بيعة ابن عمر تارة وتقاعسه عنها اخري











بيعة ابن عمر تارة وتقاعسه عنها اخري



هذه عقلية ابن عمر النابية عن إدراک الحقايق، وهي التي أرجأته عن بيعة مولانا أميرالمؤمنين عليه السلام وحدته إلي بيعة عثمان ولم يتسلل عنه حتي يوم مقتله بعد ما نقم عليه الصحابة أجمع خلا شذاذا منهم، بل کان هو الذي أغري عثمان بنفسه حتي قتل کما جاء في أنساب البلاذري 76:5 عن نافع قال: حدثني عبدالله بن عمر قال قال عثمان وهو محصور: ما تقول فيما أشار به علي المغيرة بن الاخنس؟ قال: قلت: وما هو؟ قال: قال:

إن هؤلاء القوم يريدون خلعک فإن فعلت وإلا قتلوک فدع أمرهم إليهم. قال: فقلت: أرأيت إن لم تخلع هل يزيدون علي قتلک؟ قال: لا. قال: فقلت: فلا أري أن تسن هذه السنة في الاسلام فکلما سخط قوم أميرهم خلعوه لا تخلع قميصا قمصکه الله.

وفي إثر هذا جاء في الاثر: ان عثمان لما أشرف علي الناس فسمع بعضهم يقول: لا نقتله ولکن نعزله قال: أما عزلي فلا وأما قتلي فعسي.

وهذا من أتفه ما ارتآه ابن عمر فإن أمره عثمان أن لا يخلع نفسه خيفة أن يطرد ذلک جار في صورة عدم الخلع المنتهي إلي القتل الذي هو أفظع من الخلع، وفي کل منهما سقوط هيبة السلطان وزوال ابهة الخلافة، غير أن البقاء مخلوعا اخف وطأة وأبعد عن مثار الفتن، ومن المشاهد الفتن الثائرة بعد قتل عثمان من قاتليه والحاضين عليه والمتخاذلين عنه فمن قائلة: اقتلوا نعثلا. قتل الله نعثلا. تطلب ثاره. ومألبين عليه أخذا بضبعي الهودج يحثان علي الهتاف بثارات عثمان، وموها عليها نبح کلاب الحوأب، ومتقاعد عنه بالشام حتي إذا اودي به کتب الکتائب وخرج إلي صفين وأزلف إليه من کان يقول لما بلغه انه محصور: أنا أبوعبدالله قد يضرط العير والمکواة في النار. ولما

بلغه مقتله قال: أنا أبوعبد الله قتلته وأنا بوادي السباع[1] قال هذا ثم طفق يثب مع معاوية

[صفحه 24]

يطلب الثار، وکان من ولائد وقعة صفين مقتل الخوارج بنهروان، فمن جراء هذه المعامع کانت مجزرة کبري لزرافات من الصحابة والتابعين ووجهاء الامصار ورؤساء القبائل وصلحاء المسلمين، وهل کانت هذه المفاسد إلا ولائد ذلک الرأي الفطير الذي أسدي به ابن عمر للخليفة المقتول، ولو کان سالم القوم کما أشار إليه المغيرة بن الاخنس فخلعوه بقي حلس بيته ولا ثائر ولا مشاغب، وبقيت بيوت المسلمين عامرة ولم تکن تنتشر الفتن في البلاد، قال ابن حجر في فتح الباري 10:13: انتشرت الفتن في البلاد فالقتال بالجمل وبصفين کان بسبب قتل عثمان، والقتال بالنهروان بسبب التحکيم بصفين، وکل قتال وقع في ذلک العصر إنما تولد عن شئ من ذلک أو عن شئ تولد عنه.ه.

وقال في ص 42: قوله صلي الله عليه وآله وسلم في حق عثمان: بلاء يصيبنه. هو ما وقع له من القتل الذي نشأت عنه الفتن الواقعة بين الصحابة في الجمل ثم في صفين وما بعد ذلک.ه.

ونحن لا نعرف لابن عمر حجة فيما ارتکبه من البيعة والقعود إلا ما نحته له ابن حجر في فتح الباري 19:5 بقوله: لم يذکر ابن عمر خلافة علي لانه لم يبايعه لوقوع الاختلاف عليه کما هو مشهور في صحيح الاخبار، وکان رأي ابن عمر انه لا يبايع لمن لم يجتمع عليه الناس، ولهذا لم يبايع ايضا لابن الزبير ولا لعبد الملک في حال اختلافهما، وبايع ليزيد بن معاوية ثم لعبد الملک بن مروان بعد قتل ابن الزبير.ه.

وقال في الفتح ايضا ج 165:13: کان عبدالله بن عمر في تلک المدة إمتنع أن يبايع لابن الزبير أو لعبد الملک کما کان امتنع أن يبايع لعلي أو معاوية، ثم بايع لمعاوية لما اصطلح مع الحسن بن علي، واجتمع عليه الناس، وبايع لابنه يزيد بعد موت معاوية لاجتماع الناس عليه، ثم امتنع من المبايعة لاحد حال الاختلاف إلي أن قتل ابن الزبير وانتظم الملک کله لعبد الملک فبايع له حينئذ.

هذه حجة داحضة موه بها ابن حجر علي الحقايق الراهنة لتغرير امة جاهلة، و لعله اتخذها مما جاء في الحديث من انه لما تخلف عبدالله بن عمر عن بيعة علي عليه السلام أمر باحضاره فاحضر فقال له: بايع. قال: لا ابايع حتي تبايع جميع الناس. قال له علي عليه السلام فأعطني حميلا[2] أن لا تبرح. قال: ولا اعطيک حميلا. فقال الاشتر: يا أميرالمؤمنين

[صفحه 25]

ان هذا قد أمن سوطک وسيفک، فدعني أضرب عنقه. قال: لست اريد ذلک منه علي کره خلوا سبيله. فلما انصرف قال أميرالمؤمنين عليه السلام: لقد کان صغيرا وهو سئ الخلق وهو في کبره أسوأ خلقا. وروي انه أتاه في اليوم الثاني فقال: اني لک ناصح إن بيعتک لم يرض بها الناس کلهم، فلو نظرت لدينک ورددت الامر شوري بين المسلمين. فقال علي عليه السلام: ويحک وهل ما کان عن طلب مني؟ ألم يبلغک صنيعهم بي؟ قم يا أحمق، ما أنت وهذا الکلام؟ فخرج ثم أتي عليا عليه السلام آت في اليوم الثالث فقال: إن ابن عمر قد خرج إلي مکة يفسد الناس عليک فأمر بالبعثة في أثره فجاءت ام کلثوم ابنته فسألته وضرعت إليه فيه وقالت: ياأميرالمؤمنين انما خرج إلي مکة ليقيم بها، وانه ليس بصاحب سلطان، ولا هو من رجال هذا الشأن، وطلبت إليه أن يقبل شفاعتها في أمره لانه ابن بعلها فأجابها وکف البعثة إليه وقال: دعوه وما أراد.

جواهر الاخبار للصعدي المطبوع في ذيل کتاب البحر الزخار ج 71:5.

هلموا معي يا امة محمد صلي الله عليه وآله نسائل ابن عمر، هلا بايع هو أبا بکر ولم يجتمع عليه الناس، وانعقدت بيعته باثنين أو أربعة أو خمسة کما مر في ج 7 ص 141 ط 1؟

والاختلاف هنالک کان قائما علي ساق، وهو الذي فرق صفوف الامة حتي اليوم، وکان ابن عمر ينظر إليه من کثب، ثم لحقتها موافقة الناس بالارهاب في بعض، وإطماع في آخرين، وأمر دبر بليل بين لفيف من زبانية الخلافة، وتمت بعد وصمات مر الايعاز إليها في الجزء السابع ص 87 -74، تمت وصدور امة صالحة واغرة عليها وعلي من تقمصها، وهو يعلم أن محل علي عليه السلام منها محل القطب من الرحي، ينحدر عنه السيل، ولا يرقي إليه الطير.

وأما أبوه فلم يثبت أمره إلا بتعيين أبي بکر إياه، فيا عجبا يستقيلها في حياته إذا عقدها لآخر بعد وفاته، لشد ما تشطر اضرعيها، فصيرها في حوزة خشناء يغلظ کلمها، ويخشن مسها، ويکثر العثار فيها والاعتذار منها[3] والناس متذمر علي المستخلف کلهم ورم أنفه من ذلک قائلين: ما تقول لربک وقد وليت علينا فظا غليظا؟ ثم

[صفحه 26]

ألحقت الناس به العوامل المذکورة.

وأما حديث الشوري، وما أدراک ما حديث الشوري؟ فسل عنه سيف عبد الرحمن بن عوف الذي لم يکن مع أحد يومئذ سيف غيره، واذکر قوله لعلي: بايع وإلا ضربت عنقک أو قوله له: لا تجعلن علي نفسک سبيلا کما ذکره البخاري والطبري وغيرهما[4] وزاد ابن قتيبة: فانه السيف لا غير. أو قول أصحاب الشوري لما خرج علي مغضبا ولحقوه:

بايع وإلا جاهدناک[5] أو قول أميرالمؤمنين: متي اعترض الريب في مع الاول منهم حتي صرت اقرن إلي هذه النظائر، لکني أسففت إذا سفوا، وطرت إذا طاروا، فصغا رجل منهم لضغنه، ومال آخر لصهره مع هن وهن. الخ[6] .

لکن إبن عمر- علي زعم ابن حجر- لا يري کل هذه خلافا في خلافة القوم، ولا في معاوية من إنجاز الامر بعد أميرالمؤمنين علي عليه السلام بين السيف والمطامع، وفي القلوب منه ما فيها إلي أن لفظ نفسه الاخير، هذا سعد بن أبي وقاص أحد العشرة المبشرة ومن رجال الشوري الست تخلف عن بيعته، دخل علي معاوية فقال له:السلام عليک أيها الملک فقال له: فهلا غير ذلک؟ أنتم المؤمنون وأنا أميرکم، فقال سعد: نعم إن کنا أمرناک وفي لفظ: نحن المؤمنون ولم نؤمرک. فقال معاوية: لا يبلغني ان أحدا يقول: إن سعدا ليس من قريش إلا فعلت به وفعلت، إن سعدا الوسط في قريش. ثابت النسب.[7] .

وهذا ابن عباس وهو يجابه معاوية ويدحض حجته، قال عبيد الله بن عبدالله المديني:

حج معاوية فمر بالمدينة فجلس في مجلس فيه سعد وفيه عبدالله بن عمر وعبدالله بن عباس فالتفت إلي عبدالله بن العباس فقال: يا أبا عباس إنک لم تعرف حقنا من باطل غيرنا، فکنت علينا ولم تکن معنا، وأنا ابن عم المقتول ظلما يعني عثمان وکنت أحق بهذا الامر من غيري. فقال ابن عباس: أللهم إن کان هکذا فهذا- وأومأ إلي ابن عمر- أحق بها منک لان أباه قتل قبل ابن عمک. فقال معاوية: ولاسواء إن أباه هذا قتله المشرکون، وابن عمي

[صفحه 27]

قتله المسلمون. فقال ابن عباس: هم والله أبعد لک وأدحض لحجتک. فترکه[8] .

وأنکرت عائشة علي معاوية في دعواه الخلافة وبلغه ذلک فقال: عجبا لعائشة تزعم اني في غير ما أنا أهله وان الذي أصبحت فيه ليس لي بحق، مالها ولهذا يغفر الله لها إنما کان ينازعني في هذا الامر أبوهذا الجالس وقد استأثر الله به. فقال الحسن بن علي (عليهماالسلام) أو عجب ذلک يا معاوية؟ قال: اي والله قال: أفلا اخبرک بما هو أعجب من هذا؟ قال: ما هو؟ قال: جلوسک في صدر المجلس وأنا عند رجليک (شرح ابن أبي الحديد 5:4).

وهکذا کان أکابر الصحابة مناوئين له في المدينة الطيبة فأسمعوه النکير، وسمعوا إدا من القول. ورأوا إمرا من أمره، وشاهدوا منه أحداثا وبدعا في الدين الحنيف تخلد مع الابد، وعاينوا منه جنايات علي الامة الاسلامية وصلحائها وعظمائها من هتک و حبس وشتم وسب مقذع وضرب وتنکيل وعذاب وقتل قط لا تغفر له- وحاش لله أن يغفرها له- دع عمر بن عبد الغزيز يري في الطيف انه مغفور له[9] - وتذمرت عليه صلحاء امة محمد صلي الله عليه وآله لما جاء عنه صلي الله عليه وآله وسلم فيه من لعنه والتخذيل عنه، وأمره الصحابة بقتاله، وتوصيفه فئته بالقسط وانها الفئة الباغية، وقوله السائر الدائر: إذا رأيتم معاوية علي منبري فاقتلوه[10] وقوله صلي الله عليه وآله الخلافة بالمدينة والملک بالشام[11] .

ليت شعري أين کان ابن عمر من هذه کلها ومن قوله صلي الله عليه وآله الحاسم لمادة النزاع: ستکون خلفاء فتکثر. قالوا: فما تأمرنا؟ قال: فواببيعة الاول فالاول[12] .

وقوله صلي الله عليه وآله: إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما[13]

[صفحه 28]

جميع فاضربوه بالسيف کائنا من کان. و في لفظ: فاقتلوه.[14] .

وقوله صلي الله عليه وآله: من أتاکم وأمرکم جميع علي رجل واحد يريد أن يشق عصاکم أو يفرق جماعتکم فاقتلوه.[15] .

وقوله صلي الله عليه وآله: من طريق عبدالله بن عمرو بن العاص: من بايع إماما فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه فليعطه إن استطاع، فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الآخر. قال عبدالرحمن بن عبد رب: فدنوت منه فقلت له: انشدک الله أنت سمعت هذا من رسول الله صلي الله عليه وآله فأهوي إلي اذنيه وقلبه بيديه. وقال: سمعته اذناي ووعاه قلبي. فقلت له: هذا ابن عمک معاوية يأمرنا أن نأکل أموالنا بيننا بالباطل ونقتل أنفسنا، والله عزوجل يقول:

يا أيها الذين آمنوا لا تأکلوا أموالکم بينکم بالباطل إلا أن تکون تجارة عن تراض منکم ولا تقتلوا أنفسکم إن الله کان بکم رحيما. قال: فسکت ساعة ثم قال: أطعه في طاعة الله واعصه في معصية الله[16] .

قال النووي في شرح مسلم هامش ارشاد الساري 43:8: قوله صلي الله عليه وآله: فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الآخر. معناه: ادفعوا الثاني فانه خارج علي الامام، فإن لم يندفع إلا بحرب وقتال فقاتلوه، فإن دعت المقاتلة إلي قتله جاز قتله ولا ضمان فيه لانه ظالم متعد في قتاله.

قال: قوله: فقلت له: هذا ابن عمک معاوية. إلي آخره. المقصود بهذا الکلام ان هذا القائل لما سمع کلام عبدالله بن عمرو بن العاص وذکر الحديث في تحريم منازعة الخليفة الاول وان الثاني يقتل فاعتقد هذا القائل هذا الوصف في معاوية لمنازعته عليا رضي الله عنه وکانت قد سبقت بيعة علي فرأي هذا ان نفقة معاوية علي أجناده وأتباعه في حرب علي ومنازعته ومقاتلته إياه من أکل المال بالباطل، ومن قتل النفس، لانه قتال بغير حق فلا يستحق أحد مالا في مقاتلته.

[صفحه 29]

وقال ص 40 في شرح قوله صلي الله عليه وآله: ستکون خلفاء فتکثر. الحديث: معني هذا الحديث: إذا بويع لخليفة بعد خليفة فبيعة الاول صحيحة يجب الوفاء بها، وبيعة الثاني باطلة يحرم الوفاء بها، ويحرم عليه طلبها وسواء عقدوا للثاني عالمين بعقد الاول أم جاهلين، وسواء کانا في بلدين أو بلد، أو أحدهما في بلد الامام المنفصل والآخر في غيره، هذا هو الصواب الذي عليه أصحابنا وجماهير العلماء، وقيل: تکون لمن عقدت في بلد الامام. وقيل: يقرع بينهم. وهذان فاسدان، واتفق العلماء علي أنه لا يجوز أن يعقد لخليفتين في عصر واحد سواء اتسعت دار الاسلام أم لا، وقال إمام الحرمين في کتابه «الارشاد»[17] قال أصحابنا لا يجوز عقدها لشخصين، قال: وعندي انه لا يجوز عقدها لاثنين في صقع واحد وهذا مجمع عليه، قال: فإن بعد ما بين الامامين وتخللت بينهما شسوع فللاحتمال فيه مجال، وهو خارج عن القواطع. وحکي المازري هذا القول عن بعض المتأخرين من أهل الاصول، وأراد به إمام الحرمين، وهو قول فاسد مخالف لما عليه السلف والخلف ولظواهر إطلاق الاحاديث والله أعلم.ه

فکان من واجب ابن عمر نظرا إلي هذه النصوص أن يبايع عليا ولا يتقاعد عن بيعته وقد بايعه المهاجرون والانصار والبدريون وأصحاب الشجرة علي بکرة أبيهم، قال ابن حجر في فتح الباري 586:7: کانت بيعة علي بالخلافة عقب قتل عثمان في أوائل ذي الحجة سنة 35 فبايعه المهاجرون والانصار وکل من حضر وکتب بيعته إلي الآفاق فأذعنوا کلهم إلا معاوية في أهل الشام فکان بينهم بعد ما کان.ه

وکان من واجب الرجل قتال معاوية الخارج علي الامام الطاهر إن کان هو عضادة الدين آخذا بطقوسه، تابعا سننه اللاحب، مؤمنا بما جاء به نبيه الاقدس صلي الله عليه وآله بل الامر کما قال عبدالله بن هاشم المرقال في کلمة له: فلو لم يکن ثواب ولا عقاب، ولا جنة ولا نار، لکان القتال مع علي أفضل من القتال مع معاوية بن أکالة الاکباد. کتاب صفين ص 405.

متي اختلف في بيعة علي أميرالمؤمنين اثنان من رجال الحل والعقد من صلحاء الامة؟ ومتي تمت کلمة الامة في بيعة خليفة منذ اسس الانتخاب الدستوري مثل

[صفحه 30]

ما تمت لعلي عليه السلام؟ ولم يکن متقاعس عن بيعته سلام الله عليه إلا شرذمة المعتزلة العثمانيين وهم سبعة وثامنهم ابن عمر کما مر في الجزء السابع ص 142، فما الذي جعل بيعة اناس معدودين لم تبلغ عدتهم عشرة اجماعا واتفاقا في بيعة أبي بکر، وأوجب علي ابن عمر اتباعهم، وحرم عليه التزحزح عنهم؟ وجعل إجماع الامة من المهاجرين والانصار ورجال الامصار علي بيعة علي أميرالمؤمنين وتخلف عدة تعد بالانامل عنها خلافا وتفرقا؟.

وليت ابن عمر إن کان لم يأخذ بحکم الکتاب والسنة في الاستخلاف کان يأخذ برأي أبيه فيه وقد سمعه يقول: هذا الامر في أهل بدر ما بقي منهم أحد ثم في أهل احد ثم في کذا وکذا، وليس فيها لطليق ولا لولد طليق ولا لمسلمة الفتح شئ.[18] .

وقال في کلام له: لا تختلفوا فانکم إن اختلفتم جاءکم معاوية من الشام وعبدالله ابن أبي ربيعة من اليمن فلا يريان لکم فضلا لسابقتکم، وإن هذا الامر لا يصلح للطلقاء ولا لابناء الطلقاء[19] .

ولعل هذا الرأي کان من المتسالم عليه عند السلف وبذلک احتج مولانا أمير المؤمنين علي معاوية في کتاب له کتب إليه بقول: واعلم أنک من الطلقاء الذين لا تحل لهم الخلافة، ولا تعقد معهم الامامة، ولا يدخلون في الشوري[20] .

وکتب ابن عباس إلي معاوية: ما أنت وذکر الخلافة؟ وإنما أنت طليق بن طليق والخلافة للمهاجرين الاولين، وليس الطلقاء منها في شئ[21] وفي لفظ: إن الخلافة لا تصلح إلا لمن کان في الشوري فما أنت والخلافة؟ وأنت طليق الاسلام، وابن رأس الاحزاب، وابن آکلة الاکباد من قتلي بدر.

ومن کلام لابن عباس يخاطب أبا موسي الاشعري: ليس في معاوية خلة يستحق بها الخلافة وأعلم يا أبا موسي؟ ان معاوية طليق الاسلام، وأن أباه رأس الاحزاب،

[صفحه 31]

وانه يدعي الخلافة من غير مشورة ولا بيعة[22] .

ومن کتاب لمسور بن مخرمة،[23] إلي معاوية: انک أخطأت خطأ عظيما، واخطأت مواضع النصرة، وتناولتها من مکان بعيد، وما أنت والخلافة يا معاوية؟ وأنت طليق وأبوک من الاحزاب؟ فکف عنا فليس لک قبلنا ولي ولا نصير[24] .

وفي مناظرة لسعنة بن عريض الصحابي مع معاوية: منعت ولد رسول الله صلي الله عليه وسلم الخلافة، وما أنت وهي وأنت طليق بن طليق؟ يأتي تمام الحديث انشاء الله تعالي.

وعاتب عبدالرحمن بن غنم الاشعري الصحابي[25] ابا هريرة وأبا الدرداء بحمص إذا انصرفا من عند علي رضي الله عنه رسولين لمعاوية وکان مما قال لهما: عجبا منکما کيف جاز عليکما ما جئتما به تدعوان عليا إلي أن يجعلها شوري؟ وقد علمتما أنه قد بايعه المهاجرون والانصار وأهل الحجاز والعراق، وإن من رضيه خير ممن کرهه، ومن بايعه خير ممن لم يبايعه، وأي مدخل لمعاوية في الشوري وهو من الطلقاء الذين لا تجوز لهم الخلافة؟ وهو وأبوه من رؤس الاحزاب. فندما علي مسيرهما وتابا منه بين يديه[26] .

ومن کلام لصعصعة بن صوحان يخاطب به معاوية: انما أنت طليق به طليق، أطلقکما رسول الله صلي الله عليه وآله فاني تصح الخلافة لطليق؟[27] .

فأين يقع عندئذ معاوية الطليق ابن الطليق من الخلافة؟ وأي قيمة في سوق الاعتبار لرأي ابن عمر؟ وما الذي يبرر بيعته إياه إن لم يبررها عداء سيد العترة؟

[صفحه 32]


صفحه 24، 25، 26، 27، 28، 29، 30، 31، 32.








  1. راجع ما مر في الجزء الثاني ص 139، والجزء التاسع ص 137 تا 140.
  2. الحميل کفعيل: الکفيل.
  3. جمل لمولانا أميرالمؤمنين من خطبته الشقشقية راجع ج 81:7 ط 2.
  4. صحيح البخاري باب کيف يبايع الامام ج 208:10، تاريخ الطبري 40 و 37: 5، الامامة والسياسة 25:1، الکامل لابن الاثير 30:3، الصواعق ص 36، فتح الباري 168:13، تاريخ الخلفاء للسيوطي ص 102.
  5. أنساب البلاذري 22:5.
  6. راجع الجزء السابع ص 81.
  7. تاريخ ابن عساکر 251:5 وج 106:6.
  8. تاريخ ابن عساکر 107:6.
  9. سيوافيک تفصيله انشاء الله تعالي.
  10. کنوز الدقائق للمناوي ص 10. اخرجه ابن عدي عن أبي سعيد والعقيلي عن طريق الحسن وسفيان بن محمد من طريق جابر وغيرهم. وسيوافيک الکلام في اسناده انشاء الله تعالي.
  11. تاريخ ابن کثير 221:6.
  12. صحيح مسلم 17:6، سنن ابن ماجة 204:2، سنن البيهقي 144.8 عن الشيخين، تيسير الوصول 35:2 عن الشيخين ايضا، مسند أحمد 297:2، المحلي 360:9.
  13. صحيح مسلم 23:6، مستدرک الحاکم 156:2، سنن البيهقي 144:8، الفصل لابن حزم 88:4، المحلي 360:9، تيسيرالوصول 35:2.

    وقوله صلي الله عليه وآله: ستکون هنات وهنات فمن أراد أن يفرق أمر هذه الامة وهي

  14. صحيح مسلم 22:6، مستدرک الحاکم 156:2، سنن البيهقي 169 و 168: 8.
  15. صحيح مسلم 23:6، سنن البيهقي 169:8، تيسير الوصول 35:2، المحلي 360:9.
  16. صحيح مسلم 18:6، سنن البيهقي 169:8، سنن ابن ماجة 467:2، المحلي 360:9.
  17. راجع الارشاد ص 525 طبع مکتبة الخانجي.
  18. طبقات ابن سعد ط ليدن 248:3، فتح الباري 176:13، اسد الغابة 387:4.
  19. الاصابة 305:2.
  20. الامامة والسياسة 71 وفي ط 81، العقد الفريد 233:2 وفي ط 284، نهج البلاغة 5:2، شرح ابن ابي الحديد 248:1، وج 300:3.
  21. الامامة والسياسة 85:1، وفي ط 97، شرح ابن ابي الحديد 289:2.
  22. شرح ابن أبي الحديد 195:1.
  23. نسب هذا الکتاب في کتاب صفين ص 70 إلي عبدالله بن عمر وهو وهم، والابيات التي کتبها رجل من الانصار مع الکتاب تکذب تلک النسبة. فراجع.
  24. الامامة والسياسة 75:1، وفي ط 85.
  25. قال ابوعمر في الاستيعاب: کان من افقه أهل الشام، وهو الذي فقه عامة التابعين بالشام وکانت له جلالة وقدر.
  26. الاستيعاب ترجمة عبدالرحمن ج 402:2، اسد الغابة 318:3.
  27. مروج الذهب 78: 1، يأتي تمام الکلام في هذا الجزء انشاء الله تعالي.