تخطيط الناكثين للحرب











تخطيط الناکثين للحرب



إنّ شوري الناکثين جديرة بالتأمّل، فقد اجتمعوا في مکّة من أجل التخطيط لمواجهة أميرالمؤمنين عليه السلام. وجلس طلحة، والزبير، وعائشة، ومروان بن الحکم، ويعلي بن منية، وعبداللَّه بن عامر، وعبداللَّه بن الزبير، ونظائرهم ليعيّنوا موضع القتال، ويرسموا خطّة الحرب، وأساليب المواجهة.

وکان لکلّ واحدٍ من هؤلاء مواصفاته الخاصّة؛ فطلحة والزبير کانا لاهثَين وراء السلطة، وفي أنفسهما هوي الرئاسة والخلافة، ومروان رجل ماکر، مريب، بعيد عن الدين، وعبداللَّه بن عامر شخص موتور فَقَدَ سلطته بعد أن ملأ جيوبه بدنانير بيت المال ودراهمه، وهکذا کان يعلي بن منية؛ فامتزج حبّ السلطة، ونزعة الترف، وبلبلة الهوَس بفتنة عمياء تمخّضت عنها معرکة الجمل.

واختارت هذه الشرذمة البصرة بعد مداولات کثيرة، ذلک أنّهم من جهة لم

[صفحه 120]

يثقوا بمعاوية؛ فيذهبوا إلي الشام، ومن جهة اخري إنّهم کانوا يبتغون مدينة هي في الوقت نفسه قاعدة عسکرية ولم تکن مدينة غير الکوفة والبصرة لها هذه الخصوصيّة، فاختاروا البصرة لميل أهل الکوفة للإمام عليّ عليه السلام، وميل أهل البصرة إلي عثمان، مضافاً إلي نفوذ ابن عامر في البصرة لأنّه کان حاکماً عليها، وهذا ما يساعدهم في استقطاب الناس والحصول علي معلومات ضروريّة تخدم موقف الحرب.

2113- الإمامة والسياسة: قال الزبير: الشام بها الرجال والأموال، وعليها معاوية، وهو ابن عمّ الرجل، ومتي نجتمع يولِّنا عليه.

وقال عبداللَّه بن عامر: البصرة؛ فإن غلبتم عليّاً فلکم الشام، وإن غلبکم عليٌّ کان معاوية لکم جُنّة، وهذه کتب أهل البصرة إليّ.

فقال يعلي بن منية-[1] وکان داهياً-: أيّها الشيخان! قدِّرا قبل أن ترحلا أنّ معاوية قد سبقکم إلي الشام وفيها الجماعة، وأنتم تقدمون عليه غداً في فرقة، وهو ابن عمّ عثمان دونکم؛ أ رأيتم إن دفعکم عن الشام، أو قال: أجعلها شوري، ما أنتم صانعون؟ أ تقاتلونه أم تجعلونها شوري فتخرجا منها؟ وأقبح من ذلک أن تأتيا رجلاً في يديه أمر قد سبقکما إليه، وتريدا أن تخرجاه منه.

فقال القوم: فإلي أين؟

قال: إلي البصرة.[2] .

[صفحه 121]

2114- الفتوح: شاوروا في المسير فقال الزبير: عليکم بالشام! فيها الرجال والأموال، وبها معاوية؛ وهو عدوّ لعليّ.

فقال الوليد بن عُقْبة: لا واللَّه ما في أيديکم من الشام قليل ولا کثير! وذلک أنّ عثمان بن عفّان قد کان استعان بمعاوية لينصره وقد حوصر، فلم يفعل وتربّص حتي قُتل، لذلک يتخلّص له الشام، أفتطمع أن يُسلّمها[3] إليکم؟ مهلاً عن ذکر الشام وعليکم بغيرها.[4] .

2115- تاريخ الطبري: ثمّ ظهرا- يعني طلحة والزبير- إلي مکّة بعد قتل عثمان بأربعة أشهر وابن عامر بها يجرّ الدنيا، وقدم يعلي بن اُميّة معه بمال کثير، وزيادة علي أربعمائة بعير، فاجتمعوا في بيت عائشة، فأرادوا الرأي، فقالوا: نسير إلي عليّ فنقاتله.

فقال بعضهم: ليس لکم طاقة بأهل المدينة، ولکنّا نسير حتي ندخل البصرة والکوفة، ولطلحة بالکوفة شيعة وهوي، وللزبير بالبصرة هوي ومعونة.

فاجتمع رأيهم علي أن يسيروا إلي البصرة وإلي الکوفة. فأعطاهم عبداللَّه بن عامر مالاً کثيراً وإبلاً، فخرجوا في سبعمائة رجل من أهل المدينة ومکّة، ولحقهم الناس حتي کانوا ثلاثة آلاف رجل.[5] .

[صفحه 122]



صفحه 120، 121، 122.





  1. في المصدر: «منبه» وهو تصحيف، والصحيح ما أثبتناه.
  2. الإمامة والسياسة: 79:1 وراجع تاريخ الطبري: 450:4 والکامل في التاريخ: 314:2 والبداية والنهاية: 231:7.
  3. في المصدر: «أسلمها»، والصحيح ما أثبتناه کما يقتضيه السياق.
  4. الفتوح: 453:2.
  5. تاريخ الطبري: 452:4، أنساب الأشراف: 21:3 نحوه وزاد فيه «قالوا: فنسير إلي الشام فيه الرجال والأموال وأهل الشام شيعة لعثمان، فنطلب بدمه ونجد علي ذلک أعواناً وأنصاراً ومشايعين. فقال قائل منهم: هناک معاوية وهو والي الشام والمطاع به، ولن تنالوا ما تريدون، وهو أولي منکم بما تحاولون لأنّه ابن عمّ الرجل» بعد «بأهل المدينة».