مناقشات مندوب الوالي والناكثين











مناقشات مندوب الوالي والناکثين



2161- أنساب الأشراف عن أبي مخنف في إسناده: ولمّا قربت عائشة ومن معها من البصرة بعث إليهم عثمانُ بن حُنيف عمرانَ بن الحصين الخزاعي أبا نجيد، وأبا الأسود الدئلي، فلقياهم بحفر أبي موسي[1] فقالا لهم: فيما قدِمتم ؟ فقالوا: نطلب بدم عثمان، وأن نجعل الأمر شوري؛ فإنّا غضبنا لکم من سوطه وعصاه؛ أفلا نغضب له من السيف؟!!

وقالا لعائشة: أمرکِ اللَّه أن تقرّي في بيتک؛ فإنّک حبيس رسول اللَّه صلي الله عليه و آله وحليلته وحرمته. فقالت لأبي الأسود: قد بلغني عنک يا أبا الأسود ما تقول فيَّ!!

[صفحه 172]

فانصرف عمران وأبو الأسود إلي ابن حنيف، وجعل أبو الأسود يقول:


يا بن حنيف قد أُتيتَ فانفرِ
وطاعن القوم وضارب واصبرِ


وابرز لهم مستلئماً وشمّرِ

فقال عثمان: إي وربّ الحرمين لأفعلنّ.[2] .

2162- الجمل عن الواقدي وأبي مخنف عن أصحابهما والمدائني وابن دأب عن مشايخهما بالأسانيد: إنّ عائشة وطلحة والزبير لمّا ساروا من مکّة إلي البصرة أغذّوا[3] السير مع من اتّبعهم من بني اُميّة وعمّال عثمان وغيرهم من قريش، حتي صاروا إلي البصرة، فنزلوا حفر أبي موسي، فبلغ عثمان بن حنيف وهو عامل البصرة يومئذٍ، وخليفة أميرالمؤمنين عليه السلام، وکان عنده حُکَيم بن جَبَلة، فقال له حُکَيم: ما الذي بلغک؟ فقال: خُبّرت أنّ القوم قد نزلوا حفر أبي موسي، فقال له حکيم: ائذن لي أن أسير إليهم؛ فإنّي رجل في طاعة أميرالمؤمنين عليه السلام، فقال له عثمان: توقّف عن ذلک حتي اُراسلهم، فقال له حکيم: إنّا للَّه، هلکتَ واللَّه يا عثمان!

فأعرض عنه وأرسل إلي عمران بن حصين وأبي الأسود الدؤلي، فذکر لهما قدوم القوم البصرة وحلولهم حفر أبي موسي، وسألهما المسير إليهم وخطابهم علي ما قصدوا به، وکفّهم عن الفتنة، فخرجا حتي دخلا علي عائشة فقالا لها:

يا اُمّ المؤمنين! ما حملک علي المسير؟ فقالت: غضبت لکما من سوط عثمان وعصاه ولا أغضب أن يقتل!

[صفحه 173]

فقالا لها: وما أنتِ من سوط عثمان وعصاه وإنّما أنت حبيسة رسول اللَّه صلي الله عليه و آله؟ نذکّرکِ اللَّه أن تُهراق الدماء بسببک. فقالت: وهل من أحد يقاتلني؟ فقال لها أبو الأسود: نعم واللَّه قتالاً أهونه شديد!

ثمّ خرجا من عندها، فدخلا علي الزبير فقالا: يا أبا عبداللَّه! ننشدک اللَّه أن تُهراق الدماء بسببک! فقال لهما: ارجعا من حيث جئتما، لا تُفسِدا علينا، فأيسا منه وخرجا حتي دخلا علي طلحة فقالا له: ننشدک اللَّه أن تُهراق الدماء بسببک! فقال لهما طلحة: أ يحبّ عليّ بن أبي طالب أنّه إذا غلب علي أمر المدينة أنّ الأمر له، وأنّه لا أمر إلّا أمره؟ واللَّه ليعلمنّ، فانصرِفا من حيث جئتما. فانصرَفا من عنده إلي عثمان بن حنيف فأخبراه الخبر.

وروي ابن أبي سبرة عن عيسي بن أبي عيسي عن الشعبي أنّ أبا الأسود الدؤلي وعمران لمّا دخلا علي عائشة قالا لها: ما الذي أقدمک هذا البلد وأنت حبيسة رسول اللَّه صلي الله عليه و آله، وقد أمرک أن تقرّي في بيتک؟ فقالت: غضبت لکم من السوط والعصا، ولا أغضب لعثمان من السيف! فقالا لها: ننشدک اللَّه أن تُهراق الدماء بسببک، وأن تحملي الناس بعضهم علي بعض، فقالت لهما: إنّما جئت لاُصلح بين الناس. وقالت لعمران بن الحصين: هل أنت مبلّغ عثمان بن حنيف رسالة؟ فقال: لا اُبلّغه عنک إلّا خيراً. فقال لها أبو الأسود: أنا اُبلّغه عنک فهاتي، قالت: قل له: يا طليق ابن أبي عامر بلغني أنّک تريد لقائي لتقاتلني! فقال لها أبو الأسود: نعم واللَّه ليقاتلنّک. فقالت: وأنت أيضا أيّها الدؤلي؟! يبلغني عنک ما يبلغني، قم فانصرف عنّي.

فخرجا من عندها إلي طلحة فقالا له: يا أبا محمّد! أ لم يجتمع الناس إلي بيعة ابن عمّ رسول اللَّه الذي فضّله اللَّه تعالي کذا وکذا؟ وجعلا يعدّان مناقب

[صفحه 174]

أميرالمؤمنين عليه السلام وفضائله وحقوقه، فوقع طلحة بعليّ عليه السلام وسبّه ونال منه وقال: إنّه ليس أحد مثله، أمَ واللَّه ليعلمنّ غِبّ[4] ذلک، فخرجا من عنده وهما يقولان: غَضِب هذا الدني ء، ثمّ دخلا علي الزبير فکلّماه مثل کلامهما لصاحبه، فوقع أيضاً في عليّ عليه السلام وسبّه، وقال لقوم کانوا بمحضر منه: صبّحوهم قبل أن يمسوکم، فخرجا من عنده حتي صارا إلي عثمان بن حنيف فأخبراه الخبر، فأذن عثمان للناس بالحرب.[5] .

2163- شرح نهج البلاغة عن أبي مخنف: أرسل [ عثمان بن حنيف ] إلي أبي الأسود الدؤلي وعمران بن الحصين الخزاعي، فأمرهما أن يسيرا حتي يأتياه بعلم القوم وما الذي أقدمهم، فانطلقا حتي إذا أتيا حفر أبي موسي وبه معسکر القوم، فدخلا علي عائشة، فنالاها ووعظاها وأذکراها وناشداها اللَّه، فقالت لهما: القَيا طلحة والزبير.

فقاما من عندها ولقيا الزبير فکلّماه، فقال لهما: إنّا جئنا للطلب بدم عثمان وندعوا الناس إلي أن يردّوا أمر الخلافة شوري؛ ليختار الناس لأنفسهم، فقالا له: إنّ عثمان لم يُقتل بالبصرة ليُطلب دمه فيها، وأنت تعلم قتلة عثمان من هم وأين هم، وإنّک وصاحبک وعائشة کنتم أشدّ الناس عليه، وأعظمهم إغراء بدمه، فأقيدوا من أنفسکم.

وأمّا إعادة أمر الخلافة شوري؛ فکيف وقد بايعتم عليّاً طائعَين غير مکرهَين؟ وأنت يا أبا عبداللَّه لم يبعد العهد بقيامک دون هذا الرجل يوم مات رسول اللَّه صلي الله عليه و آله

[صفحه 175]

وأنت آخذ قائم سيفک تقول: ما أحد أحقّ بالخلافة منه، ولا أولي بها منه، وامتنعت من بيعة أبي بکر، فأين ذلک الفعل من هذا القول؟!

فقال لهما: اذهبا فالقَيا طلحة، فقاما إلي طلحة، فوجداه أخشن الملمس، شديد العريکة، قويّ العزم في إثارة الفتنة وإضرام نار الحرب، فانصرفا إلي عثمان بن حنيف فأخبراه، وقال له أبو الأسود:


يابن حنيفٍ قد اُتيتَ فانفرِ
وطاعن القوم وجالد واصبرِ


وابرز لها مستلئماً وشَمِّرِ

فقال ابن حنيف: أي والحرمين لأفعلنّ.[6] .

2164- الإمامة والسياسة: ذکروا أنّ طلحة والزبير لمّا نزلا البصرة، قال عثمان بن حنيف: نعذر إليهما برجلين، فدعا عمرانَ بن الحصين صاحب رسول اللَّه، وأبا الأسود الدؤلي، فأرسلهما إلي طلحة والزبير، فذهبا إليهما فنادَيا: يا طلحة! فأجابهما.

فتکلّم أبو الأسود الدؤلي، فقال: يا أبا محمّد! إنّکم قتلتم عثمان غير مؤامرين لنا في قتله، وبايعتم عليّاً غير مؤامرين في بيعته، فلم نغضب لعثمان إذ قتل، ولم نغضب لعليّ إذ بويع، ثمّ بدا لکم، فأردتم خلع عليّ، ونحن علي الأمر الأوّل، فعليکم المخرج ممّا دخلتم فيه.

ثمّ تکلّم عمران، فقال: يا طلحة! إنّکم قتلتم عثمان ولم نغضب له إذ لم تغضبوا، ثمّ بايعتم عليّاً وبايعنا من بايعتم؛ فإن کان قتل عثمان صواباً فمسيرکم لماذا؟ وإن کان خطأ فحظّکم منه الأوفر، ونصيبکم منه الأوفي.

[صفحه 176]

فقال طلحة: يا هذان! إنّ صاحبکما لا يري أنّ معه في هذا الأمر غيره، وليس علي هذا بايعناه، وايم اللَّه ليسفکنّ دمه. فقال أبو الأسود: يا عمران! أمّا هذا فقد صرّح أنّه إنّما غضب للملک.

ثمّ أتيا الزبير فقالا: يا أبا عبداللَّه! إنّا أتينا طلحة. قال الزبير: إنّ طلحة وإيّاي کروح في جسدين، وإنّه واللَّه يا هذان، قد کانت منّا في عثمان فلتات، احتجنا فيها إلي المعاذير، ولو استقبلنا من أمرنا ما استدبرنا نصرناه.[7] .



صفحه 172، 173، 174، 175، 176.





  1. حَفَرُ أبي موسي: وهي رکايا أحفرها أبو موسي الأشعري علي جادّة البصرة إلي مکّة (معجم البلدان: 275:2).
  2. أنساب الأشراف: 24:3 وراجع بلاغات النساء: 17 والمعيار والموازنة: 57.
  3. أغَذّ: أسرع في السير (النهاية: 347:3).
  4. غِبُّ کلّ شي ء: عاقبته (لسان العرب: 635:1).
  5. الجمل: 273 وراجع تاريخ الطبري: 462:4 تا 466 والکامل في التاريخ: 316:2 وشرح نهج البلاغة: 225:6.
  6. شرح نهج البلاغة: 313:9.
  7. الإمامة والسياسة: 83:1.