قذائف موبقة في صحائف ابن آكلة الاكباد











قذائف موبقة في صحائف ابن آکلة الاکباد



هاهنا في أي کفة تجد معاوية وأعماله الشاذة عن الاسلام؟ فهل تراه أثقل ميزانه بالصالحات؟ أو أنه خففها بکل موبقة مهلکة؟ وأنه کان يطففها ويخفف المکيال کيفما وزن وکال، وليت ابن هند أدلي بما عنده من الشبه في هذه القضية- قتاله عليا عليه السلام- لنمعن النظر فيها إمعان استشفاف لما ورائها لکنه فات المخذول أن يدلي بشئ من ذلک

[صفحه 290]

لا تعارضه البرهنة، ولا يفنده المنطق غير أمرين أراد بهما تلويثا لساحة قدس الامام وإن کان هو کشف عن عورته ساعد عرف الناس کذبه في الامرين جميعا.الاول: نسبة الالحاد إليه سلام الله عليه وانه لا يصلي، هذا وقد وضح الاسلام بسيفه، وقامت الصلاة بأيده، يموه بذلک علي الرعرعة الدهماء من الشاميين.

قال الجاحظ: إن معاوية کان يقول في آخر خطبته: أللهم إن أبا تراب ألحد في دينک، وصد عن سبيک، فالعنه لعنا وبيلا، وعذبه عذابا أليما. وکتب بذلک إلي الآفاق فکانت هذه الکلمات يشاد بها علي المنابر إلي أيام عمر بن عبدالعزيز.[1] .

وأخرج ابن مزاحم ان يوم صفين برز شاب من عسکر معاوية يقول:


أنا ابن أرباب الملوک غسان
والدائن اليوم بدين عثمان


أنبأنا أقوامنا بما کان
إن عليا قتل ابن عفان


ثم شد فلا ينثني يضرب بسيفه، ثم جعل يلعن عليا ويشتمه ويسهب في ذمه، فقال له هاشم المرقال: ان هذا الکلام بعده الخصام، وإن هذا القتال بعده الحساب، فاتق الله فانک راجع إلي ربک فسائلک عن هذا الموقف وما أردت به، قال: فإني اقاتلکم لان صاحبکم لا يصلي کما ذکر لي، وإنکم لا تصلون، واقاتلکم ان صاحبکم قتل خليفتنا وأنتم وازرتموه علي قتله. فقال له هاشم: وما أنت وابن عفان؟ إنما قتله أصحاب محمد وقراء الناس، حين أحدث أحداثا وخالف حکم الکتاب، وأصحاب محمد هم أصحاب الدين، وأولي بالنظر في امور المسلمين. وما أظن ان أمر هذه الامة ولا أمر هذا الدين عناک طرفة عين قط. قال الفتي: أجل أجل، والله لا أکذب فان الکذب يضر ولا ينفع، ويشين ولا يزين. فقال له هاشم: إن هذا الامر لاعلم لک به، فخله وأهل العلم به. قال: أظنک والله قد نصحتني. وقال له هاشم: وأما قولک: إن صاحبنا لا يصلي فهو أول من صلي مع رسول الله، وأفقهه في دين الله، وأولاه برسول الله، وأما من تري معه فکلهم قارئ الکتاب، لا ينامون الليل تهجدا، فلا يغررک عن دينک الاشقياء المغرورون. قال الفتي: يا عبدالله إني لاظنک امرءا صالحا، وأظنني مخطئا آثما، أخبرني هل تجد لي من توبة؟ قال: نعم، تب إلي الله يتب عليک، فإنه يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات

[صفحه 291]

ويحب التوابين ويحب المتطهرين. قال: فذهب الفتي بين الناس راجعا. فقال له رجل من أهل الشام: خدعک العراقي. قال: لا، ولکن نصحني العراقي.[2] .

کان المخذول يشوه سمعة الامام الطيبة بتلکم القذائف الشائنة طيلة حياته، ولما استشهد سلام الله عليه لم يرفع اليد عن غيه وبغيه، فجاء يري الامة الغوغاء ان ما کان من عدائه المحتدم للامام عليه السلام إنما کان عن أساس ديني لله فيه، فکتب إلي عماله:

سلام عليکم، فإني أحمد إليکم الله الذي لا إله إلا هو، أما بعد: فالحمد لله الذي کفاکم مؤنة عدوکم، وقتلة خليفتکم، إن الله بلطفه وحسن صنعه أتاح لعلي بن أبي طالب رجلا من عباده فاغتاله فقتله، فترک أصحابه متفرقين مختلفين، وقد جائنا کتب أشرافهم وقادتهم يلتمسون الامان لانفسهم وعشائرهم، فأقبلوا إلي حين يأتيکم کتابي هذا بجهدکم وجندکم، وحسن عدتکم، فقد أصبتم بحمد الله الثأر، وبلغتم الامل، و أهلک الله أهل البغي والعدوان[3] ولما دخل إبن عباس علي معاوية بعد مقتل أميرالمؤمنين عليه السلام قال: ألحمد لله الذي أمات عليا.[4] .

ما أغلف قلب هذا الرجل الذي يحسب ان عبدالرحمن بن الملجم من عباد الله وقد قيضه المولي سبحانه للنيل من إمام الهدي، ويعد ذلک من لطفه وحسن صنعه، وابن ملجم هو ذلک الشقي المهتوک الخارجي الجاني علي الامة جمعاء بقتل سيدها نفس الرسول صلي الله عليه وآله، وآتيها بخسارة الابد، وهو أشقي الآخرين في لسان النبي الکريم، أو أشقي الامة في حديثه الآخر، وأشد الناس عذابا يوم القيامة، وعاد قوله صلي الله عليه وآله فيه «أشقي» کلقب يعرف به أشقي مراد حيث انه إطرد ذکره به في موارد کثيرة من الحديث والتاريخ[5] .

وليت شعري أي إله يحمده معاوية في موت علي أميرالمؤمنين؟ ألاله جعل مودة علي أجر الرسالة في محکم الذکر الحکيم؟

[صفحه 292]

ألاله اتخذ عليا نفسا لنبيه في قصة المباهلة؟

ألاله أمر رسوله صلي الله عليه وآله بتبليغ ولاية علي عليه السلام وإنه إن لم يفعل فما بلغ رسالته؟

إلاله يري بولاية علي عليه السلام إکمال الدين، وإتمام النعمة، ورضاه سبحانه؟

ألاله اوحي لنبيه صلي الله عليه وآله وسلم في علي ثلاث: انه سيد المسلمين، وإمام المتقين، و قائد الغر المحجلين؟

ألاله عهد إلي رسول الله صلي الله عليه وآله في علي انه راية الهدي، ومنار الايمان، وإمام اوليائي، ونور من أطاعني؟

ألاله کان علي أحب خلقه اليه بعد نبيه کما جاء في حديث الطير؟

ألاله کان يحب عليا وعلي يحبه في حديث خيبر؟

ألاله اختار عليا وصيا لنبيه بعد ما اختاره نبيا فهو أحد الخيرتين من البشر کما جاء في النص النبوي؟

ألاله دعاه صاحب الرسالة الخاتمة حينما قال في مائة ألف أو يزيدون: من کنت مولاه فعلي مولاه، أللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله؟.

أيسوغ مثل هذا الحمد والثناء لمن يؤمن بالله واليوم الآخر، وصدق نبي الاسلام وما جاء به؟ أم هل يتصور توجيهه إلي رب محمد وعلي؟ وقد تمت بهما کلمة الله صدقا وعدلا، وقامت بهما دعائم الدين الحنيف، وبسعيهما أدرکت الامة المرحومة سعادة الابد.

نعم: له مسرح إن وجه إلي " هبل " إله آباء معاوية وإلهه إلي اخريات أيام النبوة إن لم نقل إلي آخر نفس لفظه معاوية، وقد کان مرتکزا في أعماق قلبه، ومزيج نفسه طيلة ما لهج بأمثال هذه الاقاويل المخزية.

ثم أي مسلم يبلغ أمله عند قتل إمام الحق، ووئد خطة الهدي؟ إلا من ارتطم في الضلالة، وسبح في الالحاد سبحا طويلا.

وأما قوله: وأهلک الله أهل البغي والعدوان. فانظر واقرأ قول العزيز الحکيم: کبرت کلمة تخرج من أفواههم. يلهج بهذه الکلمة کأنه بمجلب عن البغي والعدوان وهو

[صفحه 293]

ولفيفه هم الفئة الباغية بنص النبي الاعظم- وهو يندد بمن يحسب انه تردي بهما. نعم: حن قدح ليس منها. هل الباغي هو من خرج علي إمام زمانه يناضله وينازله؟ أو ان إمام الوقت- المعصوم بنص الکتاب- هو الباغي؟ «والعياذ بالله» وإن کان القوم أعداؤه وهو عدو لهم فهم أعداء الله وأعداء رسوله بغير واحد من النصوص النبوية، وقد شملتهم دعوة صاحب الرسالة المتواترة« وعاد من عاداه، واخذل من خذله».


صفحه 290، 291، 292، 293.








  1. راجع ما أسلفنا في الجزء الثاني ص 102 ط 2.
  2. کتاب صفين لابن مزاحم ص 402، تاريخ الطبري 24:6، کامل ابن الاثير 135:3، شرح ابن ابي الحديد 278:2.
  3. مقاتل الطالبيين ص 24، شرح ابن ابي الحديد 13:4، جمهرة رسائل العرب 13:2.
  4. تاريخ البداية والنهاية لابن کثير 8.
  5. راجع الجزء الاول من کتابنا ص 325 و 324 ط 2.