عمرو بن العاص
[صفحه 309] الأربعة.[1] کان له في الفحشاء عِرقٌ؛ فاُمّه النابغة کانت من البغايا المشهورة. ولمّا ولد عمرو في سنة 50 قبل الهجرة، نسبته اُمّه إلي خمسة، ثمّ اختارت العاص وألحقته به.[2] نشأ عمرو في حجر من کان يهجو النبيّ صلي الله عليه و آله کثيراً، وهو الذي عبّرت عنه سورة الکوثر بالأبتر.[3] وکان الإمام الحسن عليه السلام يقول فيه: ألأمهم حسباً، وأخبثهم منصِباً.[4] . وکان عمرو بن العاص يؤذي النبيّ صلي الله عليه و آله ويهجوه کثيراً في مکّة. وبعد کلّ ما أبداه من عنادٍ وتهتّک لعنه رسول اللَّه صلي الله عليه و آله وقال: اللهمّ إنّ عمرو بن العاص هجاني، وأنت تعلم أنّي لستُ بشاعر، فالعنه مکان کلّ بيت هجاني لعنة.[5] . وعندما هاجر عدد من المسلمين إلي الحبشة، ذهب عمرو بن العاص إلي بلاد النجاشي مبعوثاً من قريش ليُرجعهم، فلم يفلح.[6] . قال ابن أبي الحديد في وصف عمرو بن العاص: وکان عمرو أحد من يؤذي رسول اللَّه صلي الله عليه و آله بمکّة ويشتمه، ويضع في طريقه الحجارة؛ لأنّه کان رسول اللَّه صلي الله عليه و آله يخرج من منزله ليلاً، فيطوف بالکعبة، وکان عمرو يجعل له الحجارة في مسلکه [صفحه 310] ليعثر بها... لشدّة عداوة عمرو بن العاص لرسول اللَّه صلي الله عليه و آله أرسله أهل مکّة إلي النجاشي ليزهّده في الدين، وليطرد عن بلاده مهاجرة الحبشة، وليقتل جعفر بن أبي طالب عنده إن أمکنه قتله.[7] . قاتل المسلمين في حروب متعدّدة إلي جانب المشرکين.[8] . ولمّا أحسّ بقدرة الإسلام المتعاظمة ، أسلم سنة 8 ه قبل فتح مکّة.[9] . کان ملمّاً بفنون القتال. أمّره النبيّ صلي الله عليه و آله في غزوة ذات السلاسل، وفي الجيش أبو بکر، وعمر،[10] وعندما توفّي النبيّ صلي الله عليه و آله کان في مهمّة بعُمان.[11] [12] . أحبّه عمر بن الخطّاب کثيراً، وکان يکرّمه ويبجّله.[13] وفتح ابن العاص مصر في أيّامه، ثمّ ولّاه عليها.[14] . وظلّ والياً عليها في عهد عثمان مدّة، ثمّ عزله عثمان وولّي أخاه لاُمّه عبداللَّه [صفحه 311] ابن سعد بن أبي سرح؛ انطلاقاً من سياسته في تحکيم الاُمويّين.[15] فاغتمّ عمرو لذلک وحقد علي عثمان، وکان له دور مهمّ في تأليب الناس عليه.[16] . وکان ابن العاص داهية، عارفاً بزمانه، ومن جانب آخر کان رَکوناً إلي الدنيا، عابداً لهواه، من هنا کان يعلم جيّداً أنّه لا يمکن أن ينسجم مع أشخاص مثل أميرالمؤمنين عليّ عليه السلام، لذلک ولّي صوب معاوية[17] عندما تقلّد الإمام الخلافة، وهو يعلم أنّ حبّ الدنيا هو الذي حداه علي ذلک، وقال لمعاوية مرّة: إن هي إلّا الدنيا نتکالب عليها...[18] . وهکذا کان، إذ جعل ولاية مصر شرطاً لمؤازرته معاوية.[19] . وکان في حرب صفّين قائداً لجيش الشام، ومستشاراً لمعاوية، وموجّهاً للحرب في ساحة القتال.[20] . [صفحه 312] وکان أسود القلب، أعماه حبّ الدنيا عن رؤية الحقّ، وکان يعرف فضائل أميرالمؤمنين عليه السلام، وطالما صرّح بها.[21] وکذلک کان يعرف عمّار بن ياسر وشخصيّته، ويعتقد بکلام رسول اللَّه صلي الله عليه و آله فيه إذ قال له: «تقتلک الفئة الباغية».[22] ومن جهة اُخري کان يدرک ضعة معاوية ورذالته وتعسّفه. کما کان هو نفسه لا نظير في ضعته وحقارته؛ إذ کشف عورته للإمام أميرالمؤمنين عليه السلام لمّا رأي الموت قد أمسک بخناقه! ! فنجا من الموت بهذه المکيدة التي تمثّل وصمة عارٍ عليه.[23] . وهو صاحب خطّة رفع المصاحف علي الرماح عند اشتداد الحرب، وتواتر الهزائم، فأنقذ جيش الشام من اندحار حتميّ.[24] . ومثّل معاوية في التحکيم، فخدع أبا موسي الأشعري؛ إذ جعل نتيجة التحکيم لمصلحة معاوية،[25] فمهّد الأرضيّة لفتن اُخري. وکان أحد المخطّطين البارعين للسياسة الدعائيّة المناهضة [صفحه 313] لأمير المؤمنين عليه السلام.[26] وإنّ قيامه بتعکير الأجواء، وتضليل الناس، وانتقال المواقف ضدّ أميرالمؤمنين عليه السلام معلم علي لؤمه وقبحه ومکره، وأشار الإمام إلي شي ء من ذلک إشارة بليغة في الخطبة 84 من نهج البلاغة. قاتل ابنُ العاص محمّدَ بن أبي بکر في مصر، فغلبه وأحکم قبضته عليها.[27] . هلک سنة 43 ه.[28] وخلّف ثروة طائلة، ودراهم ودنانير وافرة. وذُکر أنّ أمواله المنقولة بلغت سبعين رقبة جمل مملوءة ذهباً.[29] .
سياسيّ ماکر، ومحتال ماهر، ووجهٌ متلوّن عجيب، وعُدَّ أحد دهاة العرب
صفحه 309، 310، 311، 312، 313.