المغالاة في فضائل معاوية بن أبي سفيان











المغالاة في فضائل معاوية بن أبي سفيان



کنا نرتأي أن معاوية في غني عن إفاضة القول في مخاريقه لما عرفته الامة من نفسيته الموبوئة، وأعماله الوبيلة، وجرائمه الموبقة الجمة، ورذائله الکثيرة، ونسبه الموصوم، وأصله اللئيم، ومحتده الدني، وان من يضع فيه المدائح تندي جبهته عن سردها لمثله، غير أنا وجدنا الامل قد أکدي، والظن قد أخفق، وان القحة والصلف لم يدعا لاولئک الوضاعين حدا يقفون عليه، فحاولنا أن نذکر يسيرا من معرفاته لايقاف الباحث علي حقيقة الحال فيما عزوه إليه من الثناء، غير مکترثين لهلجة ابن کثير والهتاف الذي سمعه بعض السلف علي جبل بالشام (ولعل الهاتف هو الشيطان) من أبغض معاوية سحبته الزبانية إلي جهنم الحامية يرمي به في الحامية الهاوية.

ولا مبالين بطيف خيال رکن إليه ابن کثير أيضا قال: قال بعضهم: رأيت رسول الله صلي الله عليه وسلم وعنده أبوبکر وعمر وعثمان وعلي ومعاوية إذ جاء رجل فقال عمر: يا رسول الله هذا يتنقصنا فکأنه انتهره رسول الله صلي الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إني لا اتنقص هؤلاء ولکن هذا- يعني معاوية- فقال: ويلک أو ليس هو من أصحابي؟ قالها ثلاثا، ثم أخذ رسول الله حربة فناولها معاوية فقال: جابهه في لبته. فضربه بها وانتبهت فبکرت إلي منزلي فإذا ذلک الرجل قد أصابته الذبحة من الليل ومات، وهو راشد الکندي.

ولا معتدين برأي سعيد بن المسيب: من مات محبا لابي بکر وعمر وعثمان و وعلي وشهد للعشرة بالجنة وترحم علي معاوية کان حقا علي الله أن لا يناقشه الحساب[1] .

ولا بأضغاث أحلام جاءت عن عمر بن عبدالعزيز وفيها قول معاوية: غفر لي ورب الکعبة. مر حديثها في الجزء التاسع ص 347.

ولا معبأين بقول أحمد: ما لهم ولمعاوية؟ نسأل الله العافية.

فلا نقيم أي وزن لامثال هذه السفاسف من آراء مجردة، أو رکون إلي خيال،

[صفحه 139]

أو احتجاج بهاتف مجهول، أو جنوح إلي طيف حالم تجاه ما يؤثر عن رسول الله صلي الله عليه وآله في الرجل، وما جاء فيه من الکلم القيمة للسلف الصالح الناظرين إلي أعماله من کثب العارفين بعجره وبجره، الواقفين علي اعلانه وأسراره، الناقدين لمخازيه، المتبصرين في أمره، الخبيرين بنواياه في جاهليته وإسلامه، وإليک بنذة منها:

1- عن علي بن الاقمر عن عبدالله بن عمر قال: خرج رسول الله من فج فنظر إلي أبي سفيان وهو راکب، ومعاوية وأخوه أحدهما قائد والآخر سائق، فلما نظر إليهم رسول الله قال: أللهم العن القائد والسائق والراکب. قلنا: أنت سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: نعم، وإلا فصمتا اذناي کما عميتا عيناي[2] .

وفي تاريخ الطبري 357:11: قد رأي صلي الله عليه وآله أبا سفيان مقبلا علي حمار ومعاوية يقود به، ويزيد ابنه يسوق به قال: لعن الله القائد والراکب والسائق.

وإلي هذا الحديث أشار الامام السبط فيما يخاطب به معاوية بقوله: انشدک الله يا معاوية أتذکر يوم جاء أبوک علي جمل أحمر وأنت تسوقه وأخوک عتبة هذا يقوده، فرآکم رسول الله صلي الله عليه وآله فقال: أللهم العن الراکب والقائد والسائق؟[3] .

وإليه أشار محمد بن أبي بکر في کتاب کتبه إلي معاوية بقوله: وأنت اللعين ابن اللعين. وسيوافيک الکتاب إنشاء الله تعالي.

2- عن البراء بن عازب قال: أقبل أبوسفيان ومعه معاوية فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم: أللهم العن التابع والمتبوع، أللهم عليک بالاقيعس، فقال ابن البراء لابيه: من الاقيعس؟ قال: معاوية[4] .

ومعاوية فظاظة من لعن رسول الله صلي الله عليه وآله حيثما لعن آکل الربا والخمر وشاربها وبايعها ومبتاعها وحاملها والمحمولة إليه. والرجل أعرف شخصية بهذه المخازي کما سيوافيک حديثه.

3- أخرج أحمد في المسند 421:4، وأبويعلي، ونصر بن مزاحم في کتاب صفين

[صفحه 140]

ص 246 ط مصر من طريق أبي برزة الاسلمي، والطبراني في الکبير من طريق ابن عباس: کنا مع رسول الله صلي الله عليه وسلم في سفر فسمع رجلين يتغنيان وأحدهما يجيب الآخر. وهو يقول:


لا يزال حواري تلوح عظامه
زوي الحرب عنه أن يجن فيقبرا


وفي لفظ ابن عباس:


ولا يزال جوادي تلوح عظامه
...........


فقال النبي صلي الله عليه وسلم انظروا من هما. قال: فقالوا: معاوية وعمرو بن العاصي، فرفع رسول الله يديه فقال: أللهم ارکسهما رکسا، ودعهما إلي النار دعا. وفي لفظ ابن عباس: أللهم ارکسهما في الفتنة رکسا.

وجاء الايعاز إلي الحديث في لسان العرب ج 404:7، وج 439:9.

قال الاميني: لما لم يجد القوم غمزا في إسناد هذا الحديث، وکان ذلک غزبزا علي من يتولي معاوية فحذف أحمد الاسمين وجعل مکانهما (فلان وفلان) واختلق آخرون تجاهه ما أخرجه ابن قانع في معجمه عن محمد بن عبدوس کامل، عن عبدالله بن عمر، عن سعيد أبي العباس التيمي، عن سيف بن عمر عن أبي عمر مولي إبراهيم بن طلحة عن زيد بن أسلم عن صالح شقران قال: بينما نحن ليلة في سفر إذ سمع النبي صلي الله عليه وسلم صوتا فذهبت انظر فإذا معاوية بن رافع وعمرو بن رفاعة بن التابوت يقول:


لا يزال جوادي تلوح عظامه
ذوي الحرب عنه أن يموت فيقبرا


فأتيت النبي صلي الله عليه وسلم فأخبرته فقال. أللهم ارکسهما ودعهما إلي نار جهنم دعا فمات عمرو بن رفاعة قبل أن يقدم النبي صلي الله عليه وسلم من السفر.

قال السيوطي في اللئالي المصنوعة 427:1: وهذه الرواية أزالت الاشکال وبينت أن الوهم وقع في الحديث الاول في لفظة واحدة وهي قوله: ابن العاصي، وإنما هو ابن رفاعة أحد المنافقين، وکذلک معاوية بن رافع احد المنافقين، والله أعلم.

ألا من يسائل هذا الضليع من فن الحديث المتعهد لتنقيبه عن الاشکال في الحديث الاول من أين أتاه؟ وما الذي ثقل عليه من لفظه حتي ذهب إلي الوهم فيه؟ أفي مفاده شذوذ عن نواميس الشريعة، أو فيه ما يخالف الکتاب والسنة؟ أو حط عن مقام رجل

[صفحه 141]

ينزه ذيله عن کل ما يدنس المسلم الصحيح ويشينه ويزري به؟ أو مس بکرامة من قدس الاسلام ساحته عن کل طعن ومسبة؟ هذا ابن هند، وهو ابن النابغة، وهما هما.

وهل نسي هاهنا ما عنده من الجرح في رجال هذا الاسناد الوعر لروايته التي أزالت عنه الاشکال الموهوم، وبينت الوهم المزعوم الواقع في الحديث، وسکت عما فيه من الغمز؟ مرسلا إياه ارسال المسلم کأنه جاء بالصحيح الثابت، وفيه مع رجال مجاهيل سيف بن عمر الذي قال السيوطي نفسه في اللئالي 199:1 في غير هذا الحديث: انه وضاع. وقال في ص 429 في حديث آخر: فيه ضعفاء أشدهم سيف. وقد فصلنا القول في ترجمة الرجل في 86:8، و 335: انه ضعيف متروک ساقط کذاب وصاع متهم بالزندقة. أفبالموضوع المکذوب يزول الاشکال ويبين الوهم؟ أللهم غفرانک.

4- ان رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: يطلع من هذا الفج رجل من امتي يحشر علي غير ملتي. فطلع معاوية[5] .

وفي لفظ ابن مزاحم: يطلع عليکم من هذا الفج رجل يموت حين يموت علي غير سنتي. کتاب صفين ص 247.

أخرجه الحافظ البلاذري في الجزء الاول من تاريخه الکبير قال: حدثني عبد الله بن صالح، حدثني يحيي بن آدم عن شريک عن ليث عن طاووس عن عبدالله بن عمرو بن العاص قال: کنت جالسا عند النبي صلي الله عليه وسلم فقال: يطلع عليکم من هذا الفج رجل يموت يوم يموت علي غير ملتي. قال: وترکت أبي يلبس ثيابه فخشيت أن يطلع فطلع معاوية.

وقال: وحدثني إسحاق قال: حدثنا عبدالرزاق بن همام، أنبأنا معمر عن ابن طاووس عن أبيه عن عبدالله بن عمرو بن العاص قال: کنت جالسا. الخ.

الاسناد

قال العلامة السيد محمد المکي بن عزوز المغربي: الحديث الاول رجاله کلهم من رجال الصحيح حتي ليث فمن رجال مسلم وهو ابن أبي سليم وإن تکلم فيه لاختلاط

[صفحه 142]

وقع له في آخر أمره، فقد وثقه ابن معين وغيره کما أفاده الشوکاني، علي أن التوهم يرتفع بالسند الثاني الذي هو حدثني إسحاق. الخ. لان الرواي فيه عن طاووس عبدالله ابنه لا ليث، والسند متين ولله الحمد[6] .

5- وفي الحديث المرفوع المشهور انه صلي الله عليه وآله وسلم قال: إن معاوية في تابوت من نار في أسفل درک منها ينادي: يا حنان يامنان الآن وقد عصيت قبل وکنت من المفسدين[7] .

6- عن أبي ذر الغفاري قال لمعاوية: سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول وقد مررت به: أللهم العنه ولا تشبعه إلا بالتراب[8] .

7- عن أبي ذر الغفاري قال لمعاوية: سمعت رسول الله صلي الله عليه وآله يقول: إست معاوية في النار.فضحک معاوية وأمر بحبسه.راجع تمام الحديث في الجزء الثامن ص312 ط1.

8- مرفوعا: إذا ولي الامة الاعين (کذا) الواسع البلعوم الذي يأکل ولا يشبع فليأخذ الامة حذرها منه. قال أبوذر: اخبرني رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم بأنه معاوية. وفي لفظ: لا يذهب أمر هذه الامة إلا علي رجل واسع السرم، ضخم البلعوم. راجع 312 من الجزء الثامن ط 1.

9- أخرج نصر بن مزاحم في کتاب صفين، وابن عدي، والعقيلي، والخطيب، والمناوي من طريق أبي سعيد الخدري، وعبدالله بن مسعود مرفوعا: إذا رأيتم معاوية علي منبري فاقتلوه.

وفي لفظ: يخطب علي منبري فاقتلوه.

وفي لفظ: يخطب علي منبري فاضربوا عنقه.

وفي لفظ أبي سعيد: فلم نفعل ولم نفلح.

وقال الحسن: فما فعلوا ولا أفلحوا.[9] .

[صفحه 143]

قال الاميني ذکره السيوطي في اللئالي المصنوعة 425 و 424: 1 بعدة طرق لابن عدي والعقيلي وزيفها، غير أن البلاذري أخرجه بغير تلکم الطرق في تاريخه الکبير قال: حدثنا يوسف بن موسي وأبوموسي إسحاق الفروي قال: حدثنا جرير بن عبد الحميد حدثنا إسماعيل بن أبي خالد والاعمش عن الحسن قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: إذا رأيتم معاوية علي منبري فاقتلوه. فترکوا أمره فلم يفلحوا ولم ينجحوا.

رجال الاسناد

1- يوسف بن موسي أبويعقوب الکوفي. من رجال البخاري وأبي داود والترمذي والنسائي وابن خزيمة في صحاحهم، وثقه غير واحد.

2- جرير بن عبدالحميد أبوعبدالله الرازي، من رجال الصحاح الست، مجمع علي ثقته.

3- إسماعيل بن أبي خالد الاحمسي الکوفي، أحد رجال الصحاح الست متفق علي ثقته.

4- الاعمش سليمان بن مهران أبومحمد الکوفي، أحد رجال الصحاح الست ليس في المحدثين أصدق منه.

5- الحسن البصري، أحد رجال الصحاح مجمع علي ثقته.

فلم يبق في الحديث غمز إلا من ناحية إرساله وهو لا يعد علة في مثل المقام إذ لا يهم القوم عرفان الصحابة الراوي للحديث لعدالة الصحابة کلهم عندهم. فالحديث صحيح لا مغمز فيه وإرساله يجبر باسناد متصل قال البلاذري:

حدثنا إسحاق بن أبي اسرائيل، حدثنا حجاج بن محمد، حدثنا حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري ان رجلا من الانصار أراد قتل معاوية فقلنا له: لا تسل السيف في عهد عمر حتي نکتب إليه قال: إني سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول: إذا رأيتم معاوية يخطب علي الاعواد فاقتلوه. قالوا: ونحن سمعناه ولکن لا نفعل حتي نکتب إلي عمر فکتبوا إليه فلم يأتهم جواب حتي مات.

رجال الاسناد:

1- إسحاق بن أبي اسرائيل أبويعقوب المروزي، من رجال البخاري في الادب

[صفحه 144]

المفرد وأبي داود والنسائي، وثقه ابن معين، والدراقطني، والبغوي، وأحمد بن حنبل.

2- حجاج بن محمد المصيصي أبومحمد الاعور، أحد رجال الصحيحين وبقية الصحاح. 3- حماد بن سلمة أبوسلمة البصري، من رجال مسلم في صحيحه، والبخاري في التعاليق وبقية أصحاب السنن، أجمع أئمة أهل النقل علي ثقته وأمانته.

4- علي بن زيد بن جدعان أبوالحسن البصري، من رواة مسلم في صحيحه، والبخاري في الادب المفرد، وأصحاب السنن، شيعي ثقة صدوق.

5- أبونضرة المنذر بن مالک العبدي البصري، من رجال صحيح مسلم، والتعاليق للبخاري، وبقية السنن، وثقه ابن معين، وأبوزرعة، والنسائي، وابن سعد، وأحمد ابن حنبل.

6- أبوسعيد الخدري الصحابي الشهير.

وبهذا الطريق ذکره ابن حجر في تهذيب التهذيب 324:7 فقال: وأخرجه الحسن بن سفيان في مسنده عن إسحاق عن عبدالرزاق عن ابن عيينة، عن علي بن زيد، والمحفوظ عن عبدالرزاق عن جعفر بن سليمان عن علي، ولکن لفظ ابن عيينة: فارجموه. أورده ابن عدي عن الحسن بن سفيان.

وطريق الحسن بن سفيان هذا أيضا صحيح رجاله کلهم ثقات، وبهذا الاسناد أخرجه ابن عدي کما في ميزان الاعتدال 2 ص 128 قال: حدثنا الحسن بن سفيان، قال: حدثنا ابن راهويه. قال: حدثنا عبدالرزاق عن ابن عيينة، عن علي بن زيد بن جدعان عن أبي نضرة، عن أبي سعيد مرفوعا: إذا رأيتم معاوية علي منبري فاقتلوه.

قال: وحدثنا، محمد بن سعيد بن معاوية بنصيبين حدثنا سليمان بن أيوب الصريفيني حدثنا ابن عيينة.

وثناه محمد بن العباس الدمشقي عن عمار بن رجاء عن ابن المديني عن سفيان (ابن عيينة).

وثناه محمد بن إبراهيم الاصبهاني، حدثنا أحمد بن الفرات، حدثنا عبدالرزاق، عن جعفر بن سليمان عن ابن جدعان نحوه.

[صفحه 145]

اسناد آخر:

وأخرجه ابن حبان من طريق عباد بن يعقوب، عن شريک، عن عاصم، عن زر عن عبدالله مرفوعا: إذا رأيتم معاوية علي منبري فاقتلوه. تهذيب التهذيب 110:5.

رجال الاسناد:

1- عباد بن يعقوب الاسدي أبوسعيد الکوفي، من رجال البخاري والترمذي و ابن ماجة، وثقه ابن خزيمة، وأبوحاتم، وقال الدارقطني: شيعي صدوق.

2- شريک النخعي الکوفي، من رجال مسلم في صحيحه، والبخاري في التعاليق وأصحاب السنن الاربع، وثقه ابن معين، والعجلي، ويعقوب بن شيبة، وأبن سعيد، وأبوداود، والحربي.

3- عاصم بن بهدلة الاسدي الکوفي أبوبکر المقري، من رجال الصحاح الست متفق علي ثقته.

4- زر بن حبيش الکوفي، مخضرم أدرک الجاهلية، من رجال الصحاح الست.

5- عبدالله بن مسعود الصحابي العظيم.

فالاسناد صحيح رجاله کلهم ثقات. فللحديث طرق أربعة صحيحة لا غمز فيها غير أن ابن کثير حببته أمانته أن لا يذکر من طرق الحديث إلا الضعيف کما أن السيوطي راقه أن لا ينضد في سلک لئالئه الا المزيف ساکتا عن الاسانيد الصحيحة حفظا لکرامة ابن هند.

وهذا الحديث معتضد بحديث صحيح ثابت متسالم عليه ألا وهو قوله صلي الله عليه وآله وسلم: إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما.

وقوله صلي الله عليه وآله وسلم: من بايع إماما فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه فليطعه إن استطاع، فإن جاء أحد ينازعه فاضربوا عنق الآخر[10] .

وللقوم تجاه حديث «إذا رأيتم معاوية علي منبري فاقتلوه» تصويب وتصعيد و جلبة ولغط، رواه اناس بالموحدة مع زيادة، أخرجه الخطيب عن الحسن بن محمد الخلال

[صفحه 146]

عن يوسف بن أبي حفص الزاهد عن محمد بن اسحاق الفقيه، عن أبي نضر الغازي عن الحسن بن کثير عن بکر بن أيمن القيسي عن عامر بن يحيي الصريمي، عن أبي الزبير عن جابر مرفوعا: إذا رأيتم معاوية يخطب علي منبري فاقبلوه، فإنه أمين مأمون.

قال الخطيب: لم أکتب هذا الحديث إلا من هذا الوجه، ورجال إسناده ما بين محمد بن إسحاق وأبي الزبير کلهم مجهولون[11] ونص الذهبي في الميزان وابن حجر في لسانه في ترجمة الحسن بن کثير وبکر بن أيمن وعامر بن يحيي علي أنهم مجاهيل، والاقوال في أبي الزبير محمد بن مسلم المکي متضاربة من ناحية الجرح والتوثيق، و صرح بجهالة الاسناد ابن کثير في تاريخه 133:8.

وزيادة «فإنه أمين مأمون» أقوي شاهد علي بطلان الرواية واختلاقها، وقد فصلنا القول في أمانة الرجل ج 5 ص 264 وج 292:9.

وجاء آخر وهو جاهل بتحريف من روي «فاقتلوه» بالموحدة. أو انه لم يرقه ذلک التحريف فوضع رواية في أن معاوية غير معاوية بن أبي سفيان. أخرج الحافظ ابن عساکر عن محمد بن ناصر الحافظ عن عبد القادر بن محمد عن ابن إسحاق البرمکي، عن أحمد بن إبراهيم بن شاذان قال: قال لي أبوبکر بن أبي داود لما روي حديث إذا رأيتم معاوية علي منبري فاقتلوه: هذا معاوية بن تابوت رأس المنافقين وکان حلف أن يبول ويتغوط علي منبره وليس هو معاوية بن أبي سفيان.

قال السيوطي في اللئالي 425:1 بعد ذکر الرواية: قال المؤلف: وهذا يحتاج إلي نقل، ومن نقل هذا؟ قلت: قال ابن عساکر: هذا تأويل بعيد والله أعلم.

قال الاميني: هل عندک خبر بتاريخ معاوية بن تابوت؟ وانه أي ابن بي هو؟

ومتي ولدته ام الدنيا؟ وأني ولد؟ وأين ولد؟ ومن رآه؟ ومن سمع منه؟ ومن الذي أوحي خبره إلي أبي بکر بن أبي داود؟ وهل هو أبر يمينه أو حنثها؟ وهل رآه

[صفحه 147]

أصحاب النبي صلي الله عليه وسلم: علي منبره وقتلوه؟ أو لم ير حتي اليوم، ولن يري قط إلي آخر الابد؟.

ونظير هذا التأويل قد جاء في حديث فاطمة بنت قيس قالت لرسول الله صلي الله عليه وسلم: إن معاوية وأبا جهم خطباني فقال النبي صلي الله عليه وسلم: معاوية صعلوک لا مال له. حکي الرافعي انه ليس هو معاوية بن أبي سفيان الذي ولي الخلافة بل هو آخر. الاصابة 498: 3 نعم: هکذا أوله الرافعي حبا لابن هند غير أن النووي قال: وهذا غلط صريح فقد وقع في صحيح مسلم في هذا الحديث: معاوية بن أبي سفيان.

قال الاميني: عرفه مسلم بابن أبي سفيان في صحيحه 195:4، وأبوداود في السنن 359:1، والنسائي في سننه 208:6، والطيالسي في مسنده ص 228، والبيهقي في السنن الکبري 471:7.

فالتأويل بغير معاوية بن أبي سفيان غلط صريح کما قاله النووي.

ولابني کثير وحجر في تزييف حديث «فاقتلوه» خطة اخري، قال ابن کثير في تاريخه 133:8، هذا الحديث کذب بلا شک، ولو کان صحيحا لبادر الصحابة إلي فعل ذلک، لانهم کانوا لا تأخذهم في الله لومة لائم.

وقال ابن حجر في تطهير الجنان[12] يلزم علي فرض صحته نقيصة سائر الصحابة إن بلغهم ذلک الحديث، أو نقيصة من بلغه منهم وکتمه، لان مثل هذا يجب تبليغه للامة حتي يعملوا به، علي أنه لو کتمه لم يبلغ التابعين حتي نقلوه لمن بعدهم، وهکذا فلم يبق إلا القسم الاول وهو أن يبلغهم فلا يعملون به، وهو لا يتصور شرعا إذا لو جاز عليهم ذلک جاز عليهم کتم بعض القرآن أو رفض العمل به، وکل ذلک محال شرعا، لا سيما مع قوله صلي الله عليه وآله: ترکتکم علي الواضحة البيضاء. الحديث. اه

ما أحسن ظن هؤلاء القوم بالصحابة؟ وما أجمله لو کان يساعده المنطق؟ لو لم يخالفه التاريخ الصحيح، أو الثابت المسلم من سيرة الصحابة، أو ما جاء عن النبي صلي الله عليه وآله من أقواله التي تلقتها الامة بالقبول، ورواها أئمة الحديث في الصحاح والمسانيد مما أسلفنا شطرا منه في الجزء الثالث 262 و 261 ط 1.

[صفحه 148]

وهل عمل الصحابة أو عيونهم بأمره صلي الله عليه وآله في قتل ذي الثدية بعد ما عرفه إياهم بشخصه، وأنبأهم بهواجسه المکفرة، واعترف الرجل بها؟ أو خالفوه وضيعوا أمره ونبذوه وراء ظهورهم وهو بين ظهرانيهم؟ راجع ما مر في الجزء السابع ص 216 تا 218 ط 1.

وهل عملوا بما صح وثبت عندهم من قوله صلي الله عليه وآله وسلم إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما؟ أو قوله: من أراد أن يفرق أمر هذه الامة وهي جميع فاضربوه بالسيف کائنا من کان؟ أوقوله: فإن جاء آخر ينازعه- الامام- فاضربوا عنق الاخر؟ إلي صحاح اخري مرت جملة منها في هذا الجزء ص 20.

10- جاء من طريق زيد بن أرقم وعبادة بن الصامت مرفوعا: إذا رأيتم معاوية وعمرو بن العاص مجتمعين ففرقوا بينهما فانهما لن يجتمعا علي خير[13] .

11- ورد مرفوعا: يطلع عليکم من هذا الفج رجل يموت حين يموت وهو علي غير سنتي. فطلع معاوية. کتاب صفين لنصر بن مزاحم.

12- من کتاب لمولانا أميرالمؤمنين عليه السلام إلي معاوية: أتاني کتابک کتاب امرئ ليس له بصر يهديه، ولا قائد يرشده، دعاه الهوي فأجابه، وقاده الضلال فاتبعه إلي أن قال: وأما شرفي في الاسلام وقرابتي من رسول الله صلي الله عليه وآله وموضعي من قريش فلعمري لو استطعت دفعه لدفعته.

وفي لفظ: فقد أتتني منک موعظة موصلة، ورسالة محبرة، نمقتها بضلالک، وأمضيتها بسوء رأيک، وکتاب امرئ ليس له بصر يهديه، ولا قائد يرشده، قد دعاه الهوي فأجابه، وقاده الضلال فاتبعه، فهجر لاغطا، وضل خابطا.

العقد الفريد 233:2، الکامل للمبرد 157:1، وفي ط 225، کتاب صفين ص 64 الامامة والسياسة 77:1، نهج البلاغة 5:2، شرح ابن أبي الحديد 252:1، ج 302:3.

13- من کتاب له عليه السلام إلي الرجل: فاقلع عما أنت عليه من الغي والضلال علي کبر سنک وفناء عمرک، فإن حالک اليوم کحال الثوب المهيل الذي لا يصلح من جانب إلا فسد من آخر، وقد أرديت جيلا من الناس کثيرا، خدعتهم بغيک، وألقيتهم في موج

[صفحه 149]

بحرک، تغشاهم الظلمات، وتتلاطم بهم الشبهات، فجاروا عن وجهتهم، ونکصوا علي أعقابهم، وتولوا علي أدبارهم، وعولوا علي أحسابهم، إلا من فاء من أهل البصائر، فانهم فارقوک بعد معرفتک، وهربوا إلي الله من موازرتک، إذ حملتهم علي الصعب، وعدلت بهم عن القصد.

نهج البلاغة 41:2، شرح ابن أبي الحديد 50:4.

14- من کتاب له عليه السلام إلي الرجل: فإن ما أتيت به من ضلالک ليس ببعيد الشبه مما أتي به أهلک وقومک الذين حملهم الکفر وتمني الا باطيل علي حسد محمد صلي الله عليه وآله وسلم حتي صرعوا مصارعهم حيث علمت، لم يمنعوا حريما، ولم يدفعوا عظيما، وأنا صاحبهم في تلک المواطن الصالي بحربهم، والفال لحدهم، والقاتل لرؤسهم ورؤس الضلالة، والمتبع إن شاء الله خلفهم بسلفهم، فبئس الخلف خلف اتبع سلفا محله ومحطه النار.

شرح ابن أبي الحديد 50:4.

15- من کتاب له سلام الله عليه إلي الرجل: أما بعد: فطالما دعوت أنت وأولياؤک أولياء الشيطان الرجيم الحق أساطير الاولين، ونبذتموه وراء ظهورکم، وحاولتم إطفاء نور الله بأيديکم وأفواهکم، والله متم نوره ولو کره الکافرون، ولعمري ليتمن النور علي کرهک، ولينفذن العلم بصغارک، ولتجازين بعملک، فعث في دنياک المنقطعة عنک ما طاب لک، فکأنک بباطلک وقد انقضي، وبعملک وقد هوي، ثم تصير إلي لظي، لم يظلمک الله شيئا، وما ربک بظلام للعبيد.

شرح ابن أبي الحديد 51:4، وج 411:3.

16- من کتاب له صلوات الله عليه إلي الرجل: أما بعد: فإن مساويک مع علم الله تعالي فيک حالت بينک وبين أن يصلح لک أمرک، وأن يرعوي قلبک، يا بن صخر يا ابن اللعين (وفي لفظ: يابن الصخر اللعين) زعمت أن يزن الجبال حلمک، ويفصل بين أهل الشک علمک، وأنت الجلف المنافق، الاغلف القلب، القليل العقل، الجبان الرذل.

شرح ابن أبي الحديد 411:3، وج 51:4.

17- من کتاب له عليه السلام إلي الرجل: قد وصلني کتابک، فوجدتک ترمي غير غرضک

[صفحه 150]

وتنشد غير ضالتک، وتخبط في عماية، وتتيه في ضلالة، وتعتصم بغير حجة، وتلوذ بأضعف شبهة.

فسبحان الله ما أشد لزومک للاهواء المبتدعة، والحيرة المتبعة، مع تضييع الحقائق، واطراح الوثائق التي هي لله تعالي طلبة، وعلي عباده حجة.

نهج البلاغة 44:2، شرح ابن أبي الحديد 57:4.

18- من کتاب له عليه السلام إلي الرجل لما دعاه إلي التحکيم: ثم إنک قد دعوتني إلي حکم القرآن، ولقد علمت أنک لست من أهل القرآن ولا حکمه تريد، والله المستعان.

کتاب صفين ص 556، نهج البلاغة 56:2، شرح ابن أبي الحديد 188:1.

19- من کتاب له عليه السلام إلي الرجل: أما بعد: فقد آن لک أن تنتفع باللمح الباصر من عيان الامور، فلقد سلکت مدارج أسلافک بادعائک الاباطيل، واقتحامک غرور اللين والاکاذيب، من انتحالک ما قد علا عنک، وابتزازک لما قد احتزن دونک، فرارا من الحق، وجحودا لما هو ألزم لک من لحمک ودمک، مما قد وعاه سمعک، وملئ به صدرک، فماذا بعد الحق إلا الضلال المبين.

نهج البلاغة 125:2.

20- من کتاب له عليه السلام إلي الرجل: متي کنتم يا معاوية ساسة للرعية؟ أو ولاة لامر هذه الامة بغير قدم حسن؟ ولاشرف سابق[14] علي قومکم، فشمر لما قد نزل بک، ولا تمکن الشيطان من بغيته فيک، مع أني أعرف أن الله ورسوله صادقان، فنعوذ بالله من لزوم سابق الشقاء، وإلا تفعل اعلمک ما أغفلک من نفسک، فإنک مترف قد أخذ منک الشيطان مأخذه، فجري منک مجري الدم في العروق.

کتاب صفين ص 122، نهج البلاغة 11:2، شرح ابن أبي الحديد 412:3.

21- من کتاب له عليه السلام إلي الرجل: فاتق الله فيما لديک، وانظر في حقه عليک، وراجع إلي معرفة مالا تعذر بجهالته، فإن للطاعة أعلاما واضحة، وسبلا نيرة، ومحجة نهجة، وغاية مطلوبة يردها الاکياس، ويخالفها الانکاس، من نکب عنها جار

[صفحه 151]

عن الحق، وخبط في التيه، وغير الله نعمته، وأحل به نقمته، فنفسک نفسک، فقد بين الله لک سبيلک، وحيث تناهت بک امورک فقد أجريت إلي غاية خسر ومحلة کفر وإن نفسک قد أولجتک شرا، وأقحمتک غيا، وأوردتک المهالک، وأوعرت عليک المسالک.

نهج البلاغة 37 و 36: 2.

22- من کتاب له عليه السلام إلي الرجل جوابا: أما بعد: فإنا کنا نحن وأنتم علي ما ذکرت من الالفة والجماعة، ففرق بيننا وبينکم أمس انا آمنا وکفرتم، واليوم إنا استقمنا وفتنتم، وما أسلم مسلمکم إلا کرها، وبعد أن کان أنف الاسلام کله لرسول الله صلي الله عليه وآله حربا.

ومنه: وعندي السيف الذي أعضضته بجدک وخالک وأخيک في مقام واحد، و انک والله ما علمت لاغلف القلب، المقارب[15] العقل، والاولي أن يقال لک: إنک رقيت سلما أطلعک مطلع سوء عليک لآلک، لانک نشدت غير ضالتک، ورعيت غير سائمتک، وطلبت أمرا لست من أهله ولا في معدنه، فما أبعد قولک من فعلک، وقريب ما أشبهت من أعمام وأخوال حملتهم الشقاوة وتمني الباطل علي الجحود بمحمد صلي الله عليه وآله وسلم فصرعوا مصارعهم حيث علمت، لم يدفعوا عظيما، ولم يمنعوا حريما بوقع سيوف ما خلا منها الوغي، ولم تماشها الهويني.[16] نهج البلاغة 124:2.

23- من کتاب له عليه السلام إلي الرجل جوابا: وأما قولک: إنا بنو عبد مناف ليس لبعضنا علي بعض فضل، فلعمري انا بنو أب واحد، ولکن ليس امية کهاشم، ولا حرب کعبد المطلب، ولا أبوسفيان کأبي طالب. ولا المهاجر کالطليق، ولا الصريح کاللصيق، ولا المحق کالمبطل، ولا المؤمن کالمدغل، ولبئس الخلف خلف يتبع سلفا هوي في نار جهنم[17]

[صفحه 152]

قال ابن أبي الحديد في شرح ذيل هذا الکلام ج 423:3: هل يعاب المسلم بأن سلفه کان کفارا؟ قلت: نعم إذا تبع آثار سلفه، واحتذي حذوهم، وأميرالمؤمنين عليه السلام ما عاب معاوية بأن سلفه کفار فقط، بل بکونه متبعا لهم.

24- من کتاب له عليه السلام إلي الرجل: ما أنت والفاضل والمفضول؟ والسائس و المسوس؟ وما للطلقاء وأبناء الطلقاء والتمييز بين المهاجرين الاولين، وترتيب درجاتهم وتعريف طبقاتهم؟ هيهات لقد حن قدح ليس منها، وطفق يحکم فيها من عليه الحکم لها، ألا تربع أيها الانسان علي ظلعک، وتعرف قصور ذرعک؟ وتتأخر حيث أخرک القدر، فما عليک غلبة المغلوب، ولا لک ظفر الظافر، وإنک لذهاب في التيه، رواغ عن القصد.

نهج البلاغة 30:2، صبح الاعشي 229:1، نهاية الارب 233:7.

25- من کتاب له عليه السلام إلي مخنف بن سليم: إنا قد هممنا بالسير إلي هؤلاء القوم الذين عملوا في عباد الله بغير ما أنزل الله، واستأثروا بالفئ، وعطلوا الحدود، وأماتوا الحق، وأظهروا في الارض الفساد، واتخذوا الفاسقين وليحة من دون المؤمنين، فاذا ولي الله أعظم أحداثهم أبغضوه وأقصوه وحرموه، وإذا ظالم ساعدهم علي ظلمهم أحبوه وأدنوه وبروه، فقد أصروا علي الظلم، وأجمعوا علي الخلاف، وقديما صدوا عن الحق، وتعاونوا علي الاثم وکانوا ظالمين.

شرح ابن أبي الحديد 282:1.

26- من کتاب له عليه السلام إلي عمرو بن العاصي: لا تجارين[18] معاوية في باطله، فإن معاوية غمص[19] الناس، وسفه الحق.

کتاب صفين ص 124، نهج البلاغة 2:56، شرح ابن أبي الحديد189: 1، وج 114:4

27- من کتاب له عليه السلام إلي عمرو بن العاصي: أما بعد: فانک ترکت مروءتک لامرئ فاسق مهتوک ستره، يشين الکريم بمجلسه، ويسفه الحليم بخلطته، فصار قلبک

[صفحه 153]

لقلبه تبعا کما قيل: وافق شن طبقه، فسلبک دينک وأمانتک ودنياک وآخرتک. راجع الجزء الثاني من کتابنا هذه ص 118 وفيه قوله: فإن يمکن الله منک ومن ابن آکلة الاکباد ألحقتکما بمن قتله الله من ظلمة قريش علي رسول الله، وان تعجزا وتبقيا بعدي فالله حسبکما، وکفي بانتقامه انتقاما، وبعقابه عقابا.

28- من کتاب له صلوات الله عليه إلي محمد بن أبي بکر وأهل مصر: إياکم ودعوة الکذاب ابن هند، وتأملوا واعلموا أنه لا سواء إمام الهدي، وإمام الردي، ووصي النبي وعدو النبي، جعلنا الله وإياکم ممن يحب ويرضي. شرح ابن أبي ألحديد 26:2، جمهرة الرسائل 541:1.

29- من کتاب له عليه السلام إلي محمد بن أبي بکر وقد بعث إليه عليه السلام ما کتبه معاوية وعمرو إليه وسيوافيک نصه: قد قرأت کتاب الفاجر ابن الفاجر معاوية، والفاجر ابن الکافر عمرو، المتحابين في عمل المعصية، والمتوافقين المرتشيين في الحکومة، المنکرين[20] في الدنيا، قد استمتعوا بخلاقهم کما استمتع الذين من قبلهم بخلاقهم، فلا يضرنک إرعادهما وإبراقهما.

تاريخ الطبري 58:6، شرح ابن أبي الحديد 32:2.

30- من کتاب له عليه السلام إلي أهل العراق: فأيقظوا رحمکم الله نائمکم، وأجمعوا علي حقکم، وتجردوا لحرب عدوکم، قد أبدت الرغدة عن الصريح، وبان الصبح لذي عينين، إنما تقاتلون الطلقاء وأبناء الطلقاء، وأولي الجفاء، ومن أسلم کرها وکان لرسول الله صلي الله عليه وسلم أنف الاسلام کله حربا، أعداء الله والسنة والقرآن، وأهل الاحزاب والبدع والاحداث، ومن کانت بوائقه تتقي، وکان علي الاسلام مخوفا، أکلة الرشا وعبدة الدنيا، لقد انهي إلي أن ابن النابغة لم يبايع معاوية حتي أعطاه، وشرط عليه أن يعطيه إتاوة هي أعظم مما في يديه من سلطانه، ألا صفرت يد هذا البايع دينه بالدنيا، وتربت يد هذا المشتري نصرة غادر فاسق بأموال المسلمين، وان منهم لمن قد شرب فيکم الخمر وجلد حدا في الاسلام[21] يعرف بالفساد في الدين والفعل السئ، وإن فيهم

[صفحه 154]

من لم يسلم حتي رضخ له علي الاسلام رضيخة[22] فهؤلاء قادة القوم، ومن ترکت ذکر مساوئه من قادتهم مثل من ذکرت منهم بل هو شر وأضر، وهؤلاء الذين ذکرت لو ولوا عليکم لاظهروا فيکم الکبر والفخر والفجور والتسلط بجبرته، والتطاول بالغضب، والفساد في الارض، ولاتبعوا الهوي، وما حکموا بالرشاد (إلي قوله:) أفلا تسخطون وتهتمون أن ينازعکم الولاية عليکم سفهاؤکم والاشرار والاراذل منکم فاسمعوا قولي وأطيعوا أمري، فوالله لئن أطعتموني لا تغوون، وإن عصيتموني لا ترشدون خذوا للحرب أهبتها، وأعدوا لها عدتها، فقد شبت نارها، وعلا سنانها، وتجرد لکم فيها الفاسقون کي يعذبوا عباد الله، ويطفئوا نور الله، ألا أنه ليس اولياء الشيطان من أهل الطمع والمکر والجفاء بأولي في الجد في غيهم وضلالتهم من أهل البر والزهادة والاءخبات في حقهم وطاعة ربهم، والله لو لقيتهم فردا وهم مل ء الارض ما باليت ولا استوحشت، وإني من ضلالتهم التي هم فيها، والهدي الذي نحن عليه، لعلي ثقة وبينة ويقين وبصيرة، وإني إلي لقاء ربي لمشتاق، ولحسن ثوابه لمنتظر، ولکن أسفا يعتريني وحزنا يخامرني أن يلي أمر هذه الامة سفاؤها وفجارها فيتخذوا مال الله دولا، و عباد الله خولا، والصالحين حربا، والقاسطين حزبا. الامامة والسياسة 113:1، شرح ان أبي الحديد 37:2.

31- من کتاب له عليه السلام إلي زياد بن أبيه: إن معاوية کالشيطان الرجيم يأتي المرء من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله، فاحذره ثم احذره ثم احذره، والسلام. شرح ابن أبي الحديد 68:4.

32- من خطبة له عليه السلام حين أمر أصحابه بالمسير إلي حرب معاوية قال: سيروا إلي أعداء الله، سيروا إلي أعداء السنن والقرآن، سيروا إلي بقية الاحزاب قتلة المهاجرين والانصار.

کتاب صفين ص 105، جمهرة الخطب 142:1.

33- من خطبة له عليه السلام في الدعوة إلي جهاد الرجل: نحن سائرون إنشاء الله إلي من سفه نفسه، وتناول ما ليس له وما لا يدرکه، معاوية وجنده الفئة الباغية الطاغية،

[صفحه 155]

يقودهم إبليس ويبرق لهم ببارق تسويفه، ويدليهم بغروره.

کتاب صفين ص 126.

34- من خطبة له سلام الله عليه يوم صفين: ثم أتاني الناس وأنا معتزل أمرهم فقالوا لي: بايع. فأبيت عليهم، فقالوا لي: بايع فإن الامة لا ترضي إلا بک، وإنا نخاف إن لم تفعل أن يفترق الناس. فبايعتهم، فلم يرعني إلا شقاق رجلين قد بايعاني، وخلاف معاوية إياي الذي لم يجعل الله له سابقة في. الدين، ولا سلف صدق في الاسلام، طليق ابن طليق، وحزب من الاحزاب لم يزل لله ولرسوله وللمسلمين عدوا هو وأبوه حتي دخلا في الاسلام کارهين مکرهين، فعجبنا لکم[23] ولاجلابکم معه، وانقيادکم له، وتدعون أهل بيت نبيکم صلي الله عليه وآله وسلم الذين لا ينبغي لکم شقاقهم ولا خلافهم، ولا أن تعدلوا بهم أحدا من الناس، إني أدعوکم إلي کتاب الله عزوجل وسنة نبيکم صلي الله عليه وآله وسلم، وإماتة الباطل، وإحياء معالم الدين.

کتاب صفين ص 227، تاريخ الطبري 6 ص 4، جمهرة الخطب 161:1.

35 - من خطبة له عليه السلام يوم صفين: إنهدوا إليهم، عليکم السکينة والوقار، وقار الاسلام، وسيمي الصالحين، فوالله لاقرب قوم من الجهل قائدهم ومؤذنهم معاوية وابن النابغة وأبوالاعور السلمي وابن أبي معيط شارب الخمر، المجلود حدا في الاسلام، وهم أولي من يقومون فينقصونني ويجذبونني وقبل اليوم ما قاتلوني، وأنا إذ ذاک أدعوهم إلي الاسلام، وهم يدعونني إلي عبادة الاصنام، ألحمد لله قديما عاداني الفاسقون، فعبدهم[24] الله، ألم يفتحوا؟[25] إن هذا لهو الخطب الجليل، إن فساقا کانوا غير مرضيين، وعلي الاسلام وأهله متخوفين، خدعوا شطر هذه الامة، واشربوا قلوبهم حب الفتنة، واستمالوا أهواءهم بالافک والبهتان، قد نصبوا لنا الحرب في إطفاء نور الله عزوجل، أللهم فافضض خدمتهم[26] وشتت کلمتهم، وأبسلهم بخطاياهم، فانه لا يذل من واليت، ولا يعز من عاديت.

[صفحه 156]

تاريخ الطبري 24:6، کتاب صفين ص 445.

36- من خطبة له عليه السلام بصفين: وقد عهد إلي رسول الله صلي الله عليه وآله عهدا، فلست أحيد عنه، وقد حضرتم عدوکم، وعلمتم أن رئيسهم منافق ابن منافق يدعوهم إلي النار، وابن عم نبيکم معکم وبين أظهرکم يدعوکم إلي الجنة وإلي طاعة ربکم، والعمل بسنة نبيکم، ولا سواء من صلي قبل کل ذکر، لا يسبقني الصلاة مع رسول الله أحد وأنا من أهل بدر، ومعاوية طليق ابن طليق، والله إنا علي الحق وانهم علي الباطل، فلا يجتمعن علي باطلهم، وتتفرقوا عن حقکم حتي يغلب باطلهم حقکم، قاتلوهم يعذبهم الله بأيديکم، فإن لم تفعلوا يعذبهم بأيدي غيرکم. کتاب صفين ص 355، شرح ابن أبي الحديد 503:1، جمهرة الخطب 178:1.

37- من خطبة له عليه السلام: أما بعد: فإن الله قد أحسن بلاءکم، وأعز نصرکم فتوجهوا من فورکم هذا إلي معاوية وأشياعه القاسطين، الذين نبذوا کتاب الله وراء ظهورهم واشتروا به ثمنا قليلا فبئس ما شروا به أنفسهم لو کانوا يعلمون.

الامامة والسياسة 110:1، تاريخ الطبري 51:6، مروج الذهب 38:2، شرح ابن أبي الحديد 179:1، جمهرة الخطب 231:1.

38- من خطبة له عليه السلام يستنفر الناس لقتال معاوية: يا أيها الناس استعدوا لقتال عدو في جهادهم القربة إلي الله عزوجل ودرک الوسيلة عنده، قوم حياري عن الحق لا يبصرونه، موزعين بالجور والظلم لا يعدلون به، جفاة عن الکتاب، نکب عن الدين، يعمهون في الطغيان، ويتسکعون في غمرة الضلال، فأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل، وتوکلوا علي الله وکفي بالله وکيلا.

کتاب صفين، تاريخ الطبري 51:6، الامامة والسياسة 110:1، شرح ابن أبي الحديد 179:1.

39- من خطبة له عليه السلام لما رفع أهل الشام المصاحف علي الرماح: عباد الله إني أحق من أجاب إلي کتاب الله ولکن معاوية وعمرو بن العاص وابن أبي معيط وحبيب بن مسلمة وابن أبي سرح ليسوا بأصحاب دين ولا قرآن، إني أعرف بهم منکم، صحبتهم أطفالا، وصحبتهم رجالا، فکانوا شر أطفال وشر رجال، انها کلمة حق يراد بها الباطل،

[صفحه 157]

انهم والله ما رفعوها انهم يعرفونها ويعملون بها، ولکنها الخديعة والوهن والمکيدة، أعيروني سواعدکم وجماجمکم ساعة واحدة، فقد بلغ الحق مقطعه، ولم يبق إلا أن يقطع دابر الذين ظلموا.

کتاب صفين ص 560، تاريخ الطبري 27:6، الکامل لابن الاثير 136:3،

40- قيل لعلي) سلام الله عليه (يوم صالح: أتقر انهم مؤمنون مسلمون؟ فقال علي: ما اقر لمعاوية ولا لاصحابه انهم مؤمنون ولا مسلمون، ولکن يکتب معاوية ما شاء بما شاء لنفسه ولاصحابه، ويسمي نفسه بما شاء وأصحابه.

کتاب صفين ص 584، شرح ابن أبي الحديد 191:1.

41- کان علي عليه السلام إذا صلي الغداة يقنت فيقول: أللهم العن معاوية، وعمرا، وأبا الاعور السلمي، وحبيبا، و عبدالرحمن بن خالد، والضحاک بن قيس، والوليد. وکانت عائشة تدعو في دبر الصلاة علي معاوية.

مر الحديث بتفصيله في ج 121 و 120: 2 ط 1.

42- کتب معاوية کتابا إلي أبي أيوب الانصاري صاحب رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم فأخبر بذلک عليا عليه السلام فقال: يا أميرالمؤمنين إن معاوية کهف المنافقين کتب إلي بکتاب.

شرح ابن أبي الحديد 280:2.

43- من کتاب لقيس بن سعد بن عبادة أمير الخزرج إلي معاوية مر في ج 89:2 ط 1: أما بعد: فإنما أنت وثن ابن وثن، دخلت في الاسلام کرها، وخرجت منه طوعا، لم يقدم إيمانک، ولم يحدث نفاقک. ومنه: ونحن أنصار الدين الذي خرجت منه، وأعداء الدين الذي دخلت فيه.

وفي لفظ: أما بعد: فإنما أنت وثني ابن وثني، دخلت في الاسلام کرها، وأقمت فيه فرقا. وخرجت منه طوعا، ولم يجعل الله لک فيه نصيبا لم يقدم إيمانک، ولم يحدث نفاقک، ولم تزل حربا لله ولرسوله، وحزبا من أحزاب المشرکين، وعدوا لله ولنبيه وللمؤمنين من عباده. الخ.

44- من کلام لقيس لما بويع معاوية: يا معشر الناس؟ لقد اعتضتم الشر من الخير، واستبدلتم الذل من العز، والکفر من الايمان، فأصبحتم بعد ولاية أميرالمؤمنين

[صفحه 158]

وسيد المسلمين، وابن عم رسول رب العالمين، وقد وليکم الطليق ابن الطليق، يسومکم الخسف، ويسير فيکم بالعسف، فکيف تجهل ذلک أنفسکم؟ أم طبع الله علي قلوبکم وأنتم لا تعقلون؟. راجع ج 93:2 ط 1.

45- من کتاب آخر لقيس إلي الرجل: تأمرني بالدخول في طاعتک طاعة أبعد الناس من هذا الامر، وأقولهم للزور، وأضلهم سبيلا، وأبعدهم من رسول الله وسيلة، ولديک قوم ضالون مضلون، طاغوت من طواغيت ابليس. راجع ج 88:2 ط 1

46- کتب محمد بن أبي بکر إلي معاوية: بسم الله الرحمن الرحيم. من محمد بن أبي بکر إلي الغاوي معاوية بن صخر. سلام علي اهل طاعة الله ممن هو مسلم لاهل ولاية الله.

أما بعد: فإن الله بجلاله وعظمته وسلطانه وقدرته خلق خلقا بلا عنت ولا ضعف في قوته؟ ولا حاجة به إلي خلقهم، ولکنه خلقهم عبيدا، وجعل منهم شقيا وسعيدا، و غويا ورشيدا، ثم اختارهم علي علمه، فاصطفي وانتخب منهم محمدا صلي الله عليه وآله وسلم فاختصه برسالته، واختاره لوحيه، وائتمنه علي أمره وبعثه رسولا مصدقا لما بين يديه من الکتب ودليلا علي الشرائع، فدعا إلي سبيل ربه بالحکمة والموعظة الحسنة، فکان أول من أجاب وأناب، وصدق ووافق، وأسلم وسلم أخوه وابن عمه علي بن أبي طالب عليه السلام، فصدقه بالغيب المکتوم، وآثره علي کل حميم، فوقاه کل هول، وواساه بنفسه في کل خوف، فحارب حربه، وسالم سلمه، فلم يبرح مبتذلا لنفسه في ساعات الازل[27] ومقامات الروع، حتي برز سابقا لا نظير له في جهاده، ولا مقارب له في فعله، وقد رأيتک تساميه وأنت أنت، وهو هو، المبرز السابق في کل خير، أول الناس إسلاما، وأصدق الناس نية، وأطيب الناس ذرية، وأفضل الناس زوجة، وخير الناس ابن عم، وأنت اللعين ابن اللعين ثم لم تزل أنت وأبوک تبغيان الغوائل لدين الله، وتجهدان علي إطفاء نور الله، وتجمعان علي ذلک الجموع، وتبذلان فيه المال، وتحالفان فيه القبائل، علي ذلک مات أبوک، و علي ذلک خلفته، والشاهد عليک بذلک من يأوي ويلجأ إليک من بقية الاحزاب ورؤس النفاق والشقاق لرسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، والشاهد لعلي مع فضله المبين، وسبقه القديم، أنصاره

[صفحه 159]

الذين ذکروا بفضلهم في القرآن، فأثني الله عليهم من المهاجرين والانصار، فهم معه عصائب وکتائب حوله، يجالدون بأسيافهم ويهريقون دماءهم دونه، يرون الفضل في اتباعه، والشقاء في خلافه، فکيف- يا لک الويل- تعدل نفسک بعلي؟ وهو وارث رسول الله ووصيه وأبوولده، وأول الناس اتباعا، وآخرهم به عهدا، يخبره بسره، و يشرکه في أمره، وأنت عدوه وابن عدوه؟ فتمتع ما استطعت بباطلک، وليمدد لک ابن العاصي في غوايتک، فکأن أجلک قد انقضي، وکيدک قد وهي، وسوف يستبين لمن تکون العاقبة العليا، وأعلم انک إنما تکايد ربک الذي قد أمنت کيده، وأيست من روحه، وهو لک بالمرصاد، وأنت منه في غرور. وبالله وأهل رسوله عنک الغناء، والسلام علي من اتبع الهدي.

مروج الذهب 59:2، کتاب صفين ص 132، شرح ابن ابي الحديد 283:1 جمهرة الرسائل 542:1.

47- من کتاب آخر لمحمد بن أبي بکر إلي معاوية: أنا أرجو أن تکون الدائرة عليکم، وأن يهلککم الله في الوقعة، وأن ينزل بکم الذل، وأن تولوا الدبر، وإن تؤتوا النصر ويکن لکم الامر في الدنيا، فکم لعمري من ظالم قد نصرتم، وکم من مؤمن قد قتلتم ومثلتم به، وإلي الله مصيرکم ومصيرهم وإلي الله مرد الامور، وهو أرحم الراحمين.

تاريخ الطبري 58:6، شرح ابن ابي الحديد 32:2.

48- قال معن بن يزيد بن الاخنس السلمي الصحابي ممن شهد بدرا لمعاوية: ما ولدت قرشية من قرشي شرا منک. الاصابة 450:3.

49- من کتاب الامام السبط أبي محمد الحسن عليه السلام إلي معاوية: فاليوم فليتعجب المتعجب من توثبک يا معاوية علي أمر لست من أهله، لا بفضل في الدين معروف، ولا أثر في الاسلام محمود، وأنت ابن حزب من الاحزاب، وابن أعدي قريش لرسول الله صلي الله عليه وسلم ولکتابه، والله حسيبک فسترد وتعلم لمن عقبي الدار، وبالله لتلقين عن قليل ربک ثم ليجزينک بما قدمت يداک، وما الله بظلام للعبيد.

مقاتل الطالبيين ص 22، شرح ابن ابي الحديد 12:4، جمهرة الرسائل 9:2.

[صفحه 160]

50- لما قدم معاوية المدينة صعد المنبر فخطب وقال: من ابن علي؟ ومن علي؟ فقام الحسن فحمد الله وأثني عليه ثم قال: إن الله عزوجل لم يبعث بعثا إلا جعل له عدوا من المجرمين، فأنا ابن علي وأنت ابن صخر، وامک هند وامي فاطمة، وجدتک قتيلة وجدتي خديجة، فلعن الله ألا منا حسبا، وأخملنا ذکرا، وأعظمنا کفرا، وأشدنا نانفاقا، فصاح أهل المسجد: آمين آمين. فقطع معاوية خطبته ودخل منزله.[28] وفي لفظ:

خطب معاوية بالکوفة حين دخلها، والحسن والحسين رضي الله عنهما جالسان تحت المنبر، فذکر عليا عليه السلام فنال منه ثم نال من الحسن، فقام الحسين ليرد عليه، فأخذه الحسن بيده فأجلسه ثم قام فقال:

أيها الذاکر عليا أنا الحسن وأبي علي، وأنت معاوية، وأبوک صخر، وامي فاطمة، وامک هند، وجدي رسول الله صلي الله عليه وسلم وجدک عتبة بن ربيعة، وجدتي خديجة، وجدتک قتيلة، فلعن الله أخملنا ذکرا، وألا منا حسبا، وشرنا قديما وحديثا، وأقدمنا کفرا ونفاقا. فقال طوائف من أهل المسجد: آمين.[29] .

51- أرسل معاوية إلي الحسن (السبط الزکي) يسأله أن يخرج فيقاتل الخوارج فقال الحسن: سبحان الله ترکت قتالک وهو لي حلال لصلاح الامة والفتهم، أفتراني اقاتل معک؟. شرح ابن ابي الحديد 6:4،

52- کتب الامام السبط أبوعبدالله عليه السلام إلي معاوية: أما بعد: فقد جاءني کتابک تذکر فيه أنه انتهت إليک عني امور لم تکن تظنن بها رغبة بي عنها، وإن الحسنات لا يهدي لها ولا يسدد إليها إلا الله تعالي، وأما ما ذکر انه رقي إليک عني، فإنما رقاه الملاقون المشاءون بالنميمة، المفرقون بين الجمع، وکذب الغاوون المارقون، ما أردت حربا ولا خلافا، وإني لاخشي الله في ترک ذلک منک ومن حزبک القاسطين المحلين، حزب الظالم، وأعوان الشيطان الرجيم.

ألست قاتل حجر وأصحابه العابدين المخبتين الذين کانوا يستفظعون البدع، و

[صفحه 161]

يأمرون بالمعروف وينهون عن المنکر؟ فقتلتهم ظلما وعدوانا من بعد ما أعطيتهم المواثيق الغليظة، والعهود المؤکدة[30] جرأة علي الله واستخفافا بعهده.

أو لست بقاتل عمرو بن الحمق الذي أخلقت وأبلت وجهه العبادة؟ فقتلته من بعد ما أعطيته من العهود مالو فهمته العصم نزلت من سقف الجبال.

أو لست المدعي زيادا في الاسلام، فزعمت انه ابن ابي سفيان، وقد قضي رسول الله صلي الله عليه وسلم ان الولد للفراش وللعاهر الحجر، ثم سلطته علي أهل الاسلام يقتلهم و يقطع أيديهم وارجلهم من خلاف، ويصلبهم علي جذوع النخل؟.

سبحان الله يا معاوية لکأنک لست من هذه الامة، وليسوا منک، أو لست قاتل الحضرمي[31] الذي کتب إليک فيه زياد انه علي دين علي کرم الله وجهه، ودين علي هو دين ابن عمه صلي الله عليه وسلم الذي أجلسک مجلسک الذي أنت فيه، ولولا ذلک کان أفضل شرفک وشرف آبائک تجشم الرحلتين: رحلة الشتاء والصيف، وفوضعها الله عنکم بنا منة عليکم، وقلت فيما قلت: لا تردن هذه الامة في فتنة. وإني لا أعلم لها فتنة أعظم من أإمارتک عليها، وقلت فيما قلت: انظر لنفسک ولدينک ولامة محمد. وإني والله ما أعرف فضل من جهادک، فإن أفعل فإنه قربة إلي ربي، وإن لم أفعله فاستغفر الله لديني، وأسأله التوفيق لما يحب ويرضي، وقلت فيما قلت: متي تکدني أکدک[32] فکدني يا معاوية ما بدا لک، فلعمري لقديما يکاد الصالحون، وإني لارجو أن لا تضر إلا نفسک ولا تمحق إلا عملک، فکدني ما بدا لک، واتق الله يا معاوية واعلم أن لله کتابا لا يغادر صغيرة ولا کبيرة إلا أحصاها، واعلم أن الله ليس بناس لک قتلک بالظنة، وأخذک بالتهمة، وإمارتک صبيا يشرب الشراب، ويعلب بالکلاب، ما أراک إلا قد أوبقت نفسک، وأهلکت دينک، وأضعت الرعية. والسلام.

الامامة والسياسة 131:1 وفي ط 148، جمهرة الرسائل 67:2.

53- خطب الامام السبط الحسين الشهيد سلام الله عليه لما قدم معاوية المدينة


حاجا وأخذ البيعة ليزيد وخطب ومدح يزيد الطاغية ووصفه بالعلم بالسنة وقراءة القرآن والحلم الذي يرجح بالصم الصلاب. فقام الحسين فحمد الله وصلي علي الرسول صلي الله عليه وآله وسلم ثم قال:

أما بعد: يا معاوية فلن يؤدي القائل- وإن أطنب- في صفة الرسول صلي الله عليه وسلم من جميع جزءا، قد فهمت ما ألبست به الخلف بعد رسول الله صلي الله عليه وسلم من ايجاز الصفة، والتنکب عن استبلاغ البيعة، وهيهات هيهات يا معاوية فضح الصبح فحمة الدجي، وبهرت الشمس أنوار السرج، ولقد فضلت حتي أفرطت، واستأثرت حتي أجحفت، ومنعت حتي بخلت، وجرت حتي جاوزت، ما بذلت لذي حق من أتم حقه بنصيب حتي أخذ الشيطان حظه الاوفر، ونصيبه الاکمل، وفهمت ما ذکرته عن يزيد من اکتماله وسياسته لامة محمد صلي الله عليه وسلم، تريد أن توهم الناس في يزيد، کأنک تصف محجوبا أو تنعت غائبا، أو تخبر عما کان مما احتويته بعلم خاص، وقد دل يزيد من نفسه علي موقع رأيه، فخذ ليزيد فيما أخذ به من استقرائه الکلاب المتهارشة عند التحارش، والحمام السبق لا ترابهن، والقينات ذوات المعازف، وضروب الملاهي، تجده ناصرا ودع عنک ما تحاول، فما أغناک أن تلقي الله بوزر هذا الخلق أکثر مما أنت لاقيه، فوالله ما برحت تقدم باطلا في جور، وحنقا في ظلم، حتي ملات الاسقية، وما بينک و بين الموت إلا غمضة، فتقدم علي عمل محفوظ في يوم مشهود، ولات حين مناص، ورأيتک عرضت بنا بعد هذا الامر، ومنعتنا عن آبائنا تراثا، ولقد- لعمر الله- أورثنا الرسول عليه الصلاة والسلام ولادة، وجئت لنا بما حججتم به القائم عند موت الرسول عليه الصلاة والسلام، فأذعن للحجة بذلک، ورده الايمان إلي النصف، فرکبتم الاعاليل، وفعلتم الافاعيل، وقلتم: کان ويکون، حتي أتاک الامر يا معاوية من طريق کان قصدها لغيرک، فهناک فاعتبروا يا اولي الابصار. الخطبة.

الامامة والسياسة 153:1، جمهرة الخطب 242:2.

54- من کلام لابن عباس ألقاه في البصرة: أيها الناس استعدوا للمسير إلي أمامکم، وانفروا في سبيل الله خفافا وثقالا، وجاهدوا بأموالکم وأنفسکم فإنکم تقاتلون المحلين القاسطين الذين لا يقرءون القرآن ولا يعرفون حکم الکتاب، ولا يدينون

[صفحه 163]

دين الحق، مع أميرالمؤمنين. فقام إليه عمرو بن مرجوم العبدي فقال: وفق الله امير ألمؤمنين وجمع له أمر المسلمين، ولعن المحلين القاسطين الذين لا يقرءون القرآن، نحن والله عليهم حنقون، ولهم في الله مفارقون.

کتاب صفين ص 131 و 130.

55- من کلام لعمار بن ياسر يوم صفين: يا أهل الاسلام؟ أتريدون أن تنظروا إلي من عادي الله ورسوله وجاهدهما، وبغي علي المسلمين، وظاهر المشرکين، فلما أراد الله أن يظهر دينه وينصر رسوله أتي النبي صلي الله عليه فأسلم، وهو والله فيما يري راهب غير راغب، وقبض الله رسول صلي الله عليه وإنا والله لنعرفه بعداوة المسلم ومودة المجرم؟ ألا و انه معاوية، فالعنوه لعنه الله، وقاتلوه فانه ممن يطفئ نور الله، ويظاهر أعداء الله.

راجع تاريخ الطبري 7:6، کتاب صفين ص 240، الکامل لابن الاثير 136:3.

56- من مقال لعبدالله بن بديل يوم صفين: ان معاوية ادعي ما ليس له ونازع الامر أهله ومن ليس مثله، وجادل بالباطل ليدحض به الحق، وصال عليکم بالاعراب والاحزاب، وزين لهم الضلالة، وزرع في قلوبهم حب الفتنة، ولبس عليهم الامر، و زادهم رجسا إلي رجسهم، وأنتم والله علي نور من ربکم وبرهان مبين، قاتلوا الطغام الجفاة ولا تخشوهم، وکيف تخشونهم وفي أيديکم کتاب من ربکم ظاهر مبرور؟ أتخشونهم فالله أحق أن تخشوه إن کنتم مؤمنين، قاتلوهم يعذبهم الله بأيديکم ويخزهم وينصرکم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين. قاتلوا الفئة الباغية الذين نازعوا الامر أهله وقد قاتلتهم مع النبي صلي الله عليه، والله ما هم في هذه بأزکي ولا أنقي ولا أبر، قوموا إلي عدو الله وعدوکم رحمکم الله.

تاريخ الطبري 9:6، کتاب صفين ص 263، الاستيعاب في ترجمة عبدالله 340:1، شرح ابن ابي الحديد 483:1، جمهرة الخطب 176:1.

57- من خطبة لسعيد بن قيس: فوالله الذي بالعباد بصير أن لو کان قائدنا حبشيا مجدعا إلا أن معنا من البدريين سبعين رجلا، وإنما رئيسنا ابن عم نبينا، بدري صدق[33] صلي صغيرا، وجاهد مع نبيکم کبيرا، ومعاوية طليق من وثاق الاسار

[صفحه 164]

ابن طليق، ألا انه أغوي جفاة فأوردهم النار، وأورثهم العار، والله محل بهم الذل و الصغار، ألا إنکم ستلقون عدوکم غدا، فعليکم بتقوي الله والجد والحزم والصدق والصبر فإن الله مع الصابرين، ألا إنکم تفوزون بقتلهم ويشقون بقتلکم، والله لا يقتل رجل منکم رجلا منهم إلا أدخل الله القاتل جنات عدن، وأدخل المقتول نارا تلظي لا يفتر عنهم وهم فيه مبلسون.

کتاب صفين ص 266، شرح ابن ابي الحديد 483:1، جمهرة الخطب 179:1.

58- من خطبة لمالک بن الحارث الاشتر يوم صفين: واعلموا أنکم علي الحق وان القوم علي الباطل، يقاتلون مع معاوية، وأنتم مع البدريين قريب من مائة بدري، ومن سوي ذلک من أصحاب محمد صلي الله عليه، أکثر ما معکم رايات قد کانت مع رسول الله صلي الله عليه ومع معاوية رايات قد کانت مع المشرکين علي رسول الله صلي الله عليه، فما يشک في قتال هؤلاء إلا ميت القلب، فإنما أنتم علي إحدي الحسنيين: إما الفتح، وإما الشهادة.

کتاب صفين ص 268، شرح ابن ابي الحديد 484:1، جمهرة الخطب 183:1

59- من مقال لهاشم بن عتبة المرقال: سر بنا يا أميرالمؤمنين؟ إلي هؤلاء القوم القاسية قلوبهم، الذين نبذوا کتاب الله وراء ظهورهم، وعملوا في عباد الله بغير رضا الله، فأحلوا حرامه، وحرموا حلاله، واستهوي بهم الشيطان، ووعدهم الاباطيل، ومناهم الاماني حتي أزاعهم عن الهدي، وقصد بهم قصد الردي، وحبب إليهم الدنيا، ومنه: وهم يا أميرالمؤمنين؟ يعلمون منک مثل الذي نعلم، ولکن کتب عليهم الشقاء، ومالت بهم الاهواء، وکانوا ظالمين. جمهرة الخطب 151:1.

60- من خطبة لابن عباس بصفين: إن ابن آکلة الاکباد قد وجد من طغام أهل الشام أعوانا علي علي بن أبي طالب ابن عم رسول الله وصهره، وأول ذکر صلي معه، بدري قد شهد مع رسول الله صلي الله عليه کل مشاهده التي فيها الفضل، ومعاوية وأبوسفيان مشرکان يعبدان الاصنام، واعلموا: والله الذي ملک الملک وحده فبان به وکان أهله، لقد قاتل علي بن أبي طالب مع رسول الله صلي الله عليه، وعلي يقول: صدق الله ورسوله، ومعاوية وأبوسفيان يقولان: کذب الله ورسوله. فما معاوية في هذه بأبر ولا أتقي ولا أرشد ولا أصوب منه في تلکم، فعليکم بتقوي الله والجد والحزم والصبر، وإنکم لعلي الحق وإن القوم

[صفحه 165]

لعلي الباطل.

کتاب صفين ص 360، شرح ابن ابي الحديد 504:1.

وسيوافيک حديث لعن ابن عباس معاوية يوم عرفة في المجتمع العام.

61- من أبيات لعلقمة بن عمرو يوم صفين:


ما لابن صخر حرمة ترتجي
لها ثواب الله بل مندمه


لاقيت ما لاقي غداة الوغي
من أدرک الابطال يابن الامه


ضيعت حق الله في نصرة
للظالم المعروف بالمظلمه


إن أبا سفيان من قبله (إلي آخر الابيات)


62- من شعر مجزأة بن ثور السدوسي الصحابي العظيم ارتجز به يوم صفين:


أضربهم ولا أري معاويه
الابرج العين (1) العظيم الحاويه


هوت به في النار ام هاويه
جاوره فيها کلاب عاويه


أغوي طغاما لاهدته هاديه

يروي هذا الرجز لعلي عليه السلام في مروج الذهب 25:2 وفيه: وقيل: ان هذا الشعر لبديل بن ورقاء، وکذلک عزاه إليه سلام الله عليه في لسان العرب 229:18، وذکر الطبري البيت الاول في تاريخه 23:6 ونسبه إلي أميرالمؤمنين، وذکر ابن مزاحم ثلاثة أشطر في کتاب صفين ص 460 وعزاها إلي أميرالمؤمنين عليه السلام، وذکر الاشطر برمتها في ص 454 ونسبها إلي مالک الاشتر، ورواها لمجزأة بن ثور في ص 344 وذکرها ابن أبي الحديد في شرحه 500:1 لمحرز بن ثور نقلا عن نصر بن مزاحم، وتعزي إلي الاخنس کما في الاشتقاق ص 148.

63- قال أبوعمر في الاستيعاب 251:1: لما قتل عثمان وبايع الناس عليا دخل عليه المغيرة بن شعبة فقال له: يا أميرالمؤمنين؟ إن لک عندي نصيحة، قال: وما هي؟ قال: إن أردت أن يستقيم لک الامر فاستعمل طلحة بن عبيدالله علي الکوفة، والزبير بن العوام علي البصرة، وابعث معاوية بعهده علي الشام حتي يلزمه طاعتک فاذا استقرت لک الخلافة فادرها کيف شئت برأيک. قال علي: أما طلحة والزبير فأري رأيي فيهما، وأما معاوية فلا والله لا أراني مستعملا له ولا مستعينا به ما دام علي حاله، ولکني أدعوه إلي الدخول

[صفحه 166]

فيما دخل فيه المسلمون، فإن أبي حاکمته إلي الله، وانصرف عنه المغيرة مغضبا له لما لم يقبل عنه نصيحته، فلما کان الغداة أتاه فقال: يا أمير المؤمنين نظرت فيما قلت لک بالامس وما جاوبتني به فرأيت انک وفقت للخير وطلب الحق، ثم خرج عنه فلقيه الحسن رضي الله عنه وهو خارج فقال لابيه: ما قال لک هذا الاعور؟ قال: أتاني أمس هکذا وأتاني اليوم هکذا، قال: نصح لک والله أمس، وخدعک اليوم، فقال له علي: إن أقررت معاوية علي ما في يده کنت متخذ المضلين عضدا.

راجع ما أسلفناه في الجزء السادس ص 142 ط 2.

64- قال أبوعمر في الاستيعاب عند ترجمة حبيب بن مسلمة 123:1: وروينا ان الحسن ابن علي قال لحبيب بن مسلمة في بعض خرجاته بعد صفين: يا حبيب رب مسير لک في غير طاعة الله. فقال له حبيب: أما إلي أبيک فلا. فقال له الحسن: بل والله لقد طاوعت معاوية علي دنياه وسارعت في هواه، فلئن کان قام بک في دنياک لقد قعد بک في دينک، فليتک إذ أسأت الفعل أحسنت القول فتکون کما قال الله تعالي: وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا، ولکنک کما قال الله تعالي: کلا بل ران علي قلوبهم ما کانوا يکسبون.

65- عن أبي سهيل التميمي قال: حج معاوية فسأل عن امرأة من بني کنانة کانت تنزل بالحجون يقال لها: دارمية الحجونية. وکانت سوداء کثيرة اللحم فأخبر بسلامتها فبعث إليها فجئ بها فقال: ما جاء بک يا ابنة حام؟ فقالت: لست لحام إن عبتني، أنا امرأة من بني کنانة، قال: صدقت أتدري لما بعثت إليک؟ قالت: لا يعلم الغيب إلا الله، قال: بعث إليک لاسألک علام أحببت عليا وأبغضتني؟ وواليته وعاديتني؟ قالت: أو تعفيني؟ قال: لا اعفيک. قالت: أما إذا أبيت فاني أحببت عليا علي عدله في الرعية، و قسمه بالسوية، وأبغضتک علي قتال من هو أولي منک بالامر، وطلبتک ما ليس لک بحق، وواليت عليا علي ما عقد له رسول الله صلي الله عليه وسلم من الولاء، وحبه المساکين، وإعظامه لاهل الدين، وعادتيک علي سفک الدماء، وجورک في القضاء، وحکمک بالهوي. قال: فلذلک انتفخ بطنک وعظم ثدياک، وربت عجزتک؟ قالت: يا هذا بهند والله کان يضرب

[صفحه 167]

المثل في ذلک لابي.قال معاوية: يا هذه اربعي فإنا لم نقل إلا خيرا، انه اذا انتفخ بطن المرأة تم خلق ولدها، وإذا عظم ثدياها تروي رضيعها، وإذا عظمت عجزتها رزن مجلسها فرجعت وسکنت، قال لها: يا هذه هل رأيت عليا؟ قالت: اي والله، قال: فکيف رأيته؟ قالت: رأيته والله لم يفتنه الملک الذي فتنک، ولم تشغله النعمة التي شغلتک، قال: فهل سمعت کلامه؟ قالت: نعم والله، فکان يجلو القلوب من العمي کما يجلو الزيت صدأ الطست قال: صدقت، فهل لک من حاجة؟ قالت: أو تفعل إذا سألتک؟ قال: نعم. قالت: تعطيني مائة ناقة حمراء فيها فحلها وراعيها، قال: تصنعين بها ماذا؟ قالت: أغذوا بألبانها الصغار، واستحيي بها الکبار، واکتسب بها المکارم، واصلح بها بين العشائر، قال: فإن أعطيتک ذلک فهل أحل عندک محل علي بن أبي طالب؟ قالت: سبحان الله أو دونه فأنشأ معاوية يقول


إذا لم أعد بالحلم مني عليکم
فمن ذا الذي بعدي يؤمل للحلم؟


خذيها هنيئا واذکري فعل ماجد
جزاک علي حرب العداوة بالسلم


ثم قال: أما والله لو کان علي حيا ما أعطاک منها شيئا، قالت: لا والله ولا وبرة واحدة من مال المسلمين. العقد الفريد 162:1، بلاغات النساء لابن أبي طاهر ص 72.

66- دخلت أروي بنت الحرث بن عبد تالمطلب علي معاوية وهي عجوز کبيرة فلما رآها معاوية قال: مرحبا بک وأهلا يا خالة فکيف کنت بعدنا؟ فقالت: يا ابن أخي لقد کفرت يد النعمة، وأسأت لابن عمک الصحبة، وتسميت بغير اسمک، وأخذت غير حقک، من غير دين کان منک ولا من آبائک، ولا سابقة في الاسلام بعد أن کفرتم برسول الله صلي الله عليه وسلم، فأنفس الله منکم الجدود، وأضرع منکم الخدود، ورد الحق إلي أهله ولو کره المشرکون، وکانت کلمتنا هي العليا، ونبينا صلي الله عليه وسلم هو المنصور، فوليتم علينا من بعده، وتحتجون بقرابتکم من رسول الله صلي الله عليه وسلم، ونحن أقرب إليه منکم و أولي بهذا الامر، فکنا فيکم بمنزلة هارون من موسي، فغايتنا الجنة وغايتکم النار. الحديث. العقد الفريد 164:1، بلاغات النساء ص 27.

67- من حديث طويل أسلفنا شطرا منه في ترجمة عمرو بن العاص ج 2 ص 133 تا 136 فتکلم الحسن بن علي عليه السلام فحمد الله وأثني عليه وصلي علي رسوله صلي الله عليه وآله ثم قال: أما بعد: يا معاوية فما هؤلاء شتموني ولکنک شتمتني فحشا ألفته، وسوء رأي

[صفحه 168]

عرفت به، وخلقا سيئا ثبت عليه، وبغيا علينا عداوة منک لمحمد وأهله، ولکن اسمع يا معاوية واسمعوا فلاقولن فيک وفيهم ما هو دون ما فيکم.

انشدکم الله أيها الرهط أتعلمون أن الذي شتمتموه منذ اليوم صلي القبلتين کليهما وأنت بهما کافر، تراها ضلالة، وتعبد اللات والعزي غواية؟ وأنشدکم الله هل تعلمون أنه بايع البيعتين کليهما: بيعة الفتح وبيعة الرضوان؟ وأنت يا معاوية باحداهما کافر، و بالاخري ناکث. وأنشدکم الله هل تعملون أنه أول الناس ايمانا؟ وانک يا معاوية وأباک من المؤلفة قلوبهم تسرون الکفر وتظهرون الاسلام، وتستمالون بالاموال. وأنشدکم الله ألستم تعلمون أنه کان صاحب راية رسول الله صلي الله عليه وآله يوم بدر؟ وأن راية المشرکين کانت مع معاوية ومع أبيه، ثم لقيکم يوم احد ويوم الاحزاب ومعه راية رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم ومعک ومع أبيک راية الشرک، وفي کل ذلک يفتح الله له، ويفلج حجته، وينصر دعوته، ويصدق حديثه، ورسول الله صلي الله عليه وآله في تلک المواطن کلها عنه راض، وعليک وعلي أبيک ساخط، وأنشدک الله يا معاوية أتذکر يوما جاء أبوک علي جمل أحمر وأنت تسوقه وأخوک عتبة هذا يقوده فرآکم رسول الله صلي الله عليه وآله فقال: أللهم العن الراکب و القائد والسائق، أتنسي يا معاوية الشعر الذي کتبته إلي أبيک لما هم أن يسلم تنهاه عن ذلک.


يا صخر لا تسلمن يوما فتفضحنا
بعد الذين ببدر أصبحوا مزقا


خالي وعمي وعم الام ثالثهم
وحنظل الخير قد أهدي لنا الارقا


لا ترکنن إلي أمر يکلفنا
والراقصات به في مکة الخرقا


فالموت أهون من قول العداة لقد
عاد ابن حرب عن العزي إذا فرقا


والله لما أخفيت من أمرک أکبر مما أبديت. وأنشدکم الله أيها الرهط أتعلمون أن عليا حرم الشهوات علي نفسه بين أصحاب رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم فأنزل فيه: يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لکم. وإن رسول الله صلي الله عليه وآله بعث أکابر أصحابه إلي بني قريظة فنزلوا من حصنهم فهزموا فبعث عليا بالراية فاستنزلهم علي حکم الله وحکم رسوله، وفعل في خيبر مثلها ثم قال: يا معاوية أظنک لا تعلم أني أعلم ما دعا به عليک رسول الله صلي الله عليه وآله لما أراد أن يکتب کتابا إلي بني جذيمة فبعث إليک ونهمک إلي أن تموت، وأنتم أيها الرهط نشدتکم الله ألا تعملون أن رسول الله صلي الله عليه وآله لعن

[صفحه 169]

أبا سفيان في سبعة مواطن لا تستطيعون ردها، أولها (فعد المواطن التي ذکرناها ص 82 و 81 من هذا الجزء)

راجع تذکرة السبط ص 115، شرح ابن أبي الحديد 102:2، جمهرة الخطب 428:1. وفي لفظ سبط ابن الجوزي: وأنت يا معاوية نظر النبي صلي الله عليه وآله وسلم إليک يوم الاحزاب فرأي أباک علي جمل يحرض الناس علي قتاله وأخوک يقود الجمل وأنت تسوقه فقال: لعن الله الراکب والقائد والسائق، وما قابله أبوک في موطن إلا ولعنه وکنت معه، ولاک عمر الشام فخنته، ثم ولاک عثمان فتربصت عليه، وأنت الذي کنت تنهي أباک عن الاسلام حتي قلت مخاطبا له:


يا صخر لا تسلمن طوعا فتفضحنا
بعد الذين ببدر أصبحوا مزقا


لا ترکنن إلي أمر تقلدنا
والراقصات بنعمان به الحرقا


وکنت يوم بدر واحد والخندق والمشاهد کلها تقاتل رسول الله صلي الله عليه وسلم وقد علمت الفراش الذي ولدت عليه. الحديث.

قال السبط في التذکرة ص 116، قال الاصمعي والکلبي في المثالب: معني قول الحسن لمعاوية: قد علمت الفراش الذي ولدت فيه. ان معاوية کان يقال انه من أربعة من قريش: عمارة بن الوليد بن المغيرة المخزومي. مسافر بن أبي عمرو. أبي سفيان. العباس بن عبدالمطلب. وهؤلاء کانوا ندماء أبي سفيان وکان منهم من يتهم بهند.

فأما عمارة بن الوليد کان من أجمل رجالات قريش.

وأما مسافر بن أبي عمرو فقال الکلبي: عامة الناس علي أن معاوية منه لانه کان أشد الناس حبا لهند، فلما حملت هند بمعاوية خاف مسافر أن يظهر أنه منه، فهرب إلي ملک الحيرة فأقام عنده، ثم إن أبا سفيان قدم الحيرة فلقيه مسافر وهو مريض من عشقه لهند وقد سقي بطنه فسأله عن أهل مکة فأخبره، وقيل: إن أبا سفيان تزوج هندا بعد انفصال مسافر عن مکة، فقال له أبوسفيان: إني تزوجت هندا بعدک فازداد مرضه وجعل يذوب فوصف الکي فاحضروا المکاوي والحجام، فبينا الحجام يکويه إذ حبق الحجام فقال مسافر: قد يحبق العير والمکواة في النار. فسارت مثلا، ثم مات مسافر من عشقه لهند.

[صفحه 170]

وقال الکلبي: کانت هند من المغيلمات وکانت تميل إلي السودان من الرجال فکانت إذا ولدت ولدا أسود قتلته قال: وجري بين يزيد بن معاوية وبين اسحاق بن طابة بين يدي معاوية وهو خليفة فقال يزيد لاسحاق: إن خيرا لک أن يدخل بنو حرب کلهم الجنة. أشار يزيد إلي أن ام إسحاق کانت تتهم ببعض بني حرب، فقال له إسحاق إن خيرا لک أن يدخل بنو العباس کلهم الجنة. فلم يفهم يزيد قوله وفهم معاوية، فلما قام إسحاق قال معاوية ليزيد: کيف تشاتم الرجال قبل أن تعلم ما يقال فيک؟ قال: قصدت شين إسحاق. قال: وهو کذلک أيضا. قال: وکيف؟ قال: أما علمت أن بعض قريش في الجاهلية يزعمون اني للعباس. فسقط في يدي يزيد. وقال الشعبي: وقد أشار رسول الله صلي الله عليه وآله إلي هند يوم فتح مکة بشيئ من هذا فإنها لما جاءت تبايعه وکان قد أهدر دمها فقالت: علي ما ابايعک؟ فقال: علي أن لا تزنين. فقالت: وهل تزني الحرة؟ فعرفها رسول الله صلي الله عليه وآله فنظر إلي عمر فتبسم.

وقال الزمخشري في ربيع الابرار[34] ج 3 باب القرابات والانساب وذکر حقوق الآباء والامهات وصلة الرحم والعقوق:

وکان معاوية يعزي إلي أربعة إلي أبي عمرو بن مسافر. وإلي عمارة بن الوليد.وإلي العباس بن عبدالمطلب. وإلي الصباح مغني اسود کان لعمارة. قالوا: وکان أبوسفيان ذميما، قصيرا، وکان الصباح عسيفا لابي سفيان شابا وسيما فدعته هند إلي نفسها وقالوا: إن عتبة بن أبي عتبة بن أبي سفيان من الصباح أيضا- وإنما کرهت أن تضعه في منزلها فخرجت إلي أجياد فوضعته هناک، وفي ذلک قال حسان:


لمن الصبي بحانب البطحاء
في الترب ملقي غير ذي مهد


نجلت به بيضاء آنسة
من عبد شمس صلبة الخد؟


وقال ابن أبي الحديد في شرح النهج 111:1: کانت هند تذکر في مکة بفجور وعهر وقال الزمخشري في کتاب ربيع الابرار: کان معاوية. وذکر إلي آخر الکلمة المذکورة فقال: والذين نزهوا هندا عن هذا القذف، فذکر حديث الفاکهة الذي ذکره أبوعبيد معمر بن المثني.

[صفحه 171]

وفي کتاب لزياد بن أبيه مجيبا معاوية عن تعييره إياه بامه سمية: وأما تعييرک لي بسمية فإن کنت ابن سمية فأنت ابن جماعة. شرح ابن أبي الحديد 68:4.

68- أخرج الحافظ ابن عساکر في تاريخه من طريق عبدالملک بن عمير قال: قدم جارية بن قدامة السعدي علي معاوية فقال: من أنت؟ قال: جارية بن قدامه. قال: وما عسيت أن تکون هل أنت إلا نحلة؟ قال: لا تقل فقد شبهتني بها حامية اللسعة حلوة البصاق، والله ما معاوية إلا کلبة تعاوي الکلاب، وما امية إلا تصغير أمة.

وأخرج عن الفضل بن سويد قال: وفد جارية بن قدامة علي معاوية، فقال له معاوية: أنت الساعي مع علي بن أبي طالب، والموقد النار في شعلک تجوس قري عربية تسفک دماءهم. قال جارية: يا معاوية دع عنک عليا فما أبغضنا عليا منذ أحببناه، ولا غششناه منذ صحبناه. قال ويحک يا جارية ما کان أهونک علي أهلک إذ سموک جارية؟ قال: أنت يا معاوية کنت أهون علي أهلک إذ سموک معاوية. إلخ وذکره بطوله وما قبله السيوطي في تاريخ الخلفاء ص 133.

وفي لفظ ابن عبد ربه: قال معاوية لجارية: ما کان أهونک علي أهلک إذ سموک جارية؟ قال: ما کان أهونک علي أهلک إذ سموک معاوية وهي الانثي من الکلاب؟ قال: لا ام لک. قال: امي ولدتني للسيوف التي لقيناک بها في أيدينا، قال: انک لتهددني؟ قال: أما والله إن القلوب التي أبغضناک بها لبين جوانحنا، والسيوف التي قاتلناک بها لفي أيدينا إنک لم تفتتحنا قسرا، ولم تملکنا عنوة، ولکنک أعطيتنا عهدا وميثاقا، وأعطيناک سمعا وطاعة، فإن وفيت لنا وفينا لک، وإن فزعت إلي غير ذلک فانا ترکنا وراءنا رجالا شدادا وألسنة حدادا. قال له معاوية: لا کثر الله في الناس أمثالک. قال جارية: قل معروفا وراعنا فإن شر الدعاء المحتطب. العقد الفريد 143:2 في مجاوبة الامراء والرد عليهم، وذکره الابشيهي قريبا من هذا اللفظ في المستطرف 73:1 وما ذکرناه بين الخطين من لفظه.

69- دخل شريک بن الاعور علي معاوية وکان دميما فقال له معاويه: إنک لدميم والجميل خير من الدميم، وانک لشريک وما لله من شريک، وإن أباک لاعور والصحيح خير من الاعور، فکيف سدت قومک؟ فقال له: إنک معاوية وما معاوية إلا کلبة عوت فاستعوت الکلاب، وانک لابن صخر والسهل خير من الصخر، وإنک

[صفحه 172]

لابن حرب والسلم خير من الحرب، وانک لابن امية وما امية إلا أمة صغرت، فکيف صرت أميرالمؤمنين؟ ثم خرج وهو يقول:


أيشتمني معاوية بن حرب
وسيفي صارم ومعي لساني


وحولي من ذوئ يزن ليوث
ضراغمة تهش إلي الطعان


يعير بالدمامة من سفاه
وربات الجمال من الغواني


المستطرف 72:1

قال الاميني: إن معاوية لما کان تتوجه إليه تلکم القوارص من ناحية اسمه، ولعله کان لا ينسي معناه عند توجيه الخطاب إليه بذلک، ولم يک له بد منه إذ سمته به هند وما کان يسعه إن يخطأها، فبذل ألف ألف درهم لعبد الله بن جعفر الطيار أن يسمي أحد أولاده (معاوية)[35] زعما منه بتخفيف الوطئة إن کان له سمي في البيت الهاشمي. لکن خفي علي المغفل ان فناء آل هاشم لا يقصر عن فناء أصحاب الکهف فإن کلبهم ما دنس ساحتهم، فاني تدنس الاسماء تلک الافنية المقدسة التي منها بيوت أذن الله أن ترفع ويذکر فيها اسمه.

70- ومن خطبة لمولانا أميرالمؤمنين عليه السلام: والله ما معاوية بادهي مني، ولکنه يغدر ويفجر، ولولا کراهية الغدر لکنت من أدهي الناس، ولکن کل غدرة فجرة، ولکل فجرة کفرة، ولکل غادر لواء يعرف به يوم القيامة.

ولابن أبي الحديد في شرحه 572:2 تا 589 کلمة ضافية في شرح هذه الخطبة فيها فوائد جمة من جهات شتي، ومنها کلمة الجاحظ أبي عثمان حول معاوية، وقول أبي جعفر النقيب: إن معاوية من أهل النار لا لمخافته عليا ولا بمحاربته إياه، ولکن عقيدته لم تکن صحيحة ولا ايمانه حقا، وکان من رؤس المنافقين هو وأبوه، ولم يسلم قلبه قط، وإنما أسلم لسانه، وکان يذکر من حديث معاوية ومن فلتات قوله وما حفظ عنه من کلام يقتضي فساد العقيدة شيئا کثيرا.. إلخ.

71- لما قتل العباس بن ربيعة يوم صفين عرار بن أدهم من أصحاب معاوية تأسف معاوية علي عرار وقال: متي ينطف فحل بمثله؟ أيطل دمه؟ لاها الله ذا. ألا

[صفحه 173]

لله رجل يشري نفسه يطلب بدم عرار؟ فانتدب له رجلان من لخم. فقال: إذهبا فأيکما قتل العباس برازا فله کذا. فأتياه ودعواه إلي البراز فقال: إن لي سيدا اريد أن اؤامره فأتي عليا فأخبره الخبر فقال علي: والله لود معاوية انه ما بقي من هاشم نافخ ضرمة إلا طعن في نيطه[36] إطفاء لنور الله ويأبي الله إلا أن يتم نوره ولو کره الکافرون. الحديث عيون الاخبار لابن قتيبة 180:1.

72- لما سلم الحسن الامر إلي معاوية قال الخوارج: قد جاء الآن ما لا شک فيه فسيروا إلي معاوية فجاهدوه. فأقبلوا وعليهم فروة بن نوفل حتي حلوا بالنخيلة عند الکوفة وکان الحسن بن علي قد سار يريد المدينة، فکتب إليه معاوية يدعوه إلي قتال فروة فلحقه رسوله بالقادسية أو قريبا منها فلم يرجع وکتب إلي معاوية: لو آثرت أن اقاتل أحدا من أهل القبلة لبدأت بقتالک فاني ترکتک لصلاح الامة وحقن دمائها.

ألکامل لابن الاثير 177:3.

73- قال الاسود بن يزيد: قلت لعائشة: ألا تعجبين لرجل من الطلفاء ينازع أصحاب رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم في الخلافة؟ فقالت: وما تعجب من ذلک؟ هو سلطان الله يؤتيه البر والفاجر، وقد ملک فرعون أهل مصر أربعمائة سنة، وکذلک غيره من الکفار.

تاريخ ابن کثير 8 ص 131 قال: أخرجه أبوداود الطيالسي وابن عساکر[37] .

تشبيه ام المؤمنين معاوية بفرعون وغيره من الکفار في ملکه يعرب عن جلية حال ذلک الملک العضوض ومالک أزمته، وما أمر فرعون برشيد يقدم قومه يوم القيامة فأوردهم النار وبئس الورد المورود واتبعوا في هذه الدنيا لعنة ويوم القيامة، بئس الرفد المرفود

74- أخرج الحافظ ابن عساکر في تاريخه 6:425 من طريق الشعبي قال: خطب الناس معاوية فقال: لو ان أبا سفيان ولد الناس کلهم کانوا أکياسا. فقام إليه صعصعة بن صوحان فقال له: قد ولد الناس کلهم من هو خير من أبي سفيان: آدم عليه السلام فمنهم الاحمق والکيس، فقال معاوية: إن أرضنا قريبة من المحشر. فقال له: إن المحشر لا يبعد علي

[صفحه 174]

مؤمن ولا يقرب من کافر. فقال معاوية: إن أرضنا ارض مقدسة. فقال له صعصعة: إن الارض لا يقدسها شئ ولا ينجسها، إنما تقدسها الاعمال. فقال معاوية: عباد الله اتخذوا الله وليا واتخذوا خلفاءه جنة تحترزوا بها. فقال صعصعة: کيف وکيف؟ وقد عطلت السنة، وأخفرت الذمة، فصارت عشواء مطلخمة، في دهياء مدلهمة، قد استوعبتها الاحداث، وتمکنت منها الانکاث. فقال له معاوية: يا صعصعة لان تقعي علي ظلعک خير لک من استبراء رأيک، وإبداء ضعفک، تعرض بالحسن بن علي علي، ولقد هممت أن أبعث إليه. فقال له صعصعة: اي والله وجدتهم أکرمهم جدودا، وأحياکم حدودا، و أوفاکم عهودا، ولو بعثت إليه فلوجدته في الرأي أريبا، وفي الامر صليبا، وفي الکرم نجيبا، يلذعک بحرارة لسانه، ويقرعک بما لا تستطيع إنکاره. فقال له معاوية: والله لاجفينک عن الوساد، ولاشردن بک في البلاد، فقال له صعصعة: والله إن في الارض لسعة، وإن في فراقک لدعة، فقال معاوية: والله لاحبسنک عطاءک. قال: إن کان ذلک بيدک فافعل، إن العطاء وفضائل النعماء في ملکوت من لا تنفد خزائنه، ولا يبيد عطاءه، ولا يحيف في قضيته. فقال له معاوية: لقد استقتلت. فقال له صعصعة: مهلا، لم أقل جهلا، ولم أستحل قتلا، لا تقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، ومن قتل مظلوما کان الله لقاتله مقيما، يرهقه اليما، ويجرعه حميما، ويصليه جحيما.

75- لما ولي معاوية بن يزيد بن معاوية صعد المنبر فقال: إن هذه الخلافة حبل الله وان جدي معاوية نازع الامر أهله، ومن هو أحق به منه، علي بن ابي طالب، ورکب بکم ما تعلمون حتي أتته منيته فصار في قبره رهينا بذنوبه، ثم قلد أبي الامر، وکان غير أهل له، ونازع ابن بنت رسول الله صلي الله عليه وسلم فقصف عمره، وانبتر عقبه، وصار في قبره رهينا بذنوبه ثم بکي. الصواعق لابن حجر ص 134.

76- قال الحارث بن مسمار البهراني: حبس معاوية صعصعة بن صوحان العبدي وعبدالله بن الکواء اليشکري ورجالا من أصحاب علي مع رجال من قريش فدخل عليهم معاوية يوما فقال: نشدتکم بالله إلا ما قلتم حقا وصدقا أي الخلفاء رأيتموني؟ فقال ابن الکواء: لولا انک عزمت علينا ما قلنا لانک جبار عنيد لا تراقب الله في قتل الاخيار و لکنا نقول: إنک ما علمنا واسع الدنيا، ضيق الآخرة، قريب الثري، بعيد المرعي،

[صفحه 175]

تجعل الظلمات نورا، والنور ظلمات. فقال معاوية: إن الله أکرم هذا الامر بأهل الشام الذابين عن بيضته، التارکين لمحارمه، ولم يکونوا کأمثال أهل العراق المنتهکين لمحارم الله والمحلين ما حرم الله والمحرمين ما أحل الله. فقال عبدالله بن الکواء، يا ابن أبي سفيان ان لکل کلام جوابا ونحن نخاف جبروتک، فإن کنت تطلق ألسنتنا ذبينا عن أهل العراق بألسنة حداد لا يأخذها في الله لومة لائم، وإلا فانا صابرون حتي يحکم الله ويضعنا علي فرجه. قال: والله لا يطلق لک لسان.

ثم تکلم صعصعة فقال: تکلمت يا ابن أبي سفيان فأبلغت ولم تقصر عما أردت و ليس الامر علي ما ذکرت، أني يکون الخليفة من ملک الناس قهرا، ودانهم کبرا، و استولي بأسباب الباطل کذبا ومکرا؟ أما والله مالک في يوم البدر مضرب ولا مرمي، و ما کنت فيه إلا کما قال القائل) لاحلي ولا سيري (ولقد کنت أنت وأبوک في العير والنفير ممن أجلب علي رسول الله صلي الله عليه وسلم وإنما أنت طليق ابن طليق، أطلقکما رسول الله صلي الله وعليه وسلم فأني تصلح الخلافة لطليق؟ فقال معاوية لولا اني أرجع إلي قول أبي طالب حيث يقول:


قابلت جهلهم حلما ومغفرة
والعفو عن قدرة ضرب من الکرم

لقتلتکم. «مروج الذهب 78:2«


77- عن أبي مزروع الکلبي قال: دخل صعصعة بن صوحان علي معاوية فقال له يا ابن صوحان أنت ذو معرفة بالعرب وبحالها- إلي أن قال-: فاخبرني عن أهل الحجاز. قال: أسرع الناس إلي فتنة، وأضعفهم عنها، وأقلهم عناء فيها، غير ان لهم ثباتا في الدين وتمسکا بعروة اليقين، يتبعون الائمة الابرار، ويخلعون الفسقة الفجار. فقال معاوية: من البررة والفسقة؟ فقال: يا ابن أبي سفيان ترک الخداع من کشف القناع، علي وأصحابه من الائمة الابرار، وأنت وأصحابک من اولئک.

إلي أن قال معاوية: أخبرني عن أهل الشام. قال: أطوع الناس لمخلوق، وأعصاهم للخالق، عصاة الجبار، وحلفة الاشرار، فعليهم الدمار، ولهم سوء الدار. فقال معاوية: والله يا ابن صوحان انک لحامل مديتک منذ أزمان إلا ان حلم ابن أبي سفيان يرد عنک فقال صعصعة: بل أمر الله وقدرته، ان امر الله کان قدرا مقدورا.[38] .

78- عن ابراهيم بن عقيل البصري قال: قال معاوية يوما وعنده صعصعة وکان قدم عليه بکتاب علي وعنده وجوه الناس: الارض لله، وأنا خليفة الله، فما آخذ من مال الله فهو لي وما ترکت منه کان جائزا لي فقال صعصعة:


تمنيک نفسک ما لا يکو
ن جهلا معاؤي لا تأثم


فقال معاوية: يا صعصعة تعلمت الکلام. قال، العلم بالتعلم، ومن لا يعلم يجهل قال معاوية: ما أحوجک إلي أن اذيقک وبال أمرک. قال، ليس ذلک بيدک ذلک بيد الذي لا يؤخر نفسا إذا جاء أجلها، قال، ومن يحول بيني وبينک؟ قال: الذي يحول بين المرء وقلبه. قال معاوية: اتسع بطنک للکلام کما استع بطن البعير للشعير. قال: اتسع بطن من لا يشبع ودعا عليه من لا يجمع.[39] .

79- سئل صعصعة بن صوحان عن معاوية قال: صانع الدنيا فاقتلدها، وضيع الآخرة فنبذها، وکان صاحب من أطعمه وأخافه. تاريخ ابن عساکر 424:6.

80- أخرج أبوالفرج الاصبهاني في الاغاني 18:3 قال: أخبرني احمد بن عبدالعزيز الجوهري قال: حدثنا عمر بن شبة قال: حدثني أحمد بن معاوية عن الهيثم بن عدي قال: حج معاوية حجتين في خلافته وکانت له ثلاثون بغلة يحج عليها نساؤه وجواريه قال: فحج في إحداهما فرأي شخصا يصلي في المسجد الحرام عليه ثوبان أبيضان فقال: من هذا؟ قالوا: شعبة بن غريض[40] وکان من اليهود فأرسل إليه يدعوه فأتاه رسوله فقال: أجب أميرالمؤمنين. قال: أوليس قد مات أميرالمؤمنين قبل؟ قال: فأجب معاوية فأتاه فلم يسلم عليه بالخلافة فقال له معاوية: ما فعلت ارضک التي بتيماء؟[41] قال: يکسي منها العاري ويرد فضلها علي الجار قال: أفتبيعها؟ قال: نعم. قال: بکم؟ قال: بستين ألف دينار ولولا خلة أصابت الحي لم أبعها. قال: لقد أغليت. قال: أما لو کانت لبعض أصحابک لاخذتها بستمائة ألف دينار ثم لم تبل. قال: أجل: وإذ بخلت بأرضک فأنشدني شعر أبيک يرثي نفسه فقال: قال أبي:

[صفحه 177]

يا ليت شعري حين أندب هالکا
ماذا تؤبنني به أنواحي؟


أيقلن لا تعبد فرب کريهة
فرجتها ببشارة وسماح


ولقد ضربت بفضل مالي حقه
عند الشتاء وهبة الارواح


ولقد أخذت الحق غير مخاصم
ولقد رددت الحق غير ملاح


وإذا دعيت لصعبة سهلتها
ادعي بأفلح مرة ونجاح


فقال: أنا کنت بهذا الشعر أولي من أبيک قال: کذبت ولؤمت. قال أما کذبت فنعم، وأما لؤمت فلم؟ قال: لانک کنت ميت الحق في الجاهلية وميته في الاسلام، أما في الجاهلية فقاتلت النبي صلي الله عليه وسلم والوحي جعل الله کيدک المردود، وأما في الاسلام فمنعت ولد رسول الله صلي الله عليه وسلم الخلافة، وما أنت وهي وأنت طليق ابن طليق؟ فقال معاوية: قد خرف الشيخ فأقيموه فاخذ بيده فاقيم.

وذکره ملخصا ابن حجر في الاصابة 43:2 من طريق آخر عن عبدالله بن الزبير وزاد: فقال: ما خرفت ولکن انشدک الله يا معاوية أما تذکر لما کنا جلوسا عند رسول الله صلي الله عليه وسلم فجاء علي فاستقبله النبي صلي الله عليه وسلم فقال: قاتل الله من يقاتلک، وعادي من يعاديک. فقطع عليه معاوية حديثه وأخذ معه في حديث آخر.

[صفحه 178]


صفحه 139، 140، 141، 142، 143، 144، 145، 146، 147، 148، 149، 150، 151، 152، 153، 154، 155، 156، 157، 158، 159، 160، 161، 163، 164، 165، 166، 167، 168، 169، 170، 171، 172، 173، 174، 175، 177، 178.








  1. تاريخ ابن کثير 140 و 139: 8.
  2. کتاب صفين ط مصر ص 247.
  3. سيوافيک تمام کلام ابي محمد السبط عليه السلام في هذا البحث.
  4. کتاب صفين ط مصر ص 244.
  5. تاريخ الطبري 357:11.
  6. العتب الجميل ص 86.
  7. تاريخ الطبري 357:11، کتاب صفين ص 243 واللفظ للاول.
  8. راجع ما اسلفناه في الجزء الثامن ص 312 ط 1.
  9. کتاب صفين 248 و 243 ط مصر، تاريخ الطبري 357:11، تاريخ الخطيب 181:12، شرح ابن ابي الحديد 348:1، کنوز الدقائق للمناوي ص 10، اللئالي المصنوعة 425 424:1، تهذيب التهذيب 428:2.
  10. مر تفصيل هذين الصحيحين في هذا الجزء ص 28 و 27.
  11. کذا نجده في المطبوع من تاريخ بغداد وحکاه عنه حرفيا ابن حجر في لسان الميزان 2 ص 247، وفي اللئالي 426:1 نقلا عن التاريخ بلفظ: قال الخطيب: محمد بن اسحاق کثير الخطاء والمناکير، ومن فوقه إلي أبي الزبير کلهم مجهولون به.
  12. هامش الصواعق المحرقة ص 60.
  13. راجع الجزء الثاني ص 127 ط 1.
  14. في نهج البلاغة: باسق.
  15. مقارب العقل: ناقصه ضعيفه.
  16. أي لم ترافقها المساهلة.
  17. راجع ج 224:3.
  18. في شرح النهج: لا نشرک.
  19. غمص الناس: احتقرهم ولم يرهم شيئا.
  20. المنکرين بصيغة المفعول، وفي شرح ابن أبي الحديد: والمتکبرين علي أهل الدين.
  21. يعني الوليد بن عقبة.
  22. يعني معاوية. راجع جمهرة الرسائل 551:1.
  23. عند ابن أبي الحديد: فياعجبا لکم. الطبري: فلا غرو الا خلافکم معه.
  24. أي ذللهم. المعبد: المذلل.
  25. الفتح: القهر والغلبة والتذليل.
  26. أي: فرق بينهم.
  27. الازل: الضيق والشدة.
  28. المستطرف 157:1، الاتحاف ص 10.
  29. شرح ابن ابي الحديد 16:4.
  30. سيأتي بيان العهود المعزوة اليها في هذا الجزء انشاء الله.
  31. سيوافيک تفصيل قتل الحضرمي في هذا الجزء.
  32. هذه الجملة لا توجد في کلام معاوية.
  33. أشار إلي ان کونه بدريا ليس ککون عثمان بدريا بالتمحل والتصنع کما مر حديثه في هذا الجزء.
  34. وقفت منه علي عدة نسخ منها نسخة في مکتبة الاوقاف العامة ببغداد رقم 388.
  35. تاج العروس 260:10.
  36. النيط: الوسط بين الامرين.
  37. تري ابن کثير حکي هذا الحديث عن أبي داود الطياسي وابن عساکر، وقد حرفته يد الطبع عن مسند الاول وتاريخ الثاني لما فيه من طعن ام المؤمنين علي معاوية.
  38. مروج الذهب 79 و 78: 2.
  39. مروج الذهب 79:2، جمهرة الخطب 257:1.
  40. کذا في الاغاني والصحيح کما ضبطه ابن حجر في الاصابة: سعنه. بالمهلة والنون. و يقال بالمثناة التحتانية وعريض بالمهملة ايضا.
  41. تيما: محل بين الحجاز والشام.