موقف أبي موسي من مندوبي الإمام











موقف أبي موسي من مندوبي الإمام



2155- تاريخ الطبري عن محمّد وطلحة: خرج أبو موسي فلقي الحسن، فضمّه إليه وأقبل علي عمّار، فقال: يا أبا اليقظان أ عَدوتَ فيمن عدا علي أميرالمؤمنين؛ فأحللت نفسک مع الفجّار! فقال: لم أفعل ولِمَ تسوؤني؟ وقطع عليهما الحسن فأقبل علي أبي موسي فقال: يا أبا موسي! لِمَ تُثبّط الناس عنّا؟ فوَاللَّه ما أردنا إلّا الإصلاح، ولا مثل أميرالمؤمنين يُخاف علي شي ء، فقال: صدقت بأبي أنت واُمّي، ولکنّ المستشار مؤتمن، سمعت رسول اللَّه صلي الله عليه و آله يقول: إنّها ستکون فتنة؛ القاعد فيها خير من القائم، والقائم خير من الماشي، والماشي خير من الراکب، قد جعلنا اللَّه عزّوجلّ إخواناً، وحرّم علينا أموالنا ودماءنا وقال: «يَأَيُّهَا الَّذِينَء َامَنُواْ لَا تَأْکُلُواْ أَمْوَ لَکُم بَيْنَکُم بِالْبَطِلِ... وَلَا تَقْتُلُواْ أَنفُسَکُمْ إِنَّ اللَّهَ کَانَ بِکُمْ رَحِيمًا»[1] وقال عزّوجلّ: «وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ و جَهَنَّمُ».[2] .

فغضب عمّار وساءه وقام وقال: يا أيّها الناس! إنّما قال له خاصّة: «أنت فيها قاعداً خير منک قائماً»...

وقام أبو موسي فقال: أيّها الناس! أطيعوني تکونوا جرثومة من جراثيم العرب؛ يأوي إليکم المظلوم، ويأمن فيکم الخائف، إنّا أصحابَ محمّد صلي الله عليه و آله أعلم بما سمعنا، إنّ الفتنة إذا أقبلت شبّهت، وإذا أدبرت بيّنت، وإنّ هذه الفتنة باقرة

[صفحه 155]

کداء البطن، تجري بها الشمال والجنوب والصبا والدبور، فتسکن أحياناً فلا يُدري من أين تؤتي، تذر الحليم کابن أمس، شيموا سيوفکم، وقصّدوا رماحکم، وأرسلوا سهامکم، واقطعوا أوتارکم، والزموا بيوتکم، خلّوا قريشاً- إذا أبَوا إلّا الخروج من دار الهجرة وفراق أهل العلم بالإمرة- ترتق فتقها، وتشعب صدعها؛ فإن فعلت فلأنفسها سَعَت، وإن أبت فعلي أنفسها مَنَت، سمنُها تُهريق في أديمها،[3] استنصحوني ولا تستغشّوني، وأطيعوني يسلمْ لکم دينکم ودنياکم، ويشقي بحرّ هذه الفتنة مَن جناها.

فقام زيد فشال يده المقطوعة،[4] فقال: يا عبداللَّه بن قيس، رُدّ الفرات عن دِراجه،[5] اردده من حيث يجي ء حتي يعود کما بدأ، فإن قدرت علي ذلک فستقدر علي ما تريد، فدع عنک ما لست مدرکه، ثمّ قرأ: «الم × أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَکُواْ»-[6] إلي آخر الآيتين- سيروا إلي أمير المؤمنين وسيّد المسلمين، وانفروا إليه أجمعين تُصيبوا الحقّ.

فقام القعقاع بن عمرو فقال: إنّي لکم ناصح، وعليکم شفيق، اُحبّ أن ترشدوا، ولأقولنّ لکم قولاً هو الحقّ؛ أمّا ما قال الأمير فهو الأمر لو أنّ إليه سبيلاً، وأمّا ما قال زيد فزيدٌ في الأمر فلا تستَنْصِحوه؛ فإنّه لا يتنزع أحدٌ من

[صفحه 156]

الفتنة طعن فيها وجري إليها. والقول الذي هو القول إنّه لابدّ من إمارة تنظّم الناس، وتزع الظالم، وتُعزّ المظلوم، وهذا عليّ يلي بما ولي، وقد أنصف في الدعاء، وإنّما يدعو إلي الإصلاح، فانفروا وکونوا من هذا الأمر بمرأي ومسمع.

وقال سيحان: أيّها الناس! إنّه لابدّ لهذا الأمر وهؤلاء الناس من والٍ؛ يدفع الظالم، ويُعزّ المظلوم، ويجمع الناس، وهذا واليکم يدعوکم لينظر فيما بينه وبين صاحبيه، وهو المأمون علي الاُمّة، الفقيه في الدين؛ فمن نهض إليه فإنّا سائرون معه.[7] .

2156- شرح نهج البلاغة عن أبي مخنف: لمّا سمع أبو موسي خطبة الحسن وعمّار قام فصعد المنبر، وقال: الحمد للَّه الذي أکرمنا بمحمّد؛ فجمعنا بعد الفرقة، وجعلنا إخواناً متحابّين بعد العداوة، وحرّم علينا دماءنا وأموالنا، قال اللَّه سبحانه: «وَلَا تَأْکُلُواْ أَمْوَ لَکُم بَيْنَکُم بِالْبَطِلِ»[8] وقال تعالي: «وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ و جَهَنَّمُ خَلِدًا فِيهَا» فاتّقوا اللَّه عباد اللَّه، وضعوا أسلحتکم وکفّوا عن قتال إخوانکم.

أمّا بعد؛ يا أهل الکوفة! إن تطيعوا اللَّه بادياً، وتطيعوني ثانياً تکونوا جُرثومة[9] من جراثيم العرب، يأوي إليکم المضطرّ، ويأمن فيکم الخائف، إنّ عليّاً إنّما يستنفرکم لجهاد اُمّکم عائشة وطلحة والزبير حواريّ رسول اللَّه ومن معهم من المسلمين، وأنا أعلم بهذه الفتن؛ إنّها إذا أقبلت شبّهت، وإذا أدبرت

[صفحه 157]

أسفرت. إنّي أخاف عليکم أن يلتقي غارّان منکم فيقتتلا، ثمّ يُترکا کالأحلاس[10] الملقاة بنجوة[11] من الأرض، ثمّ يبقي رِجْرِجة[12] من الناس لا يأمرون بالمعروف ولا ينهون عن منکر، إنّها قد جاءتکم فتنة کافرة لا يُدري من أين تؤتي! تترک الحليم حيران، کأنّي أسمع رسول اللَّه صلي الله عليه و آله بالأمس يذکر الفتن فيقول: «أنت فيها نائماً خير منک قاعداً، وأنت فيها جالساً خيرٌ منک قائماً، وأنت فيها قائماً خير منک ساعياً». فثلّموا سيوفکم، وقصّفوا رماحکم، وانصلوا سهامکم، وقطّعوا أوتارکم، وخلّوا قريشاً ترتق فتقها وترأب صدعها؛ فإن فعلت فلأنفسها ما فعلت، وإن أبت فعلي أنفسها ما جنت، سمنُها في أديمها، استنصحوني ولا تستغشّوني، وأطيعوني ولا تعصوني، يتبيّنْ لکم رشدکم، ويصلي هذه الفتنة من جناها.

فقام إليه عمّار بن ياسر، فقال: أنت سمعت رسول اللَّه صلي الله عليه و آله يقول ذلک؟ قال: نعم، هذه يدي بما قلت، فقال: إن کنت صادقاً فإنّما عناک بذلک وحدک، واتّخذ عليک الحجّة، فالزم بيتک ولا تدخلنّ في الفتنة، أما إنّي أشهد أنّ رسول اللَّه صلي الله عليه و آله أمر عليّاً بقتال الناکثين، وسمّي له فيهم من سمّي، وأمره بقتال القاسطين، وإن شئت لاُقيمنّ لک شهوداً يشهدون أنّ رسول اللَّه صلي الله عليه و آله إنّما نهاک وحدک، وحذّرک من الدخول في الفتنة، ثمّ قال له: أعطني يدک علي ما سمعت، فمدّ إليه يده، فقال له عمّار: غلب اللَّه من غالبه وجاهده. ثمّ جذبه فنزل عن المنبر.[13] .

[صفحه 158]

2157- تاريخ الطبري عن محمّد وطلحة: قام الحسن بن عليّ فقال: يا أيّها الناس! أجيبوا دعوة أميرکم، وسيروا إلي إخوانکم؛ فإنّه سيُوجد لهذا الأمر من ينفر إليه، واللَّه لأن يليه أولو النهي أمثلُ في العاجلة، وخير في العاقبة، فأجيبوا دعوتنا وأعينونا علي ما ابتُلينا وابتُليتم.

فسامح الناس وأجابوا ورضوا به، وأتي قوم من طيّئ عديّاً فقالوا: ماذا تري وما تأمر؟ فقال: ننتظر ما يصنع الناس، فاُخبر بقيام الحسن وکلام من تکلّم فقال: قد بايعْنا هذا الرجل، وقد دعانا إلي جميل، وإلي هذا الحدث العظيم لننظر فيه، ونحن سائرون وناظرون.

وقام هند بن عمرو فقال: إنّ أميرالمؤمنين قد دعانا، وأرسل الينا رسله حتي جاءنا ابنه، فاسمعوا إلي قوله، وانتهوا إلي أمره، وانفروا إلي أميرکم، فانظروا معه في هذا الأمر، وأعينوه برأيکم.

وقام حجر بن عديّ فقال: أيّها الناس! أجيبوا أميرالمؤمنين، وانفروا خفافاً وثقالاً، مُروا أنا أوّلکم.[14] .



صفحه 155، 156، 157، 158.





  1. النساء: 29.
  2. النساء: 93.
  3. ال الميداني: سمنکُم هُريق في أديمکم: يُضرب للرجل ينفق ماله علي نفسه ثمّ يريد أن يمتنّ به (مجمع الأمثال: 1799:112:2) والأديم- هنا- هو طعامهم المأدوم.
  4. قُطعت في معرکة اليرموک.
  5. قال الميداني: «مَن يردّ الفراتَ عن دِراجه» هو جمع دَرَج؛ أي وجْهه الذي توجّه له. يعني أنّ الأمر خرج من يده وأنّ الناس عزموا علي الخروج من الکوفة، فهو لا يقدر أن يردّهم من فورهم هذا (مجمع الأمثال: 4094:336:3).
  6. العنکبوت: 1 و 2.
  7. تاريخ الطبري: 482:4، الکامل في التاريخ: 327:2، البداية والنهاية: 236:7 کلاهما نحوه.
  8. البقرة: 188.
  9. الجُرثومة: الأصل (النهاية: 254:1).
  10. الأحلاس: جمع حِلْس؛ وهو الکساء الذي يلي ظهر البعير تحت القَتَب (النهاية: 423:1).
  11. النجوة: ما ارتفع من الأرض (لسان العرب: 307:15).
  12. الرِّجْرِجة- في الأصل-: بقيّة الماء الکَدِرة في الحوض المختلطة بالطين، فلا ينتفع بها. والمراد هنا: رُذالة الناس ورَعاعَهم الذين لاعقول لهم (انظر النهاية: 198:2).
  13. شرح نهج البلاغة: 14:14؛ الدرجات الرفيعة: 265 وراجع الأخبار الطوال: 145 والجمل: 247.
  14. تاريخ الطبري: 485:4، الکامل في التاريخ: 328:2 و 329 نحوه.