اظهار الشكاة











اظهار الشکاة



2106- الإمامة والسياسة: کان الزبير لا يشکّ في ولاية العراق، وطلحة في

[صفحه 112]

اليمن، فلمّا استبان لهما أنّ عليّاً غير مولّيهما شيئاً، أظهرا الشکاة؛ فتکلّم الزبير في ملأ من قريش، فقال: هذا جزاؤنا من عليّ! قمنا له في أمر عثمان، حتي أثبتنا عليه الذنب، وسبّبنا له القتل، وهو جالس في بيته وکفي الأمر. فلمّا نال بنا ما أراد، جعل دوننا غيرنا.

فقال طلحة: ما اللوم إلّا أنّا کنّا ثلاثة من أهل الشوري، کرهه أحدنا وبايعناه، وأعطيناه ما في أيدينا، ومنعَنا ما في يده؛ فأصبحنا قد أخطأنا ما رجونا.

قال: فانتهي قولهما إلي عليّ، فدعا عبداللَّه بن عبّاس وکان استوزره، فقال له: بلغک قول هذين الرجلين؟ قال: نعم، بلغني قولهما. قال: فما تري؟ قال: أري أنّهما أحبّا الولاية؛ فولِّ البصرة الزبير، وولِّ طلحة الکوفة؛ فإنّهما ليسا بأقرب إليک من الوليد وابن عامر من عثمان. فضحک عليّ، ثمّ قال: ويحک، إنّ العراقَين بهما الرجال والأموال، ومتي تملّکا رقاب الناس يستميلا السفيه بالطمع، ويضربا الضعيف بالبلاء، ويقوَيا علي القويّ بالسلطان، ولو کنت مستعملاً أحداً لِضُرّهِ ونفعه لاستعملت معاوية علي الشام، ولولا ما ظهر لي من حرصهما علي الولاية، لکان لي فيهما رأي.[1] .

2107- الإمام عليّ عليه السلام- من کلام له عليه السلام کلّم به طلحة والزبير بعد بيعته بالخلافة، وقد عتبا عليه من ترک مشورتهما والاستعانة في الاُمور بهما-: لقد نقمتما يسيراً، وأرجأتما کثيراً. أ لا تُخبراني، أيّ شي ء کان لکما فيه حقّ دفعتکما عنه؟ أم أيّ قَسْمٍ استأثرت عليکما به؟ أم أيّ حقّ رفعه إليّ أحد من المسلمين ضعفت عنه، أم جهلته، أم أخطأت بابه؟

[صفحه 113]

واللَّه، ما کانت لي في الخلافة رغبة، ولا في الولاية إرْبة،[2] ولکنّکم دعوتموني إليها، وحملتموني عليها، فلمّا أفضَت إليّ نظرت إلي کتاب اللَّه وما وضع لنا، وأمرنا بالحکم به فاتّبعتُه، وما استنّ النبيّ صلي الله عليه و آله فاقتديتُه، فلم أحتج في ذلک إلي رأيکما، ولا رأي غيرکما، ولا وقع حکم جهلته فأستشيرکما وإخواني من المسلمين، ولو کان ذلک لم أرغب عنکما، ولا عن غيرکما.

وأمّا ما ذکرتما من أمر الاُسوة؛ فإنّ ذلک أمر لم أحکم أنا فيه برأيي، ولا وَلِيْته هويً منّي، بل وجدت أنا وأنتما ما جاء به رسول اللَّه صلي الله عليه و آله قد فرغ منه، فلم أحتج إليکما فيما قد فرغ اللَّه من قَسْمه، وأمضي فيه حکمه، فليس لکما- واللَّه- عندي ولا لغيرکما في هذا عُتْبي.[3] أخذ اللَّه بقلوبنا وقلوبکم إلي الحقّ، وألهمنا وإيّاکم الصبر.

ثمّ قال عليه السلام: رحم اللَّه رجلاً رأي حقّاً فأعان عليه، أو رأي جوراً فردّه، وکان عوناً بالحقّ علي صاحبه.[4] .



صفحه 112، 113.





  1. الإمامة والسياسة: 71:1 وراجع الجمل: 164 والمسترشد: 141:418.
  2. أي حاجة (النهاية: 36:1).
  3. العُتْبي: الرجوع من الذنب والإساءة (النهاية: 175:3).
  4. نهج البلاغة: الخطبة 205، بحارالأنوار: 34:50:32؛ المعيار والموازنة: 113 و 114.