استيلاء الناكثين علي البصرة بالغدرة











استيلاء الناکثين علي البصرة بالغدرة



2169- شرح نهج البلاغة عن أبي مخنف: ثمّ إنّ طلحة والزبير قالا: إن قدم عليّ ونحن علي هذه الحال من القلّة والضعف ليأخذنّ بأعناقنا، فأجمَعا علي مراسلة القبائل واستمالة العرب، فأرسلا إلي وجوه الناس وأهل الرياسة والشرف يدعوانهم إلي الطلب بدم عثمان وخلع عليّ وإخراج ابن حنيف من البصرة، فبايعهم علي ذلک الأزد وضبّة وقيس بن عيلان کلّها إلّا الرجل والرجلين من القبيلة کرهوا أمرهم فتواروا عنهم، وأرسلوا إلي هلال بن وکيع التميمي، فلم يأتِهم، فجاءه طلحة والزبير إلي داره، فتواري عنهما، فقالت له اُمّه: ما رأيت مثلک! أتاک شيخا قريش، فتواريت عنهما، فلم تزل به حتي ظهر لهما، وبايعهما ومعه بنو عمرو بن تميم کلّهم وبنو حنظلة إلّا بني يربوع؛ فإنّ عامّتهم کانوا شيعة لعليّ عليه السلام، وبايعهم بنو دارم کلّهم إلّا نفراً من بني مجاشع ذوي دين وفضل. فلمّا استوسق لطلحة والزبير أمرهما خرجا في ليلة مظلمة ذات ريح ومطر ومعهما أصحابهما قد ألبسوهم الدروع وظاهروا فوقها بالثياب، فانتهوا إلي المسجد وقت صلاة الفجر، وقد سبقهم عثمان بن حنيف إليه، واُقيمت الصلاة، فتقدّم عثمان ليصلّي بهم، فأخّره أصحاب طلحة والزبير وقدّموا الزبير.[1] .

[صفحه 181]

2170- مروج الذهب- في ذکر أصحاب الجمل-: فأتَوا البصرة، فخرج إليهم عثمان بن حنيف فمانعهم، وجري بينهم قتال، ثمّ إنّهم اصطلحوا بعد ذلک علي کفّ الحرب إلي قدوم عليّ.

فلمّا کان في بعض الليالي بيّتوا عثمان بن حنيف، فأسروه وضربوه ونتفوا لحيته، ثمّ إنّ القوم استرجعوا وخافوا علي مخلّفيهم بالمدينة من أخيه سهل بن حنيف وغيره من الأنصار، فخلّوا عنه.

وأرادوا بيت المال، فمانعهم الخزّان والموکّلون به وهم السبابِجة،[2] فقُتل منهم سبعون رجلاً غير من جُرح، وخمسون من السبعين ضُربت رقابهم صبراً من بعد الأسر، وهؤلاء أوّل من قُتل ظلماً في الإسلام وصبراً.

وقتلوا حُکَيم بن جَبَلة العبدي، وکان من سادات عبد القيس، وزهّاد ربيعة ونسّاکها.[3] .

2171- تاريخ الطبري عن الزهري- في ذکر أصحاب الجمل-: فقدموا البصرة وعليها عثمان بن حنيف، فقال لهم عثمان: ما نقمتم علي صاحبکم؟

فقالوا: لم نره أولي بها منّا، وقد صنع ما صنع.

قال: فإنّ الرجل أمّرني، فأکتب إليه فاُعلمه ما جئتم له، علي أن اُصلّي بالناس حتي يأتينا کتابه، فوقفوا عليه وکتب.

فلم يلبث إلّا يومين حتي وثبوا عليه فقاتلوه بالزابوقة عند مدينة الرزق،[4] .

[صفحه 182]

فظهروا وأخذوا عثمان، فأرادوا قتله، ثمّ خَشُوا غضب الأنصار، فنالوه في شعره وجسده.[5] .

2172- أنساب الأشراف عن أبي مخنف: صاروا [أهل البصرة] فرقتين: فرقة مع عائشة وأصحابها، وفرقة مع ابن حنيف... وتأهّبوا للقتال، فانتهوا إلي الزابوقة، وأصبح عثمان بن حنيف، فزحف إليهم، فقاتلهم أشدّ قتال، فکثرت بينهم القتلي، وفشت فيهم الجراح.

ثمّ إنّ الناس تداعوا إلي الصلح، فکتبوا بينهم کتاباً بالموادعة إلي قدوم عليّ، علي أن لا يعرض بعضهم لبعض في سوق ولا مشرعة، وأنّ لعثمان بن حنيف دار الإمارة وبيت المال والمسجد، وأنّ طلحة والزبير ينزلان ومن معهما حيث شاؤوا، ثمّ انصرف الناس وألقَوا السلاح.

وتناظر طلحة والزبير، فقال طلحة: واللَّه لئن قدم عليٌّ البصرة ليأخذنّ بأعناقنا، فعزما علي تبييت ابن حنيف وهو لا يشعر، وواطآ أصحابهما علي ذلک، حتي إذا کانت ليلة ريح وظلمة جاؤوا إلي ابن حنيف وهو يصلّي بالناس العشاء الآخرة فأخذوه وأمروا به فوطئ وطئاً شديداً، ونتفوا لحيته وشاربيه، فقال لهما: إنّ سهلاً حيّ بالمدينة واللَّه لئن شاکني شوکة ليضعنّ السيف في بني أبيکما؛ يخاطب بذلک طلحة والزبير، فکفّا عنه وحبساه.

وبعثا عبداللَّه بن الزبير في جماعة إلي بيت المال وعليه قوم من السبابجة يکونون أربعين، ويقال: أربعمائة، فامتنعوا من تسليمه دون قدوم عليّ،

[صفحه 183]

فقتلوهم ورئيسهم أبا سلمة الزُّطّي، وکان عبداً صالحاً.[6] .

2173- الإمامة والسياسة: ذکروا أنّه لمّا اختلف القوم اصطلحوا علي أنّ لعثمان بن حنيف دار الإمارة ومسجدها وبيت المال، وأن ينزل أصحابه حيث شاؤوا من البصرة، وأن ينزل طلحة والزبير وأصحابهما حيث شاؤوا حتي يقدم عليّ؛ فإن اجتمعوا دخلوا فيما دخل فيه الناس، وإن يتفرّقوا يلحق کلّ قوم بأهوائهم، عليهم بذلک عهد اللَّه وميثاقه، وذمّة نبيّه، وأشهدوا شهوداً من الفريقين جميعاً.

فانصرف عثمان، فدخل دار الإمارة، وأمر أصحابه أن يلحقوا بمنازلهم، ويضعوا سلاحهم، وافترق الناس... فمکث عثمان بن حنيف في الدار أيّاماً، ثمّ إنّ طلحة والزبير ومروان بن الحکم أتَوه نصف الليل في جماعة معهم- في ليلة مظلمة سوداء مطيرة- وعثمان نائم، فقتلوا أربعين رجلاً من الحرس، فخرج عثمان بن حنيف، فشدّ عليه مروان فأسرَه، وقتل أصحابه.[7] .

2174- الجمل- في ذکر ماحدث بعد مصالحة عثمان بن حنيف وأصحاب الجمل-: طلب طلحةُ والزبير غُدْرَته، حتي کانت ليلة مظلمة ذات رياح، فخرج طلحة والزبير وأصحابهما حتي أتَوا دار الإمارة وعثمان بن حنيف غافل عنهم، وعلي الباب السبابجة يحرسون بيوت الأموال- وکانوا قوماً من الزُّطّ[8] قد استبصروا وأکل السجود جباههم، وائتمنهم عثمان علي بيت المال ودار الإمارة- فأکبّ عليهم القوم وأخذوهم من أربع جوانبهم، ووضعوا فيهم السيف،

[صفحه 184]

فقتلوا منهم أربعين رجلاً صبراً! يتولّي منهم ذلک الزبير خاصّة، ثمّ هجموا علي عثمان فأوثقوه رباطاً، وعمدوا إلي لحيته- وکان شيخاً کثّ اللحية- فنتفوها حتي لم يبق منها شي ء ولا شعرة واحدة. وقال طلحة: عذِّبوا الفاسق، وانتفوا شعر حاجبيه، وأشفار عينيه، وأوثِقوه بالحديد![9] .

راجع: تاريخ الطبري: 469:4، الکامل في التاريخ: 319:2، مروج الذهب: 367:2، أنساب الأشراف: 26:3، الإمامة والسياسة: 88:1، تاريخ اليعقوبي: 181:2.



صفحه 181، 182، 183، 184.





  1. شرح نهج البلاغة: 320:9؛ الدرجات الرفيعة: 386.
  2. السبابِجة: قوم من السند کانوا بالبصرة حرّاس السجن (الصحاح: 321:1).
  3. مروج الذهب: 367:2 وراجع الکافئة: 17:17.
  4. هي إحدي مسالح العجم بالبصرة قبل أن يختطّها المسلمون(معجم البلدان: 41:3).
  5. تاريخ الطبري: 469:4، الکامل في التاريخ: 319:2 وراجع تاريخ اليعقوبي: 181:2.
  6. أنساب الأشراف: 26:3 وراجع تاريخ الطبري: 464:4 و ص 467 و 506 والکامل في التاريخ: 318:2.
  7. الإمامة والسياسة: 88:1.
  8. الزُّطّ: جنس من السودان والهنود (النهاية: 302:2).
  9. الجمل: 281.