مروان بن الحكم











مروان بن الحکم



کان مروان بن الحکم شخصاً مشبوهاً، ورجلاً انتهازيّاً يميل إلي اثارة الفتن والاضطرابات، ويمثّل تجسيداً للشخص المرسوس في أوساط حرکة لا ينسجم مع مسارها ولا يعتقد بقيمها ولا يتماشي مع مُثُلها. وأمثال هؤلاء الأشخاص يُلحقون أضراراً فادحة بالتيّار الفکري أو السياسي الذي ينتمون إليه.

إنّ التأثير العميق الذي کان لمروان علي عثمان من جهة، والرغبة الجامحة في إيجاد حکومة مجرّدة من القيم من جهة اُخري، فضلاً عن عدم اعتقاده بالثقافة الإسلاميّة، جعل له دوراً مهمّاً في التطوّرات التي عصفت بالمجتمع الإسلامي آنذاک.

لقد کان له دور جدير بالتأمّل في تأجيج نار الغضب من جديد في نفوس الثائرين علي عثمان، وتعجيل اضطرام المناحرات حول دار الخلافة.

والمترجَم له هو ابن عمّ عثمان. وُلدَ في مکّة أو في الطائف، ولکن لمّا کان النبيّ صلي الله عليه و آله قد نفي أباه الحکم بن أبي العاص إلي الطائف، فقد ذهب معه إليها؛ لذلک لم يَرَ رسول اللَّه صلي الله عليه و آله.[1] .

وسبب نفي الحَکَم إلي الطائف هو نظره في داخل بيت النبيّ صلي الله عليه و آله، أو استهزاؤه بعمله وسيرته صلي الله عليه و آله.[2] .

[صفحه 99]

لَعَنه رسول اللَّه صلي الله عليه و آله وقال: ويل لاُمّتي ممّا في صلب هذا.[3] وعندما تقلّد عثمان أمر الخلافة، أعاد عمّه وابن عمّه إلي المدينة، وبالغ في إکرامهما[4] وأغدق عليهما الأموال[5] وفسح المجال لمروان أن يتدخّل في شؤون الخلافة؛ فأصبح کاتبه، بل منظّر حکومته حقّاً.

لا ريب أنّ رکون عثمان إلي مروان، وطاعته طاعةً مطلقة کان لها دور مهمّ في قتله.[6] وکان مروان غِرّاً لا حظّ له من آداب الإسلام في المعاشرة؛ لأنّه کان يعيش خارج المدينة منذ طفولته بوصفه طريدَ رسول اللَّه صلي الله عليه و آله.

وجُرح أثناء دفاعه عن عثمان،[7] وضرب علي قفاه فقُطع أحد علباويه، فعاش بعد ذلک أوقص،[8] وکان يلقّب «خيط باطل» لدقّة عنقه[9] ثمّ فرّ بعد مقتل عثمان إلي مکّة، ولحق بالمتمرّدين؛ أي أصحاب الجمل.[10] .

[صفحه 100]

وکان علي الميمنة في حرب الجمل،[11] وله فيها دور ماکر. وقَتل في مَعْمعتها طلحةَ؛ لأنّه کان يحسبهُ قاتلَ عثمان،[12] وجُرح في الحرب،[13] بيد أنّ الإمام عليه السلام عفا عنه،[14] ثمّ التحق بمعاوية،[15] واشترک معه في حرب صفّين.[16] .

تولّي حکم المدينة سنة 42 ه،[17] وهو الذي حال دون دفن الإمام الحسن عليه السلام عند جدّه المصطفي صلي الله عليه و آله.[18] .

تأمّر مروان علي المسلمين بعد يزيد بن معاوية، لکنّه لم يحکم أکثر من تسعة أو عشرة أشهر،[19] فتحقّق فيه کلام الإمام أميرالمؤمنين صلوات اللَّه عليه؛ إذ کان قد شبّه قِصَرَ إمارته ب « لَعْقَة الکَلْبِ أنفَه»،[20] ثمّ تسلّط أبناؤه من بعده، فتأسّس الکيان المروانيّ الذي کان له دور خبيث سيّي ء في تشويه المعارف الإسلاميّة

[صفحه 101]

ودمار المجتمع الإسلاميّ.

هلک مروان سنة 65 ه.[21] .

2095- المعجم الکبير عن ثوبان: إنّ رسول اللَّه قال: اُريت بني مروان يتعاورون[22] منبري، فساءني ذلک.[23] .

2096- المستدرک علي الصحيحين عن أبي هريرة: إنّ رسول اللَّه صلي الله عليه و آله قال: «إنّي اُريت في منامي کأنّ بني الحکم بن أبي العاص يَنْزون[24] علي منبري کما تنزو القردة». قال: فما رؤي النبيّ صلي الله عليه و آله مستجمعاً ضاحکاً حتي توفّي.[25] .

2097- المعجم الکبير عن أبي قبيل: إنّ ابن موهب أخبره أنّه کان عند معاوية بن أبي سفيان، فدخل عليه مروان، فکلّمه في حوائجه، فقال: اقضِ حاجتي يا أميرالمؤمنين، فوَاللَّه إنّ مؤنتي لعظيمة، إنّي أصبحت أبا عشرة، وأخا عشرة، وعمّ عشرة، فلمّا أدبر مروان وابن عبّاس جالس مع معاوية علي سريره، فقال معاوية: أنشدک اللَّه يابن عبّاس، أما تعلم أنّ رسول اللَّه صلي الله عليه و آله قال: «إذا بلغ بنو الحکم ثلاثين رجلاً اتّخَذوا مال اللَّه بينهم دُوَلاً، وعباده خَوَلاً، وکتابه دَغَلاً،[26] فإذا بلغوا

[صفحه 102]

تسعة وتسعين وأربعمائة کان هلاکهم أسرع من الثمرة»؟ قال ابن عبّاس: اللهمّ نعم... قال معاوية: أنشدک اللَّه يابن عبّاس، أما تعلم أنّ رسول اللَّه صلي الله عليه و آله ذکر هذا، فقال: أبو الجبابرة الأربعة؟ قال ابن عبّاس: اللهمّ نعم.[27] .

2098- نهج البلاغة: قالوا: اُخذ مروان بن الحکم أسيراً يوم الجمل، فاستشفع الحسن والحسين عليهماالسلام إلي أمير المؤمنين عليه السلام، فکلّماه فيه، فخلّي سبيله، فقالا له: يبايعک يا أمير المؤمنين؟ فقال عليه السلام: أ وَلم يبايعني بعد قتل عثمان؟ لا حاجة لي في بيعته! إنّها کفّ يهوديّة، لو بايعني بکفّه لغدر بسُبَّته،[28] أما إنّ له إمرةً کَلَعقةِ الکلبِ أنفَه، وهو أبو الأکبُش الأربعة، وستلقي الاُمّة منه ومن ولده يوماً أحمر![29] .



صفحه 99، 100، 101، 102.





  1. اُسد الغابة: 4848:139:5.
  2. أنساب الأشراف: 135:6، الکامل في التاريخ: 647:2، اُسد الغابة: 1217:49:2.
  3. اُسد الغابة: 1217:49:2 و ج 4848:139:5، الاستيعاب: 2399:444:3 وفيهما «ونظر إليه عليّ يوماً فقال: ويلک، وويل اُمّة محمّد منک ومن بنيک! ».
  4. تاريخ اليعقوبي: 164:2 و ص 166؛ مروج الذهب: 343:2، الکامل في التاريخ: 647:2، البداية والنهاية: 257:8.
  5. أنساب الأشراف: 133:6 و ص 136، الطبقات الکبري: 36:5، تاريخ الإسلام للذهبي: 430:3 و 432، الإمامة والسياسة: 50:1.
  6. تاريخ الطبري: 362:4 و 363؛ تاريخ اليعقوبي: 173:2.
  7. الطبقات الکبري: 37:5، الاستيعاب: 2399:444:3.
  8. الوَقْص: قصر في العنق کأنّه ردّ في جوف الصدر (المحيط في اللغة: 467:5).
  9. اُسد الغابة: 4848:140:5، تاريخ الإسلام للذهبي: 230:5، تاريخ المدينة: 1282:4، البداية والنهاية: 260:8.
  10. الإمامة والسياسة: 73:1، الطبقات الکبري: 38:5.
  11. راجع: هويّة روساء الناکثين/مروان بن الحکم.
  12. الطبقات الکبري: 223:3، تاريخ المدينة: 1170:4، الاستيعاب: 1289:319:2، تاريخ الطبري: 509:4.
  13. الطبقات الکبري: 38:5، البداية والنهاية: 244:7.
  14. نهج البلاغة: صدر الخطبة 73؛ الطبقات الکبري: 38:5، أنساب الأشراف: 57:3 و 58، مروج الذهب: 378:2.
  15. أنساب الأشراف: 58:3.
  16. الإصابة: 8337:204:6.
  17. الطبقات الکبري: 38:5، تاريخ الطبري: 172:5، الکامل في التاريخ: 455:2، تاريخ الإسلام للذهبي: 8:4، تاريخ خليفة بن خيّاط: 153 وفيهما «سنة إحدي وأربعين».
  18. تاريخ المدينة: 110:1، البداية والنهاية: 44:8؛ تاريخ اليعقوبي: 225:2.
  19. تاريخ الطبري: 611:5، تاريخ الإسلام للذهبي: 233:5، الاستيعاب: 2399:445:3، اُسد الغابة: 4848:140:5، الإصابة: 8337:204:6 وفيه «قدر نصف سنة».
  20. نهج البلاغة: الخطبة 73.
  21. الطبقات الکبري: 43:5، تاريخ الطبري: 610:5، الکامل في التاريخ: 646:2، مروج الذهب: 97:3، الاستيعاب: 2399:445:3.
  22. تعاوروه: تداولوه فيما بينهم (تاج العروس: 276:7).
  23. المعجم الکبير: 1425:96:2، مقتل الحسين للخوارزمي: 173:1.
  24. نزوت علي الشي ء: إذا وثبت عليه (لسان العرب: 319:15).
  25. المستدرک علي الصحيحين: 8481:527:4، مسند أبي يعلي: 6430:63:6، مقتل الحسين للخوارزمي: 173:1، سير أعلام النبلاء: 14:108:2 نحوه.
  26. دُوَلاً: جمع دَوْلة؛ وهو ما يُتداول من المال؛ فيکون لقوم دون قوم. وخَوَلاً: أي خدماً وعبيداً؛ يعني أنّهم يستخدمونهم ويستعبدونهم. ودَغَلاً: أي يخدعون به الناس، وأصل الدغَل: الشجر الملتفّ الذي يکمنُ أهل الفساد فيه (النهاية: 140:2 و ص 88 و ص 123).
  27. دُوَلاً: جمع دَوْلة؛ وهو ما يُتداول من المال؛ فيکون لقوم دون قوم. وخَوَلاً: أي خدماً وعبيداً؛ يعني أنّهم يستخدمونهم ويستعبدونهم. ودَغَلاً: أي يخدعون به الناس، وأصل الدغَل: الشجر الملتفّ الذي يکمنُ أهل الفساد فيه (النهاية: 140:2 و ص 88 و ص 123).
  28. السُّبّة: الإست، ومعني الکلام محمول علي وجهين: أحدهما: أن يکون ذکر السبّة إهانة له وغلظة عليه.... الثاني: أن يريد بالکلام حقيقة لا مجازاً؛ وذلک لأنّ الغادر من العرب کان إذا عَزَم علي الغَدْر بعد عهد قد عاهده... حَبَق (أي ضرط) استهزاءً بما کان قد أظهره من اليمين والعهد (شرح نهج البلاغة: 147:6).
  29. نهج البلاغة: الخطبة 73 وراجع الخرائج والجرائح: 35:197:1.