اشخاص الأشتر لمواجهة فتنة أبي موسي











اشخاص الأشتر لمواجهة فتنة أبي موسي



کان الإمام بحاجة إلي وجود جيش الکوفة إلي جانب سائر الجيش للتصدّي بحزم لحرکة الناکثين، إلّا أنّ تثبيط أبي موسي لأهالي الکوفة حال دون نهوضهم لنصرته. وکان مالک الأشتر قادراً علي حلّ هذه العقدة؛ إذ أنّه هو الذي اقترح علي أميرالمؤمنين عليه السلام إبقاءه في منصبه علي ولاية الکوفة بعد أن کان الإمام قد هَمّ بعزله فيمن عزله من ولاة عثمان.

[صفحه 159]

وتصرّح بعض الوثائق التاريخيّة بأنّ الإمام قال له: «أنت شفعت في أبي موسي أن اُقرّهُ علي الکوفة؛ فاذهب فأصلحْ ما أفسدت»،[1] بيد أنّ الرواية التي أوردها نصر بن مزاحم تفيد أنّ الأشتر هو الذي عرض علي الإمام فکرة المسير إلي الکوفة لمعالجة ما أفسده الأشعري.

2158- تاريخ الطبري عن نصر بن مزاحم: قد کان الأشتر قام إلي عليّ فقال: يا أميرالمؤمنين، إنّي قد بعثت إلي أهل الکوفة رجلاً قبل هذين، فلم أرَه أحکمَ شيئاً ولا قدر عليه، وهذان أخلق من بعثت أن يُنشَب[2] بهم الأمر علي ما تحبّ، ولست أدري ما يکون؛ فإن رأيت- أکرمک اللَّه يا أميرالمؤمنين- أن تبعثني في أثرهم؛ فإنّ أهل المصر أحسن شي ء لي طاعة، وإن قدمت عليهم رجوت ألّا يخالفني منهم أحد. فقال له عليّ: الحقْ بهم.

فأقبل الأشتر حتي دخل الکوفة وقد اجتمع الناس في المسجد الأعظم، فجعل لا يمرّ بقبيلة يري فيها جماعة في مجلس أو مسجد إلّا دعاهم ويقول: اتّبعوني إلي القصر، فانتهي إلي القصر في جماعة من الناس، فاقتحم القصر، فدخله وأبو موسي قائم في المسجد يخطب الناس ويثبّطهم؛ يقول:

أيّها الناس! إنّ هذه فتنة عمياء صمّاء تطأ خِطامها،[3] النائم فيها خير من القاعد، والقاعد فيها خير من القائم، والقائم فيها خير من الماشي، والماشي فيها خير من الساعي، والساعي فيها خير من الراکب. إنّها فتنة باقرة کداء البطن، أتتکم من قِبَل مأمنکم، تدع الحليم فيها حيران کابن أمس. إنّا معاشرَ أصحاب

[صفحه 160]

محمّد صلي الله عليه و آله أعلم بالفتنة؛ إنّها إذا أقبلت شبّهت، وإذا أدبرت أسفرت.

وعمّار يخاطبه، والحسن يقول له: اعتزل عملنا لا اُمّ لک! وتنحَّ عن منبرنا. وقال له عمّار: أنت سمعت هذا من رسول اللَّه صلي الله عليه و آله؟ فقال أبو موسي: هذه يدي بما قلت.

فقال له عمّار: إنّما قال لک رسول اللَّه صلي الله عليه و آله هذا خاصّة، فقال: «أنت فيها قاعداً خير منک قائماً». ثمّ قال عمّار: غلب اللَّه من غالبه وجاحده.

قال نصر بن مزاحم: حدّثنا عمر بن سعيد قال: حدّثني رجل عن نعيم عن أبي مريم الثقفي قال: واللَّه إنّي لفي المسجد يومئذٍ وعمّار يخاطب أبا موسي ويقول له ذلک القول، إذ خرج علينا غلمان لأبي موسي يشتدّون ينادون: يا أبا موسي! هذا الأشتر قد دخل القصر فضربَنا وأخرجنا. فنزل أبو موسي، فدخل القصر، فصاح به الأشتر: اخرج من قصرنا لا اُمّ لک! أخرج اللَّه نفسک! فوَاللَّه إنّک لمن المنافقين قديماً. قال: أجّلني هذه العشيّة. فقال: هي لک، ولا تبيتنّ في القصر الليلة.

ودخل الناس ينتهبون متاع أبي موسي، فمنعهم الأشتر وأخرجهم من القصر، وقال: إنّي قد أخرجته، فکفّ الناس عنه.[4] .



صفحه 159، 160.





  1. شرح نهج البلاغة: 20:41؛ تاريخ الطبري: 482:4، البداية والنهاية: 236:7 کلاهما نحوه.
  2. نَشِب في الشي ء: إذا وقع فيما لا مخلص له منه (النهاية: 52:5).
  3. الخِطام: الحبل الذي يُقاد به البعير (النهاية: 51:2) وقال المجلسي: الوطء في الخطام کناية عن نقد القائد وإذا خلت الناقة من القائد تعثر وتخبط وتفسد ما تمرّ عليه بقوائمها (بحارالأنوار: 234:69).
  4. تاريخ الطبري: 486:4؛ الجمل: 251 نحوه وراجع تاريخ الطبري: 482:4 والکامل في التاريخ: 329:2 وشرح نهج البلاغة: 21:14.