دعوة طلحة والزبير عائشة إلي الخروج.











دعوة طلحة والزبير عائشة إلي الخروج.[1]



.

2110- أنساب الأشراف عن صالح بن کيسان وأبي مخنف: قالوا: قدم طلحة

[صفحه 116]

والزبير علي عائشة، فدعواها إلي الخروج، فقالت: أ تأمراني أن اُقاتل؟

فقالا: لا، ولکن تُعلمين الناس أنّ عثمان قُتل مظلوماً، وتدعيهم إلي أن يجعلوا الأمر شوري بين المسلمين؛ فيکونوا علي الحالة التي ترکهم عليها عمر بن الخطّاب، وتُصلحين بينهم.[2] .

2111- الفتوح: خرج الزبير وطلحة إلي مکّة، وخرج معهما عبداللَّه بن عامر بن کريز وهو ابن خال عثمان، فجعل يقول لهما: أبشرا! فقد نلتما حاجتکما، واللَّه لأمدّنّکما بمائة ألف سيف.

قال: وقدموا مکّة وبها يومئذٍ عائشة، وحرّضوها علي الطلب بدم عثمان، وکان معها جماعة من بني اُميّة، فلمّا علمت بقدوم طلحة والزبير فرحت بذلک واستبشرت، وعزمت علي ما أرادت من أمرها.[3] .

2112- الجمل: لمّا عرف طلحة والزبير من حالها [أي عائشة] وحال القوم عمِلا علي اللحاق بها والتعاضد علي شقاق أميرالمؤمنين عليه السلام، فاستأذناه في العمرة... وسارا إلي مکّة خالعَين الطاعة، ومفارقَين الجماعة.

فلمّا وردا إليها فيمن تبعهما من أولادهما وخاصّتهما وخالصتهما طافا بالبيت طواف العمرة، وسعيا بين الصفا والمروة، وبعثا إلي عائشة عبداللَّه بن الزبير وقالا له: امضِ إلي خالتک، فاهدِ إليها السلام منّا وقل لها: إنّ طلحة والزبير يُقرئانک السلام ويقولان لک: إنّ أميرالمؤمنين عثمان قتل مظلوماً، وإنّ عليّ بن أبي طالب ابتزّ الناس أمرهم، وغلبهم عليه بالسفهاء الذين تولّوا قتل عثمان،

[صفحه 117]

ونحن نخاف انتشار الأمر به؛ فإن رأيت أن تسيري معنا لعلّ اللَّه يرتق بک فتق هذه الاُمّة، و يشعب بک صدعهم، ويلمّ بک شعثهم،[4] ويُصلح بک اُمورهم.

فأتاها عبداللَّه، فبلّغها ما أرسلاه به، فأظهرت الامتناع من إجابتهما إلي الخروج عن مکّة، وقالت: يا بنيّ، لم آمر بالخروج، لکنّي رجعت إلي مکّة لاُعلم الناس ما فُعل بعثمان إمامهم، وأنّه أعطاهم التوبة، فقتلوه تقيّاً نقيّاً بريّاً، ويرون في ذلک رأيهم، ويُشيرون إلي من ابتزّهم أمرهم، وغصبهم من غير مشورة من المسلمين ولا مؤامرة، بتکبّر وتجبّر، ويظنّ أنّ الناس يرون له حقّاً کما کانوا يرونه لغيره.

هيهات هيهات! يظنّ ابن أبي طالب يکون في هذا الأمر کابن أبي قحافة، لا واللَّه، ومن في الناس مثل ابن أبي قحافة؟ تخضع إليه الرقاب، ويُلقي إليه المَقاد، ولِيَها واللَّه ابن أبي قحافة فخرج منها کما دخل، ثمّ وليها أخو بني عديّ، فسلک طريقه، ثمّ مضيا فوليها ابن عفّان؛ فرکبها رجل له سابقة ومصاهرة برسول اللَّه صلي الله عليه و آله، وأفعال مع النبيّ صلي الله عليه و آله مذکورة، لا يعمل أحد من الصحابة مثل ما عمله في ذات اللَّه، وکان محبّاً لقومه، فمال بعض الميل، فاستتبناه فتاب ثمّ قُتل، فيحقّ للمسلمين أن يطلبوا بدمه.

فقال لها عبداللَّه: فإذا کان هذا قولک في عليّ يا اُمّهْ، ورأيک في قاتلي عثمان، فما الذي يُقعدکِ عن المساعدة علي جهاد عليّ بن أبي طالب وقد حضرکِ من المسلمين من فيه غنيً وکفاية فيما تريدين؟

[صفحه 118]

فقالت: يا بنيّ اُفکّر فيما قلت وتعود إليّ.

فرجع عبداللَّه إلي طلحة والزبير بالخبر، فقالا له: قد أجابت اُمّنا والحمد للَّه إلي ما نريد، ثمّ قالا له: باکِرْها في الغد، فذکِّرها أمر المسلمين، وأعلِمها أنّا قاصدان إليها لنجدّد بها عهداً، ونحکم معها عقداً، فباکرَها عبداللَّه، وأعاد عليها بعض ما أسلفه من القول إليها، فاجابت إلي الخروج ونادي مناديها: إنّ اُمّ المؤمنين تريد أن تخرج تطلب بدم عثمان، فمن کان يريد أن يخرج فليتهيّأ للخروج معها.

وصار إليها طلحة، فلمّا بصرت به قالت له: يا أبا محمّد قتلت عثمان وبايعت عليّاً؟ فقال لها: يا اُمّهْ، ما مثلي إلّا کما قال الأوّل:


ندمتُ ندامة الکُسَعيّ[5] لمّا
رأت عيناه ما صنعت يداهُ


و جاءها الزبير فسلّم عليها، فقالت له: يا أبا عبداللَّه! شرکت في دم عثمان، ثمّ بايعت عليّاً، وأنت واللَّه أحقّ منه بالأمر؟

فقال لها الزبير: أمّا ما صنعت مع عثمان فقد ندمت منه وهربت إلي ربّي من ذنبي في ذلک، ولن أترک الطلب بدم عثمان. واللَّه ما بايعت عليّاً إلّا مکرَها، التفّ به السفهاء من أهل مصر والعراق، وسلّوا سيوفهم وأخافوا الناس حتي بايعوه.

وصار إلي مکّة عبداللَّه بن أبي ربيعة- وکان عامل عثمان علي صنعاء- فدخلها وقد انکسر فخذه، وکان سبب ذلک ما رواه الواقدي عن رجاله: أنّه لما

[صفحه 119]

اتّصل بابن أبي ربيعة حصر الناس لعثمان أقبل سريعاً لنصرته، فلقيه صفوان بن اُميّة، وهو علي فرس يجري وعبداللَّه بن أبي ربيعة علي بغلة، فدنا منها الفرس، فحادت فطرحت ابن أبي ربيعة وکسرت فخذه، وعرف أنّ الناس قد قتلوا عثمان، فصار إلي مکّة بعد الظهر، فوجد عائشة يومئذٍ بها تدعو إلي الخروج للطلب بدم عثمان، فأمر بسرير فوضع له سرير في المسجد، ثمّ حُمل ووُضع عليه وقال للناس: من خرج للطلب بدم عثمان فعليّ جهازه، فجهّز ناساً کثيراً، فحملهم ولم يستطع الخروج معهم لما کان برجله.[6] .



صفحه 116، 117، 118، 119.





  1. هذا الکلام لا يعني أنّ عائشة کانت بريئة تماماً وأنّ طلحة والزبير هما اللذان حرّضاها علي اتّخاذ ذلک الموقف. إنّ موقف عائشة أثناء العودة من مکّة وسماع خبر مقتل عثمان وخلافة الإمام عليه السلام ينمّ عن أنّها کانت تبحث عن ذريعة للإعلان عن معارضتها للإمام عليّ عليه السلام، وأنّها کانت متأهّبة للإعلان عن تأييدها لأيّة حرکة معارضة راجع: القسم الرابع/الثورة علي عثمان/حجّ عائشة في حصر عثمان.
  2. أنساب الأشراف: 23:3.
  3. الفتوح: 452:2.
  4. الرَّتْق: إلحام الفَتْق وإصلاحه. وشَعْبُ الصدعِ في الإناء: إصلاحه ومُلاءمته. ويَلمُّ بک شعثهم أي: يجمع ما تفرّق منه (انظر لسان العرب: 114:10 و ج 498:1 و ج 161:2).
  5. الکُسَعي: يُضرب به المثل في الندامة، وهو رجل رامٍ رمي بعد ما أسدف الليلُ عَيْراً، فأصابه وظنّ أنّه أخطأه، فکسر قوسة، وقيل: وقطع إصبَعَهُ ثمّ نَدِم من الغد حين نظر إلي العَيْر مقتولاً وسهمه فيه (لسان العرب: 311:8).
  6. الجمل: 229.