام الرقة قالت له طائفة من أصحابه: يا أمير المؤمنين اکتب إلي معاوية ومن قبله من قومک، فإن الحجة لا تزداد عليهم بذلک إلا عظما. فکتب إليهم:

من عبدالله علي أميرالمؤمنين إلي معاوية ومن قبله من قريش:

سلام عليکم، فإني أحمد إليکم الله الذي لا إله إلا هو، أما بعد: فإن لله عبادا آمنوا بالتنزيل، وعرفوا التأويل، وفقهوا في الدين، وبين الله فضلهم في القرآن الحکيم، وأنتم في ذلک الزمان أعداء للرسول تکذبون بالکتاب، مجمعون علي حرب المسلمين، من ثقفتم منهم حبستموه أو عذبتموه أو قتلتموه، حتي أراد الله تعالي إعزاز دينه، وإظهار أمره، فدخلت العرب في الدين أفواجا، وأسلمت له هذه الامة طوعا وکرها، فکنتم فيمن دخل في هذا الدين إما رغبة أو رهبة، علي حين فاز أهل السبق بسبقهم، وفاز المهاجرون الاولون بفضلهم، ولا ينبغي لمن ليست له مثل سوابقهم في

[صفحه 322]

الدين، ولا فضائلهم في الاسلام، أن ينازعهم الامر الذي هم أهله وأولي به فيحوب ويظلم، ولا ينبغي لمن کان له عقل أن يجهل قدره، ويعدو طوره، ويشقي نفسه بالتماس ما ليس بأهله، فإن أولي الناس بأمر هذه الامة قديما وحديثا أقربها من الرسول، وأعلمها بالکتاب، وأفقهها في الدين، أو لهم إسلاما، وأفضلهم جهادا، وأشدهم بما تحمله الائمة من أمر الامة اضطلاعا، فاتقوا الله الذي إليه ترجعون، ولا تلبسوا الحق بالباطل وتکتموا الحق وأنتم تعلمون، وأعلموا أن خيار عباد الله الذين يعملون بما يعلمون، وأن شرارهم الجهال الذين ينازعون بالجهل أهل العلم، فأن للعالم بعلمه فضلا، وان الجاهل لا يزداد بمنازعته العالم إلا جهلا، ألا وإني أدعوکم إلي کتاب الله وسنة نبيه، وحقن دماء هذه الامة، فإن قبلتم أصبتم رشدکم، واهتديتم لحظکم، وإن أبيتم إلا الفرقة وشق عصا هذه الامة، لم يزدادوا من الله إلا بعدا، ولا يزداد الرب عليکم إلا سخطا، والسلام.

راجع الامامة والسياسة 20:1 و 71 و 72 و 77 و 78، کتاب صفين 34 و 38 و 58 و 59 و 62 تا 65 ط مصر، کامل المبرد 155:1 و 157، العقد الفريد 233:2. وفي ط 284، نهج البلاغة 7:2 و 8 و 30 و 35 و 98، شرح ابن ابي الحديد 77:1 و 136 و 248 و 252 وج 300:3 و 302، صبح الاعشي 229:1، نهاية الارب 233:7. ومر بعض هذه الکتب بتمامه في هذا الجزء.

قال الاميني: ألم تعلم أيها القارئ الکريم عقيب ما استشففت هذه الکتب المترددة بين إمام الحق ورجل السوء " معاوية " أنه حين يسر حسوا في ارتغاء محتجا بقتل عثمان تارة، وبايواء قاتليه تارة اخري، وبطلبه حقن الدماء کمن لا يبتغيه هو، انه کان لا يبتغي إلا الخلافة؟ وانه يعدو إليها ضابحا، ويضحي دونها کل غال ورخيص، ويهب دونها الولايات، ويمنح تجاهها المنائح، ويهب الرضائخ، ويستهوي بها النفوس الخائرة، ومهملجي نهمة الحاکمية، ويستهين بيعة المهاجرين والانصار، وهم إلب واحد لبيعة إمام الهدي صلوات الله عليه، ويحسبهم قد فارقوا الحق وخبطوا في العمي، ويرجح کفة الشام علي کفة عاصمة الاسلام، وأهلوه هم الصحابة العدول من المهاجرين والانصار، علي أنه ليس للطليق ابن الطليق أن يتدخل في شأن هم أثبتوا دعائمه،

[صفحه 323]

وشيدوا معالمه، ومن الذي منحه النظر في أمر هذا شأنه؟ ومتي کان له ولطغام الشام أن يجابهوا إمرة الحق التي نهض بها أهل الحل والعقد؟ ولم يباشر الحرب هنالک إلا بعد أن أتم الامام عليه السلام عليه الحجة، وألحب له الطريق، وأوقفه علي حکم الله البات وأمره النهائي، غير أن معاوية في اذنه وقر عن سماع کلم الحق والبخوع لها، والملک عقيم.


صفحه 315، 316، 317، 318، 319، 320، 321، 322، 323.








  1. الامامة والسياسة 70 و 69: 1.
  2. کتاب صفين لابن مزاحم ص 90.
  3. راجع ما أسلفناه في الجزء السادس 142 ط 2.
  4. کتاب زصفين 59 و 58 و 38، الامامة والسياسة 82:1، وفي ط 72، شرح ابن ابي الحديد 249 و 136: 1 تا 251.
  5. المواربة: المخارعة والمداهاة.
  6. الخفر: نقض العهد. الغدر.
  7. الثمد: الماء القليل يتجمع في الشتاء وينضب في الصيف.
  8. روي في الامر: نظر وفکر، أي الذي يفکر ويروي فيها ويبطئ عن الطاعة مداهن اي: منافق.
  9. حمل، هو حمل بن سعد انه الصحابي شهد صفين مع معاوية.