خطبة الإمام لمّا بلغه خبر الناكثين











خطبة الإمام لمّا بلغه خبر الناکثين



2132- الإمام عليّ عليه السلام- من خطبة له حين بلغه خبر الناکثين ببيعته-: ألا وإنّ

[صفحه 135]

الشيطان قد ذمّر[1] زحزبه، واستجلب جلبه؛ ليعود الجور إلي أوطانه، ويرجع الباطل إلي نصابه، واللَّه ما أنکروا عليَّ منکراً، ولا جعلوا بيني وبينهم نصفاً.

وإنّهم ليطلبون حقّاً هم ترکوه، ودماً هم سفکوه؛ فلئن کنت شريکهم فيه؛ فإنّ لهم لنصيبهم منه، ولئن کانوا وَلُوه دوني، فما التبعة إلّا عندهم، وإنّ أعظم حجّتهم لعلي أنفسهم، يرتضعون اُمّاً قد فَطَمَت، ويُحيُون بدعة قد اُميتت.

يا خيبة الداعي! من دعا! وإلامَ اُجيب! وإنّي لراضٍ بحجّة اللَّه عليهم، وعلمه فيهم. فإن أبَوا أعطيتهم حدّ السيف وکفي به شافياً من الباطل، وناصراً للحقّ.

ومن العجب بعثهم إليّ أن أبرُز للطعان! وأن أصبر للجلاد! هبِلتهم الهَبول! لقد کنت وما اُهدَّد بالحرب، ولا اُرَهَّب بالضرب! وإنّي لعلي يقين من ربّي، وغير شبهة من ديني.[2] .

2133- عنه عليه السلام- في خطبته حين نهوضه إلي الجمل-: إنّي بُليت بأربعة: أدهي الناس وأسخاهم؛ طلحة، وأشجع الناس؛ الزبير، وأطوع الناس في الناس؛ عائشة، وأسرع الناس إلي فتنة؛ يَعلي بن اُميّة.

واللَّه، ما أنکروا عليَّ شيئاً منکراً، ولا استأثرتُ بمال، ولا مِلتُ بهويً، وإنّهم ليطلبون حقّاً ترکوه، ودماً سفکوه، ولقد ولّوه دوني، وإن کنت شريکهم في الإنکار لما أنکروه.

وما تبعة عثمان إلّا عندهم، وإنّهم لهم الفئة الباغية؛ بايَعوني ونکثوا بيعتي، وما

[صفحه 136]

استأنَوا بي حتي يعرفوا جوري من عدلي، وإنّي لراضٍ بحجّة اللَّه عليهم، وعلمه فيهم، وإنّي مع هذا لداعيهم ومعذر إليهم؛ فإن قبلوا فالتوبة مقبولة، والحقّ أولي ما انصُرف إليه، وإن أبَوا أعطيتهم حدّ السيف، وکفي به شافياً من باطل وناصراً.[3] .

2134- عنه عليه السلام- من کلام له في معني[4] طلحة بن عبيد اللَّه حين بلغه خروج طلحة والزبير إلي البصرة لقتاله-: قد کنت وما اُهدَّد بالحرب، ولا اُرَهَّب بالضرب، وأنا علي ما قد وعدني ربّي من النصر، واللَّه ما استعجَلَ متجرّداً للطلب بدم عثمان إلّا خوفاً من أن يطالَب بدمه؛ لأنّه مَظِنّته، ولم يکن في القوم أحرص عليه منه، فأراد أن يغالط بما أجلب فيه؛ ليلتبس الأمر، ويقع الشکّ.

وواللَّه ما صنع في أمر عثمان واحدةً من ثلاث: لئن کان ابن عفّان ظالماً- کما کان يزعم- لقد کان ينبغي له أن يوازر قاتليه، وأن ينابذ ناصريه. ولئن کان مظلوماً لقد کان ينبغي له أن يکون من المُنَهْنِهين[5] عنه، والمعذّرين فيه، ولئن کان في شکّ من الخصلتين، لقد کان ينبغي له أن يعتزله ويرکد جانباً، ويدع الناس معه. فما فعل واحدة من الثلاث، وجاء بأمر لم يعرف بابه، ولم تسلَم معاذيره.[6] 2135- الإرشاد: ولمّا اتّصل به مسير عائشة وطلحة والزبير إلي البصرة من مکّة

[صفحه 137]

حمد اللَّه وأثني عليه ثمّ قال: قد سارت عائشة وطلحة والزبير؛ کلّ واحد منهما يدّعي الخلافة دون صاحبه، لا يدّعي طلحة الخلافة إلّا أنّه ابن عمّ عائشة، ولا يدّعيها الزبير إلّا أنّه صهر أبيها، واللَّه لئن ظفرا بما يريدان ليضربَنّ الزبيرُ عنقَ طلحة، وليضربنّ طلحة عنق الزبير، ينازع هذا علي الملک هذا، وقد- واللَّه- علمتُ أنّها الراکبةُ الجملَ، لا تحلّ عقدة، ولا تَسير عقبةً، ولا تنزل منزلاً إلّا إلي معصية، حتي تورد نفسها ومن معها مورداً يُقتل ثلثهم، ويهرب ثلثهم، ويرجع ثلثهم، واللَّه إنّ طلحة والزبير ليعلمان أنّهما مخطئان وما يجهلان، ولربّما عالم قتله جهله وعلمه معه لا ينفعه. واللَّه لينبحنّها کلاب الحوأب، فهل يعتبر معتبر أو يتفکّر متفکّر، ثمّ قال: قد قامت الفئة الباغية؛ فأين المحسنون؟[7] .



صفحه 135، 136، 137.





  1. أي: حضّهم وشجّعهم (النهاية: 167:2).
  2. نهج البلاغة: الخطبة 22، عيون الحکم والمواعظ: 2401:110 وفيه إلي «لعلي أنفسهم»، بحارالأنوار: 39:53:32 وراجع جواهر المطالب: 324:1.
  3. الاستيعاب: 1289:318:2 عن صالح بن کيسان وعبد الملک بن نوفل بن مساحق والشعبي وابن أبي ليلي، اُسد الغابة: 2627:87:3.
  4. معني کلّ شي ء: مِحْنته وحالُه التي يصير إليها أمرُه (لسان العرب: 106:15).
  5. نهنههُ عنه: منعه وکفّه عن الوصول إليه (النهاية: 139:5).
  6. نهج البلاغة: الخطبة 174، الأمالي للطوسي: 284:169 نحوه.
  7. الإرشاد: 246:1، الکافئة: 19:19، بحارالأنوار: 88:113:32؛ المعيار والموازنة: 53.