عقر الجمل وتفرّق أصحابه











عقر الجمل وتفرّق أصحابه



2254- الأخبار الطوال: لمّا رأي عليّ لوث[1] أهل البصرة بالجمل، وأنّهم کلّما کشفوا عنه عادوا فلاثوا به، قال لعمّار وسعيد بن قيس وقيس بن سعد بن عبادة والأشتر وابن بديل ومحمّد بن أبي بکر وأشباههم من حماة أصحابه: إنّ هؤلاء لا يزالون يقاتلون ما دام هذا الجمل نصب أعينهم، ولو قد عُقر فسقط لم تثبت له ثابتة.

فقصدوا بذوي الجدّ من أصحابه قصد الجمل حتي کشفوا أهل البصرة عنه، وأفضي إليه رجل من مراد الکوفة يقال له: أعين بن ضبيعة، فکشف عرقوبه[2] بالسيف، فسقط وله رغاء، فغرق في القتلي.[3] .

2255- الجمل عن محمّد ابن الحنفيّة: ثمّ تقدّم [أبي] بين يديّ وجرّد سيفه وجعل يضرب به، ورأيته وقد ضرب رجلاً فأبان زنده، ثمّ قال: الزم رايتک يا بنيّ، فإنّ هذا استکفاء. فرمقتُ لصوت أبي ولحظته فإذا هو يورد السيف ويصدره ولا أري فيه دماً؛ وإذا هو يسرع إصداره فيسبق الدم.

وأحدقنا بالجمل، وصار القتال حوله، واضطربنا أشدّ اضطراب رآه راء حتي

[صفحه 245]

ظننت أنّه القتل. فصاح أبي عليه السلام: يابن أبي بکر اقطع البِطان! فقطعه، وألقي الهودج؛ فکأنّ- واللَّه- الحرب جمرة صبّ عليها الماء.[4] .

2256- مروج الذهب: بعث [عليّ عليه السلام] إلي ولده محمّد ابن الحنفيّة- وکان صاحب رايته-: احمل علي القوم. فأبطأ محمّد بحملته، وکان بإزائه قوم من الرماة ينتظر نفاد سهامهم، فأتاه عليّ فقال: هلّا حملتَ!

فقال: لا أجد متقدّماً إلّا علي سهم أو سنان، وإنّي منتظر نفاد سهامهم وأحمل. فقال له احمل بين الأسِنّة؛ فإنّ للموت عليک جُنّة.

فحمل محمّد، فشکّ بين الرماح والنشاب، فوقف، فأتاه عليّ فضربه بقائم سيفه وقال: أدرکک عِرقٌ من اُمّک! وأخذ الراية وحمل، وحمل الناس معه، فما کان القوم إلّا کرماد اشتدّت به الريح في يوم عاصف.[5] .

2257- الجمل عن محمّد ابن الحنفيّة: نظرت إلي أبي يفرج الناس يميناً وشمالاً، ويسوقهم أمامه... حتي انتهي إلي الجمل وحوله أربعة آلاف مقاتل من بني ضبّة والأزد وتميم وغيرهم، فصاح: اقطعوا البِطان! فأسرع محمّد بن أبي بکر فقطعه، واطّلع علي الهودج، فقالت عائشة: من أنت؟

فقال: أبغض أهلک إليک.

قالت: ابن الخثعميّة؟

قال: نعم، ولم تکن دون اُمّهاتک.

[صفحه 246]

قالت: لعمري، بل هي شريفة، دَع عنک هذا، الحمد للَّه الذي سلّمک.

قال: قد کان ذلک ما تکرهين.

قالت: يا أخي لو کرهته ما قلتُ ما قلت!

قال: کنتِ تحبّين الظفر وأنّي قتلت.

قالت: قد کنت اُحبّ ذلک، لکن لمّا صرنا إلي ما صرنا إليه أحببتُ سلامتک؛ لقرابتي منک، فاکفف ولا تعقّب الاُمور، وخذ الظاهر ولا تکن لومة ولا عذلة، فإنّ أباک لم يکن لومة ولا عذلة.

وجاء عليّ عليه السلام فقرع الهودج برمحه، وقال: يا شقيراء، أبهذا أوصاک رسول اللَّه صلي الله عليه و آله؟!

قالت: يابن أبي طالب قد ملکتَ فأسجِح.[6] .

وجاءها عمّار فقال لها: يا اُمّاه! کيف رأيت ضرب بنيک اليوم دون دينهم بالسيف؟ فصمتت ولم تجِبه.

وجاءها مالک الأشتر وقال لها: الحمد للَّه الذي نصر وليّه، وکبت عدوّه، «جَآءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَطِلُ إِنَّ الْبَطِلَ کَانَ زَهُوقًا»[7] فکيف رأيتِ صنع اللَّه بک يا عائشة؟

فقالت: من أنت ثکلتک اُمّک؟

فقال: أنا ابنکِ الأشتر.

[صفحه 247]

قالت: کذبت لستُ باُمّک.

قال: بلي، وإن کرهتِ.

فقالت: أنت الذي أردت أن تثکل اُختي أسماء ابنها؟

فقال: المعذرة إلي اللَّه ثمّ إليکِ، واللَّه إنّي لولا کنت طاوياً ثلاثةً لأرحتک منه، وأنشأ يقول، بعد الصلاة علي الرسول:


أعائشُ لولا أنّني کنتُ طاوياً
ثلاثاً لَغادَرتِ ابن اختکِ هالکا


غَداةَ يُنادي والرماحُ تَنوشهُ
بآخرِ صوتٍ اُقتلوني ومالِکا


فبکت وقالت: فخرتُم وغلبتُم، «وَکَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَّقْدُورًا».[8] .

ونادي أميرالمؤمنين عليه السلام محمّداً فقال: سَلها: هل وصل إليها شي ء من الرماح والسهام. فسألها، فقالت: نعم، وصل إليّ سهم خدش رأسي وسلمتُ منه، يحکم اللَّه بيني وبينکم.

فقال محمّد: واللَّه، ليحکمنّ اللَّه عليکِ يوم القيامة، ما کان بينکِ وبين أميرالمؤمنين عليه السلام حتي تخرجي عليه وتؤلّبي الناس علي قتاله، وتنبذي کتاب اللَّه وراء ظهرک!!

فقالت: دعنا يا محمّد! وقل لصاحبک يحرسني.

قال: والهودج کالقنفذ من النبل، فرجعت إلي أميرالمؤمنين عليه السلام فأخبرته بما جري بيني وبينها، وما قلت وما قالت. فقال عليه السلام: هي امرأة، والنساء ضعاف العقول،تولَّ أمرها، واحملها إلي دار بني خلف حتي ننظر في أمرها. فحملتها إلي

[صفحه 248]

الموضع، وإنّ لسانها لا يفتر عن السبّ لي ولعليّ عليه السلام والترحّم علي أصحاب الجمل.[9] .

2258- الجمل: لمّا تفرّق الناس عن الجمل أشفق أميرالمؤمنين عليه السلام أن يعود إليه فتعود الحرب، فقال: عَرقِبوا[10] الجمل. فتبادر إليه أصحاب أميرالمؤمنين عليه السلام فعرقبوه، ووقع لجنبه، وصاحت عائشة صيحة أسمعت من في العسکرين.[11] .

2259- تاريخ الطبري عن ميسرة أبي جميلة: إنّ محمّد بن أبي بکر وعمّار بن ياسر أتيا عائشة وقد عُقر الجمل، فقطعا غُرضة[12] الرحل، واحتملا الهودج فنحّياه، حتي أمرهما عليّ فيه أمره بعد، قال: أدخلاها البصرة. فأدخلاها دار عبداللَّه بن خلف الخزاعي.[13] .



صفحه 245، 246، 247، 248.





  1. لاث بالشي ء: إذا أطاف به، وفلان يلوث بي: أي يلوذ بي (لسان العرب: 187:2).
  2. العُرقوب: هو الوَتَر الذي خلف الکعبين بين مفصل القدم والساق من ذوات الأربع (النهاية: 221:3).
  3. الأخبار الطوال: 150.
  4. الجمل: 360 وراجع ص 374 و 375 ومروج الذهب: 375:2.
  5. مروج الذهب: 375:2.
  6. أي قدَرْت فسهّل وأحسن العفو، وهو مثل سائر (النهاية: 342:2).
  7. الإسراء: 81.
  8. الأحزاب: 38.
  9. الجمل: 368 وراجع الأمالي للمفيد: 8:24 والمناقب لابن شهر آشوب: 161:3 وتاريخ الطبري: 519:4 و ص 533 والأخبار الطوال: 151 ونهاية الأرب: 78:2.
  10. تعرقبها: تقطع عرقوبها، والعرقوب هو الوتر الذي خلف الکعبين بين مفصل القدم والساق من ذوات الأربع (النهاية: 221:3).
  11. الجمل: 350؛ تاريخ الطبري: 519:4، الکامل في التاريخ: 343:2 کلاهما نحوه وراجع مروج الذهب: 376:2 والأخبار الطوال: 150 وشرح نهج البلاغة: 262:1 والإمامة والسياسة: 98:1.
  12. الغَرْض: حزام الرحل، والغُرضة کالغَرْض (لسان العرب: 193:7).
  13. تاريخ الطبري: 533:4 وراجع الکامل في التاريخ: 346:2 والبداية والنهاية: 245:7 والفتوح: 485:2.