بلاغ تعميمي للمعتضد العبّاسي











بلاغ تعميمي للمعتضد العبّاسي



2342- تاريخ الطبري- في ذکر وقائع سنة 284 ه-: في هذه السنة عزم المعتضد باللَّه علي لعن معاوية بن أبي سفيان علي المنابر، وأمر بإنشاء کتاب بذلک يُقرأ علي الناس، فخوَّفه عبيد اللَّه بن سليمان بن وهب اضطراب العامَّة، وأنّه لا يأمن أن تکون فتنة، فلم يلتفت الي ذلک... وأمر بإخراج الکتاب الذي کان المأمون أمر بإنشائه بلعن معاوية، فاُخرج له من الديوان، فأخذ من جوامعه

[صفحه 305]

نسخة هذا الکتاب... وفيه بعد الحمد والثناء علي رسول اللَّه صلي الله عليه و آله: وکان ممّن عانده ونابذه وکذّبه وحاربه من عشيرته العددُ الأکثر، والسواد الأعظم، يتلقّونه بالتکذيب والتثريب، ويقصدونه بالأذيّة والتخويف، ويبادونه بالعداوة، وينصبون له المحاربة، ويصدّون عنه من قَصَده، وينالون بالتعذيب من اتّبعه.

وأشدُّهم في ذلک عداوة، وأعظمهم له مخالفة، وأوّلهم في کلّ حرب ومناصبة، لا يُرفع علي الإسلام رايةٌ إلّا کان صاحبَها وقائدَها ورئيسَها في کلّ مواطن الحرب من بدر واُحد والخندق والفتح- أبو سفيان بن حرب وأشياعه من بني اُميّة الملعونين في کتاب اللَّه، ثمّ الملعونين علي لسان رسول اللَّه في عدّة مواطن وعدّة مواضع، لماضي علم اللَّه فيهم وفي أمرهم ونفاقهم وکفر أحلامهم، فحارب مجاهداً، ودافع مکابداً، وأقام منابذاً حتي قهره السيف، وعلا أمر اللَّه وهم کارهون، فتقوّل بالإسلام غير منطوٍ عليه، وأسرّ الکفر غير مقلع عنه، فعرفه بذلک رسول اللَّه صلي الله عليه و آله والمسلمون، وميّز له المؤلّفة قلوبهم، فقبله وولده علي علم منه.

فممّا لعنهم اللَّه به علي لسان نبيّه صلي الله عليه و آله، وأنزل به کتاباً قولُه: «وَ الشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْءَانِ وَ نُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَنًا کَبِيرًا»[1] ولا اختلاف بين أحد أنّه أراد بها بني اُميّة.

و منه قول الرسول عليه السلام وقد رأه مقبلاً علي حمار ومعاوية يقود به ويزيد ابنه يسوق به: لعن اللَّه القائد والراکب والسائق....

و منه ما أنزل اللَّه علي نبيّه في سورة القدر: «لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ»[2] .

[صفحه 306]

من مُلک بني اُميّة.

ومنه أنّ رسول اللَّه صلي الله عليه و آله دعا بمعاوية ليکتب بأمره بين يديه، فدافع بأمره، واعتلّ بطعامه، فقال النبيّ: «لا أشبع اللَّه بطنه». فبقي لا يشبع ويقول: واللَّه ما أترک الطعام شبعاً ولکن إعياءً!

ومنه أنّ رسول اللَّه صلي الله عليه و آله قال: «يطلع من هذا الفجّ رجل من اُمّتي يُحشَر علي غير ملّتي». فطلع معاوية.

ومنه أنّ رسول اللَّه صلي الله عليه و آله قال: إذا رأيتم معاوية علي منبري فاقتلوه.

ومنه الحديث المرفوع المشهور أنّه قال: إنّ معاوية في تابوت من نار في أسفل دَرَک منها ينادي: يا حنّان يا منّان، «ءَآلَْنَ وَ قَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَ کُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ»....[3] .

ثمّ ممّا أوجب اللَّه له به اللعنة قتلُه مَن قتل صبراً من خيار الصحابة والتابعين وأهل الفضل والديانة، مثل عمرو بن الحمق، وحجر بن عديّ، فيمن قتل من أمثالهم، في أن تکون له العزّة والملک والغلبة، وللَّه العزّة والملک والقدرة، واللَّه عزّ وجلّ يقول: «وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ و جَهَنَّمُ خَلِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ و وَأَعَدَّ لَهُ و عَذَابًا عَظِيمًا».[4] .

وممّا استحقّ به اللعنة من اللَّه ورسوله ادّعاؤه زياد بن سميّة جرأةً علي اللَّه! واللَّه يقول: «ادْعُوهُمْ لِأَبَآلِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ»[5] ورسول اللَّه صلي الله عليه و آله يقول: «ملعون

[صفحه 307]

من ادّعي إلي غير أبيه، أو انتمي إلي غير مواليه». ويقول: «الولد للفراش وللعاهر الحَجَر». فخالف حکم اللَّه عزّ وجلّ، وسنّة نبيّه صلي الله عليه و آله جهاراً، وجعل الولد لغير الفراش والعاهر لا يضرّه عهره، فأدخل بهذه الدعوة من محارم اللَّه ومحارم رسوله في أمّ حبيبة زوجة النبيّ صلي الله عليه و آله وفي غيرها من سُفور وجوهٍ ما قد حرّمه اللَّه، وأثبت بها قربي قد باعدها اللَّه، وأباح بها ما قد حظره اللَّه، ممّا لم يدخل علي الإسلام خلل مثله ولم ينَل الدين تبديل شبهُه.

ومنه إيثاره بدين اللَّه، ودعاؤه عباد اللَّه إلي ابنه يزيد المتکبّر الخمّير، صاحب الديوک والفهود والقرود، وأخذه البيعة له علي خيار المسلمين بالقهر والسطوة والتوعيد والإخافة والتهدّد والرهبة، وهو يعلم سفهَه، ويطّلع علي خبثه ورهقه، ويعاين سکرانه وفجوره وکفره.

فلمّا تمکّن منه ما مکّنه منه، ووطّأه له، وعصي اللَّه ورسوله فيه، طلب بثأرات المشرکين وطوائلهم عند المسلمين، فأوقع بأهل الحَرّة الوقيعة التي لم يکن في الإسلام أشنع منها ولا أفحش ممّا ارتکب من الصالحين فيها، وشفي بذلک عَبَدَ[6] نفسه وغليله، وظنّ أنّ قد انتقم من أولياء اللَّه، وبلّغ النوي لأعداء اللَّه، فقال مجاهراً بکفره ومظهراً لشرکه:


ليت أشياخي ببدرٍ شهدوا
جزع الخزرج من وقع الأسلْ


قد قتلنا القرم من ساداتکم
وعدلنا ميل بدر فاعتدلْ


فأهلّوا واستهلّوا فرحاً
ثم قالوا يا يزيد لا تُسلْ


لست من خندفَ إن لم أنتقم
من بني أحمد ما کان فعلْ

[صفحه 308]

ولعت هاشم بالملک فلا
خبر جاء ولا وحي نزلْ


هذا هو المروق من الدين وقول من لا يرجع إلي اللَّه ولا إلي دينه ولا إلي کتابه، ولا إلي رسوله، ولا يؤمن باللَّه، ولا بما جاء من عند اللَّه.

ثمّ من أغلظ ما انتهک وأعظم ما اخترم سفکه دم الحسين بن عليّ وابن فاطمة بنت رسول اللَّه صلي الله عليه و آله، مع موقعه من رسول اللَّه صلي الله عليه و آله، ومکانه منه، ومنزلته من الدين والفضل، وشهادة رسول اللَّه صلي الله عليه و آله له ولأخيه بسيادة شباب أهل الجنّة، اجتراءً علي اللَّه، وکفراً بدينه، وعداوة لرسوله، ومجاهدة لعترته، واستهانة بحرمته، فکأنّما يقتل به وبأهل بيته قوماً من کفّار أهل الترک والديلم، لا يخاف من اللَّه نقمة، ولا يرقب منه سطوة، فبتر اللَّه عمره، واجتثّ أصله وفرعه، وسلبه ما تحت يده، وأعدّ له من عذابه وعقوبته ما استحقّه من اللَّه بمعصيته...[7] .



صفحه 305، 306، 307، 308.





  1. الإسراء: 60.
  2. القدر: 3.
  3. يونس: 91.
  4. النساء: 93.
  5. الأحزاب: 5.
  6. يقال عَبِد يعبَدُ عَبَداً: أي غَضِب غَضَبَ أنَفَة (النهاية: 170:3).
  7. تاريخ الطبري: 54:10. قال الطبري بعد نقل هذا الکتاب: إنّ عبيد اللَّه بن سليمان أحضر يوسف بن يعقوب القاضي وأمره أن يعمل الحيلة في إبطال ما عزم عليه المعتضد، فمضي يوسف بن يعقوب فکلّم المعتضد في ذلک وقال له: يا أميرالمؤمنين! إنّي أخاف أن تضطرب العامّة، ويکون منها عند سماعها هذا الکتاب حرکة. فقال: إن تحرّکت العامّة أو نطقت وضعت سيفي فيها، فقال: يا أميرالمؤمنين فما تصنع بالطالبيّين الذين هم في کلّ ناحية يخرجون ويميل إليهم کثير من الناس لقرابتهم من الرسول ومآثرهم وفي هذا الکتاب إطراؤهم؟ أو کما قال، وإذا سمع الناس هذا کانوا إليهم أميل، وکانوا هم أبسط ألسنةً، وأثبت حجّةً منهم اليوم. فأمسک المعتضد فلم يردّ عليه جواباً ولم يأمر من الکتاب بعده بشي ء (تاريخ الطبري: 63:10)، وقال ابن الأثير: کان عبيد اللَّه- الذي سعي في عدم قراءة هذا الکتاب- من المنحرفة عن عليّ عليه السلام (الکامل في التاريخ: 585:4).