ماسأة الاستلحاق سنة أربع وأربعين











ماسأة الاستلحاق سنة أربع وأربعين



کان من ضروريات الاسلام إلي هذه السنة 44، إلي هذا اليوم الاشنع الذي تقدم فيه ابن آکلة الاکباد ببدعته الخرقاء علي ما قاله رسول الله صلي الله عليه وآله بملا فمه المبارک، و اتخذته الامة أصلا مسلما في باب الانساب: الولد للفراش وللعاهر الحجر.

جاء هذا الحديث من طريق ابي هريرة في الصحاح الست: صحيح البخاري 199:2 في الفرائض، صحيح مسلم 471:1 في الرضاع، صحيح الترمذي 150:1، وج 34:2، سنن النسائي 110:2، سنن ابي داود 310:1، سنن البيهقي 412 و 204: 7.

ومن طريق عائشة أخرجه الحفاظ المذکورون إلا الترمذي کما في نصب الراية ليزيلعي 236:3.

ومن طريق عمر وعثمان في سنن البيهقي 412:7، ومن طريق عبدالله بن عمرو، أخرجه ابوداود في اللعان 310:1، وأخرجه أحمد في مسنده من غير طريق ج 104:1، ج 409:2، ج 326:5 وغيرها.

وصح عند الامة قول نبيها صلي الله عليه وآله: من ادعي أبا في الاسلام غير أبيه فالجنة عليه حرام[1] .

وقوله صلي الله عليه وآله من خطبة له بمني: لعن الله من ادعي إلي غير أبيه، أو تولي غير مواليه،

[صفحه 217]

الولد للفراش وللعاهر الحجر. وفي لفظ:

الولد للفراش وللعاهر الحجر، ألا ومن ادعي إلي غير أبيه، أو تولي غير مواليه رغبة عنهم فعليه لعنة الله والملائکة والناس أجمعين، ولا يقبل منه صرف ولا عدل[2] .

وقوله صلي الله عليه وآله: ليس من رجل ادعي بغير أبيه وهو يعلم إلا کفر، ومن ادعي ما ليس له فليس منا[3] .

وقوله صلي الله عليه وآله: من ادعي إلي غير أبيه لم يرح رائحة الجنة وإن ريحها ليوجد من قدر سبعين عاما. أو: مسيرة سبعين عاما[4] .

وقوله صلي الله عليه وآله وسلم: من ادعي إلي غير أبيه وهو يعلم انه غير أبيه فالجنة عليه حرام[5] .

وقوله صلي الله عليه وآله: من ادعي إلي غير أبيه أو انتمي إلي غير مواليه فعليه لعنة الله المتتابعة إلي يوم القيامة[6] .

لکن سياسة معاوية المتجهمة تجاه الهتافات النبوية أصمته عن سماعها وجعلت للعاهر کل النصيب، فوهبت زيادا کله لابي سفيان العاهر، بعد ما بلغ أشده لما وجد فيه من اهبة الوقيعة في أضداده وهم أولياء علي أميرالمؤمنين عليه السلام.

ولد زياد علي فراش عبيد مولي ثقيف، وربي في شر حجر، ونشأ في أخبث نش ء، فکان يقال له قبل الاستلحاق: زياد بن عبيد الثقفي، وبعده زياد بن أبي سفيان، ومعاوية نفسه کتب إليه في أيام الحسن السبط سلام الله عليه: من أميرالمؤمنين معاوية بن أبي سفيان إلي زياد بن عبيد، أما بعد: فإنک عبد قد کفرت النعمة، واستدعيت النقمة، ولقد کان الشکر اولي بک من الکفر، وإن الشجرة لتضرب بعرقها، وتتفرع من أصلها، انک لا ام لک، بل لا أب لک، يقول فيه: أمس عبد واليوم أمير، خطة

[صفحه 218]

ما ارتقاها مثلک يا بن سمية، وإذا أتاک کتابي هذا فخذ الناس بالطاعة والبيعة وأسرع الاجابة فإنک إن تفعل فدمک حقنت، ونفسک تدارکت، وإلا اختطفتک بأضعف ريش ونلتک بأهون سعي، واقسم قسما مبرورا أن لا أوتي بک إلا في زمارة تمشي حافيا من أرض فارس إلي الشام حتي اقيمک في السوق وأبيعک عبدا، واردک إلي حيث کنت فيه و خرجت منه. والسلام[7] .

ثم لما انقضت الدولة الاموية صار يقال له: زياد بن أبيه، وزياد بن امه، وزياد بن سمية، امه «سمية» کانت لدهقان من دهاقين الفرس بزندرود بکسکر، فمرض الدهقان فدعا الحارث بن کلدة الطبيب الثقفي فعالجه فبرأ فوهبه سمية وزوجها الحارث غلاما له روميا يقال له: عبيد. فولدت زيادا علي فراشه، فلما بلغ أشده اشتري أباه عبيدا بألف درهم فاعتقه، کانت امه من البغايا المشهورة بالطائف ذات راية.

أخرج أبوعمرو ابن عساکر قالا: بعث عمر بن الخطاب زيادا في اصلاح فساد وقع باليمن فرجع من وجهه وخطب خطبة لم يسمع الناس مثلها، فقال عمرو بن العاصي: أما والله لو کان هذا الغلام قرشيا لساق العرب بعصاه. فقال أبوسفيان: والله إني لاعرف الذي وضعه في رحم امه، فقال له علي بن أبي طالب: ومن هو يا أبا سفيان؟ قال: أنا. قال: مهلا يا أبا سفيان. وفي لفظ ابن عساکر: فقال له عمرو: اسکت يا أبا سفيان فانک لتعلم أن عمر إن سمع هذا القول منک کان سريعا إليک بالشر فقال أبوسفيان:


أما والله لولا خوف شخص
يراني علي من الاعادي


لاظهر أمره صخر بن حرب
ولم يکن المقالة عن زياد


وقد طالت مجاملتي ثقيفا
وترکي فيهم ثمر الفؤاد


فذلک الذي حمل معاوية علي ما صنع بزياد[8] .

وفي العقد الفريد 3:3: أمر عمر زيادا أن يخطب فأحسن في خطبته وجود وعند أصل المنبر أبوسفيان بن حرب وعلي بن أبي طالب فقال أبوسفيان لعلي: أيعجبک ما سمعت من هذا الفتي؟ قال: نعم. قال: أما انه ابن عمک. قال: وکيف ذلک؟ قال:

[صفحه 219]

قال الاميني: لو کان معاوية استلحق زيادا بهذا الخبر لکان استلحاقه عمرو بن العاص أولي. إذ ادعاه أبوسفيان يوم ولادته قائلا: أما اني لا أشک اني وضعته في رحم امه. واختصم معه العاص، غير أن النابغة أبت إلا العاص لما زعمت من الشح في أبي سفيان وفي ذلک قال حسان بن ثابت:


أبوک أبوسفيان لا شک قد بدت
لنا فيک منه بينات الدلايل


ففاخر به إما فخرت ولا تکن
تفاخر بالعاص الهجين بن وائل


إلي آخر ما مر في الجزء الثاني ص 123 ط 2.

نعم: لکل بغي کان يتصل بسمية ام زياد، والنابغة ام عمرو، وهند ام معاوية، وحمامة ام أبي سفيان، والزرقاء ام مروان، وأضرابهن من مشهورات البغاء ويأتيهن أن يختصم في ولايدهن.

کتب معاوية إلي زياد يوم کان عامل علي أميرالمؤمنين عليه السلام: أما بعد فإن العش الذي ربيت به معلوم عندنا فلا تدع أن تأوي إليه کما تأوي الطيور إلي أوکارها، ولولا شيئ والله أعلم به لقلت کما قال العبد الصالح: فلنأتينهم بجنود لا قبل لهم بها، ولنخرجنهم منها أذلة وهم صاغرون. وکتب في آخر کتابه:


لله در زياد أيما رجل
لو کان يعلم ما يأتي وما يذر


تنسي أباک وقد حقت مقالته
إذ تخطب الناس والوالي لنا عمر


فافخر بوالدک الادني ووالدنا
إن ابن حرب له في قومه خطر


إن انتهازک قوما لا تناسبهم
عد الانامل عار ليس يغتفر


فانزل بعيدا فإن الله باعدهم
عن کل فضل به يعلو الوري مضر


فالرأي مطرف والعقل تجربة
فيها لصاحبها الايراد والصدر


فلما ورد الکتاب علي زياد قام في الناس فقال: العجب کل العجب من ابن آکلة الاکباد ورأس النفاق يخوفني بقصده إياي وبيني وبينه ابن عم رسول الله صلي الله عليه وسلم في

[صفحه 220]

المهاجرين والانصار، أما والله لو أذن في لقاءه أعرف الناس بضرب السيف. واتصل الخبر بعلي رضي الله عنه، فکتب إلي زياد:

أما بعد: فقد وليتک الذي وليتک وأنا لا أزال له أهلا، وانه قد کانت من أبي سفيان فلتة من أماني الباطل، وکذب النفس، لا يوجب له ميراثا، ولا يحل له نسبا (وفي لفظ: لا تستحق بها نسبا ولا ميراثا) وإن معاوية يأتي الانسان من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله فأحذر ثم احذر، والسلام.

فلما بلغ أبا بکرة أخا زياد لامه سمية: ان معاوية استلحقه وانه رضي ذلک آلي يمينا أن لا يکلمه أبدا وقال: هذا زنا امه وانتفي من أبيه، ولا والله ما علمت سمية رأت أبا سفيان قط، ويله ما يصنع بأم حبيبة زوج النبي صلي الله عليه وسلم؟ (بنت أبي سفيان) أيريد أن يراها؟ فإن حجبته؟ فضحته، وإن رآها؟ فيالها مصيبة؟ يهتک من رسول الله صلي الله عليه وسلم حرمة عظيمة. وحج زياد في زمن معاوية ودخل المدينة فأراد الدخول علي ام حبيبة ثم ذکر قول أبي بکرة فانصرف عن ذلک. وقيل: إن ام حبيبة حجبته ولم تأذن له في الدخول عليها.

قال أبوعمر: لما ادعي معاوية زيادا دخل عليه بنو امية وفيهم عبدالرحمن بن الحکم فقال: يا معاوية لو لم تجد إلا الزنج لاستکثرت بهم علينا قلة وذلة. فأقبل معاوية علي مروان وقال: أخرج عنا هذا الخليع. فقال مروان: والله انه لخليع ما يطاق. فقال معاوية: والله لولا حلمي وتجاوزي لعلمت أنه يطاق، ألم يبلغني شعره في وفي زياد ثم قال لمروان: اسمعينه. فقال:


ألا ابلغ معاوية بن صخر
لقد ضاقت بما تأتي اليدان


أتغضب أن يقال: أبوک عف؟
وترضي أن يقال: أبوک زان؟!


فأشهد ان رحمک من زياد
کرحم الفيل من ولد الاتان


وأشهد انها حملت زيادا
وصخر من سمية غير دان


هذه الابيات تروي لزياد[9] بن ربيعة بن مفرغ الحميري الشاعر ومن رواها له جعل أولها:

[صفحه 221]

لا ابلغ معاوية بن صخر
مغلغلة من الرجل اليمان


وذکر الابيات کما ذکرناها سواء. وروي عمر بن شبة وغيره: أن ابن مفرغ لما وصل إلي معاوية أو إلي ابنه يزيد بعد أن شفعت فيه اليمانية وغضبت لما صنع به عباد وأخوه عبيدالله، وبعد أن لقي من عباد بن زياد وأخيه عبيدالله ما لقي مما يطول ذکره وقد نقله أهل الاخبار ورواة الاشعار بکر وقال: يا أمير المؤمنين رکب مني ما لم يرکب من مسلم قط علي غير حدث في الاسلام ولا خلع يد من طاعة. فقال له معاوية: ألست القائل:


ألا أبلغ معاوية بن حرب
مغلغلة من الرجل اليمان


أتغضب أن يقال: أبوک عف؟
وترضي أن يقال: أبوک زان


فقال ابن المفرغ: لا والذي عظم حقک ورفع قدرک، يا أميرالمؤمنين ما قلتها قط ولقد بلغني أن عبدالرحمن بن الحکم قالها ونسب إلي. فقال أفلست القائل:

شهدت بأن امک لم تباشر
أبا سفيان واضعة القناع


ولکن کان أمرا فيه لبس
علي وجه شديد وارتياع؟[10] .


أولست القائل:


إن زيادا ونافعا وأبابک د
رة عندي من أعجب العجب


هم رجال ثلاثة خلقوا
في رحم انثي وکلهم لاب[11] .


ذا قرشي کما يقول وذا
مولي وهذا بزعمه عربي


في أشعار قلتها في زياد وبنيه تهجوهم، أغرب فلا عفا الله عنک، قد عفوت عن جرمک، ولو صحبت زيادا لم يکن شيئ مما کان، اذهب فاسکن أي أرض أحببت، فاختار الموصل.

قال أبوعمر: ليزيد بن مفرغ في هجو زياد وبنيه من أجل ما لقي من عباد بن زياد بخراسان أشعار کثيرة، وقصته مع عباد بن زياد وأخيه عبيدالله بن زياد مشهورة ومن قوله يهجوهم:

[صفحه 222]

أعباد ما للوم عنک محول
ولا لک ام في قريش ولا أب


وقل لعبيد الله: مالک والد
بحق ولا يدري امرؤ کيف تنسب[12] .


قال عبيد الله بن زياد: ما هجيت بشيئ أشد علي من قول ابن مفرغ:


فکر ففي ذاک إن فکرت معتبر
هل نلت مکرمة إلا بتأمير؟


عاشت سمية ما عاشت وما علمت
إن ابنها من قريش في الجماهير


وقال غيره:


زياد لست أدري من أبوه
ولکن الحمار أبوزياد


وروينا: ان معاوية بن أبي سفيان قال حين أنشده مروان شعر أخيه عبدالرحمن: والله لا أرضي عنه حتي يأتي زيادا فيترضاه ويعتذر إليه. وأتاه عبد الرحمن يستأذن عليه معتذرا فلم يأذن له، فأقبلت قريش علي عبدالرحمن بن الحکم فلم يدعوه حتي أتي زياد فلما دخل فسلم عليه فتشاوس[13] له زياد بعينه وکان يکسر عينه فقال له زياد: أنت القائل ما قلت؟ فقال عبدالرحمن: وما الذي قلت؟ فقال: قلت مالا يقال. فقال: عبد الرحمن: أصلح الله الامير انه لا ذنب لمن اعتب، وإنما الصفح عمن أذنب، فاسمع مني ما أقول قال: هات فأنشأ يقول:


إليک أبا المغيرة تبت مما
جري بالشام من جور اللسان


وأغضبت الخليفة فيک حتي
دعاه فرط غيظ أن لحاني


وقلت لمن لحاني في اعتذاري
إليک الحق شأنک غير شأن


عرفت الحق بعد خطاء رأيي
وما ألبسته غير البيان


زياد من أبي سفيان غصن
تهادي ناضر بين الجنان


أراک أخا وعما وابن عم
فما أدري بعين ما تراني


وأنت زيادة في آل حرب
أحب إلي من وسطي بناني


ألا أبلغ معاوية بن حرب
فقد ظفرت بما تأتي اليدان


فقال له زياد: أراک أحمق مترفا شاعرا صنع اللسان، يسوغ لک ريقک ساخطا و

[صفحه 223]

مسخوطا، ولکنا قد سمعنا شعرک وقبلنا عذرک، فهات حاجتک. قال: کتاب إلي أمير المؤمنين بالرضي عني. قال: نعم. فکتب کتابا أخذه ومضي حتي دخل علي معاوية، ففض الکتاب ورضي عنه ورده إلي حاله وقال: قبح الله زيادا ألم ينتبه له إذ قال:

وأنت زيادة في آل حرب ×...

قال أبوعبيدة: کان زياد يزعم ان امه سمية بنت الاعور من بني عبد شمس ابن زيد مناة بن تميم فقال ابن مفرغ يرد ذلک عليه:


فاقسم ما زياد من قريش
ولا کانت سمية من تميم


ولکن نسل عبد من بغي
عريق الاصل في النسب اللئيم[14] .


وأخرج الطبري في تاريخه 123:6 بإسناده عن أبي اسحاق: إن زيادا لما قدم الکوفة قال: قد جئتکم في أمر ما طلبته إلا لکم. قالوا: ادعنا إلي ما شئت. قال: تلحقون نسبي بمعاوية. قالوا: أما بشهادة الزور فلا، فأتي البصرة فشهد له رجل.

قال ابن عساکر وابن الاثير: کان أبوسفيان صار إلي الطائف فنزل علي خمار يقال له أبومريم السلولي وکانت لابي مريم بعد صحبة فقال أبوسفيان لابي مريم بعد أن شرب عنده: قد اشتدت به العزوبة، فالتمس لي بغيا. فقال: هل لک في جارية الحارث ابن کلدة سمية امرأة عبيد؟ فقال: هاتها علي طول ثديها وريح إبطيها. فجاء بها إليه فوقع بها، فولدت زيادا فادعاه معاوية.

وروي ابن عساکر عن ابن سيرين عن أبي بکرة قال: قال: زياد لابي بکرة: ألم تر ان أميرالمؤمنين أرادني علي کذا وکذا، وولدت علي فراش عبيد واشبهته، وقد علمت أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: من ادعي لغير أبيه فليتبوأ مقعده من النار. ثم جاء العام المقبل وقد ادعاه. وقال محمد بن اسحاق: کنا جلوسا عند أبي سفيان فخرج زياد فقال: ويل امه لو کان له صلب قوم ينتمي إليهم[15] .

ولما بويع معاوية قدم زياد علي معاوية فصالحه علي ألفي ألف، ثم أقبل فلقيه

[صفحه 224]

مصقلة بن هبيرة الشيباني وضمن له عشرين ألف درهم ليقول لمعاوية: إن زيادا قد أکل فارس برا وبحرا، وصالحک علي ألفي ألف درهم، والله ما أري الذي يقال إلا حقا. فإذا قال لک: وما يقال؟ فقل: يقال: انه ابن أبي سفيان. ففعل مصقلة ذلک، ورأي معاوية أن يستميل زيادا واستصفي مودته باستلحاقه، فاتفقا علي ذلک واحضر الناس و حضر من يشهد لزياد، وکان فيمن حضر أبومريم السلولي فقال له معاوية: بم تشهد يا أبا مريم؟ فقال: أنا أشهد أن أبا سفيان حضر عندي وطلب مني بغيا فقلت له: ليس عندي إلا سمية. فقال: ائتني بها علي قذرها ووضرها. فأتيته بها فخلا معها ثم خرجت من عنده وان اسکتيها ليقطران منيا. فقال له زياد: مهلا أبا مريم إنما بعثت شاهدا ولم تبعث شاتما. فاستلحقه معاوية[16] وفي العقد الفريد 3:3: يقال: إن أبا سفيان خرج يوما وهو ثمل إلي تلک الرايات فقال لصاحبة الراية: هل عندک من بغي؟ فقالت ما عندي إلا سمية قال: هاتها علي نتن إبطيها. فوقع بها فولدت له زيادا علي فراش عبيد.

فوجد زياد نفسه بعد حسبه الواطئ ونسبه الوضيع، بعد أن کان لا يعزي إلي أب معلوم عمرا طويلا يقرب من خمسين عاما[17] فيقال له: زياد بن أبيه. أخا ملک الوقت وابن من يزعم انه من شرفاء بيئته، وقد تسني له الحصول علي مکانة رابية فأعرق نزعا في جلب مرضاة معاوية المحابي له بتلک المرتبة التي بمثلها حابت هند ابنها المردد بين خمسة رجال أو ستة من بغايا الجاهلية، لکن آکلة الاکباد ألحقت معاوية بأبي سفيان لدلالة السحنة والشبه، فطفق زياد يلغ في دماء الشيعة ولمعاوية من ورائه تصدية ومکاء، وإن غلواء الرجل المحابي أعمته عن استقباح نسبة الزنا لابيه يوم استحسن أن يکون له أخ مثل زياد شديد في بأسه، يأتمر أوامره، وينتهي إلي ما يوده من بوائق وموبقات، و لم يکترث لحکم الشريعة بحرمة مثل ذلک الالحاق واستعظامها إياه، ولا يصيخ إلي قول النبي الصادق صلي الله عليه وآله، قال يونس بن أبي عبيد الثقفي لمعاوية: يا معاوية قضي

[صفحه 225]

رسول الله صلي الله عليه وسلم: إن الولد للفراش وللعاهر الحجر. فعکست ذلک وخالفت سنة رسول الله صلي الله عليه وسلم فقال: أعد. فأعاد يونس مقاله هذا، فقال معاوية: يا يونس والله لتنتهين أولا طيرن بک طيرا بطيأ وقوعها[18] انظر إلي ايمان الرجل بنبيه صلي الله عليه وآله، وإخباته إلي حديثه بعد استعادته، وعنايته بقبوله ورعايته حرمته، والحکم في هذه الشنيعة کل ذي مسکة من علماء الامة وذوي حنکتها ومؤلفيها وکتابها.

قال سعيد بن المسيب: أول[19] قضية ردت من قضاء رسول الله صلي الله عليه وسلم علانية قضاء فلان، يعني: معاوية في زياد.

وقال ابن يحيي: أول حکم رد من أحکام رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم الحکم في زياد.

وقال ابن بعجة: أول داء دخل علي العرب قتل الحسن «سبط النبي صلي الله وعليه وآله وسلم» و ادعاء زياد.[20] .

وقال الحسن: اربع خصال کن في معاوية لولم يکن فيه منهن إلا واحدة لکانت موبقة: انتزاؤه علي هذه الامة بالسفهاء حتي ابتزها أمرها بغير مشورة منهم، وفيهم بقايا الصحابة وذوو الفضيلة. واستخلافه ابنه بعده سکيرا خميرا يلبس الحرير ويضرب بالطنابير. وادعائه زيادا وقد قال رسول الله صلي الله عليه وآله: الولد للفراش وللعاهر الحجر. وقتله حجرا، ويلا له من حجر وأصحاب حجر قالها. مرتين[21] .

وقال الامام السبط الحسن الزکي عليه السلام لزياد في حضور من معاوية، وعمرو بن العاص، ومروان بن الحکم: وما أنت يا زياد وقريشا؟ لا أعرف لک فيها أديما صحيحا ولا فرعا نابتا، ولا قديما ثابتا، ولا منبتا کريما، بل کانت امک بغيا تداولها رجال

[صفحه 226]

قريش، وفجار العرب، فلما ولدت لم تعرف لک العرب والدا فادعاک هذا (يعني معاوية) بعد ممات أبيه، ما لک افتخار، تکفيک سمية ويکفينا رسول الله صلي الله عليه وسلم وأبي علي بن أبي طالب سيد المؤمنين الذي لم يرد علي عقبيه، وعمي حمزة سيد الشهداء، وجعفر الطيار، وأنا وأخي سيدا شباب أهل الجنة[22] وفد زياد علي معاوية فأتاه بهدايا وأموال عظام وسفط مملؤ جوهرا لم ير مثله سر معاوية بذلک سرورا شديدا، فلما رأي زياد ذلک صعد المنبر فقال: أنا والله يا أميرالمؤمنين أقمت لک معر العراق، وجبيت لک مالها، وألفظت إليک بحرها، فقام يزيد ابن معاوية فقال: إن تفعل ذلک يا زياد فنحن نقلناک من ولاء ثقيف إلي قريش، ومن القلم إلي المنابر، ومن زياد بن عبيد إلي حرب بن امية. فقال معاوية: اجلس فداک أبي وامي[23] .

وقال السکنواري في محاضرة الاوائل ص 136 اول قضية ردت من قضايا رسول الله صلي الله عليه وسلم علانية دعوة معاوية زيادا، وکان أبوسفيان تبرأ منه وادعي انه ليس من أولاده وقضي بقطع نسبه، فلما تأمر معاوية قربه واستأمر ففعل ما فعل زياد بن أبيه يعني ابن زنية من الطغيان والاساءة في حق أهل بيت النبوة. وقال في ص 164: کان عمر رضي الله عنه إذا نظر إلي معاوية يقول: هذا ابن أبي سفيان کسري العرب[24] لانه کان أول من رد قضية من قضايا رسول الله صلي الله عليه وسلم حين هجر، وزياد بن أبيه أول من أساء إساءة تفرد بشينها بين الامم في حق أهل البيت رضي الله عنهم.

وقال في ص 246: کان قد تبرأ من زياد أبوسفيان ومنع حقه من ميراث الاسلام بحضرة الصحابة رضي الله عنهم، فلا زال طريدا حتي دعاه معاوية وقربه وأمره ورد القضية، وهي أول قضية من قضايا الاسلام ردت، ولذا صارت بلية شنيعة، ومحنة فاحشة بين الامة، وأبغض الوسائل تعديه علي أفضل الملة وأحب العترة اه.

[صفحه 227]

ولا أحسب أن أحدا من رجالات الدين يشذ عما قاله الجاحظ في رسالته النابتة في بني امية ص 293: فعندها استوي معاوية علي الملک واستبد علي بقية الشوري وعلي جماعة المسلمين من الانصار والمهاجرين في العام الذي سموه «عام الجماعة» وما کان عام جماعة بل کان عام فرقة وقهر وجبرية وغلبة، والعام الذي تحولت فيه الامامة ملکا کسرويا، والخلافة منصبا قيصريا، ولم يعد ذلک أجمع الضلال والفسق، ثم ما زالت معاصيه من جنس ما حکينا، وعلي منازل ما رتبنا، حتي رد قضية رسول الله صلي الله عليه وسلم ردا مکشوفا، وجحد حکمه جحدا ظاهرا في ولد الفراش وما يجب للعاهر، مع اجماع الامة علي أن سمية لم تکن لابي سفيان فراشا، وانه إنما کان بها عاهرا فخرج بذلک من حکم الفجار إلي حکم الکفار.اه.

ولو تحرينا موبقات معاوية المکفرة له وجدنا هذه في أصاغرها، فجل أعماله) إن لم يکن کله(علي الضد من الکتاب والسنة الثابتة، فهي غير محصورة في مخالفته لقوله صلي الله عليه وآله: الولد للفراش وللعاهر الحجر.


صفحه 217، 218، 219، 220، 221، 222، 223، 224، 225، 226، 227.








  1. مسند أحمد 46 و 38: 5، سنن البيهقي 403:7.
  2. رواه البخاري ومسلم وابوداود والترمذي والنسائي راجع مسند أحمد 187 و 186: 4، مسند ابي داود الطياسي ص 169، الترغيب والترهيب 21:3.
  3. أخرجه البخاري ومسلم وعنهما البيهقي في السنن 403:7، وابن المنذر في الترغيب والترهيب 21:3.
  4. سنن ابن ماجة 131:2، تاريخ بغداد 347:2، الترغيب والترهيب 21:3.
  5. رواه البخاري ومسلم وابوداود وابن ماجة کما في سنن البيهقي 403:7، والترغيب والترهيب 21:3.
  6. الترغيب والترهيب 22:3 عن أبي داود.
  7. شرح ابن الحديد 68:4.
  8. الاستيعاب 195:1، تاريخ ابن عساکر 410:5.
  9. هو يزيد بن ربيعة الشاعر الشهير توجد ترجمته في الاغاني 51:17 تا 73.
  10. هذه القصيدة کما قال أبوالفرج: طويلة. ذکر منها في الاغاني 66:17 تسعة عشر بيتا.
  11. ويروي: انثي مخالف النسب.
  12. ذکر أبوالفرج في الاماني 59:17 من بائية ابن المفرغ هذه اثني عشر بيتا.
  13. من شاس: نظر بمؤخر عينه تکبرا أو تغيظا.
  14. الاغاني 51:17 تا 67، الاستيعاب 195:1 تا 198، تاريخ ابن عساکر 406:5 تا 423، مروج الذهب 57 و 56: 2. تاريخ ابن کثير 96 و 95: 8، الاتحاف ص 22.
  15. العقد الفريد 2:3، تاريخ ابن عساکر 409:5، کامل ابن الاثير 191:3.
  16. تاريخ اليعقوبي 194:2، مروج الذهب 56:2، تاريخ ابن عساکر 409:5، کامل ابن الاثير 192:3، شرح ابن أبي الحديد 70:4، الاتحاف للشبراوي ص 22.
  17. قيل: ولد عام الفتح سنة ثمان. وقيل: عام الهجرة. وقيل: قبل الهجرة. وقيل: يوم بدر.
  18. الاتحاف للشبراوي ص 22.
  19. ليست بأول قارورة کسرت في الاسلام وانما رد من يوم السقيفة وهلم جرا إلي يوم الاستلحاق من قضايا رسول الله ما يربو علي العد.
  20. تاريخ ابن عساکر 412:5، تاريخ الخلفاء، للسيوطي ص131، أوائل السيوطي ص51.
  21. تاريخ ابن عساکر 381:2، تاريخ الطبري 157:6، الکامل لابن الاثير 209:4، تاريخ ابن کثير 130:8، محاضرات الراغب 214:2، النجوم الزاهرة 1 ص 141.
  22. المحاسن والمساوي للبيهقي 85:1.
  23. المجتني لابن دريد ص 37.
  24. قول عمر هذا في معاوية ذکره جمع، راجع الاستيعاب 253:1، أسد الغابة 386:4، الاصابة 434:3.