استعداد الإمام لحرب معاوية قبل حرب الجمل











استعداد الإمام لحرب معاوية قبل حرب الجمل



2379- تاريخ الطبري عن محمّد وطلحة: استأذن طلحة والزبير عليّاً في العمرة فأذن لهما فلحقا بمکّة وأحبّ أهل المدينة أن يعلموا ما رأي عليّ في معاوية وانتقاضه، ليعرفوا بذلک رأيه في قتال أهل القبلة أ يجسر عليه أو ينکل عنه.... فدسّوا إليه زياد بن حنظلة التميمي- وکان منقطعاً إلي عليّ- فدخل عليه فجلس إليه ساعة ثمّ قال له عليّ: يا زياد تيسّر.

فقال: لأيّ شي ء؟

فقال: تغزو الشام.

[صفحه 350]

فقال زياد: الأناة والرفق أمثل. فقال:


ومن لا يُصانع في أمور کثيرة
يُضرّس بأنياب ويوطأ بمنسم


فتمثّل عليّ وکأنّه لا يريده:


متي تجمع القلب الذکي وصارماً
وأنفاً حميّاً تجتنبک المظالم


فخرج زياد علي الناس والناس ينتظرونه فقالوا: ما وراءک؟ فقال: السيف ياقوم، فعرفوا ما هو فاعل.

ودعا عليّ محمّد ابن الحنفيّة فدفع إليه اللواء، وولّي عبداللَّه بن عبّاس ميمنته، وعمر بن أبي سلمة- أو عمرو بن سفيان بن عبد الأسد- ولّاه ميسرته، ودعا أبا ليلي بن عمر بن الجرّاح ابن أخي أبي عبيدة بن الجرّاح فجعله علي مقدّمته، واستخلف علي المدينة قثم بن عبّاس، ولم يولّ ممّن خرج علي عثمان أحداً، وکتب إلي قيس بن سعد أن يندب الناس إلي الشام، وإلي عثمان بن حنيف والي أبي موسي مثل ذلک، وأقبل علي التهيّؤ والتجهّز، وخطب أهل المدينة فدعاهم إلي النهوض في قتال أهل الفرقة وقال:

إنّ اللَّه عزوجل بعث رسولاً هادياً مهدياً بکتاب ناطق وأمر قائم واضح لا يهلک عنه إلا هالک، وإنّ المبتدعات والشبهات هنّ المهلکات إلّا من حفظ اللَّه، وإنّ في سلطان اللَّه عصمة أمرکم، فأعطوه طاعتکم غير ملويّة ولا مستکره بها، واللَّه لتفعلنّ أو لينقلنّ اللَّه عنکم سلطان الإسلام ثمّ لا ينقله إليکم أبداً حتي يأرز الأمر إليها، انهضوا إلي هؤلاء القوم الذين يريدون يفرقون جماعتکم، لعلّ اللَّه يصلح بکم ما أفسد أهل الآفاق وتقضون الذي عليکم.

فبينا هم کذلک إذ جاء الخبر عن أهل مکّة بنحو آخر وتمام علي خلاف، فقام

[صفحه 351]

فيهم بذلک فقال:

إنّ اللَّه عزوجل جعل لظالم هذه الأمة العفو والمغفرة، وجعل لمن لزم الأمر واستقام الفوز والنجاة، فمن لم يسعه الحقّ أخذ بالباطل، ألا وإنّ طلحة والزبير واُمّ المؤمنين وقد تمالؤوا علي سخط إمارتي، ودعوا الناس إلي الإصلاح، وسأصبر ما لم أخف علي جماعتکم، وأکفّ إن کفّوا، وأقتصر علي ما بلغني عنهم.

ثمّ أتاه أنّهم يريدون البصرة لمشاهدة الناس والإصلاح، فتعبّي للخروج إليهم وقال:

إن فعلوا هذا فقد انقطع نظام المسلمين، وما کان عليهم في المقام فينا مؤونة ولا إکراه، فاشتدّ علي أهل المدينة الأمر فتثاقلوا.[1] .



صفحه 350، 351.





  1. تاريخ الطبري: 444:4.