نظرة فيما تشبث به معاوية في قتال علي











نظرة فيما تشبث به معاوية في قتال علي



الثاني من الامرين اللذين تشبث بهما ابن آکلة الاکباد في تثبيط الملا عن نصرة الامام عليه السلام وتأليبهم إلي قتاله: إن عنده ثار عثمان وعليه ترته، وللحاکم في هذه القضية أن ينظر أولا إلي أن معاوية نفسه لم يشهد وقعة عثمان حتي يبصر المباشر لقتله، وإنما تثبط عن نصرته بل کان يحبذ قتله طمعا في أن ينال الملک[1] بعده بحججه التافهة.

وثانيا إلي أن أميرالمؤمنين سلام الله عليه کان غائبا عن المدينة المنورة عند وقوع الواقعة[2] فکيف تصح مباشرته لقتل أو قتال؟ أو کان ساکنا في عقر داره بالمدينة لا له ولا عليه.

وثالثا إلي شهادات الزور المتولدة من دسائس ابن حرب ترمي أبرأ الناس من ذلک الدم المراق، بايعاز من ابن النابغة ذلک العامل الوحيد في قتل عثمان، وقد سمعت عقيرته اذن الدنيا: أنا أبو عبدالله قتلته وأنا بوادي السباع[3] .

قال الجرجاني: لما بات عمرو عند معاوية وأصبح أعطاه مصر طعمة له، وکتب له بها کتابا وقال: ما تري؟ قال: امض الرأي الاول. فبعث مالک بن هبيرة الکندي في طلب محمد بن أبي حذيفة فأدرکه فقتله، وبعث إلي قيصر بالهدايا فوادعه. ثم قال: ما تري في علي؟ قال: أري فيه خيرا، أتاک في هذه البيعة خير أهل العراق، ومن عند خير الناس في أنفس الناس، ودعواک أهل الشام إلي رد هذه البيعة خطر شديد، ورأس

[صفحه 294]

أهل الشام شرحبيل بن السمط الکندي، وهو عدو لجرير المرسل إليک، فأرسل إليه ووطن له ثقاتک فليفشوا في الناس: ان عليا قتل عثمان، وليکونوا أهل الرضا عند شرحبيل، فإنها کلمة جامعة لک أهل الشام علي ما تحب، وإن تعلقت بقلب شرحبيل لم تخرج منه بشيئ أبدا.

فکتب إلي شرحبيل: إن جرير بن عبدالله قدم علينا من عند علي بن أبي طالب بأمر فظيع، فاقدم. ودعا معاوية يزيد بن أسد، وبسر بن أرطاة، وعمرو بن سفيان، و مخارق بن الحارث، وحمزة بن مالک، وحابس بن سعد الطائي، وهؤلاء رؤوس قحطان واليمن، وکانوا ثقات معاوية وخاصته، وبني عم شرحبيل بن السمط، فأمرهم أن يلقوه ويخبروه: ان عليا قتل عثمان، فلما قدم کتاب معاوية علي شرحبيل وهو بحمص استشار أهل اليمن فاختلفوا عليه فقال اليه عبدالرحمن بن غنم الازدي وهو صاحب معاذ بن جبل و ختنه، وکان أفقه أهل الشام فقال: يا شرحبيل إن الله لم يزل يزيدک خيرا مذ هاجرت إلي اليوم وانه لا ينقطع المزيد من الله حتي ينقطع الشکر من الناس، ولا يغير ما بقوم حتي يغيروا ما بأنفسهم، إنه قد القي الينا قتل عثمان، وإن عليا قتل عثمان[4] فإن يک قتله فقد بايعه المهاجرون والانصار، وهم الحکام علي الناس، وإن لم يکن قتله فعلام تصدق معاوية عليه؟ لا تهتک نفسک وقومک، فإن کرهت أن يذهب بحظها جرير فسر إلي علي فبايعه علي شامک وقومک، فأبي شرحبيل إلا أن يسير إلي معاوية، فبعث إليه عياض الثمالي وکان ناسکا.


يا شرح يا ابن السمط إنک بالغ
بود علي ما تريد من الامر


ويا شرح إن الشام شأمک ما بها
سواک فدع قول المضلل من فهر


فإن ابن حرب ناصب لک خدعة
تکون علينا مثل راغية البکر[5] .


فإن نال ما يرجو بنا کان ملکنا
هنيئا له، والحرب قاصمة الظهر


فلا تبغين حرب العراق فإنها
تحرم أطهار النساء من الذعر


وإن عليا خير من وطئ الحصي
من الهاشميين المداريک للوتر

[صفحه 295]

له في رقاب الناس عهد وذمة
کعهد أبي حفص وعهد أبي بکر


فبايع ولا ترجع علي العقب کافرا
اعيذک بالله العزيز من الکفر


ولا تسمعن قول الطغام فإنما
يريدوک أن يلقوک في لجة البحر


وماذا عليهم أن تطاعن دونهم
عليا بأطراف المثقفة السمر؟


فإن غلبوا کانوا علينا ائمة
وکنا بحمدالله من ولد الظهر[6] .


وإن غلبوا لم يصل بالحرب غيرنا
وکان علي حربنا آخر الدهر


يهون علي عليا لوي بن غالب
دماء بني قحطان في ملکهم تجري


فدع عنک عثمان بن عفان إننا
لک الخير، لا ندري وإنک لا تدري


علي أي حال کان مصرع جنبه
فلا تسمعن قول الاعيور أو عمرو


قال: لما قدم شرحبيل علي معاوية تلقاه الناس فأعظموه، ودخل علي معاوية فتکلم معاوية فحمد الله وأثني عليه، ثم قال: يا شرحبيل إن جرير بن عبدالله يدعونا إلي بيعة علي، وعلي خير الناس[7] لولا انه قتل عثمان بن عفان، وقد حبست نفسي عليک، وإنما أنا رجل من أهل الشام، أرضي ما رضوا، وأکره ما کرهوا. فقال شرحبيل: أخرج فانظر. فخرج فلقيه هؤلاء النفر الموطؤون له، فکلهم يخبره بأن عليا قتل عثمان بن عفان. فخرج مغضبا إلي معاوية فقال: يا معاوية أبي الناس إلا ان عليا قتل عثمان، ووالله لئن بايعت له لنخرجنک من الشام أو لنقتلنک. قال معاوية: ما کنت لاخالف عليکم وما أنا إلا رجل من أهل الشام. قال: فرد هذا الرجل إلي صاحبه إذا. قال: فعرف معاوية ان شرحبيل قد نفذت بصيرته في حرب أهل العراق، وأن الشام کله مع شرحبيل فخرج شرحبيل فأتي حصين بن نمير فقال: ابعث إلي جرير فليأتنا فبعث إليه حصين: أن زرنا، فإن عندنا شرحبيل بن السمط، فاجتمعا عنده، فتکلم شرحبيل فقال: يا جرير أتيتنا بأمر ملفف[8] لتلقينا في لهوات الاسد، وأردت أن تخلط الشام بالعراق، وأطرأت

[صفحه 296]

عليا وهو قاتل عثمان، والله سائلک عما قلت يوم القيامة. فأقبل عليه جرير فقال: يا شرحبيل أما قولک: إني جئت بأمر ملفف. فکيف يکون أمرا ملففا وقد اجتمع عليه المهاجرون والانصار، وقوتل علي رده طلحة والزبير؟ وأما قولک: إني ألقيتک في لهوات الاسد. ففي لهواتها ألقيت نفسک، وأما خلط العراق بالشام فخلطهما علي حق خير من فرقتهما علي باطل. وأما قولک: إن عليا قتل عثمان. فوالله ما في يديک من ذلک إلا القذف بالغيب من مکان بعيد، ولکنک ملت إلي الدنيا، وشئ کان في نفسک علي زمن سعد بن أبي وقاص.

فبلغ معاوية قول الرجلين، فبعث إلي جرير فزجره ولم يدر ما أجابه أهل الشام وکتب جرير إلي شرحبيل:


شرحبيل يا ابن السمط لا تتبع الهوي
فمالک في الدنيا من الدين من بدل


وقل لابن حرب: مالک اليوم حرمة
تروم بها ما رمت فاقطع له الامل


شرحبيل إن الحق قد جد جده
وانک مأمون الاديم من النغل


فأرود ولا تفرط بشيئ نخافه
عليک ولا تعجل فلا خير في العجل


ولا تک کالمجري إلي شر غاية
فقد خرق السربال واستنوق الجمل


وقال ابن هند في علي عضيهة
ولله في صدر ابن ابي طالب أجل


وما لعلي في ابن عفان سقطة
بأمر ولا جلب عليه ولا قتل[9] .


وما کان إلا لازما قعر بيته
إلي أن أتي عثمان في بيته الاجل


فمن قال قولا غير هذا فحسبه
من الزور والبهتان قول الذي احتمل


وصي رسول الله من دون أهله
وفارسه الاولي به يضرب المثل[10] .


فلما قرأ شرحبيل الکتاب ذعر وفکر، وقال: هذه نصيحة لي في ديني ودنياي.

ولا والله لا اعجل في هذا الامر بشيئ وفي نفسي منه حاجة، فاستتر له القوم ولفف له معاوية الرجال يدخلون إليه ويخرجون، ويعظمون عنده عثمان ويرمون به عليا، ويقيمون الشهادة الباطلة والکتب المختلقة، حتي أعادوا رأيه وشحذوا عزمه، وبلغ

[صفحه 297]

ذلک قومه فبعث إبن اخت له من بارق- وکان يري رأي علي بن أبي طالب فبايعه بعد، وکان ممن لحق من أهل الشام وکان ناسکا فقال:


لعمر أبي الاشقي ابن هند لقد رمي
شرحبيل بالسهم الذي هو قاتله


ولفف قوما يسحبون ذيولهم
جميعا وأولي الناس بالذنب فاعله


فألفي يمانيا ضعيفا نخاعه
إلي کل ما يهوون تحدي رواحله


فطأطأ لها لما رموه بثقلها
ولا يرزق التقوي من الله خاذله


ليأکل دنيا لابن هند بدينه
ألا وابن هند قبل ذلک آکله


وقالوا علي في ابن عفان خدعة
ودبت إليه بالشنان غوائله


ولا والذي أرسي ثبيرا مکانه
لقد کف عنه کفه ووسائله


وما کان إلا من صحاب محمد
وکلهم تغلي عليه مراجله


فلما بلغ شرحبيل هذا القول قال: هذا بعيث الشيطان، الآن امتحن الله قلبي، والله لاسيرن صاحب هذا الشعر أو ليفوتنني. فهرب الفتي إلي الکوفة. وکاد أهل الشام أن يرتابوا.

وبعث معاوية إلي شرحبيل بن السمط فقال: إنه کان من إجابتک الحق، وما وقع فيه أجرک علي الله، وقبله عنک صلحاء الناس ما علمت، وإن هذا الامر الذي قد عرفته لا يتم إلا برضا العامة، فسر في مدائن الشام، وناد فيهم: بأن عليا قتل عثمان، وأنه يجب المسلمين أن يطلبوا بدمه، فسار فبدأ بأهل حمص فقام خطيبا، فقال: يا أيها الناس إن عليا قتل عثمان بن عفان، وقد غضب له قوم فقتلهم، وهزم الجميع وغلب علي الارض، فلم يبق إلا الشام، وهو واضع سيفه علي عاتقه، ثم خائض به غمار الموت حتي يأتيکم أو يحدث الله أمرا، ولا نجد أحدا أقوي علي قتاله من معاوية، فجدوا وانهضوا، فأجابه الناس إلا نساک أهل حمص، فانهم قاموا إليه فقالوا: بيوتنا قبورنا ومساجدنا، وأنت أعلم بما تري، وجعل شرحبيل يستنهض مدائن الشام حتي استفرغها، لايأتي علي قوم إلا قبلوا ما أتاهم به، فبعث إليه النجاشي بن الحارث وکان صديقا له:


شرحبيل ما للدين فارقت أمرنا
ولکن لبغض المالکي جرير


وشحناء دبت بين سعد وبينه
فأصبحت کالحادي بغير بعير

[صفحه 298]

وما أنت إذ کانت بجيلة عاتبت
قريشا فيا لله بعد نصير


أتفصل أمرا غبت عنه بشبهة
وقد حار فيها عقل کل بصير


بقول رجال لم يکونوا أئمة
ولا للتي لقوکها بحضور


وما قول قوم غائبين تقاذفوا
من الغيب ما دلاهم بغرور


وتترک ان الناس أعطوا عهودهم
عليا علي انس به وسرور


إذا قيل: هاتوا واحدا يقتدي به
نظيرا له لم يفصحوا بنظير


لعلک أن تشقي الغداة بحربه
شرحبيل ما ما جئته بصغير[11] .


راجع کتاب صفين لنصر بن مزاحم 49 تا 57، الاستيعاب ترجمة شرحبيل 589:1 اسد الغابة 392:2، الکامل لابن الاثير 119:3، شرح ابن أبي الحديد 250 و 249 و 139: 1.

فبهذه الصورة البشيعة من الشهادات المزورة والکتب المختلقة تمت بيعة معاوية لقتال علي أميرالمؤمنين.

ورابعا: إلي أن عثمان قتله رجال مجتهدون من المهاجرين والانصار، ووجوه أصحاب محمد صلي الله عليه وآله العدول، بعد إقامة الحجة عليه، وإثبات شذوذه عن الکتاب والسنة وإهدار دمه بحکم الکتاب[12] فليس علي القوم قود ولا قصاص، ولم يک مولانا أمير المؤمنين إلا رجلا من المهاجرين أورد کما أوردوا، وأصدر کما أصدروا، وما کان الله ليجمعهم علي ضلال، ولا ليضربهم بالعمي.

وقد کتب بهذا أميرالمؤمنين عليه السلام إلي معاوية[13] وجاء الحجاج به في کلمات غير واحد من الصحابة مثل قول الصحابي العظيم هاشم المر قال المذکور ج 123:9 و في هذا الجزء ص 290، وقول عمار بن ياسر الممدوح بالکتاب والسنة الذي أسلفناه في ج 112:9، وقول أبي الطفيل الشيخ الصحابي الکبير الآنف في ج 140:9: وقول عبدالرحمن بن عثمان السابق في ج 159:9، فما ذنب علي عليه السلام إن آواهم ونصرهم

[صفحه 299]

وأيدهم ودفع عنهم عادية الباغين.

وخامسا: إلي أن الذين کانوا في جيش أميرالمؤمنين عليه السلام أو الذين تحکمت بينه وبينهم آصرة المودة لم يکونوا کلهم قتلة عثمان، ولا باشروا شيئا من أمره، و لم يکن لاکثرهم في الامر ورد ولا صدر، وإنما کان فيهم من اولئک الصحابة العدول اناس معلومون آووا إلي إمام الحق، فبأي حجة شرعية کان ابن صخر يستبيح قتل الجميع واستقرأهم في البلاد بعد مقتل مولانا أميرالمؤمنين عليه السلام وقبله، فقتلهم تقتيلا؟!.

وسادسا: إلي أن معاوية لم يکن ولي دم عثمان وإنما أولياؤه ولده، وإن کان لهم حق القصاص فعجزوا عن طلبه فعليهم رفع الامر إلي خليفة الوقت وهو مولانا أميرالمؤمنين عليه السلام لينظر في أمرهم، ويحکم بحکم الله البات وهو أقضي الامة بنص الرسول الامين.

نعم: کانت لمعاوية تراة عند أميرالمؤمنين عليه السلام بأخيه حنظلة بن أبي سفيان، وجده لامه عتبة بن ربيعة، وخاله الوليد بن عتبة بن ربيعة، وأبناء عمه العاص بن سعيد بن العاص بن امية، وعقبة بن أبي معيط بن أبي عمر وبن امية. لکنه لم ينبس عنهم ببنت شفة لانها ما کانت تنطلي عند المسلمين فإنهم وثنيون مشرکون حاربوا رسول الله صلي الله عليه وآله فذاقوا وبال أمرهم، وإنما تترس بدم عثمان بضرب من السيرة الجاهلية من صحة قيام أي فرد من أفراد العشيرة بدم أي مقتول منها وإن بعدت بينهم الرحم والقرابة، وهذه السيرة الغير المشروعة کان يرن صداها في مسامع أهل الشام البعداء عن مبادئ الدين وطقوسه، ومن ثم استهواهم معاوية، واستحوذ عليهم بذلک التدجيل، ولم تکن تلک الحرب الزبون إلا انها إحن بدرية، وأحقاد جاهلية، وضغائن احدية، وثب بها معاوية حين الغفلة، ليدرک ثارات بني عبد شمس، ولم تک تخفي هذه الغاية علي أي أحد حتي المخدرات في الحجال[14] .

وسابعا: إلي أن اول واجب علي معاوية أن يتنازل إلي ما لزمه من البيعة الحقة فيدخل في جماعة المسلمين، ولا يشق عصاهم بالتقاعس عنها، ثم يرفع الخصومة إلي صاحب البيعة، فيري فيه رأيه کما جاء في کتاب لاميرالمؤمنين إلي معاوية من قوله:

[صفحه 300]

وأما قولک: ادفع إلي قتلة عثمان. فما أنت وذاک؟ وها هنا بنو عثمان وهم أولي بذلک منک[15] فإن زعمت أنک أقوي علي طلب دم عثمان منهم فارجع[16] إلي البيعة التي لزمتک (لانها بيعة شاملة لا يستثني فيها الخيار، ولا يستأنف فيها النظر) وحاکم القوم إلي[17] .

وفي کتاب آخر له عليه السلام کتبه إليه:

وقد أکثرت في قتلة عثمان، فإن أنت رجعت عن رأيک وخلافک، ودخلت فيما دخل فيه المسلمون، ثم حاکمت القوم إلي حملتک وإياهم علي کتاب الله، وأما تلک التي تريدها فهي خدعة الصبي عن اللبن.

ولعمري يا معاوية لئن نظرت بعقلک دون هواک لتجدنني أبرأ الناس من دم عثمان، ولتعلمن أني کنت في عزلة عنه، إلا أن تتجني[18] فتجن ما بدا لک[19] .

وثامنا إلي أن طلحة والزبير قد نهضا قبل معاوية بتلک الغاية التي هو راميها، وأخرجا حبيسة رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم من خدرها، وحاربهما الامام عليه السلام بعد ما أتم عليهما الحجة، وکتب إليهما: وقد زعمتما أن قتلت عثمان، فبيني وبينکما من تخلف عني وعنکما من أهل المدينة[20] ثم يلزم کل امرئ بقدر ما احتمل، وزعمتما أني آويت قتلة عثمان، فهؤلاء بنو عثمان فليدخلوا في طاعتي، ثم يخاصموا إلي قتلة أبيهم، وما أنتما وعثمان؟ إن کان قتل ظالما أو مظلوما،وقد بايعتماني وأنتما بين خصلتين قبيحتين: نکث بيعتکما.وإخراجکما امکما[21] .

[صفحه 301]

وکتب عليه السلام إلي معاوية: إن طلحة والزبير بايعاني، ثم نقضا بيعتهما، وکان نقضهما کردتهما، فجاهدتهما بعد ما أعذرت إليهما، حتي جاء الحق وظهر أمر الله وهم کارهون، فادخل فيما دخل فيه المسلمون[22] .

فهلا کانت بحسب معاوية تلکم الحجج؟ وقد طن في اذن الدنيا قول أميرالمؤمنين عليه السلام: ما هو إلا الکفر، أو قتال القوم. فهلا عرف الرجل وبال أمر أصحاب الجمل، ومغبة تلک النخوة والغرور، والترکاض وراء الاهواء والشهوات، بعد قتل آلاف مؤلفة من الصالح والطالح، من أهل الحق والباطل؟ فإشهاره السيف لازهاق النفوس بريئة کانت أو متهمة من رجال أو نساء أو أغلمة، وقتل امم وزرافات تعد بالآلاف بانسان واحد قتله المجتهدون العدول من امة محمد بعد إقامة الحجة عليه، إنما هو مما حظرته الشريعة، ولم يعرف له مساغ من الدين، وکان ابن هند في الامر کما کتب إليه الامام عليه السلام: لست تقول فيه بأمر بين يعرف له أثر، ولا عليک منه شاهد،ولست متعلقا بآية من کتاب الله،ولا عهد من رسول الله[23] .

وتاسعا: إلي أن ما حکم به خليفة الوقت يجب اتباعه ولا يجوز نقضه فقد کتب علي عليه السلام إلي معاوية في کتاب له: وأما ما ذکرت من أمر قتلة عثمان فإني نظرت في هذا الامر، وضربت أنفه وعينه فلم أره يسعني دفعهم إليک ولا إلي غيرک، ولعمري لئن لم تنزع عن غيک وشقاقک لتعرفنهم عما قليل يطلبونک، لا يکلفونک أن تطلبهم في بر ولا بحر.[24] .

فهلا کان ذلک نصا من الامام عليه السلام علي انه لا مساغ له لان يدفع قتلة عثمان لاي انسان ثائر، وان طلب ذلک منه غي وشقاق، فهل کان معاوية يحسب أن أميرالمؤمنين عليه السلام يتنازل عن رأيه إذا ما ارتضاه هو؟ أو يعدل عن الحق ويتبع هواه؟ حاشا ثم حاشا، أو لم يکن من واجب معاوية البخوع لحکم الامام المطهر بنص القرآن والاخبات

[صفحه 302]

إلي رأيه الذي لا يفارق القرآن؟ کيف لا؟ وقد صح عن القوم عن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم روايات تمسکوا بها في اتباع نظراء معاوية ويزيد من أئمة الضلال وامراء الجور والعدوان مثل ما عزي إليه صلي الله عليه وآله: يکون بعدي أئمة لا يهتدون بهداي، ولا يستنون بسنتي، وسيقوم فيهم رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان إنس. قال حذيفة: قلت: کيف أصنع يا رسول الله إن أدرکت ذلک؟ قال: تسمع وتطيع للامير، وإن ضرب ظهرک، واخذ مالک، فاسمع وأطع.[25] .

وسأل سلمة بن يزيد رسول الله صلي الله عليه وسلم فقال: يا نبي الله أرأيت إن قامت علينا امراء يسألونا حقهم، ويمنعونا حقنا، فما تأمرنا؟ فأعرض عنه، ثم سأله فأعرض عنه ثم سأله فجذبه الاشعث بن قيس فقال صلي الله عليه وسلم: اسمعوا وأطيعوا فإنما عليهم ما حملوا وعليکم ما حملتم.[26] هذا رأي القوم في امراء الشر والفساد فما ظنک بالامام العادل المستجمع لشرايط الخلافة الذي ملات الدنيا النصوص في وجوب اقتصاص أثره، و الموافقة لآرائه وکل ما يرتأيه من حق واضح؟!.

وعاشرا: إلي أن قاتل عثمان المباشر لقتله اختلف فيه کما مر تفصيله في الجزء التاسع ويأتي أيضا بين جبلة بن الايهم المصري. وکبيرة السکوني. وکنانة بن بشر التجيبي. وسودان بن حمران. ورومان اليماني. ويسار بن غلياض. وعند ابن عساکر يقال له: حمال[27] فقتل منهم من قتل في الوقت، ولم يکن أحد من الباقين في جيش الامام عليه السلام ولا ممن آواهم هو، فلم يکن لاحد عند غيرهم ثار، وأما الذين آواهم الامام عليه السلام فهم المسببون لقتله من المهاجرين والانصار، أو المؤلبون عليه من الصحابة العدول، ولم يشذ عنهم إلا اناس يعدون بالانامل.

وبعد هذه کلها هلا کانت لتبرأة مولانا أميرالمؤمنين عليه السلام نفسه من دم عثمان وقد کتبها إلي طلحة والزبير ومعاوية، ولتبرأة الاعيان من الصحابة إياه منذ مقتل عثمان إلي أن استحر القتال في واقعة صفين، وقد کتبوها إلي طلحة والزبير ومعاوية

[صفحه 303]

ومن لف لفهم، قيمة توازن عند معاوية شهادات الزور التي لفقها هو من اناس لا خلاق لهم، وثبتتها حيله ودسائسه، وأجراها ترغيبه وترهيبه؟ وقد علم هو أن أميرالمؤمنين من هو، وصلحاء الصحابة الذين وافقوه علي التبرأة والتبرير من هم، ومن اولئک الطغمة الثائرين لخلافه، والمجلبين عليه، جير: کان يعلم کل ذلک لکنه الملک و السلطان وهما يبرران لصاحب النهمة والشره کل بائقة وموبقة.


صفحه 294، 295، 296، 297، 298، 299، 300، 301، 302، 303.








  1. راجع ما أسلفناه في الجزء التاسع ص 150 تا 153 ط 1.
  2. مرحديثه في الجزء التاسع ص 243.
  3. انظر ما فصلناه في الجزء التاسع ص 136 تا 138 ط 2.
  4. في شرح ابن ابي الحديد: انه قد القي إلي معاوية ان عليا قتل عثمان، ولهذا يريدک.
  5. الراغية: الرغاء، البکر: ولدالناقة. مثل يضرب في التشاؤم. انظر ثمار القلوب 282.
  6. يقال: فلان من ولد الظهر، بالفتح. أي ليس منا. وقيل معناه: انه لا يلتفت إليه.
  7. هل تجتمع کلمةالرجل هذه مع سبابه المقذع عليا وقوارصه التي أوعزنا اليها؟ هذا هو النفاق وهکذا يکون المنافق ذا لسانين ووجهين.
  8. في شرح ابن ابي الحديد: ملفق.
  9. في شرح ابن ابي الحديد: بقول ولا ما لا عليه ولا قتل. الممالاة: المساعدة.
  10. في شرح ابن ابي الحديد: ومن باسمه في فضله يضرب المثل.
  11. في شرح ابن أبي الحديد: فليس الذي قد جئته بصغير.
  12. راجع ما مر في الجزء التاسع 169 تا 209.
  13. راجع ما أسلفناه في ج 9 ص 158 تا 164.
  14. نظر ما مر من کلمة ام الخير في الجزء التاسع ص 371 ط 2.
  15. في روايةزالمبرد: وبعد: فما أنت وعثمان؟ إنما أنت رجل من بني امية، وبنو عثمان اولي بمطالبة دمه.
  16. في رواية المبرد: فادخل فيما دخل فيه المسلمون ثم حاکم القوم إلي.
  17. الامامة والسياسة 88:1، الکامل للمبرد 225:1، العقد الفريد 285 و 284: 2، شرح ابن أبي الحديد 252:1.
  18. تجني عليه: إدعي عليه ذنبا لم يفعله. فتجن: أي تستره وتخفيه.
  19. الامامة والسياسة 81:1، العقد الفريد 284:2، نهج البلاغة 124 و 7: 2، شرح ابن أبي الحديد 248:1، ج 300:3.
  20. نظراء سعد بن أبي وقاص، عبدالله بن عمر، محمد بن مسلمة.
  21. نهج البلاغة 112:2، الامامة والسياسة 62:1.
  22. کتاب صفين لنصر بن مزاحم ص 34 ط مصر، العقد الفريد 284:2، الامامة والسياسة 81:1، شرح ابن ابي الحديد 248:1، ج 300:3.
  23. کتاب صفين لابن مزاحم ص 122، شرح ابن أبي الحديد 412:3.
  24. کتاب صفين ص 102 و 96، العقد الفريد 286:2، شرح ابن أبي الحديد 409:3.
  25. صحيح مسلم 20:6، سنن البيهقي 157:8.
  26. صحيح مسلم 19:6، سنن البيهقي 158:8.
  27. الصواعق ص 66.