ارسال الإمام ابنه إلي الكوفة











ارسال الإمام ابنه إلي الکوفة



2153- تاريخ الطبري عن أبي ليلي: بعث عليٌّ الحسنَ بن عليّ وعمّار بن ياسر يستنفران الناس، وبعث قرظة بن کعب الأنصاري أميراً علي الکوفة، وکتب معه إلي أبي موسي:

أمّا بعد؛ فقد کنت أري أنّ بُعدک من هذا الأمر الذي لم يجعل اللَّه عزّوجلّ لک منه نصيباً سيمنعک من ردّ أمري، وقد بعثت الحسن بن عليّ وعمّار بن ياسر يستنفران الناس، وبعثت قرظة بن کعب والياً علي المصر، فاعتزل مذموماً مدحوراً؛ فإن لم تفعل فإنّي قد أمرته أن ينابذک؛ فإن نابذته فظفر بک أن يقطّعک آراباً.

فلمّا قدم الکتاب علي أبي موسي اعتزل، ودخل الحسن وعمّار المسجد، فقالا:

أيّها الناس، إنّ أميرالمؤمنين يقول: إنّي خرجت مخرجي هذا ظالماً أو مظلوماً، وإنّي اُذکّر اللَّه عزّوجلّ رجلاً رعي للَّه حقّاً إلّا نفر؛ فإن کنت مظلوماً أعانني، وإن کنت ظالماً أخذ منّي. واللَّه إنّ طلحة والزبير لَأوّل من بايعني، وأوّل من غدر، فهل استأثرت بمال أو بدلّت حکماً؟ فانفروا؛ فمُروا بمعروف، وانهَوا عن منکر.[1] .

2154- شرح نهج البلاغة عن أبي مخنف عن موسي بن عبد الرحمن بن أبي ليلي

[صفحه 151]

عن أبيه قال: أقبلنا مع الحسن وعمّار بن ياسر من ذي قار[2] حتي نزلنا القادسيّة، فنزل الحسن وعمّار ونزلنا معهما، فاحتبي[3] عمّار بحمائل سيفه، ثمّ جعل يسأل الناس عن أهل الکوفة وعن حالهم، ثمّ سمعته يقول: ما ترکت في نفسي حزّة أهمّ إليّ من ألّا نکون نبشنا عثمان من قبره، ثمّ أحرقناه بالنار.

قال: فلمّا دخل الحسن وعمّار الکوفة اجتمع إليهما الناس، فقام الحسن فاستنفر الناس، فحمد اللَّه وصلّي علي رسوله، ثمّ قال:

أيّها الناس! إنّا جئنا ندعوکم إلي اللَّه، وإلي کتابه، وسنّة رسوله، وإلي أفقه من تفقّه من المسلمين، وأعدل من تُعدّلون، وأفضل من تُفضّلون، وأوفي مَن تُبايعون، من لم يعِبْه القرآن، ولم تُجَهِّلْه السنّة، ولم تقعد به السابقة. إلي من قرّبه اللَّه تعالي إلي رسوله قرابتين: قرابة الدين، وقرابة الرحم. إلي من سبق الناس إلي کلّ مأثره. إلي من کفي اللَّه به رسوله والناس متخاذلون، فقرب منه وهم متباعدون، وصلّي معه وهم مشرکون، وقاتل معه وهم منهزمون، وبارز معه وهم مُحجِمون، وصدّقه وهم يُکذّبون. إلي من لم تُردّ له رواية ولا تُکافأ له سابقة، وهو يسألکم النصر، ويدعوکم إلي الحقّ، ويأمرکم بالمسير إليه لتوازروه وتنصروه علي قوم نکثوا بيعته، وقتلوا أهل الصلاح من أصحابه، ومثّلوا بعمّاله، وانتهبوا بيت ماله، فاشخصوا إليه رحمکم اللَّه، فمُروا بالمعروف، وانهَوا عن المنکر، واحضروا بما يحضر به الصالحون.

[صفحه 152]

قال أبو مخنف: حدّثني جابر بن يزيد قال: حدّثني تميم بن حذيم الناجي قال: قدم علينا الحسن بن عليّ عليه السلام وعمّار بن ياسر يستنفران الناس إلي عليّ عليه السلام ومعهما کتابه، فلمّا فرغا من قراءة کتابه قام الحسن- وهو فتيً حَدَث واللَّه إنّي لاُرثي له من حداثة سنّه وصعوبة مقامه- فرماه الناس بأبصارهم وهم يقولون: اللهمّ سدّد منطق ابن بنت نبيّنا، فوضع يده علي عمود يتساند إليه- وکان عليلاً من شکوي به- فقال:

الحمد للَّه العزيز الجبّار، الواحد القهّار، الکبير المتعال «سَوَآءٌ مِّنکُم مَّنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَ مَن جَهَرَ بِهِ ي وَ مَنْ هُوَ مُسْتَخْفِ م بِالَّيْلِ وَ سَارِبُ م بِالنَّهَارِ »[4] أحمده علي حسن البلاء، وتظاهر النعماء، وعلي ما أحببنا وکرهنا من شدّة ورخاء، وأشهد أن لا إله إلّا اللَّه، وحده لا شريک له، وأنّ محمّداً عبده ورسوله، امتنّ علينا بنبوّته، واختصّه برسالته وأنزل عليه وحيه، واصطفاه علي جميع خلقه، وأرسله إلي الإنس والجنّ حين عُبدت الأوثان، واُطيع الشيطان، وجُحد الرحمن، فصلّي اللَّه عليه وعلي آله، وجزاه أفضل ما جزي المسلمين.

أمّا بعد؛ فإنّي لا أقول لکم إلّا ما تعرفون؛ إنّ أميرالمؤمنين عليّ بن أبي طالب أرشد اللَّهُ أمره، وأعزّ نصره، بعثني إليکم يدعوکم إلي الصواب، وإلي العمل بالکتاب، والجهاد في سبيل اللَّه، وإن کان في عاجل ذلک ما تکرهون؛ فإنّ في آجله ما تُحبّون إن شاء اللَّه، ولقد علمتم أنّ عليّاً صلّي مع رسول اللَّه صلي الله عليه و آله وحده، وأنّه يوم صدّق به لفي عاشرة من سنّة، ثمّ شهد مع رسول اللَّه صلي الله عليه و آله جميع مشاهده، وکان من اجتهاده في مرضاة اللَّه وطاعة رسوله وآثاره الحسنة في الإسلام ما قد بلغکم، ولم يزل رسول اللَّه صلي الله عليه و آله راضياً عنه حتي غمّضه بيده، وغسله وحده،

[صفحه 153]

والملائکة أعوانه، والفضل ابن عمّه ينقل إليه الماء، ثمّ أدخله حفرته، وأوصاه بقضاء دينه وعداته وغير ذلک من اُموره، کلّ ذلک مِن منّ اللَّه عليه، ثمّ واللَّه ما دعا إلي نفسه، ولقد تداکّ الناس عليه تداکّ الإبل الهيم عند ورودها، فبايعوه طائعين، ثمّ نکث منهم ناکثون بلا حدث أحدثه، ولا خلاف أتاه، حسداً له وبغياً عليه.

فعليکم عباد اللَّه بتقوي اللَّه وطاعته، والجدّ والصبر والاستعانة باللَّه، والخفوف إلي ما دعاکم إليه أميرالمؤمنين، عصمنا اللَّه وإيّاکم بما عصم به أولياءه وأهل طاعته، وألهمنا وإيّاکم تقواه، وأعاننا وإيّاکم علي جهاد أعدائه، وأستغفر اللَّه العظيم لي ولکم. ثمّ مضي إلي الرحبة[5] فهيّأ منزلاً لأبيه أمير المؤمنين.

قال جابر: فقلت لتميم: کيف أطاق هذا الغلام ما قد قصصته من کلامه؟ فقال: ولَما سقط عنّي من قوله أکثر، ولقد حفظت بعض ما سمعت.

قال أبو مخنف: ولمّا فرغ الحسن بن عليّ عليه السلام من خطبته، قام بعده عمّار، فحمد اللَّه وأثني عليه، وصلّي علي رسوله، ثمّ قال:

أيّها الناس! أخو نبيّکم وابن عمّه يستنفرکم لنصر دين اللَّه، وقد بلاکم اللَّه بحقّ دينکم وحرمة اُمّکم، فحقّ دينکم أوجب وحرمته أعظم.

أيّها الناس! عليکم بإمام لا يؤدَّب، وفقيه لا يعلَّم، وصاحب بأس لا ينکل، وذي سابقة في الإسلام ليست لأحد، وإنّکم لو قد حضرتموه بيّن لکم أمرکم إن شاء اللَّه.[6] .

[صفحه 154]



صفحه 151، 152، 153، 154.





  1. تاريخ الطبري: 499:4 وراجع الکامل في التاريخ: 328:2، وشرح نهج البلاغة: 12 -10:14 والجمل: 243 و 244.
  2. ذُوقار: موضع بين الکوفة وواسط، وهو إلي الکوفة أقرب، فيه کان «يوم ذي قار» بين الفرس والعرب (تقويم البلدان: 292).
  3. الاحتباء: هو أن يضمّ الإنسان رجليه إلي بطنه بثوب يجمعهما به مع ظهره، ويشدّه عليها (النهاية: 335:1).
  4. الرعد:10.
  5. الرُّحْبَة: قرية بحذاء القادسيَّة علي مرحلة من الکوفة، علي يسار الحجّاج إذا أرادوا مکّة (معجم البلدان: 33:3).
  6. شرح نهج البلاغة: 11:14 وراجع الإمامة والسياسة: 86:1 و 87 وبحارالأنوار: 88:32.