قدوم الإمام إلي الكوفة











قدوم الإمام إلي الکوفة



2303- وقعة صفّين عن عبد الرحمن بن عبيد بن أبي الکنود وغيره: لمّا قدم عليّ بن أبي طالب من البصرة إلي الکوفة يوم الإثنين لثنتي عشرة ليلة مضت من رجب سنة ستّ وثلاثين، وقد أعزّ اللَّه نصره، وأظهره علي عدوّه، ومعه أشراف

[صفحه 275]

الناس وأهل البصرة، استقبله أهل الکوفة وفيهم قرّاؤهم وأشرافهم، فدعوا له بالبرکة وقالوا: يا أميرالمؤمنين، أين تنزل؟ أ تنزل القصر؟ فقال: لا، ولکنّي أنزل الرحبة. فنزلها وأقبل حتي دخل المسجد الأعظم فصلّي فيه رکعتين، ثمّ صعد المنبر فحمد اللَّه وأثني عليه وصلّي علي رسوله وقال:

أمّا بعد؛ يا أهل الکوفة! فإنّ لکم في الإسلام فضلاً ما لم تبدّلوا وتغيّروا. دعوتکم إلي الحقّ فأجبتم، وبدأتم بالمنکر فغيّرتم. ألا إنّ فضلکم فيما بينکم وبين اللَّه في الأحکام والقسم. فأنتم اُسوة من أجابکم ودخل فيما دخلتم فيه. ألا إنّ أخوف ما أخاف عليکم اتّباع الهوي، وطول الأمل. فأمّا اتّباع الهوي فيصدّ عن الحقّ، وأمّا طول الأمل فيُنسي الآخرة. ألا إنّ الدنيا قد ترحّلت مدبرة، والآخرة ترحّلت مقبلة، ولکلّ واحدة منها بنون؛ فکونوا من أبناء الآخرة. اليوم عمل ولا حساب، وغداً حساب ولا عمل. الحمد للَّه الذي نصر وليّه، وخذل عدوّه، وأعزّ الصادق المحقّ، وأذلّ الناکث المبطل.

عليکم بتقوي اللَّه وطاعة من أطاع اللَّه من أهل بيت نبيّکم، الذين هم أولي بطاعتکم فيما أطاعوا اللَّه فيه، من المنتحلين المدّعين المقابلين إلينا، يتفضّلون بفضلنا، ويجاحدونا أمرنا، وينازعونا حقّنا، ويدافعونا عنه. فقد ذاقوا وبال ما اجترحوا فسوف يلقَون غيّاً. ألا إنّه قد قعد عن نصرتي منکم رجال فأنا عليهم عاتب زارٍ. فاهجروهم وأسمِعوهم ما يکرهون حتي يعتبوا، ليُعرف بذلک حزب اللَّه عند الفرقة.

فقام إليه مالک بن حبيب اليربوعي- وکان صاحب شرطته- فقال: واللَّه إنّي لأري الهجر وإسماع المکروه لهم قليلاً. واللَّه لئن أمرتنا لنقتلنّهم. فقال علي: سبحان اللَّه يا مالِ! جزت المدي، وعدوت الحدّ، وأغرقت في النزع! فقال:

[صفحه 276]

يا أميرالمؤمنين! لبعض الغَشْم[1] أبلغ في اُمور تنوبک من مهادنة الأعادي. فقال علي: ليس هکذا قضي اللَّه يا مالِ، قتل النفس بالنفس؛ فما بال الغَشْم؟ وقال: «وَ مَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ ي سُلْطَنًا فَلَا يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ إِنَّهُ و کَانَ مَنصُورًا»[2] والإسراف في القتل أن تقتل غير قاتلک؛ فقد نهي اللَّه عنه، وذلک هو الغَشْم.[3] .

2304- وقعة صفّين عن الأصبغ بن نباتة: إنّ عليّاً لمّا دخل الکوفة قيل له: أيُّ القصرين نُنزلک؟ قال: قصر الخبال لا تُنزلونيه. فنزل علي جعدة بن هبيرة المخزومي.[4] .

[صفحه 277]



صفحه 275، 276، 277.





  1. الغشم: الظلم والغصب (لسان العرب: 437:12).
  2. الإسراء: 33.
  3. وقعة صفّين: 3، الأمالي للمفيد: 127، بحارالأنوار: 337:354:32؛ شرح نهج البلاغة: 102:3 نحوه وراجع المعيار والموازنة: 97.
  4. وقعة صفّين: 5، بحارالأنوار: 337:355:32.