دسائس معاوية











دسائس معاوية



2100- شرح نهج البلاغة عن قيس بن عرفجة: لمّا حُصر عثمان أبرد مروانُ بن الحکم بخبره بريدين: أحدهما إلي الشام والآخر إلي اليمن- وبها يومئذٍ يعلي بن منية- ومع کلّ واحد منهما کتاب فيه:

إنّ بني اُميّة في الناس کالشامة الحمراء، وإنّ الناس قد قعدوا لهم برأس کلّ محجّة، وعلي کلّ طريق، فجعلوهم مرمي العُرّ[1] والعَضِيْهة،[2] ومقذف القَشْب[3] .

[صفحه 108]

والأفيکة، وقد علمتم أنّها لم تأتِ عثمان إلّا کرها تجبذ من ورائها، وإنّي خائف إن قتل أن تکون من بني اُمية بمناط الثريّا إن لم نَصِر کرصيف الأساس المحکم، ولئن وَهي عمود البيت لتتداعَيَنّ جدرانُه، والذي عِيب عليه إطعامکما الشام واليمن، ولا شکّ أنّکما تابعاه إن لم تحذرا، وأمّا أنا فمساعف کلّ مستشير، ومعين کلّ مستصرخ، ومجيب کلّ داع، أتوقّع الفرصة فأثب وثبة الفهد أبصرَ غفلة مقتنصة، ولولا مخافة عطب البريد وضياع الکتب لشرحت لکما من الأمر ما لا تفزعان معه إلي أن يحدث الأمر، فجدّا في طلب ما أنتما وليّاه، وعلي ذلک فليکن العمل إن شاء اللَّه....

فلمّا ورد الکتاب علي معاوية أذّن في الناس الصلاة جامعة، ثمّ خطبهم خطبة المستنصر المستصرخ، وفي أثناء ذلک ورد عليه قبل أن يکتب الجواب کتاب مروان بقتل عثمان....

فلمّا ورد الکتاب علي معاوية أمر بجمع الناس، ثمّ خطبهم خطبة أبکي منها العيون، وقلقل القلوب، حتي علت الرنّة، وارتفع الضجيج، وهمّ النساء أن يتسلّحنَ.

ثمّ کتب إلي طلحة بن عبيد اللَّه، والزبير بن العوّام، وسعيد بن العاص، وعبداللَّه بن عامر بن کريز، والوليد بن عقبة، ويعلي بن مُنية؛ وهو اسم اُمّه، وإنمّا أسم أبيه اُميّة.

فکان کتاب طلحة: أمّا بعد؛ فإنّک أقلّ قريش في قريش وتراً، مع صباحة وجهک، وسماحة کفّک، وفصاحة لسانک ؛ فأنت بإزاء من تقدمّک في السابقة، وخامس المبشّرين بالجنة، ولک يوم أحد وشرفُه وفضله، فسارع رحمک اللَّه إلي ما تقلّدک الرعيّة من أمرها ممّا لا يسعک التخلّف عنه، ولا يرضي اللَّه منک إلّا

[صفحه 109]

بالقيام به، فقد أحکمت لک الأمر قبلي، والزبير فغير متقدّم عليک بفضل، وأيّکما قدّم صاحبه فالمقدّم الإمام والأمر من بعده للمقدّم له، سلک اللَّه بک قصد المهتدين، ووهب لک رشد الموفّقين، والسلام.

و کتب إلي الزبير: أمّا بعد؛ فإنّک الزبير بن العوام بن أبي خديجة، وابن عمّة رسول اللَّه صلي الله عليه و آله، وحواريّه وسلفه، وصهر أبي بکر، وفارس المسلمين، وأنت الباذل في اللَّه مهجته بمکّة عند صيحة الشيطان، بعثک المنبعث فخرجت کالثعبان المنسلخ بالسيف المنصلت، تخبط خبط الجمل الرديع،[4] کلّ ذلک قوّة إيمان وصدق يقين، وسبقت لک من رسول اللَّه صلي الله عليه و آله البشارة بالجنّة، وجعلک عمر أحد المستخلفين علي الاُمّة.

واعلم يا أبا عبداللَّه، أنّ الرعيّة أصبحت کالغنم المتفرّقة لغيبة الراعي، فسارعْ رحمک اللَّه إلي حقن الدماء، ولمّ الشعث، وجمع الکلمة، وصلاح ذات البين قبل تفاقم الأمر، وانتشار الاُمّة؛ فقد أصبح الناس علي شفا جرف هار عمّا قليل ينهار إن لم يُرأب،[5] فشمِّر لتأليف الاُمّة، وابتغِ إلي ربّک سبيلاً، فقد أحکمتُ الأمر علي من قبلي لک ولصاحبک، علي أنّ الأمر للمقدّم، ثمّ لصاحبه من بعده، جعلک اللَّه من أئمّة الهدي، وبغاة الخير والتقوي، والسلام.[6] .

2101- شرح نهج البلاغة: بعث [معاوية] رجلاً من بني عميس، وکتب معه کتاباً إلي الزبير بن العوّام وفيه: بسم اللَّه الرحمن الرحيم، لعبداللَّه الزبير أميرالمؤمنين من معاوية بن أبي سفيان، سلام عليک. أمّا بعد؛ فإنّي قد بايعت لک أهل الشام،

[صفحه 110]

فأجابوا واستوسقوا[7] کما يستوسق الجَلَب،[8] فدونک الکوفة والبصرة، لا يسبقک إليها ابن أبي طالب؛ فإنّه لا شي ء بعد هذين المِصرين.

وقد بايعت لطلحة بن عبيد اللَّه من بعدک، فأظهِرا الطلب بدم عثمان، وادعوا الناس إلي ذلک، وليکن منکما الجدّ والتشمير، أظفرکما اللَّه، وخذل مناوئکما!! فلمّا وصل هذا الکتاب إلي الزبير سُرّ به، وأعلم به طلحة وأقرأه إيّاه، فلم يشکّا في النصح لهما من قِبل معاوية، وأجمعا عند ذلک علي خلاف عليّ عليه السلام.[9] .

2102- الإمام عليّ عليه السلام- من خطبته قبل حرب الجمل في شأن طلحة والزبير-: ويا عجباً لاستقامتهما لأبي بکر وعمر وبغيهما عليَّ، وهما يعلمان أنّي لست دون أحدهما، ولو شئت أن أقول لقلت. ولقد کان معاوية کتب إليهما من الشام کتاباً يخدعهما فيه، فکتماه عنّي، وخرجا يوهمان الطَّغام[10] أنّهما يطلبان بدم عثمان.[11] .



صفحه 108، 109، 110.





  1. العُرّة: اللطخ والعيب (کتاب العين: 527).
  2. العَضِيهة: الإفک (المحيط في اللغة: 109:1).
  3. القَشْب من الکلام: الفِرَي؛ يقال: قشَّبنا فلان؛ أي رمانا بأمر لم يکن فينا. وعن ابن الأعرابي: القاشب: الذي يعيب الناس بما فيه (لسان العرب: 673:1).
  4. أي المردوع؛ من رَدَعه إذا کفّه (هامش المصدر).
  5. الرَّأْب: الجمع والشدّ برفق (النهاية: 176:2).
  6. شرح نهج البلاغة: 233:10.
  7. استوسقوا: استجمعوا وانضمّوا (النهاية: 185:5).
  8. الجَلَب: ما جُلِب من خيل وإبل ومتاع (لسان العرب: 268:1).
  9. شرح نهج البلاغة: 231:1.
  10. الطَّغام: من لا عقل له ولا معرفة. وقيل: هم أوغاد الناس وأراذلهم (النهاية: 128:3).
  11. الجمل: 268، بحارالأنوار: 63:32؛ شرح نهج البلاغة: 310:1 عن زيد بن صوحان.الجمل: 268، بحارالأنوار: 63:32؛ شرح نهج البلاغة: 310:1 عن زيد بن صوحان.