معاوية بن أبي سفيان
ولّاه عمر علي الشام، فانتهج لنفسه اُسلوباً تحکّميّاً سلطويّاً، وضرب علي وتر الاستقلال مذ نُصب والياً عليه، وتساهل معه عمر لأسبابٍ ما.[1] . [صفحه 290] وفي عهد عثمان- الذي کان يتطلّع إلي تسليط الاُمويّين علي الناس- لم يرعوِ معاوية عن ظلمه وجوره، وتمرّغ في ترفه ونعيمه، بلا وازعٍ من ضمير، ولا رادعٍ من سلطان. وإنّ إمارته التي استمرّت عشرين سنة، وأساليبه في تجهيل الناس وتحميقهم، وبثّ الذعر والهلع في نفوسهم، وإبقائهم علي جهلهم؛ کلّ اُولئک مهّد الأرضيّة لکلّ عمل يصبّ في مصلحته بالشام. عزم علي مناوءة الإمام أميرالمؤمنين عليه السلام منذ تولّيه الخلافة، وجدّ کثيراً في [صفحه 291] تحريض طلحة والزبير عليه، وقاد معرکة صفّين ضدّ الإمام عليه السلام. وبعد قضيّة التحکيم أکثر من شنّ الغارات الوحشيّة علي المناطق الخاضعة لحکومة الإمام عليه السلام، وأفسد في الأرض، وأهلک الحرث والنسل. ثمّ تمکّن من فرض الصلح علي الإمام الحسن عليه السلام سنة 41 ه، عبر مکيدة خاصّة، وضجيج مفتعل، فأحکم قبضته علي السلطة بلا منازع، ثمّ طفق يضطهد شيعة أميرالمؤمنين عليه السلام وأنصاره، موغلاً في ذلک، حتي أنّ أقرانه وأتباعه لم يطيقوا ممارساته. وإنّ لقاء المغيرة به، وإخباره عن موقفه العدائي ضدّ الدين الإسلامي الحنيف يترجمان حقده الدفين، کما يدلّان علي غاية خسّته ودَنَسه،[2] وقد أفرط في سبّ الإمام عليه السلام، وعندما طُلب منه أن يکفّ قال: لا واللَّه، حتي يربوَ عليه الصغير، ويهرم عليه الکبير، ولا يذکر ذاکر له فضلاً!![3] . وتستوقفنا المعلومات التي يذکرها ابن أبي الحديد حول طمسه فضائل الإمام، واختلاقه فضائل لنفسه، وسعيه في وضع الحديث، نقلاً عن کتاب الأحداث للمدائني،[4] وغيره من الکتب القديمة، والواقع أنّ کلّ ما قام به يوائم التفکير القيصري والکسروي، ويبتغي تبديل تعاليم الدين. وتعتبر إمامته للصلاة في المدينة، وترکه البسملة، واحتجاج المهاجرين [صفحه 292] والأنصار عليه أدلّة قاطعة علي ما نقول. ومهما يکن فإنّ معاوية تقمّص الخلافة؛ الخلافة الدينيّة التي لا يعتقد بها اعتقاداً راسخاً من أعماق قلبه، وادّعي خلافة من قصد قتاله، ولم يتورّع عن تشويه الدين، ولم يأبهْ لتغيير معارف الحقّ. وأباح لنفسه کلّ عمل من أجل إحکام قبضته علي الاُمور، واستمرار تسلّطه وتحکّمه. هلک معاوية سنة 60 ه، ونصب يزيد حاکماً علي الناس، فخطا بذلک خطوة اُخري نحو قلب الحقائق الدينيّة، وهو ما اشتُهرت آثاره في التاريخ. 2315- مقتل الحسين للخوارزمي عن أحمد بن أعثم الکوفي: إنّ معاوية لمّا حجّ حجّته الأخيرة ارتحل من مکّة، فلمّا صار بالأبواء[5] ونزلها قام في جوف الليل لقضاء حاجته، فاطّلع في بئر الأبواء، فلمّا اطّلع فيها اقشعرّ جلده، وأصابته الَّلقْوة[6] في وجهه، فأصبح وهو لِما به مغموم، فدخل عليه الناس يعودونه، فدعَوا له وخرجوا من عنده، وجعل معاوية يبکي لما قد نزل به، فقال له مروان بن الحکم: أ جزعت يا أميرالمؤمنين؟ فقال: لا يا مروان، ولکنّي ذکرت ما کنت عنه عزوفاً، ثمّ إنّي بکيت في إحَني،[7] وما يظهر للناس منّي، فأخاف أن يکون عقوبة عجّلت لي لما کان من دفعي حقّ عليّ بن أبي طالب، وما فعلت بحجر بن عديّ وأصحابه، ولولا هواي من يزيد لأبصرت رشدي، وعرفت قصدي.[8] . [صفحه 293]
ولد في سنة 20 قبل الهجرة وأسلم سنة 8 ه مُکرهاً تحت بوارق فرسان الإسلام، وعُرف هو وأضرابه ب«الطُّلَقاء».
صفحه 290، 291، 292، 293.