بيعة يزيد أحد موبقات معاوية الاربع











بيعة يزيد أحد موبقات معاوية الاربع[1]



.

إن من موبقات معاوية وبوائقه- وهو بکله بوائق- أخذه البيعة لابنه «يزيد» علي کره من أهل الحل والعقد، ومراغمة لبقايا المهاجرين والانصار، و إنکار من أعيان الصحابة الباقين، تحت بوارق الارهاب، ومعها طلاة المطامع لاهل الشره والشهوات.

کان في خلد معاوية يوم استقرت له الملوکية وتم له الملک العضوض أن يتخذ ابنه ولي عهده ويأخذ له البيعة، ويؤسس حکومة أموية مستقرة في أبناء بيته، فلم يزل يروض الناس لبيعة سبع سنين يعطي الارقاب ويداني الاباعد[2] وکان يبتلعه

[صفحه 228]

طورا، ويجتر به حينا بعد حين، يمهد بذلک السبيل، ويسهل حزونته، ولما مات زياد سنة 53 وکان يکره تلک البيعة أظهر معاوية عهدا مفتعلا - علي زياد- فقرأه علي الناس فيه عقد الولاية ليزيد بعده، وأراد بذلک أن يسهل بيعة يزيد کما قاله المدائني[3] .

وقال أبوعمر في الاستيعاب 142:1: کان معاوية قد أشار بالبيعة ليزيد في حياة الحسن وعرض بها ولکنه لم يکشفها ولا عزم عليها إلا بعد موت الحسن.

قال ابن کثير في تاريخه 79:8: وفي سنة ست خمسين دعا معاوية الناس إلي البيعة ليزيد ولده أن يکون ولي عهده من بعده، وکان قد عزم قبل ذلک علي هذا في حياة المغيرة[4] بن شعبة، فروي ابن جرير من طريق الشعبي: أن المغيرة کان قد قدم علي معاوية وأعفاه من إمرة الکوفة فأعفاه لکبره وضعفه، وعزم علي توليتها سعيد بن العاص، فلما بلغ ذلک المغيرة کأنه ندم، فجاء إلي يزيد بن معاوية فأشار عليه بأن يسأل من أبيه أن يکون ولي العهد فسأل ذلک من أبيه فقال: من أمرک بهذا؟ قال: المغيرة. فأعجب ذلک معاوية من المغيرة، ورده إلي عمل الکوفة، وأمره أن يسعي في ذلک، فعند ذلک سعي المغيرة في توطيد ذلک، وکتب معاوية إلي زياد يستشيره في ذلک فکره زياد ذلک لما يعلم من لعب يزيد وإقباله علي اللعب والصيد، فبعث إليه من يثني رأيه عن ذلک وهو عبيد بن کعب النميري- وکان صاحبا أکيدا لزياد- فسار إلي دمشق فاجتمع بيزيد أولا فکلمه عن زياد وأشار عليه بأن لا يطلب ذلک، فإن ترکه خير له من السعي فيه، فانزجر يزيد عما يريد من ذلک، واجتمع بأبيه واتفقا علي ترک ذلک في هذا الوقت، فلما مات زياد شرع معاوية في نظم ذلک والدعاء إليه، وعقد البيعة لولده يزيد، وکتب إلي الآفاق بذلک.

صورة اخري

في بدء بدئها

کان ابتداء بيعة يزيد وأوله من المغيرة بن شعبة فإن معاوية أراد أن يعزله عن الکوفة

[صفحه 229]

ويستعمل عوضه سعيد بن العاص فبلغه ذلک فقال: الرأي أن أشخص إلي معاوية فاستعفيه ليظهر للناس کراهتي للولاية، فسار إلي معاوية وقال لاصحابه حين وصل إليه: إن لم أکسبکم الآن ولاية وإمارة لا أفعل ذلک أبدا، ومضي حتي دخل علي يزيد وقال له: إنه قد ذهب أعيان أصحاب النبي صلي الله عليه وسلم وکبراء قريش وذوو أسنانهم وإنما بقي أبناؤهم وأنت من أفضلهم وأحسنهم رأيا وأعلمهم بالسنة والسياسة، ولا أدري ما يمنع أميرالمؤمنين أن يعقد لک البيعة؟ قال: أو تري ذلک يتم؟ قال: نعم. فدخل يزيد علي أبيه وأخبره بما قال المغيرة فأحضر المغيرة وقال له: ما يقول يزيد؟ فقال: يا أميرالمؤمنين قد رأيت ما کان من سفک الدماء والاختلاف بعد عثمان[5] وفي يزيد منک خلف فاعقد له، فإن حدث بک حادث کان کهفا للناس وخلفا منک ولا تسفک دماء ولا تکون فتنة. قال: ومن لي بهذا؟ قال: أکفيک أهل الکوفة، ويکفيک زياد أهل البصرة، وليس بعد هذين المصرين أحد يخالفک. قال: فارجع إلي عملک وتحدث مع من تثق إليه في ذلک، وتري ونري. فودعه ورجع إلي أصحابه فقالوا: مه. قال: لقد وضعت رجل معاوية في غرز بعيد الغاية علي امة محمد، وفتقت عليهم فتقا لا يرتق أبدا. وتمثل:


بمثلي شاهدي نجوي وغالي
بي الاعداء والخصم الغضابا


وسار المغيرة حتي قدم الکوفة وذاکر من يثق إليه ومن يعلم انه شيعة لبني امية أمر يزيد فأجابوا إلي بيعته فأوفد منهم عشرة ويقال: أکثر من عشرة. وأعطاهم ثلاثين ألف درهم، وجعل عليهم ابنه موسي بن المغيرة وقدموا علي معاوية فزينوا له بيعة يزيد ودعوه إلي عقدها. فقال معاوية: لا تعجلوا باظهار هذا وکونوا علي رأيکم، ثم قال لموسي: بکم اشتري أبوک من هؤلاء دينهم؟ قال: بثلاثين ألفا. قال: لقد هان عليهم دينهم، وقيل: أرسل أربعين رجلا وجعل عليهم ابنه عروة، فلما دخلوا علي معاوية قاموا خطباء فقالوا: إنما أشخصهم إليه النظر لامة محمد صلي الله عليه وسلم وقالوا: يا أميرالمؤمنين کبرت سنک وخفنا انتشار الحبل فانصب لنا علما، وحد لنا حدا ننتهي إليه.

[صفحه 230]

فقال: أشيروا علي. فقالوا: نشير بيزيد بن أميرالمؤمنين. فقال: أوقد رضيتموه؟ قالوا: نعم. قال: وذلک رأيکم؟ قالوا: نعم، ورأي من وراءنا. فقال معاوية لعروة سرا عنهم: بکم اشتري أبوک من هؤلاء دينهم؟ قال: بأربعمأة دينار. قال: لقد وجد دينهم عندهم رخيصا، وقال لهم: ما ننظر ما قدمتهم له ويقضي الله ما أراد. والاناة خير من العجلة فرجعوا، وقوي عزم معاوية علي البيعة ليزيد فأرسل إلي زياد يستشيره فأحضر زياد عبيد بن کعب النميري وقال له: إن لکل مستشير ثقة، ولکل سر مستودع، وإن الناس قد أبدع بهم خصلتان: إذاعة السر، وإخراج النصيحة إلي غير أهلها، وليس موضوع السر إلا أحد رجلين: رجل آخرة يرجو ثوابها، ورجل دنيا له شرف في نفسه، وعقل يصون حسبه، و قد خبرتهما منک، وقد دعوتک لامرا تهمت عليه بطون الصحف: إن أميرالمؤمنين کتب يستشيرني في کذا وکذا، وانه يتخوف نفرة الناس، ويرجو طاعتهم، وعلاقة أمر الاسلام وضمانه عظيم، ويزيد صاحب رسلة وتهاون مع ما قد أولع به من الصيد، فألق أميرالمؤمنين وأد إليه فعلات يزيد وقل له: رويدک بالامر فأحري لک أن يتم لک، لا تعجل فإن درکا في تأخير خير من فوت في عجلة. فقال له عبيد: أفلا غير هذا؟ قال. وما هو؟ قال: لا تفسد علي معاوية رأيه، ولا تبغض إليه ابنه، والفي أنا يزيد فاخبره ان أميرالمؤمنين کتب إليک، يستشيرک في البيعة له، وانک تتخوف خلاف الناس عليه لهنات ينقمونها عليه، و إنک تري له ترک ما ينقم عليه لتستحکم له الحجة علي الناس، ويتم ما تريد فتکون قد نصحت أمير المؤمنين وسلمت مما تخاف من أمر الامة. فقال زياد: لقد رميت الامر بحجره، أشخص علي برکة الله، فإن أصبت فما لا ينکر، وإن يکن خطأ فغير مستغش، وتقول بما تري، ويقتضي الله بغيب ما يعلم، فقدم علي يزيد فذکر ذلک له فکف عن کثير مما کان يصنع، وکتب زياد معه إلي معاوية يشير بالتوءدة وأن لا يعجل، فقبل منه، فلما مات زياد عزم معاوية علي البيعة لابنه يزيد فأرسل إلي عبدالله بن عمر مائة ألف درهم فقبلها فلما ذکر البيعة ليزيد قال ابن عمر: هذا أراد، إن ديني إذن لرخيص وامتنع.[6]

[صفحه 231]


صفحه 228، 229، 230، 231.








  1. راجع کلمة الحسن البصري المذکورة قبيل هذا صفحة 225.
  2. العقد الفريد 302:2.
  3. العقد الفريد 302:2، تاريخ الطبري 170:6.
  4. توفي المغيرة سنة خمسين وقدم علي معاوية في سنة خمس وأربعين واستعفاه من الامرة وهي سنة بدو فکر بيعة يزيد في خلد معاوية بايعاز من المغيرة.
  5. ألا مسائل المغيرة عن أن هذا الشقاق والخلاف وسفک الدماء المحرمة في عدم الاستخلاف هل کان يعلمها رسول الله صلي الله عليه وآله؟ فلماذا ترک امته سدي ولم يستخلف کما زعمه هو والسياسيون من رجال الانتخاب الدستوري؟.
  6. تاريخ الطبري 170 و 169: 6، کامل ابن الاثير 215 و 214: 3.