دفاع ابن حجر عن معاوية باعذار مفتعلة











دفاع ابن حجر عن معاوية باعذار مفتعلة



أنت إذا قضيت الوطر عن معاوية ومعاذيره التافهة في هذه المعمعة، فهلم معي إلي ناصره الاخير- ابن حجر- الذي فاتته النصرة بالضرب والطعن، فطفق يسود صحيفة من صحائفه الشوهاء بأعذار مفتعلة في صواعقه، يتصول بها کمن يدلي بحجج قاطعة، وإبن حجر وإن لم يکن أول من نحت تلکم الاعذار، وقد سبقه إليها اناس آخرون من أبناء حزم وتيمية وکثير، غير أن ما جاء به ابن حجر يجمع شتات ما تترس به القوم دفاعا عن ابن هند، وزاد هو في طنبوره نغمات، قال في الصواعق ص 129: ومن اعتقاد أهل السنة والجماعة: أن ما جري بين معاوية وعلي رضي الله عنهما من الحروب فلم يکن لمنازعة معاوية لعلي في الخلافة، للاجماع علي حقيتها لعلي کما مر[1] فلم تهج الفتنة بسببها وانما هاجت بسبب أن معاوية ومن معه طلبوا من علي تسليم قتلة عثمان إليهم لکون معاوية ابن عمه، فامتنع علي ظنا منه أن تسليمهم إليهم علي الفور مع کثرة عشائرهم واختلاطهم بعسکر علي يؤدي إلي اضطراب وتزلزل في أمر الخلافة التي بها انتظام کلمة أهل الاسلام سيما وهي في ابتدائها لم يستحکم الامر فيها، فرأي علي رضي الله عنه أن تأخير تسليمهم أصوب إلي أن يرسخ قدمه في الخلافة، ويتحقق التمکن من الامور فيها علي وجهها، ويتم له انتظام شملها واتفاق کلمة المسلمين، ثم بعد ذلک يلتقطهم واحدا فواحدا ويسلمهم إليهم، ويدل لذلک ان بعض قتلته عزم علي الخروج علي علي ومقاتلته لما نادي يوم الجمل بأن يخرج عنه قتلة عثمان، وايضا فالذين تمالؤا علي قتل عثمان

[صفحه 304]

کانوا جميعا کثيرة کما علم مما قدمته في قصة محاصرتهم له إلي أن قتله بعضهم، جمع من أهل مصر قيل: سبعمائة، وقيل: ألف، وقيل خمسمائة، وجمع من الکوفة، وجمع من البصرة وغيرهم قدموا کلهم المدينة وجري منهم ما جري، بل ورد انهم هم وعشائرهم نحو من عشرة آلاف فهذا هو للحامل لعلي رضي الله عنه عن الکف عن تسليمهم لتعذره کما عرفت.

ويحتمل ان عليا رضي الله عنه رأي ان قتلة عثمان بغاة حملهم علي قتله تأويل فاسد استحلوا به دمه رضي الله عنه لانکارهم عليه امورا کجعله مروان ابن عمه کاتبا له ورده إلي المدينة بعد أن طرده النبي صلي الله عليه وآله منها، وتقديمه أقاربه في ولاية الاعمال، وقضية محمد بن أبي بکر، ظنوا انها مبيحة لما فعلوه جهلا منهم وخطأ والباغي إدا انقاد إلي الامام العدل لا يؤاخذ بما أتلفه في حال الحرب عن تأويل دما کان أو مالا کما هو المرجح من قول الشافعي رضي الله عنه، وبه قال جماعة آخرون من العلماء، وهذا الاحتمال وإن أمکن لکن ما قبله أولي بالاعتماد منه. إلخ

قال الاميني: هب أن عثمان قتل مظلوما بيد الجور والتعدي.

وأنه لم يک يقترف قط ما يهدر دمه.

وأن قتله لم يقع بعد إقامة الحجة عليه والاخذ بکتاب الله في أمره.

وأنه لم يقتل في معمعة بين آلاف مکردسة من المدنيين والمصريين والکوفيين والبصريين.

ولم تکن البلاد تمخضعت عليه، وما نقم عليه عباد الله الصالحون.

وأن قاتله لم يجهل من يوم أودي به، وکان مشهودا يشار اليه، ولم يکن قتيل عمية[2] لا يدري من قتله حتي تکون ديته من بيت مال المسلمين.

ولم يقتل الذين باشروا قتله وکان قد بقي منهم باقية يقتص منها.

وأن المهاجرين والانصار ما اجتمعوا علي قتله، ولم تکن لاولئک المجتهدين العدول يد في تلک الواقعة، ولم يشارک في دمه عيون الصحابة.

وأن أهل المدينة ليسوا کاتبين إلي من بالآفاق من أصحاب رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم انکم

[صفحه 305]

إنما خرجتم أن تجاهدوا في سبيل الله عزوجل تطلبون دين محمد صلي الله عليه وسلم فإن دين محمد قد أفسده من خلفکم وترک، فهلموا فأقيموا دين محمد صلي الله عليه وسلم.

وأن المهاجرين لم يکتبوا إلي من بمصر من الصحابة والتابعين: أن تعالوا إلينا و تدارکوا خلافة رسول الله قبل أن يسلبها أهلها، فان کتاب الله قد بدل، وسنة رسول الله قد غيرت، وأحکام الخليفتين قد بدلت. إلي آخر ما مر ج 9.

وأن طلحة والزبير وام المؤمنين عائشة وعمرو بن العاص لم يکونوا أشد الناس عليه، ولم يکن لهم ترکاض وراء تلک الثورة.

وما قرع سمع الدنيا نداء عثمان: ويلي علي ابن الحضرمية- يعني طلحة- أعطيته کذا وکذا بهارا ذهبا وهو يروم دمي، يحرض علي نفسي.

وأن طلحة لم يقل: إن قتل- عثمان- فلا ملک مقرب ولا نبي مرسل، وانه لم يمنع الناس عن ايصال الماء إليه.

وأن مروان لم يقتل طلحة دون دم عثمان، ولم يؤثر عنه قوله يومئذ:لا أطلب بثاري بعد اليوم.

وأن الزبير ما باح بقوله: اقتلوه فإنه غير دينکم، وإن عثمان لجيفة علي الصراط غدا.

وأن عائشة ما رفعت عقيرتها بقولها: اقتلوا نعثلا قتله الله فقد کفر. وإنها لم تقل لمروان: وددت والله إنک وصاحبک هذا الذي يعنيک أمره في رجل کل واحد منکما رحا وإنکما في البحر. ولم تقل لابن عباس: إياک أن ترد الناس عن هذا الطاغية.

وأن عمرو بن العاص لم يقل: أنا أبو عبدالله قتلته وأنا بوادي السباع، إن کنت لاحرض عليه حتي اني لاحرض عليه الراعي في غنمه في رأس الجبل.

وأن سعد بن أبي وقاص لم يبح بقوله: أمسکنا نحن ولو شئنا دفعناه عنه.

وأن عثمان لم يبق جثمانه ملقي ثلاثا في مزبلة لا يهم أمره أحدا من المهاجرين والانصار وغيرهم من الصحابة العدول.

وأن طلحة لم يک يمنع عن تجهيزه ودفنه في مقابر المسلمين، وانه لم يقبر في حش کوکب جبانه اليهود بعد ذل الاستخفاف.

[صفحه 306]

وأن ما أسلفناه في الجزء التاسع من حديث امة کبيرة من الصحابة وفيهم العمد والدعائم کل ذلک لم يصح.

وأن إمام الوقت ليس له العفو عن قصاص کما عفي عثمان عن عبيد الله بن عمر حين قتل هرمزان وجفينة بنت أبي لؤلؤة بلا أي جريرة.

وأن معاوية لم يک يتثبط عن نصرته، ولم يتربص عليه دائرة السوء، ولم يشهد عليه عيون الصحابة بأن الدم المهراق عنده، وانه أولي رجل بأن يقتص منه ويؤخذ بدم عثمان.

وأن عثمان لم يکن له خلف يتولي دمه غير معاوية.

وأن عليا عليه السلام هو الذي قتل عثمان، أو آوي قاتليه.

وأن معاوية لم يک غائبا عن ذلک الموقف، وکان ينظر إليه من کثب، فعلم بمن قتله، وبمن انحاز عن قتله.

وأن ما ادعاه معاوية لم يکن إفکا وبهتا وزورا من القول متخذا عن شهادة مزورة واختلاق.

وأن هذه الخصومة لها شأن خاص لا ترفع کبقية الخصومات إلي إمام الوقت.

وأن قتال معاوية إنما کان لطلب قتلة عثمان فحسب لا لطلب الخلافة، وانه لم يک يروم الخلافة في قتاله بعد ما کان يعلم نفسه انه طليق وابن طليق، ليس ببدري و لا له سابقة، وانه لا يستجمع شرايط الخلافة، وانه لم تؤهله لها الخيرة والاجماع والانتخاب.

هب أن الوقايع هکذا وقعت- يابن حجر-؟ واغضض عن کل ما هنالک من حقائق ثابتة علي الضد مما سطر[3] فهلا کانت مناوئة معاوية مع خليفة وقته الامام المنصوص والمجمع عليه خروجا عليه؟ وهلا کان الحزب السفياني بذلک بغاتا أهانوا سلطان الله، و استذلوا الامارة الحقة، وخلعوا ربقة الاسلام من أعناقهم؟ فاستوجبوا إهانة الله، يجب قتالهم ودرأهم عن حوزة الايمان، وکانوا مصاديق للاحاديث المذکورة في أول هذا البحث ص 273 و 272.

[صفحه 307]

إن معاوية لم يکن خليفة ولا انعقدت له بيعة، وإنما کان واليا عمن تقدم من الذين تصرمت أيام خلافتهم، فلزمته بيعة أميرالمؤمنين وهو بالشام کما کتب اليه بذلک الامام عليه السلام، وکان تصديه للشؤون العامة واليا علي أهل ناحيته محتاجا إلي أمر جديد أو تقرير لولايته الاولي من خليفة الوقت، وکل ذلک لم يکن، إن لم نقل: إن أميرالمؤمنين عليه السلام عزله عما تولاه، وانه سلام الله عليه أوفد عليه من يبلغه عنه لزوم الطاعة واللحوق بالجماعة، کما انه عليه السلام کتب إليه بذلک.


صفحه 304، 305، 306، 307.








  1. ذکره في الصواعق ص 71.
  2. بکسر العين و الميم المشددة مع تشديد الياء.
  3. راجع الجزء التاسع حتي تقف علي حقيقة الامر.